كورونا

كيف سيؤثر فيروس كورونا على قطاع الطيران في أوروبا

أثرت الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها دول العالم لاحتواء فيروس كورونا – والتي شملت إغلاق الحدود ومنع السفر- على قطاع الطيران حيث انخفض الطلب على السفر، وفي ظل استمرار تفشي الفيروس، أضطرت شركات الطيران لوقف أساطيلها بشكل شبه تام، في وضع بلغ من الصعوبة أن يصف رئيس الاتحاد الممثل لشركات الطيران العالمية الأزمة بأنها “أعمق أزمة على الإطلاق” يواجهها القطاع.

ووفقاً لتحليل كشفه موقع “بيزنس انسايدر” الأمريكية، فإن قطاع الطيران يمر بأسوأ أزمة في تاريخه بسبب الجائحة التي أرغمت الشركات خلال بضعة أسابيع على تعليق غالبية رحلاتها، وتعرضت البعض الأخر للإفلاس والانهيار. وترى أكثر السيناريوهات تفاؤلاً أنه بعد أنتهاء الجائحة  لن تعود مستويات الطلب على الطيران قبل منتصف عام 2021 على الأقل. ولن تعود كما كانت عليه قبل الأزمة.

توقعات خبراء الصناعة لقطاع الطيران تبدو قاتمة، حول الشركات التي ستنجو من الأزمة، وعدد الأشخاص الذين سيرغبون في السفر، ونوعية الإجراءات الجديدة التي ستتخذها شركات الطيران في المستقبل. وأكثر الشركات تأثراً بالأزمة هي شركات طيران السفر الرخيص مثل “إيزي جت” و”رايان إير” حيث قررت خفضاً جذرياً في رحلات الطيران إلى دول أوروبا في ظل الإغلاق الكامل لدول مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا. ولا يزال من السابق لأوانه التكهن بما ينتظرهما في المستقبل، ولكن من المرجح أن تعود حركة جميع الطائرات مع انخفاض حركة السفر، وسيتعين عليهما تكييف كلاً من قدرتهما ونماذج أعمالهما. وتقوم الشركتان حاليًا بمراجعة السيناريوهات التي ستستخدمها لتعديل حجم ونمذجة أعمالها.

من بين الأشياء المعرضة للخطر الرحلات الجوية الرخيصة في أوروبا، والتي توفر قيام رحلات جوية بانتظام مقابل بضعة دولارات فقط. حيث أدت القيود المفروضة على الطيران، ووجود عدد كبير من الشركات المتنافسة إلى انخفاض أسعار الطيران، ففي كثير من الأحيان قد تصل تكلفة رحلة الطيران في أوروبا خارج أوقات الذروة حوالي 100 يورو (109 دولار)

وخسائر قطاع الطيران المتوقعة ليست بسبب توقف الرحلات الجوية الرخيصة، ولكن بسبب تراجع نشاط السياحة، وتنقلات الأشخاص في جميع أنحاء العالم. وقال جون ستريكلاند، مستشار صناعة الطيران: “لقد نمت هذه الأسواق بشكل كبير لأن العديد من الأشخاص الذين لم يتمكنوا من تحمل تكاليف السفر من قبل قد فعلوا ذلك سواء كان ذلك لزيارة الأصدقاء أو العائلة”.

تحديات صعبة تواجه قطاع الطيران

ذكرت صحيفة آيرش تايمز، أن خطوط ” رايان إير” تقوم حاليا بتشغيل ما يقل عن 20 رحلة جوية في اليوم، وهو ما يمثل أقل من 1% من طاقتها حيث كانت تقوم بتشغيل 2500 رحلة يومياً. كما أعلنت شركة “إيزي جيت” البريطانية تعليق رحلاتها بالكامل، ومنحت موظفيها البالغ عددهم 4000 موظف أجازة لمدة شهرين.

واتفقت إيزي جيت مع شركة إيرباص على تأخير تسليم 24 طائرة جديدة حيث تحاول شركة الطيران تجنب تمرد المساهمين بقيادة مؤسسها والرئيس التنفيذي السابق، ستيليوس حاجي ايوانو. وقد دعا إلى اجتماع للمساهمين لإزالة اثنين من مديري إيزي جيت إذا لم تلغ شركة الطيران أوامر تخفيض 4.5 مليار جنيه استرليني المخطط لها في إنفاقها. وقد حصلت الشركة على قرض بقيمة 600 مليون جنيه استرليني من وزارة الخزانة البريطانية وقالت إنها سترفع احتياطياتها النقدية إلى 2.3 مليار جنيه إسترليني.

ويرى المحللون أن شركة “رايان اير”، هي أفضل شركات الطيران وضعاً في أوروبا لما لديها من احتياطي نقدي يصل إلى 4 مليار يورو وهو ما يكفي لمدة 18 شهرًا. ويرى د. “ديفيد وارنوك سميث”، مستشار النقل الجوي ورئيس الطيران في جامعة باكينجهام في المملكة المتحدة، أن “عدد قليل فقط من شركات النقل في جميع أنحاء العالم، لديها احتياطيات نقدية كبيرة.”

تداعيات الأزمة على قطاع الطيران

قد تؤدي الأزمة إلى ارتفاع تكلفة الرحلات، أو تغييرات في طريقة تشغيل الرحلات والاجراءات الاحترازية التي ستتخذها فيما بعد. و قال “أندرو تشارلتون”، المحلل في مجال الطيران، لـ”بيزنس إنسايدر” أن انخفاض النشاط الاقتصادي والطلب على الرحلات يمكن أن يتسبب في انهيار العديد من شركات الطيران. ففي الولايات المتحدة تسيطر أكبر أربع شركات طيران منذ 2018، على ما يزيد من 80% من السوق ، بينما تسيطر في أوروبا أربع شركات على 40٪ من السوق فقط. ويرى تشارلتون أن ما سيحدث هو وجود عدد أقل من شركات الطيران، وهو ما سيقابله ارتفاع في الأسعار.

وقال “وارنوك سميث إن أسعار الطيران في أوروبا أصبحت رخيصة للغاية لأن هناك العديد من الشركات “العرض فيها أعلى من الطلب، مما أدى إلى وجود فائض، وهو ما يؤدي إلى تراجع الأسعار”. وقال إذا انهارت شركات الطيران، ومن ثم ارتفع الطلب على الرحلات مرة أخرى ، “قد نشهد ارتفاعا في التكلفة، لأن الطلب في هذه الحالة يفوق العرض.

وقد أدت الأزمة إلى توقف بعض شركات الطيران الأوروبية، مثال شركة لوفتهانزا الألمانية حيث لجأت بعد تعرضها لسلسلة من الخسائر، إلى تقليص مجلس الإدارة وإعادة هيكلة الأقسام وتوزيع المهام داخل الشركة. وقال كارستن سبور الرئيس التنفيذي لمجموعة لوفتهانزا الألمانية للطيران، أكبر شركة طيران في أوروبا، إن المجموعة تخسر مليون يورو كل ساعة، نتيجة الظروف الصعبة التي يمر بها العالم، وقيود السفر بسبب تفشي فيروس كورونا.

وقال سبور:”نحن نخسر مليون يورو من احتياطي السيولة لدينا كل ساعة، ومضطرون أن نلجأ الآن إلى الدولة لمساعدتها من خلال الحكومة الفيدرالية بعد مرو 25 عاماً على خصخصة الشركة، فحجم اعمال الشركة اليومى في الوقت الحالي انخفض من 350 ألف راكب إلى 3 آلاف راكب”.

ومن المفترض أن تؤدي هذه الأزمة إلى قيام بعض شركات الطيران الصغيرة إلى إجراء تغيير بعض سياستها، وقال ستريكلاند إن شركات الطيران المعرضة أكثر للخسارة قد تقوم بتخفيض أسعارها لجذب عملاء أكثر، وهو ما قد يحدث خللاً في اقتصاديات الطيران، يمكن لشركة طيران ناجحة أن تطرح تذكرة بسعر معين في السوق، ومن ثم يمكن لشركة طيران مفلسة مالياً وغير مسؤولة أن تطرح تذاكر بأسعار أقل”.

وما يهدد قطاع الطيران أيضاً في المستقبل، هي إجراءات التباعد الاجتماعي، التي من الصعب توافرها في الطائرات، وقد أوصى أحد المحللين في وول ستريت بإزالة المقاعد الوسطى في الطائرات. لكن وارنوك سميث يرى أن إجراءات التباعد سيترتب ليها خسائر مالية لشركات الطيران.

يرى وارنوك سميث أنه بعد انتهاء الوباء ستكون هناك حالة من عدم اليقين والرغبة في السفر، وبعد مرور فترة من الوقت ستعود الأوضاع إلى طبيعتها وسيتعافى القطاع مرة أخرى، كما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر. أما الدول التي ستكون أكثر تأثراً بالأزمة هي إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، فمن غير المعروف كيف سيكون حالة قطاع السياحة فيها.

وقال ستريكلاند إن استجابة شركات الطيران لأزمات، مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أو الأزمة المالية لعام 2008 ، هي التي حددت مجموعة من الأسعار المحفزة للمسافرين.

ومن أبرز التغيرات التي سيشهدها قطاع الطيران بعد تخطي جائحة كورونا

البحث عن تذاكر طيران بسعر أقل وطائرات فارغة: سيشعر الأشخاص براحة أكثر في السفر جواً على متن الطائرات الأقل ازدحاما وبأسعار منخفضة. وأعلنت العديد من شركات النقل عن خطط لإلغاء بعض خدمات الطعام والشراب ومقاعد صف الوسط لخفض التكاليف وتقليل الاختلاط على متن الطائرات. والسفر بهدف العمل سينتعش أولاً، ثم يليه السفر الترفيهي المحلي.

السفر بهدف العمل قد يحفز الانتعاش لشركات الطيران: في حين أن العديد من الشركات قد تعتاد على إجراء الاجتماعات عن بعد خلال هذه الفترة، يتوقع أن تساعد الرغبة في التعاملات شخصياً على تحفيز شركات الطيران على التعافي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى