“التايم” و”الإيكونوميست”… كيف ساهم البيت الأبيض في تفاقم أزمة كورونا؟
يوضح التقرير الآتي عرضًا لمقال الكاتبة “هايلي إدواردز” المنشور في مجلة “تايم” بتاريخ 19 مارس، وكذلك مقال نشرته مجلة “إيكونوميست” بتاريخ 11 أبريل عن ارتكاب إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” العديد من الأخطاء بشأن التعامل مع فيروس كورونا المنتشر في جميع الولايات المتحدة رغم وعوده للمواطنين –حينما تولى منصبه في يناير 2017- بتحفيز الشركات المصنعة على إنتاج أجهزة للتنفس الصناعي بتكلفة قليلة، بالإضافة إلى إنتاج 20 مليون قناع للوجه قابل لإعادة الاستخدام إذا كانت البلاد بحاجة إليها.
ووفقًا لمجلة “إيكونوميست”، فإنه من المرجح أن يضرب فيروس كورونا الولايات المتحدة بشدة وخاصة مع ارتفاع حالات الإصابة والوفيات الناجمة عنه لتتجاوز بذلك الصين وإيطاليا في عدد الإصابات، وفيما يلي أبرز نقاط الضعف التي برزت خلال فترة مكافحة البيت الأبيض لكورونا.
التقليل من أهمية وتأثير فيروس كورونا على الولايات المتحدة
أصر الرئيس “ترامب” قبل أربعة أسابيع على اعتبار فيروس كورونا أقل خطورة من الإنفلونزا الموسمية مما يدل على مدى تقليله لخطورة الأزمة الراهنة وتداعياتها على الاقتصاد الأمريكي، كما قام بتأجيل اتخاذ العديد من القرارات المهمة والإجراءات الوقائية الرامية إلى إبطاء وتيرة انتشار الوباء.
وقلل “ترامب” من أهمية الفيروس حينما نشر في السابع من فبراير تغريدة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قائلًا فيها أنه يعتقد أن كوفيد-19 يُمكن أن يضعف مع ارتفاع درجات الحرارة رغم تأكيدات علماء وخبراء الأوبئة أن معرفة ذلك بدرجة عالية من اليقين ما زال أمرًا سابقًا لأوانه.
وأوضحت صحيفة (تايمز) أن الرئيس “ترامب”، كان بإمكانه تجنيب الولايات المتحدة الكثير من الخسائر الناجمة عن انتشار كورونا، لو استجاب للتحذيرات المبكرة التي توصل بها من خبراء في الصحة، فبعد أسابيع قليلة من بدء تفشي المرض في مقاطعة “هوبي” الصينية في ديسمبر الماضي، حذر مسؤولو الصحة الأمريكيون “ترامب” من خطورة التهديد.
ولكن في أول تعليق علني له حول الفيروس، في الثاني والعشرين من يناير، أعرب “ترامب” عن عدم قلقه بشأن كورونا، مؤكدًا أن كل شيء تحت السيطرة بشكل كامل، وطوال شهر فبراير، رفض إنذار الديمقراطيين بشأن الفيروس باعتباره “خدعة جديدة”، كما ألقى باللوم على سياسة الحزب الديمقراطي للحدود المفتوحة في انتشار المرض ولكن حدثت مفاجأة كبرى بعد ذلك، ألا وهي تسجيل أول وفاة ناتجة عن الفيروس على الأراضي الأمريكية في التاسع والعشرين من فبراير.
وفي الوقت الذي أكد فيه علماء الأوبئة وخبراء الأمراض المعدية أهمية خضوع المواطنين الأمريكيين للحجر الذاتي وإلغاء الأحداث الاجتماعية، ردد العديد من مؤيدي الرئيس في وسائل الإعلام والكونجرس أنه ليس هناك داعٍ لاتباع مثل هذه الإجراءات في الوقت الحالي.
وفي غضون ذلك، استمر المرض في الانتشار في جميع أنحاء البلاد، ولم يتم اكتشافه إلا بعد فوات الأوان؛ إذ أجرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أقل من 500 اختبار خلال شهر فبراير بأكمله وذلك بالتزامن مع قيام دول أخرى بتتبع المرض واتخاذ إجراءات تساهم في منع حدوث إصابات جديدة عن طريق إجراء فحوصات على عشرات الآلاف من الأشخاص. ورغم حدوث كل هذه التطورات، إلان أن الرئيس “ترامب” لم يحمل نفسه مسؤولية ما حدث، خاصة عندما قال في الثالث عشر من مارس في تصريحات صحفية: “أنا لا أتحمل المسؤولية على الإطلاق”.
ومع غياب الإجراءات الحكومية الشاملة، تحرك حكام الولايات بسرعة لإعلان حالات الطوارئ الصحية وإغلاق المدارس وكافة المتاجر التي تقدم سلع وخدمات غير أساسية، فضلًا عن إلغاء الفعاليات والأحداث العامة التي تتطلب حضور عدد كبير من الأفراد.
ومن الممكن أن نُرجع أحد أسباب بطء استجابة “ترامب” إلى مخاوفه تجاه مدى تأثير الفيروس والإجراءات اللازمة لإيقافه على الحياة الاقتصادية وتداول الأسهم في البورصة، فضلًا عن وجود حالة من القلق بشأن تدهور النشاط الاقتصادي.
وعقب انخفاض الأسهم في “وول ستريت” بنحو 12% حيث شهدت البورصات الأمريكية حركات بيعية ضخمة مع انتشار حالة من الهلع بين المواطنين، بدأ “ترامب” في إدراك المخاطر التي تشكلها أزمة كورونا كما حث الأمريكيين على الابتعاد عن الحانات والمطاعم وتجنب اجتماع أكثر من عشرة أشخاص، بالإضافة إلى توقيعه نهاية الشهر الماضي على مشروع قانون يخصص حزمة تحفيزية بقيمة تريليوني دولار من أجل مساعدة الأفراد والشركات والقطاعات الاقتصادية التي تعاني بفعل انتشار الفيروس. ورغم اعتبار هذه الإجراءات خطوات إيجابية، إلا أن مسؤولي البيت الأبيض يعترفون بشكل خاص بأنهم تأخروا أسابيع حتى أدركوا حجم المخاطر التي يفرضها الفيروس.
ومن المنتظر أن يلعب الرئيس دورًا محوريًا في استجابة الولايات المتحدة الناجحة لهذا الوباء. وإذا فعل ذلك، فسيكون ذلك بفضل الخبراء والعلماء والاقتصاديين والمحافظين وقادة المجتمع والمواطنين العاديين.
نقص الإمدادات الطبية اللازمة لعلاج المرضى المصابين بكورونا
تتركز استجابة البيت الأبيض الحالية على إرسال الإمدادات الطبية اللازمة إلى الولايات التي يتفشى فيها الفيروس بشكل أكبر ولكن على ما يبدو أن هذا الأمر لم يكن كافيًا لمواجهة الفيروس المستجد بسبب تجاهل إدارة “ترامب” للنقص المقلق في الإمدادات الطبية الأساسية مثل الأقنعة وأسرّة المستشفيات وأجهزة التنفس اللازمة للتعامل مع الزيادة المتوقعة في عدد المرضى الذين يحتاجون إلى دخول المستشفى.
وبناء على ما سبق، انتقد حكام ولايات “كنتاكي” و”أوهايو” و”لويزيانا” و”واشنطن” و”ميشيجان” و”إلينوي” و”نيويورك” و”أركنساس” بطء استجابة الحكومة الفيدرالية حيال انتشار الفيروس؛ إذ أكدوا عدم كفاية المعدات الطبية الموجودة لديهم لعلاج جميع المصابين مما أسفر عن تنافس الولايات ضد بعضهم البعض لتأمين الإمدادات اللازمة.
ولهذا يجتمع حكام الولايات المتضررة من الفيروس بشكل دوري لدراسة إمكانية استيراد معدات طبية من الصين في ظل انتظار قيام الحكومة الفيدرالية باتخاذ عدة إجراءات هامة تساعدهم على تجاوز تلك الأزمة.
وللرد على الانتقادات السابقة، نقلت وكالة “سبوتنيك” تصريحًا لـ “ترامب” يؤكد فيه إرسال كميات ضخمة من الإمدادات الطبية والمراكز الطبية المتنقلة إلى الولايات مباشرة ولكنه استطرد قائلًا: “يبالغ البعض في طلب المعدات الطبية ولن يرضيهم أي شئ على الإطلاق”، كما أشار إلى أهمية استعداد حكام الولايات للأزمة قبل حدوثها باحتياطات خاصة بهم.
وكان “جون بولوفيك”، الذي يقود فرقة العمل التابعة لسلسلة التوريد التابعة لإدارة الطوارئ الفيدرالية وتوزيع الإمدادات عبر الولايات المتحدة، قد صرح بأن توزيع الإمدادات الطبية على الولايات والمستشفيات الطبية لا يزال يتم من قبل الشركات الخاصة بدلًا من الحكومة الفيدرالية.
وتكمن المشكلة الأساسية حاليًا في عدم اقتصار حالة الطوارئ على ولاية واحدة أو اثنين، ولهذا تتنافس العديد من الولايات على عدد محدود من الأجهزة الطبية مما يعني تزايد الطلب بشكل مستمر مقابل عدد محدود من المعروض، هذا إلى جانب الطلب القادم من المدن والمستشفيات ودور الرعاية مما يزيد من المسؤولية الموضوعة على عاتق إدارة الرئيس “ترامب”.
ونجد أنه في الآونة الأخيرة اتجه “ترامب” لتشجيع شركات صناعة السيارات لاستخدام مصانعها لإنتاج أجهزة التنفس الصناعي الضرورية لتجاوز أزمة كورونا، فضلًا عن تفعيل قانون الدفاع الوطني الذي يجبر شركات القطاع الخاص مثل “جنرال موتورز” على المساعدة في إنتاج هذه الأجهزة.
عدم المساواة بين الولايات في توزيع الإمدادات الطبية
بالإضافة إلى ما سبق، تتمثل المشكلة الثالثة في اتباع الحكومة الفيدرالية نظام المحاباة عن طريق قيامها بتوزيع المعدات الطبية النادرة على الولايات التي يتقرب حكامها بشكل خاص من الرئيس “ترامب”؛ إذ حصلت ولايتا “كنتاكي” و”فلوريدا” على معظم احتياجاتها من الأدوات الطبية اللازمة في حين لم تحصل ولاية “ماساتشوستس” على ذلك. ومن هنا يُمكن القول إن الرئيس “دونالد ترامب” قد خلط بين الأمور الصحية والإنسانية ونظيرتها السياسية.
كما قدم “ترامب” العديد من النصائح الطبية الخاطئة والتي تتمثل آخرها في استخدام لقاح مضاد لمرض “الملاريا” لعلاج فيروس كورونا، ولم يكتف بذلك وحسب، بل انتقد أراء الخبراء والعلماء المناهضة لرأيه الشخصي، كما ألقى باللوم على منظمة الصحة العالمية في الأخطاء التي ارتكبتها إدارته، وهدد بوقف تمويلها.
أخطاء سابقة ساهمت في تفاقم الأزمة
ما يدل على افتقار إدارة “ترامب” لأي رؤية مستقبلية للتعامل مع الأزمات المحتملة، السماح لمستشار الأمن القومي “جون بولتون” في مايو 2018 بإيقاف خدمات وحدة الأمن الصحي العالمية التابعة لمجلس الأمن القومي.
كما عانى خبراء الصحة الأمريكيين من نقص الدعم اللازم منذ فترة طويلة؛ إذ تم خفض حجم تمويل مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بمقدار الثلث، كما تم تقليص المساعدات المالية المخصصة لبرنامج التأهب للمستشفيات في مجال الخدمات الصحية والإنسانية إلى النصف مما خفض من قدرتها على اتخاذ ردة الفعل المناسبة عند ظهور أي وباء.
وبين عامي 2008 و2019، فقدت الإدارات الصحية المحلية وبالولايات أكثر من 50 ألف وظيفة أي ربع قوتها العاملة، وفقًا للرابطة الوطنية لمسؤولي الصحة بالمقاطعات والمدن.