
محلل روسي: ما يحدث في العالم مُخطط له مسبقا “لإعادة ضبط” النظام العالمي
قال المحلل الروسي ألكسندر سامسونوف إننا نشهد في الوقت الحالي الانتقال إلى عالم جديد، لا عودة فيه إلى العالم السابق كما كنا نعرفه من قبل، معتبرا أن الطبقة الوسطى والمجتمع الاستهلاكي سيختفيان تماما، وستظهر العصور الوسطى الجديدة، بما تحمله من نظام الطبقات الجديدة.
وذكر المحلل الروسي، في مقال تحليلي تحت عنوان “كيف سيكون العالم بعد وباء الرعب؟” نشره موقع “فاينناي-آبازرينينا” الروسي والمعني بنشر مقالات وتحليلات عسكرية ، أن الأزمة الحالية لتفشي “وباء الرعب”، تؤكد أن العزلة الذاتية للحكومة المركزية ستؤدي إلى الانهيار الكبير قريبا.
وأكد سامسونوف، تحت العنوان الفرعي “معلومات حول الحرب العالمية النفسية” أن هذا الوباء قد أصبح تهديدا حقيقيا يسمح بالتلاعب بالوعي العام، مما يترتب عليه أن يوافق المجتمع الاستهلاكي المدلل والضعيف للغاية على خفض مستوى الاستهلاك. بالإضافة إلى القبول بفكرة التخلي عن مستوى الحياة المعيشية المرفهة والمملؤة بالخدمات بالشكل الذي كان عليه سابقًا.
وأشار المحلل الروسي إلى أن نشر الذعر، عن عمد، يقود المجتمع نفسه إلى أن يبادر بدعم العزلة والاتجاه نحو خفض مستوى الرفاهية، أملاً في أن تكون هذه الإجراءات بشكل مؤقت قد تمتد الى فترة أقصاها عام.
ورأى أن العالم لن يكون أبدا مرة أخرى كما عرفناه في السابق، لافتا إلى أن ما يحدث حاليًا هو نسخة محدودة النطاق من الحرب العالمية الجديدة، التي تخلو من هجمات الصواريخ النووية وما يماثلها من كوراث، ولكن النتيجة في نهاية المطاف، ستكون هي نفس النتيجة المترتبة على الحروب الكبرى.
ويطرح المحلل سؤالا مهما، “لماذا بدأت عملية نشر الفيروسات؟”، ويرى، ردًا على هذا السؤال، أن الرأسمالية وتنامي المجتمعات الاستهلاكية حول العالم قادت العالم إلى أزمة جديدة بسبب ارتفاع مستويات المعيشة وسيطرة الرأسمالية على نظام الحياة العالمي، وما تعرض له الكوكب بأكمله من محاولات قتل أدت في نهاية المطاف إلى أزمة في المحيط الحيوي.
“أخطاء سادة الغرب تعرض البشرية للموت”
ورأى المحلل الروسي أن الأخطاء التي ارتكبها ما وصفهم بـ”سادة الغرب” هي ما أدت إلى جعل البشرية بأكملها عرضة للموت. وعليه، فإن قيادات الغرب نفسها على علم بحقيقة هذا الأمر، ويحاولون قدر الإمكان التقليل من حدة الأخطاء الإدارية من خلال محاولة عمل –إعادة ضبط لأنظمة الحكم- ولكن في نفس الوقت من دون تغيير مفهوم الإدارة غير العادلة.
ولتحقيق هذه الأهداف، من الضروري تقليل معدلات استهلاك الحصة الأكبر من السكان، ووقف النمو السكاني، والحد بشكل مثالي من تعداد سكان العالم. وفي الوقت نفسه، الحفاظ على حياة “النخبة”، والحفاظ على جزء كبير من موارد الأرض، واستعادة الحياة البيئية. بالإضافة الى القضاء على إمكانية حدوث كوارث عالمية من خلال استعادة المحيط الحيوي، والقضاء على مخزونات أسلحة الدمار الشامل، وخاصة بالنسبة لما يتعلق بـ “المخزون الروسي”، وعدد من البلدان الأخرى.
ويشير المحلل إلى أن الاستنتاجات السابقة كانت “كبرى مؤسسات الفكر والرأي” في الغرب، قد توصلت اليها بالفعل في خلال السبعينيات من القرن الماضي. كما أن العالم الرأسمالي، كان على وشك أزمة شديدة قد تؤدي به إلى التدمير الذاتي –خلال فترة السبعينيات والثمانينات- ولكن هذه الأزمات قد تم تجنبها بفعل انهيار الاتحاد السوفيتي سابقًا والمعسكر الاشتراكي، وما ترتب على ذلك من تعرض هذه الجمهوريات المفككة الى النهب، وأن تحولت بدورها إلى أجزاء من العالم الرأسمالي، بالإضافة إلى جعلها محيطا يستمد منه الغرب المواد الخام –الاستعمارية- /على حد وصف المحلل/.
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحديدًا في بداية الألفينيات، كان العالم بأسره يقترب من حواف أزمة جديدة، ولكن عندها قرر الغرب أن يقود حملة عالمية للتغطية على الإرهاب الدولي، وبدءا من عام 2008 تم إنفاق كثير من الأموال على هذه الأزمة بغرض معالجتها.
ولكن على الرغم من ذلك، لم تختف الأٍسباب الأساسية للأزمة. ففي أوائل عام 2010، بدأ العالم في الاستعداد لتطبيق خاصية “إعادة الضبط”، ومن المثير للاهتمام كيف يقودنا البحث عن الشكل المتوقع للمستقبل إلى التوصل لمفهومين محددين، ينعكسان بوضوح في الأفلام والمسلسلات والكتب. والمفهوم الأول يعبر عن العالم فيما بعد نهاية العالم، ويعكس صورة لكوكب عبر من خلال كارثة عالمية، شهدت انخفاض حاد في عدد السكان وتراجع كبير في معدلات الاستهلاك، أدى بدوره الى تقسيم الناس الى طبقات محددة، وهؤلاء هم عبارة عن “المُختارون” اللذين يتمتعون بإمكانية الوصول الى أعلى التقنيات التي تسمح لهم بالتمتع بحياة طويلة ومديدة والاستحواذ على الكثير من العبيد. وهو ما يمكن أن نراه بوضوح في أفلام مثل “The Hunger games” و ” Divergent” و ” Blade Runner” وغيرها من الأفلام التي تمضي على ذات الخلفية. فيما يشير المفهوم الثاني الى الاهتمام الكبير بالخيال والعوالم البديلة، وهنا على سبيل المثال يمكن الإشارة الى ما يعكسه مسلسل ” Game of Thrones”، من خلق عالم إقطاعي جديد تمامًا.
“العالم بعد الوباء”
وتحت عنوان فرعي “العالم بعد الوباء”، يقول المحلل الروسي، “من الواضح من وجهة النظر الطبية أنه لا يوجد جائحة”. ويضرب أمثلة بتفشي المجاعات العادية، وتفشي السرطان، والتعرض للقتل على أيادي المجرمين، والوفاة بفعل حوادث الطرق، أو بفعل الإفراط في تناول المخدرات والكحوليات وما شابه.
ويقول الكاتب إن تعداد الناس التي تلقى حتفها بفعل الأسباب السابقة يفوق بمراحل ما حققه فيروس “كوفيد-19” من وفيات. كما أنه حتى الآن، لا يوجد شيء قد يماثل أو حتى يقترب من الشبه من وباء التيفود، والذي انتشر خلال الحرب الأهلية في روسيا، أو حتى فيروس الإيبولا والذي تجاوز معدل وفياته 40%. مؤكدا أن ما يحدث في الوقت الراهن، هو عبارة عن تناقض كبير بين الحجم الحقيقي للتهديد ونطاق الاستجابة له، وذلك من خلال ما يُطلق عليه الكاتب “ذعر المعلومات”، التي دفعت الكوكب بأكمله لأن يتحول الى كوخ كبير من الحجر الصحي الإجباري.
لذلك يرى المحلل أن ما يجري في الوقت الراهن، هو عبارة عن عملية مُخطط لها مسبقًا. يمكن أن يُطلق عليها “مصفوفة إعادة الضبط”، أي إعادة تهيئة العالم أجمع. وبهذه الطريقة يجري إعادة توزيع عالمية لرأس المال، من خلال التدمير الواعي والكامل للعالم القديم، من خلال طرق كثيرة من ضمنها إغلاق حدود مدن ودول بأكملها، ووقف حركة الناس والبضائع والخدمات، مع اندلاع حرب النفط والغاز والتجارة. قائلاً “هكذا يتم دفع العالم بأكمله الى عالم آخر جديد ممتلئ بالاكتئاب ويعج بالاضطرابات”.
وذكر أنه في الواقع تعتبر هذه حرب نفسية هجينة وإعلامية جديدة تمامًا، دون الحاجة الى شن غزو مسلح أو تطبيق هجمات صاروخية متعددة. وتهدف هذه الحرب إلى تدمير النظام العالمي القديم بأكمله جنبا الى جنب مع البنية التحتية العالمية، وما يرافقها من انهيار نظام البترودولار. وبالإضافة الى ذلك، تملك هذه الحرب ميزات إضافية، إذ أن سكان العالم أجمع سيوافقون على فقدان حقوقهم وتقليل معدلات استهلاكهم والتنازل عن رفاهياتهم المعتادة. وسوف تكون الحركة البشرية بما في ذلك السياحة الجماعية محدودة للغاية، بالإضافة الى أن حركة المهاجرين غير الشرعيين ستتوقف بدورها.
وقال المحلل الروسي إننا نشهد في الوقت الراهن الانتقال الى عالم جديد تمامًا، حيث لن يكون هناك أي سبيل للعودة الى العالم القديم، وحيث سوف نشهد اختفاء تام للمجتمع الاستهلاكي السابق، وسوف تحل العصور الوسطى الجديدة، بما يشتمل على نظام الطبقات الاجتماعية الجديدة.
ويرى الكاتب، أنه في حالة نجت الصين من الكارثة، فهذا يعني أنها ستبني إمبراطوريتها. ومن المرجح أن تُقاتل الصين من أجل تايوان، ومن الممكن كذلك أن تقرر التوجه نحو الشمال في حالة –انهيار روسيا- بفعل حدوث اضطرابات جديدة. في الوقت الذي تقوم فيه تركيا بالفعل ببناء امبراطورية عثمانية جديدة، ونفس الشيء يحدث مع إيران والمملكة العربية السعودية. بينما يحاول ترامب انقاذ الولايات المتحدة، قد تظهر السلطة الموحدة القوية والحاكمة للنظام العالمي جديد في مكان ما بالاتحاد الأوروبي. وسوف تنزلق أوروبا بوجه عام الى العزلة، وإحياء الاستبدادية والقومية الفاشية، كما أنه من المحتمل انهيار عدد من البلدان، مثل إيطاليا واسبانيا وبريطانيا العظمى.
ختاما
يبشر المحلل الروسي موسكو بإمكانية إحراز الكثير من النجاحات من خلال استغلال “نافذة الفرص”، التي سيوفرها لها “تجاهل حالة الذعر”، والبدء الفعلي في إعادة احياء إمبراطورتيها. وبوجه خاص، يرى المحلل أن الانعزال عن بيلاروسيا يعتبر خطأ استراتيجيا، لأن هذا الأمر يحمل في طياته تخلي موسكو عن دورها باعتبارها واحدة من دول الرأسمالية الطرفية، وانتقالها بدلاً عن ذلك الى استخدام الأساليب الاستبدادية، وتفضيل أولويات أخرى عن الأسس الحضارية الروسية مثل الإيمان بضرورة انتصار الخير والعدالة والمحبة ، ولكنه يرى أيضا أن موسكو تنزلق في الوقت الرهن وراء خطوات الغرب، وتكرر مرة أخرى كل ما يفعله “العالم المتحضر”، وهذا الطريق هو بحد ذاته، السبيل إلى العدم، أو بمعنى أدق، السبيل إلى الهزيمة.
باحث أول بالمرصد المصري



