كورونا

استراتيجية المغرب لمجابهة تفشي فيروس كورونا

تتصاعد بشكل متسارع، أعداد المصابين والمتوفين بفيروس كورونا المستجد، في كافة أنحاء المملكة المغربية. ففي العاشر من مارس الماضي، سجلت المملكة أول حالة وفاة بالفيروس، لامرأة مسنة وصلت إلى مدينة الدار البيضاء قادمة من إيطاليا، لتدخل بذلك الرباط إلى نادي الدول التي سجلت وفيات نتيجة لهذا الفيروس، ووصلت حالات الوفاة الإجمالية في البلاد اليوم إلى 83 حالة.

اليوم وصل مجموع حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا المستجد في البلاد، إلى 1141 حالة، وجاءت هذه الإصابات موزعة على عموم خريطة المملكة المغربية على النحو التالي:

265 إصابة بمدينة الدار البيضاء، و176 إصابة في الرباط سلا القنيطرة، و168 إصابة في مراكش آسفي، و131 إصابة بجهة فاس مكناس، و75 إصابة في طنجة تطوان الحسيمة، 54 إصابة في جهة الشرق، و26 إصابة في جهة بني ملال خنيفرة، و19 إصابة في سوس ماسة، و41 إصابة بدرعة تافيلالت، وأربعة إصابات بالعيون الساقية الحمراء، وإصابة واحدة في كلميم وادي نون.

الجهود الحكومية لتقليل آثار الفيروس الاقتصادية

في منتصف مارس الماضي، أعلن ملك المغرب محمد السادس، عن إنشاء صندوق بقيمة عشرة ملايين درهم (ما يقرب من مليون دولار)، لتغطية النفقات الطبية ودعم القطاعات الأكثر تضررُا نتيجة شلل الحياة الاقتصادية بالبلاد جراء تفشي فيروس كورونا. تفاعل مع هذه المبادرة بعض رجال الأعمال، الذين بادر بعضهم بصحبة مجموعة من الوزراء وأعضاء البرلمان والسياسيين، لدعم جهود ذلك الصندوق، ومن |أمثلة ذلك، إعلان أعضاء مجلسي النواب والمستشارين (غرفتي البرلمان المغربي) البالغ عددهم 515، بتقديم تبرعات بقيمة 17 مليون درهم (أكثر من 1,7 مليون دولار)، لدعم هذا الصندوق.

على المستوى الحكومي، بادر 24 وزيرًا ووزيرة، بالتبرع براتب شهر واحد، لدعم هذا الصندوق، لتصل قيمة هذه التبرعات إلى 1.4 مليون درهم، أي ما يقرب من 145 ألف دولار، كما قررت الحكومة المغربية أيضًا تحويل الغرامة المستحقة على شركة “اتصالات المغرب”، (المملوكة لمساهمين إماراتيين وفرنسيين)، إلى حساب هذا الصندوق، وهي مبالغ تصل إلى 3.3 مليار درهم، أي ما يقرب من 342 ألف دولار.

فيما يتعلق بالمؤسسات، أعلن صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، عن تقديم مساهمة مالية بقيمة مليار درهم (103 مليون دولار)، لدعم هذا الصندوق، وكذا أعلن “بنك أفريقيا”، المملوك لأحد أكبر رجال الأعمال في المغرب، عثمان بنجلون، تقديمه مساهمة مالية بقيمة مليار درهم، وقدمت نفس المبلغ، شركة “أفريقيا غاز”، المملوكة لوزير الفلاحة وأمين عام حزب “التجمع الوطني للأحرار” رجل الأعمال عزيز أخنوش. الإدارات المحلية في محافظات المملكة، والبالغ عددها 12 جهة، قدمت لدعم هذا الصندوق، مساهمات مالية بلغ مجموعها 1.5 مليار درهم (155 مليون دولار)، كما تبرعت أغنى الشركات الحكومية في البلاد، “المكتب الشريف للفوسفات”، بثلاثة مليارات درهم، (ما يوازي 311 مليون دولار).

بتلك التبرعات، بجانب تبرعات المواطنين، وصل إجمالي المساهمات المالية لدعم مبادرة الملك محمد السادس، إلى نحو عشرة مليارات درهم، أي ما يوازي مليار دولار، تم جمعها في يومين فقط، وهو المبلغ الذي كان الملك يستهدف جمعه حين أمر بإنشاء هذا الصندوق. اقتصاديًا، صرح أحمد الحليمي رئيس المندوبية السامية للتخطيط، (وهي الجهة الرسمية المنوط بها الإحصاء)، قائلًا “أتوقع تراجع نمو الاقتصاد المغربي لأدنى مستوى منذ 20 عامًا، بسبب الجفاف وانتشار فيروس كورونا، وأضاف في تصريح لوكالة بلومبيرج الاقتصادية، أن معدل نمو الاقتصاد المغربي لعام 2020 سينخفض بنسبة الثلث.

قطاع الصحة يستفيق ويتحدى كورونا

بدأت وزارة الصحة المغربية مؤخرًا، في تغيير خطتها النمطية التقليدية لمواجهة هذا الفيروس، وطعمت استراتيجيتها بأفكار جديدة أكثر واقعية وفعالية لمواجهة الخطر، الذي بات يهدد كل دول العالم. من هنا وفي ظل توقعات الخبراء لما هو قادم، قررت وزارة الصحة المغربية يوم الأحد 5 ابريل الجاري، إنشاء مستشفى ميداني مؤقت، تناهز طاقته الاستيعابية 700 سرير بمدينة الدار البيضاء، على مساحة تقدر ب 20 ألف متر مربع، سيجري توزيعها على أربعة فضاءات كبيرة منفصلة عن بعضها البعض، حيث سيكون لكل فضاء طاقمه الطبي المنفصل، وقد بدأت بالفعل عمليات تشييد هذا المستشفى، الذي تصل تكلفته إلى 45 مليون درهم، وستنتهي هذه العمليات خلال أسبوعين على أقصى تقدير.

جهود المغرب الأمنية لمجابهة تفشي الفيروس

في منتصف مارس الماضي، الذي يمثل منعطفًا مهمًا في تاريخ حرب المغرب ضد فيروس كورونا، قررت السلطات الأمنية المغربية منع التجمعات التي يشارك فيها أكثر من 50 شخصاً، كما تقرر تعليق الرحلات من وإلى كل من ألمانيا وهولندا وبلجيكا والبرتغال، وأعلنت الداخلية المغربية عن إلغاء جميع الفعاليات الرياضية والثقافية والعروض الفنية.

يوم الجمعة 20 مارس الماضي، صعّدت السلطات الأمنية المغربية من إجراءاتها لمواجهة الفيروس، فأعلنت الحكومة المغربية حالة الطوارئ الصحية وقيدت حركة التنقل في البلاد، بعد إلغاء كافة الفعاليات الحاشدة بها، بما فيها أشهر المهرجانات الفنية على الإطلاق بالمغرب، وهو مهرجان موازين للموسيقى العالمية الذي كان من المقرر عقده بين 19 و27 يونيو في العاصمة الرباط.

عقب ذلك، قامت الحكومة بتكليف القوات العمومية من أمن ودرك وقوات مساعدة، بتفعيل إجراءات المراقبة، في حق أي شخص يتواجد في الأماكن العامة بأوقات حظر الحركة والتنقل، ومتابعة التزام الجميع بالتدابير الاحترازية والوقائية، وقواعد النظافة العامة لمحاصرة وتطويق الفيروس.

قطاع السياحة يعلن الاستسلام أمام الفيروس

في الأيام الأولى من بداية انتشار فيروس كورونا في الصين ثم أوروبا، كان قطاع السياحة المغربي يملك قدرًا لا بأس به من التفاؤل، ولكن بعد أن ضرب الفيروس كافة أرجاء القارة العجوز، ثم المملكة المغربية نفسها، وأصبح الجار الشمالي للمملكة وهو إسبانيا أحد أبرز مراكز الوباء على مستوى العالم، أيقن الجميع في المغرب وفي مقدمتهم العاملون بقطاع السياحة، أن الأمر جلل، وأنه لا فائدة من تجاهل ملف هذا الفيروس كورونا، لأن قطاع السياحة المغربي أصبح هو أكبر المتضررين، بعد أن تم إلغاء أغلبية الفعاليات السياحية المهمة.

بهذا تراجعت معدلات النمو في هذا القطاع لأدنى مستوى لها منذ 20 عاما، وقد بلغ عدد السياح الأجانب الذين زاروا المغرب عام 2019 ما يقرب من 12.9 مليون، بارتفاع 5.2 بالمئة مقارنة بعام 2018، ويوفر هذا القطاع سنويًا 750 ألف فرصة عمل، ويشكل 7 بالمئة من الناتج الداخلي للبلاد، حيث حقق عام 2019 عائدات بقيمة 78.6 مليار درهم (8.25 مليارات دولار)، بارتفاع 7.7 بالمئة مقارنة بعام 2018. جدير بالذكر أن السلطات المغربية قررت الخميس 5 مارس الماضي، منع تنظيم كافة التظاهرات الثقافية والرياضية، سواء التي يشارك فيها أشخاص قادمين من خارج البلاد، أو تلك التي يشارك فيها ألف شخص أو أكثر من المقيمين في حالة إقامتها في أماكن مغلقة.

المغرب يكشر عن أنيابه الأمنية في وجه الإسلاميين

بعد أن تعرض النظام المغربي، ممثلا في الحكومة والملك، لانتقادات لاذعة من المواطنين، على خلفية تأخر تنفيذ بعض الإجراءات المتعلقة بوقف تفشي فيروس كورونا في البلاد (حسب وجه نظرهم)، وهو ما أثار حالة غليان مؤخرًا داخل الشارع المغربي، وأدى إلى انقسام فيه، ما بين مؤيد ومعارض في وقت يفترض فيه أن يتحد ويتكاتف الجميع. أطلقت بعض الوجوه المتطرفة دعوات تهدد الأمن والسلم العام، وصلت الى حد التحريض والتكفير للحكومة والقصر المكي، منهم المتطرف ذو التوجه السلفي عبد الحميد أبو النعيم، الذي ظهر في مجموعة من التسجيلات المصورة، قال فيها: “إن البلد الذي يأمر بإغلاق المساجد قد ارتد عن دينه، وكفر بعد إيمانه، وأصبح دار حرب وليس دار سلام”، في إشارة منه إلى قرار الحكومة المغربية بإغلاق جميع دور العبادة، ناهيك عن تشكيك أبو النعيم في وجود الفيروس من الأساس، ودعوته مسلمي المملكة المغربية لعدم الالتزام بأي قرار من قرارات الحكومة.

على إثر ذلك تم اعتقاله، ولكن ذلك لم يردع باقي التيارات الإسلامية المتطرفة، التي تعمدت استغلال أزمة كورونا سياسيًا، ومنهم نجل الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الإسلامية، (وهي جماعة إسلامية معارضة شبه محظورة)، ياسر العبادي، الذي هاجم بضراوة النظام المغربي، عبر موقع التغريدات القصيرة (تويتر)، ووصفه بالنظام الديكتاتوري، فتم اعتقاله هو الآخر من منزل والده في مدينة سلا المجاورة للعاصمة. وتمت إحالته إلى المحاكمة يوم السبت الموافق 4 ابريل الجاري، بتهم إهانة هيئات ومؤسسات الدولة، والتحريض على خرق حالة الطوارئ الصحية، ومن المرجح أن يواجه حكمًا مشددًا بسبب قانون الطوارئ الجاري في البلاد، والذي ينص على أن كل الجنح المرتكبة في هذه الظروف تعد جنايات، 

ما زاد الأمور تعقيدًا، تصريح للناطق الرسمي باسم الجماعة حسن بناجح، والذي قال في تدوينة له “أن الاعتقال هو مؤامرة لصرف الجماعة عما تقوم به، مما هو معلن ومما لا تعلنه الجماعة من واجبات تجاه المجتمع، فمن المؤكد أن للجماعة من الحكمة والفطنة والتبصر ما يحصّنها عن الانجرار لفخ الإلهاء عن الإنجاز، أو السقوط في مكيدة اتخاذها شماعة لتبرير الاختلالات الرسمية الواضحة في تدبير الأزمة الحالية”، وختم بناجح تدوينته بتأكيد موقف الجماعة إزاء حادث اعتقال ياسر العبادي، والذي قائلا :”لا للخروج عن الموضوع إلا بالقدر، الذي يخدم جوهر الموضوع، والموضوع الآن جائحة هي فوق كل التصرفات الجانحة، وقد اقتضت ولا تزال أعلى درجات اليقظة والتضحية والوحدة المجتمعية”.

المغرب اليوم يواجه وباءين وليس وباء واحد، الأول فيروس يتطاير بين الهواء أصاب المئات من الشعب المغربي، والثاني فكري يتنقل بين العقول حتى دمر آلاف العقول من أبناء المغرب، ومزق أبناء الوطن الواحد، كما يمزق فيروس كورونا القفص الصدري.

الصين تتصدر المساعدات المقدمة للمغرب وامريكا تتدخل

تحصلت الحكومة المغربية في الأسبوع الأخير من مارس الماضي، على الدفعة الثانية من المعدات الطبية والمستلزمات الوقائية القادمة من الصين، بعد أيام قليلة من وصول الدفعة الأولى من بكين إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، وذلك في إطار التعاون الذي أطلقته الصين مع مجموعة من الدول لمواجهة تفشي فيروس كورونا بها، ففي يوم 23 مارس الماضي وصلت طائرة شحن تابعة لشركة الخطوط الملكية المغربية إلى الدار البيضاء وهي تحمل على متنها إمدادات طبية من مقاطعة قويتشو بالصين، تشمل 15000 زوج من القفازات الطبية و20000 كمامة، و2000 بدلة واقية وغيرها من المستلزمات الطبية. كما كشفت بكين عن وصول خمسة آلاف جهاز حديث للكشف عن فيروس كورونا. جدير بالذكر أن الولايات المتحدة قد دخلت على خط الأحداث في المغرب، التي تعد واحدة من أهم حلفائها التاريخيين بالمنطقة، وقد أعلنت واشنطن عن تخصيص دعم مالي تبلغ قيمته 670 ألف دولار، لدعم جهود المغرب لمكافحة هذا الفيروس.

توقعات الحكومة المغربية في ظل ارتفاع الإصابات والوفيات

في حقيقة الأمر، تعيش الحكومة المغربية حيرة شديدة، فهي تتعرض لانتقادات حادة من الشارع، وللتكفير من الإسلاميين المتطرفين، والأخطر من كل ذلك أنها لم تعد تجد أي جناح سياسي تتكئ عليه، فحكومة سعد الدين عثماني (رئيس الوزراء الحالي)، باتت تستشعر أن مصيرها قد يكون نفس مصير حكومة عبد الاله بنكيران السابقة، وكلاهما محسوبين على حزب العدالة والتنمية المغربي (إخوان المغرب).

قواعد الحزب الآن في حيرة أشد من الحكومة والملك، فهي تخشى الدفاع عن الحكومة فتخسر آخر ما لديها من رصيد عند الشعب، ولو قامت بمهاجمة الحكومة، سيكون هذا أشبه بالانتحار، وفي ظل الحيرة السياسية لدى النظام المغربي (ملك وحكومة)، يجد النظام نفسه أمام معضلة أساسية، تتعلق بالتصاعد المستمر لأرقام المصابين بالفيروس، بعد أن بدأت البلاد في الاقتراب حثيثًا من أسوأ سيناريو متوقع وهو المرحلة الثالثة، التي قد يصل فيها عدد المصابين بالفيروس إلى عشرة آلاف شخص، وهي المرحلة التي سيصبح فيها هدف الحكومة المغربية هو حصر الإصابات، وتخفيض أعداد الوفيات بقدر المستطاع، ومحاولة ضمان استمرار عمل المرافق العمومية والخاصة، والمؤسسات الحيوية وفي مقدمتها العسكرية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى