كورونا

لا مكان للصدف..مصر والاستعداد لأي سيناريو في معركة “كورونا”

قبل أن يُعلن فيروس كورونا المستجد وباءًا عالميًا في منتصف مارس الماضي ، كان لمصر خطة واضحة لمواجهة سيناريوهات انتشاره المختلفة والمتعددة المراحل، ولم يكن الأمر هنا متروكًا للصدفة أو لتقديرات قد تصيب وقد تخطئ ، صحيح أن كل مؤسسة منوطة بالموضوع قامت بدورها ولكن سبق كل ذلك خطة وتوجيهات سياسية لاحتواء الموقف والابتعاد عن سيناريو انفجار الأمور، فقد اتخذت كل مؤسسات الدولة وضعية الاستعداد تحسبًا لأسوأ السيناريوهات المحتملة.

اقتصاديًا .. الأمور تحت السيطرة

منذ الأيام الأولى كانت أعين القيادة السياسية  تتجه إلى دعم الاقتصاد المصري الذي بذلت الكثير من الجهود المضنية على طريق إصلاحه وتحمل المواطن المصري الجزء الأكبر منها بجسارة يشهد لها،  فأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي حزمة قرارات تستهدف التخفيف من أثار فيروس كورونا على الاقتصاد، تضمنت دعم المواطنين الأكثر احتياجًا والذين من المتوقع حسب التقديرات العالمية أن يعانوا أكبر الأثر من حالة الركود الاقتصادي التي ستخلفها أزمة كورونا ، فتم تخصيص منحة قدرها 500 جنيه للعمالة غير المنتظمة لمدة ثلاثة أشهر. 

ولم يغفل القطاع السياحي الذي سيكون من القطاعات الأكثر تضررًا  فتم  إسقاط الضريبة العقارية على المنشآت الفندقية والسياحية لمدة 6 اشهر وإرجاء سداد كافة المستحقات على المنشآت السياحية والفندقية لمدة 4 اشهر  دون غرامات أو فوائد تأخير، كما تم توجيه البنك المركزي بدراسة تقديم تمويل من البنوك للمنشآت السياحية والفندقية بفائدة مخفضة، بالإضافة إلى التوجيه برفع كفاءة البنية التحتية للمنشآت السياحية، بحيث تكون جاهزة على أكمل وجه لاستقبال الزائرين من المصريين والسائحين فور انحسار أزمة كورونا.

وبالنسبة لقطاع الطيران فسيتم  توفير قرض مساند للقطاع بفترة سماح تمتد لعامين ودراسة قيام وزارة المالية بتحمل بعض الأعباء المالية على قطاع الطيران المدني  كما تم إصدار  حزمة إجراءات لمساندة الشركات والمنشآت بالقطاعات المتضررة بتقسيط ضريبة الإقرار الضريبية على 3 أقساط تنتهى في 30 يونيو من العام الجاري، علاوة على تأجيل سداد وتقسيط الضريبة العقارية لمدة 3 أشهر بدون غرامات أو فوائد.

دور ممتد للقوات المسلحة

  خلال تفقد الرئيس عبد الفتاح السيسي لعناصر والمعدات والأطقم التابعة للقوات المسلحة المخصصة لمعاونة القطاع المدني بالدولة لمكافحة انتشار فيروس كورونا المُستجد،  شدد على أهمية التنسيق مع المصانع التابعة للقطاع الخاص لتطهير أماكن العمل والحفاظ على سلامة المواطنين العاملين هناك، وذلك بالتنسيق والترتيب مع أصحاب المصانع لتطبيق خطة تعقيم مماثلة للتي يتم تنفيذها في المصالح الحكومية والشوارع والميادين العامة، وذلك لتحقيق الهدف والفائدة بدوران عجلة الصناعة دون الإضرار بصحة المواطنين. 

كما دعا الرئيس القطاع الخاص إلى عدم المساس بمرتبات العمال، قائلا :”يجب على القطاع الخاص الانتباه للحد من انتشر الفيروس  دون المساس بمرتبات الناس”، وفي هذا الإطار تم تخفيض  أسعار الكهرباء للصناعة بقيمة 10 قروش وخفض سعر الغاز الطبيعي للصناعة بقيمة 4.5 دولار، مما سيوفر للصناعة ملايين الجنيهات من مصاريفها وذلك لدعم هذا القطاع والتوسع به، وأيضا خفض الفائدة بنسبة 3% مما سيخفض من مصاريف فوائد قروض المصانع والشركات، ورفع الحجوزات الإدارية على كافة الممولين الذين لديهم ضرائب واجبة السداد مقابل 10% فقط من الضريبة المستحقة عليهم.

تعقيم وتطهير

 ومنذ بدء أزمة فيروس كورونا المستجد، وتوجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي القوات المسلحة بمساندة أجهزة الدولة في خطتها لمجابهة الوباء القاتل، عملت الإدارات المعنية في القوات المسلحة على تعقيم وتطهير المنشآت، وتجهيز المستشفيات الثابتة والمتحركة لدعم الدولة في جهودها.

كما  تم الدفع بـ750 نوعًا من مركبات الحرب الكيمائية والإطفاء والإنقاذ للمشاركة في أعمال التطهير، وكذلك الدفع بـ100 عربة فنطاس مياه لإمداد المياه في أعمال التطهير، كما تم تجهيز وحدات تطهير الدخان للمشاركة في التطهير بإجمالي 80 ألف متر مربع في اليوم، على أن يتم استخدام 200 جهاز تعقيم بيولوجي بطاقة 400 ألف متر مربع في اليوم في أعمال التطهير، وتجهيز 10 آلاف طن محاليل أنواع ورفع الطاقة الإنتاجية في اليوم لتطهير المنشآت، وسيقوم مصنع الماسكات الطبية بتوفير 100 ألف ماسك طبي في اليوم، علاوة على وجود احتياطي يقدر بـ5 ملايين كمامة، واستمرار العمل لتجهيز 15 مليون ماسك، وإنتاج 1000 بدلة واقية في اليوم وصولا إلى 50 ألف بدلة في اليوم.

وتضطلع شركة النصر للكيماويات بالعمل على إنتاج المواد الكيماوية الخاصة بالتطهير والتعقيم، فضلا عن العديد من مواد التطهير وتعقيم الأيدي للاستخدام الشخصي، منوها بأنه يتم توفير 5 آلاف طن يوميا بخلاف 80 ألف طن من مواد التطهير تم تسليمها للأجهزة المدنية.

تجهيزات طبية

وعلى صعيد التجهيزات والاستعدادات الطبية تم تجهيز  45 مستشفى عسكريًا بإجمالي 12 ألف و300 سرير مزودة بكافة المعدات الطبية، فضلا عن 22 مستشفى عزل بـ4 آلاف سرير، دون التأثير على تقديم الخدمة في القوات المسلحة،  كما تم تطويع 4 مستشفيات ميدانية متنقلة بطاقة 502 سرير مزودة بأحدث الأجهزة، وتجهيز 11 مركز تحليل عينات بالمعامل المركزية والمستشفيات العسكرية فضلا عن تجهيز 1000 سيارة إسعاف، وأتوبيسات وطائرات لنقل الحالات الحرجة.

خطة للإسكان الاجتماعي والدولة بالمرصاد

على الرغم من المخاوف من صعود أزمة تفشي الوباء عالميًا ومحليًا، لم تغفل الدولة المصرية أهمية الاستمرار في دعم المناطق العشوائية ونقل سكانها إلى مناطق آدمية صالحة للسكن، وفي هذا الإطار تم اتخاذ قرار ببناء 250 ألف وحدة إسكان اجتماعي، كما أكد الرئيس السيسي أن الدولة المصرية وأجهزتها المعنية تقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن ينشئ أبنية بالمخالفة للقانون كما حدث في فترة الانفلات الأمني التي تلت يناير 2011 وسيتم إحالة المخالفين للنيابة العسكرية دون تخاذل.

مخزوننا الاستراتيجي من السلع في أمان

في مستهل تعامل الحكومة مع  أزمة فيروس كورونا المستجد، أعلنت الحكومة عن وجود مخزون استراتيجي آمن من السلع، وناشدت المواطنين بعدم التكالب على السلع، ولاحقت المحتكرين، مشددين على ضرورة أن يتم تغيير ثقافة تخزين السلع خاصة في وقت الأزمات. 

ودعت القيادة السياسية المواطنين  لعدم الخوف من عدم توافر السلع الغذائية وكان تصريح الرئيس : “عاملين حسابنا في كل حاجة ولا يوجد مشكلة في توفير السلع ولدينا احتياجات تكفى لأشهر.. ومحدش أبدا يهز ثقتكم والحاجات موجودة وزيادة”، حيث إن كل السلع متوفرة والحد الأدنى للاحتياطي الاستراتيجي لا يقل عن 3 أشهر.

وبالتوازي مع ما تقدم شملت القرارات دعم قطاع الزراعة والفلاحين وذلك بوقف قانون ضريبة الأطيان الزراعية لمدة عامين، مما سيدعم الفلاحين في استكمال أعمالهم بل التوسع فيها وأيضا سيؤدي ذلك إلى عدم زيادة في الأسعار للمصريين. 

لولا الإصلاحات الاقتصادية لما كانت المواجهة

كانت  مصلحة  المواطن المصري والحفاظ على ثرواته من أهم أولويات الدولة المصرية،  وذلك بدعم جميع القطاعات من زراعة وصناعة وسياحة وعقارات وأصحاب معاشات وأيضا دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة مع الأخذ بالاعتبار أن هذه القرارات لم تكن ممكنة لولا أننا  نجني الآن ثمار  الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها الدولة خلال الفترة السابقة، حيث أن نتائج هذه الإصلاحات جعلت مصر قادرة على تخطي هذه الظروف واخذ قرارات صعبة من شأنها حماية المصريين برغم أنها تضغط على مصر اقتصاديا. 

وعلى سبيل المثال فإن  دعم البورصة المصرية بتخصيص 20 مليار جنيه من البنك المركزي جاءت لتؤكد   اهتمام القيادة بسوق المال وإدراك الرئيس لأهمية البورصة والعاملين في هذا القطاع والمستثمرين بالتوازي مع الحفاظ على صحة المواطن.

الداخلية وتنفذ قرارات الدولة ” منفردة”

وقفت أجهزة الشرطة المصرية ” حماة الجبهة الداخلية” منذ اللحظة الأولى لظهور خطر الفيروس التاجي في البلاد جنبا إلى جنب مع باقي مؤسسات الدولة المصرية، فهى بلا شك في قلب المجابهة الشاملة لمواجهة كورونا،  وأدت مسئوليتها ولا زالت على أكمل وجه، بدءًا من تأمين المطارات والموانئ، مرورا بتأمين عملية نقل العائدين من ووهان إلى الحجر الصحي في النجيلة، وصولا إلى إطلاق مبادرات في المستقبل القريب للتخفيف على المواطن المصري خصوصًا في ظل المحاذير التي فرضت على حركة التجول في الفترة من السابعة مساءً وحتى السادسة صباحًا. 

وللمرة الأولى تتولى الشرطة  تنفيذ قرارات الدولة في الحظر الليلي و تأمين مستشفيات العزل وسيارات الإسعاف ذاتية التعقيم التي تنقل المصابين بالفيروس ” منفردة” دون مساعدة من القوات المسلحة أو شكاوى من المواطنين، وهو ما يعد إشارة قوية إلى المستوى الفائق الذي وصلت له قوات الشرطة المصرية على مدى تسع سنوات مضت، وهو ما يضاف إلى دورها الأساسي في حفظ الأمن في البلاد ومواجهة الإرهاب دون إخلال بأحد الدورين، ورغم زيادة الأعباء  فقد  قامت الداخلية بزيادة عدد الخدمات الثابتة والمتحركة والارتكازات الأمنية، لتنفيذ قرار حظر التجول.كما اضطلعت الشرطة على أكمل وجه بدورها  المجتمعي أيضًا، في إغلاق ومراقبة استمرار إغلاق المراكز التعليمية وغيرها من المؤسسات المقرر غلقها في إطار إجراءات مواجهة الفيروس، وواصلت قوات الشرطة  حملة أعمال التطهير والتعقيم المستمر لمراكز الشرطة والأقسام، وقطاعات الخدمات المدنية التي يتردد عليها المواطنون. 

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى