إسرائيل

انتفاضة يهود الفلاشا ضد العنصرية الإسرائيلية

اجتاحت شوارع إسرائيل موجة من الاحتجاجات التي قام بها اليهود من أصل إثيوبي داخل إسرائيل، أو كما يطلق عليهم “يهود الفلاشا”. واندلعت تلك الاحتجاحات إثر مقتل شاب إثيوبي يدعى ” سلومون تيكاه “، 19 عام، برصاص ضابط شرطة إسرائيلي خارج الخدمة. وأكد العديد من  المتظاهرين أن الواقعة لم تكن هي السبب الوحيد للكشف عن غضب يهود الفلاشا، فلطالما عانوا من الاضطهاد و التمييز المُتَعَمد الذي يمارس ضدهم من قبل السلطات الإسرائيلية، فضلاً عن معاناتهم داخل المجتمع الإسرائيلي وعدم حصولهم على حقوقهم الأساسية باعتبارهم مواطنون من الدرجة الثانية.

يهود الفلاشا داخل إسرائيل

الفلاشا هم المهاجرون من إثيوبيا ويطلق عليهم بيتا يسرائيل أو يهود ” بيت إسرائيل”. ولفظ الفلاشا الذي أطلق على اليهود الإثيوبيين هو اسم يحمل بعض معاني الاحتقار ؛ كونه يعني باللغة الامهرية “المنفيون” أو “الغرباء”.  والفلاشا هم اليهود الذين تم نقلهم سرا في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين في نطاق ما سمي ب “عملية موسى” و “عملية سليمان” خلال عامي 1990-1991، ويقدر عددهم الآن بما يقرب 140 ألف، ويقيم أغلبهم داخل إسرائيل في الضفة الغربية بمستوطنة كريات أربع بالقرب من الخليل.

وقد عانى يهود الفلاشا منذ قدوهم للدولة العبرية من التمييز والاضطهاد، فلا يتمتعون بالحقوق الأساسية داخل المجتمع الإسرائيلي مثل التعليم و الحصول على وظائف، وبشكل عام يتم التعامل معهم كمواطنون من الدرجة الثانية؛ ولعل أبرز الدلائل على ذلك واقعة قام فيها أحد المراكز الطبية الإسرائيلية بإلقاء دم تبرعت به نائبة من أصل إثيوبي في القمامة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن بعض الحاخامات حرموا تبرع الإسرائيليين من أصل إثيوبي بالدم في المراكزالطبية والمستشفيات.

ويتهم اليهود الإثيوبيون الإسرائيليين البيض بالتمييز في المعاملة ضدهم ويصفون ما يتعرضون له ب “تمييز عنصري نظامي ممنهج”. وقد أعادت الواقعة الأخيرة الأنظار لوضع يهود الفلاشا في إسرائيل والموزعين على 19 بلدة بإسرائيل والذين يعانون من الفقر وارتفاع نسب البطالة والتمييز اليومي في معاملتهم ذلك بالإضافة إلى عدم الاهتمام الكافي بالأمور الصحية والتعليمية والخدمية والبنى التحتية ‏ في القرى المقيمين بها؛ وجدير بالذكر أوضاعهم المتدهورة نتج عنها ارتفاع نسب المجرمين من بينهم، حيث بلغت نسبة المعتقلين الجنائيين بينهم إلى نحو 40% ، خصوصا من الشباب.

وفيما يخص التعامل الرسمي مع يهود الفلاشا، فإن دخل الأسرة منهم تقل بنسبة 40٪ عن الدخل المتوسط للعائلة اليهودية في إسرائيل، ولا يحصل سوى نصف الشباب من أصل يهودي إثيوبي على شهادة التعليم الثانوي، كما أنه لا يسمح لهم بامتلاك بيوت في أحياء من مدن معينة، ويحرم أطفالهم من الالتحاق  بمدارس معينة أيضا، ويتم منحهم أجورا أقل في مجالات العمل، كما أنهم لا يحصلون على فرصا متكافئة في هذه المجالات. لذا فالفلاشا يلجأون كل فترة لتنظيم التظاهرات للاحتجاج على أوضاعهم داخل إسرائيل ويصطدمون بالسلطات الرسمية بين فترة وأخرى مطالبين بالمساواة والعدل وتحسين ظروف حياتهم.

ووفقا لمنظمة المشروع الوطني الإثيوبي التي تعنى بالمطالب الاجتماعية والتعليمية ليهود إسرائيل الإثيوبيين، فإن 40 % من الأسر الإثيوبية تعيش تحت خط الفقر، كما أن 45% من اليهوديات الإثيوبيات في إسرائيل لا يحصلن على شهادات دراسية، كما أن أغلبية الأسر الإثيوبية عاجزة ماديا عن دعم أبنائها للالتحاق بالجامعات أو لتعلم مهنة.

الاحتجاجات الحالية

تعرض شاب إسرائيلي من أصول إثيوبية يدعى سلومون تيكاه لإطلاق النار خلال شجار، من قبل ضابط إسرائيلي خارج الخدمة، وتم اعتقال الشرطي الذي قام بإطلاق النار على تيكاه بشبهة القتل. وفي وقت لاحق، أفرجت محكمة الصلح في حيفا عنه وأمرت بوضعه رهن الحبس المنزلي، وزعم الشرطي أنه فتح النار لأنه اعتقد أنه في خطر فصوب مسدسه للأسفل، لكن الرصاصة ارتدت من الأرض وأصابت تيكاه.

وإثر مقتل تيكاه، اندلعت مظاهرات في أنحاء إسرائيل و اعتقلت الشرطة الإسرائيلية أكثر من 200 متظاهر بعد أن تم توثيق مشاركتهم في التظاهرات وأعمال الاحتجاج عبر كاميرات المراقبة 

في المقابل، ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية  أن مصادر في الأجهزة الأمنية لا تستبعد تدخلاً خارجياً، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لتغذية التظاهرات وعمليات الاحتجاج، التي فاجأت الشرطة الاسرائيلية، بحسب اعتراف وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان.

تجاوزات الشرطة الإسرائيلية

إثر اندلاع الاحتجاجات، اعتقلت الشرطة 136 من المشتبه بهم الذين هاجموا الضباط والمركبات، وكان من أغلب المعتقلين فتيات، كما تم سحل العديد من المتظاهرين و تم تفريق المتظاهرين بالقوة والتعامل معهم بمنتهى العنف.  بالإضافة إلى ذلك، مددت المحاكم اعتقال النشطاء البارزين في تلك التظاهرات، حتى بعدما اتضح أن اعتقالهم كان منافياً للقانون، كما تمّ حرمانهم من الاستشارة القانونية، وتم انتهاك حقوقهم الأساسية.

وخلال التظاهرات، وجه المتظاهرون اتهامات للشرطة الإسرائيلية بالعنصرية بعد وقوع الحادث، و أغلقوا مفترقات الشوارع وأضرموا النيران في سيارات وإطارات سيارات ورشقوا قوات الشرطة بالحجارة. وأثار مقتل تيكاه غضبا في أوساط اليهود الإثيوبيين في إسرائيل، الذين يقولون إنّ شبابهم يعيشون في خوف دائم من مضايقات الشرطة لأنّهم من ذوي البشرة السوداء.

محاولات إسرائيلية لامتصاص الغضب

وفي ظل الاحتجاجات التي قام بها يهود الفلاشا والمتضامنين معهم، وفي محاولة من الحكومة الإسرائيلية لامتصاص الغضب، هبطت بمطار بن غوريون في تل أبيب، فورتصاعد وتيرة الاحتجاجات، طائرة على متنها 602 إثيوبي من أصل 1000 كان من المفترض أن يتم استقدامهم من العاصمة أديس أبابا، بحسب تعهدات حكومة بنيامين نتنياهو التي أعدت خطة لاستقدام آخر 8 آلاف يهودي من إثيوبيا. وفي السياق ذاته، استعانت السلطات الإسرائيلية بشخصيات وحاخامات من أصول إثيوبية لكتابة مقالات تحمل في طياتها أبعاد دينية وتوراتية مفادها تحقيق ما وصفته بـ”الحلم” بالقدوم إلى الوطن القومي للشعب اليهودي، داعية إلى الحفاظ على وطن اليهود والنسيج المجتمعي للشعب الإسرائيلي.

وفي محاولة لامتصاص اغصب الفلاشا، دعا ريفلين لرفع الغبن ومنح المهاجرين الإثيوبيين حقوقهم وخلق فرص متساوية لهم والتوقف عن إهانتهم والاستخفاف بهم، وأشار إلى أن الآلاف من الإثيوبيين حلموا بالقدس طوال قرون حتى صعدوا تحت الشمس الحارقة وفي الليالي المعتمة دون طعام ونوم مسافات هائلة فمات نحو أربعة آلاف منهم. وفي تلميح واضح لموقف الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو، انتقد ريفلين اكتفاء المسؤولين بالأقوال والوعود، داعيا إسرائيل لتصحيح المسار، حتى لا يشعر هؤلاء بالاغتراب والإقصاء. 

ليست الاحتجاجات الأولى

في عام 2012، قام نحو ثلاثة آلاف إسرائيلي من أصل إثيوبي باقتحام مبنى الكنيست الإسرائيلي احتجاجا على العنصرية التي تُمارس ضدهم، خاصة بعد رفض البيع أو التأجير لهم في المناطق التي تضم أعداداً كبيرة من البيض. كما شهدت إسرائيل عام 2015 مظاهرات لليهود الفلاشا احتجاجاً منهم على تداول فيديو لضابط جيش يضرب مجنداً إثيوبياً. وهناك واقعة مشابهة للحادث الأخير كانت قد حدثت في يناير الماضي، حيث تم قتل شاب من أصل إثيوبي كان يعاني من مرضاً عقلياً، يدعى يهودا بيادغا، على يد ضابط إسرائيلي، لكن تم تبرير ذلك بأن المذكور كان يحمل سكين وحاول طعن الضابط. 

تقرير بالمور

في 2015، تم إصدار تقرير من قبل “إيمي بالمور” المدير العام بوزارة العدل الإسرائيلية، والذي أطلق عليه ” تقرير بالمور”، طالبت فيه بإجراء إصلاحات في أحوال اليهود من أصل إثيوبي داخل إسرائيل، وقد تم تنفيذ أغلب التوصيات التي ليست لها علاقة بالتمييز العنصري ضدهم، لكن بعض البنود لم تنفذ، مثل تلك الخاصة بتصوير التحقيقات التي تجريها الشرطة مع يهود الفلاشا. وبشكل عام، تحاول الحكومة اتخاذ بعض الخطوات لإظهار عدم التمييز ضد اليهود الإثيوبيين، حيث يتم عقد دورات تدريبية لضباط الشرطة للتعامل مع الفلاشا، كما تم إغلاق بعض القضايا المتهم فيها بعض من يهود الفلاشا صغار السن، خاصة إن لم تكن جرائم خطيرة، وفي هذا الإطار، تقدم الدولة مساعدات قانونية مجانية لمواجهة التمييز ضد الإثيوبيين؛  لكن كل ذلك لا يتعدى بعض المحاولات التي تقوم بها الدولة للتغطية على التمييز العنصري الذي يتعرض له اليهود من أصل إثيوبي داخل إسرائيل، وفقدانهم للحقوق الأساسية كمواطنين إسرائيليين، ولم تستطع هذه المساعي الصورية إنهاء وجود العنصرية كما أن شيئاً لم يتغير في الطريقة التي تتعامل بها السلطات مع قضية يهود الفلاشا.

معاناة من العنصرية

منذ قدومهم إلى دولة إسرائيل، لم يتم تقبل يهود الفلاشا من قبل المجتمع الإسرائيلي، بل وامتد الأمر لعدم الاعتراف بهم من قبل أغلب رؤساء وزراء إسرائيل، حتى تم الاعتراف بهم كيهود من قبل الحاخام اليهودي عوفاديا يوسف في السبعينات. وطوال السنوات الماضية، طالبت العديد من الأصوات بطردهم من إسرائيل، بحجة كونهم يعملون بمهن وضيعة ويكلفون المجتمع الإسرائيلي أعباء مادية و اجتماعية.

ويتهم اليهود الإثيوبيون الإسرائيليين البيض بالتمييز في المعاملة ضدهم ويصفون ما يتعرضون له ب “تمييز عنصري نظامي ممنهج”، ويوجه قادة الفلاشا الاتهامات للشرطة الإسرائيلية بالضغط السريع على زناد السلاح عندما يكون الهدف من غير اليهود الغربيين خاصة من المهاجرين الجدد من إفريقيا بسبب لون بشرتهم. وزاد غضب يهود الفلاشا بعدما قامت محكمة إسرائيلية بإطلاق سراح الشرطي القاتل وإرساله لحبس منزلي داخل فندق. وتأتي حادثة قتل الشاب الإثيوبي تيكاه كحلقة في مسلسل جرائم قتل ارتكبتها الشرطة الإسرائيلية في الماضي من بينها اعتداءات حتى على شباب فلاشا يرتدون الزي العسكري ويخدمون في جيش الدفاع الإسرائيلي.

هل تدفع الاحتجاجات بتحسين أوضاع الفلاشا؟

لم تكن الاحتجاجات التي قام بها يهود الفلاشا هي الأولى في تاريخ الدولة العبرية، ولن تكون الأخيرة على الأرجح؛ حيث أن سياسة التمييز المتبعة ضد هؤلاء ليست وليدة اللحظة، لكنها متأصلة في نسيج المجتمع الإسرائيلي الذي تعوَّد على اتباع نهجاً عنصرياً ضد كل الأقليات، وعلى رأسها الأقلية العربية و يهود الفلاشا؛ إلا أن الاحتجاجات الأخيرة قد تدفع بالقادة الإسرائيليين لاتخاذ خطوات جادة لتحسين أوضاع يهود الفلاشا ومنحهم المزيد من الحقوق، وقد يأتي ذلك في سياق تجنب اندلاع مثل تلك التظاهرات في المستقبل، والتي تؤثر على الوضع داخل إسرائيل من كافة الجوانب، فتصاعد وتيرة الاحتجاحات وتكرارها من قبل الفلاشا قد يشجع الأقليات الأخرى التي تعاني من التهميش داخل إسرائيل بالاحتجاج أيضاً.

وعلى الجانب الآخر، فعدم احتواء يهود الفلاشا قد يؤدي إلى تشويه صورة إسرائيل تجاه المجتمع الدولي، وسيعمل على تأكيد اتهامها بالعنصرية و كونها دولة غير ديمقراطية تضطهد الأقليات، وهو ما يتنافى مع الرغبة الإسرائيلية في إظهارها كنموذج للدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.

لذا، فبالنظر إلى مستقبل أوضاع يهود الفلاشا في إسرائيل، فهناك سيناريوهان؛ إما أن تظل أوضاع الفلاشا كما هي بعد تقديم الوعود من قبل القادة الإسرائيليون لامتصاص غضب المتظاهرين، وإما سيتم اتخاذ بعض الخطوات الحقيقية مع بعض إجراءات الإصلاح لإرضاء تلك الأقلية لتجنب نشوب مثل تلك الاحتجاجات وللحفاظ على صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي، وهو السيناريو الأرجح.

كاتب

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى