كورونا

السويد كنموذج مختلف في إدارة أزمة كورونا.. “الحياة تسير بشكل طبيعي”

اتبعت السويد نهجاً يختلف عن غيرها من الدول في إدارة أزمة الوباء العالمي كوفيد 19، لم تتخذ الحكومة في السويد إجراءات قاسية كما فعلت غيرها من حكومات الدول الأخرى، فقط وجهت إليهم مجموعة الإرشادات حفاظاً على الصحة العامة، كما يمارس المواطنون حياتهم اليومية من خلال تحمل المسئولية الاجتماعية وضبط النفس، ولعل ما ساهم في انفراد التجربة السويدية في استراتيجياتها هو المستوى المرتفع من الثقة بين المواطنين والمؤسسات الحكومية، كما يمنع القانون والدستور الحكومة من التدخل في شؤون السلطات الإدارية مثل هيئة الصحة العامة، واتخذت مجموعة من التدابير للحد من انتشار الفيروس والتخفيف من آثاره الاقتصادية، من هذا المنطلق تحاول الورقة التركيز على إدارة الأزمة من قبل الحكومة السويدية في مستوياتها المختلفة.

طريقة إدارة الحكومة السويدية للأزمة

تهدف سياسة الحكومة وقراراتها إلى الحد من انتشار العدوى وضمان توافر موارد الرعاية الصحية والحد من التأثير على الخدمات الحيوية وتخفيف الأثر على الأفراد والشركات، وضمان اتخاذ التدابير المناسبة في الوقت المناسب. وفى كلمات رئيس وزراء السويد إلى الشعب حث المواطنون على ضرورة الحفاظ على أنفسهم ومجتمعهم وعلى المسئولية المشتركة بين الجميع، حيث تقع مسئولية منع انتشار العدوى وحماية كبار السن وغيرهم من الفئات الضعيف على الجميع، كما أكد على ضرورة عدم الذهاب إلى العمل في حالة ظهور أعراض الوباء.

وركزت كلمة رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين على البعد الإنساني والتضامن الاجتماعي من حيث دعم المواطنين لبعضهم على سبيل المثال دعم مطعمك المحلى من خلال شراء وجبة سريعة ومساعدة الجيران في التسوق، وبدلا من زيارة الأقارب التواصل معهم تلفونيًا.

على المستوى الاجتماعي

تتبع الدولة استراتيجية هادئة لإبطاء انتشار الفيروس والسيطرة عليه مع التركيز على حماية الفئات الضعيفة، وطالبت المواطنين تحمل المسئولية الجماعية من حيث العمل من المنزل، حيث تتمتع دول الشمال الأوروبي بواحد من أكثر الاقتصادات الرقمية تقدماً، ويعمل بالفعل أكثر من ثلثي السويديين من عبر الانترنت من المنزل، والحث على تجنب السفر غير الضروري ووفقا لشركة النقل العام في ستوكهولم فقد شهدت أعداد المسافرين انخفاضا في الأيام الماضية بنسبة 50 % في القطارات، إضافة إلى العزل الذاتي للمرضى أو للأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم السبعين. 

وقد قامت وزارة الخارجية في السويد بتمديد قرار منع السفر إلى جميع الدول الذى اتخذته في 14 مارس 2020 حتى 15 يونيو2020.

كذلك يوجد تضامن مجتمعي في مختلف القطاعات حيث قامت شركات فودكا السويدية في تصنيع أجهزة التعقيم وتوزيعها على المستشفيات، وقامت شركة Essity   ثاني أكبر مورد لورق “التواليت” في العالم بزيادة إنتاجها وتصنيع الماسك لمساعدة المستشفيات. وعندما سرح آلاف من الموظفين في شركة الخطوط الجوية الاسكندنافية SAS ، تم تدريبهم في التمريض لدعم المستشفيات، كما يقوم العاملون في شركة سكانيا لصناعة الشاحنات بدعم شركة طبية لإنتاج مزيد من أجهزة التنفس واستهدفت المتاجر الكبرى موظفي الفنادق والمؤتمرات الذين فقدوا وظائف.

كما خصصت السوبر ماركت ساعة مبكرة لكبار السن الذين تتجاوز أعمارهم 70 عام ليستطيعوا الحصول على ما يلزهم في ظروف آمنة، إضافة إلى السلوك المجتمعي في السويد والتزامهم بالنظام ومحاولة الموازنة بين اتباع التعليمات والحفاظ على مسافات آمنة، إضافة إلى الموازنة بين السيطرة على الفيروس وخفض الأضرار الاقتصادية كلها عوامل هامة ساعدت السويد على مواجهة الفيروس.

كذلك يمارس المواطنون التجول والتسوق والرياضة مع المحافظة على مسافة 3 أمتار وعدم المصافحة بين الناس سواء أقارب أو جيران، وقد تم حظر التجمعات لأكثر من 500 شخص، والتعليم الثانوي والجامعي عبر الإنترنت، بينما لازالت مدارس التعليم الابتدائي تعمل. ويقترح التعليم عن البعد في مؤسسات التعليم العالي، إضافة إلى مزيد من فرص التعليم والتدريب المهني في الدولة، وإزالة الدخل الخاص بطلبة الطب والصحة مؤقتا وذلك لدعم هؤلاء الطلبة لقطاع الصحة.

واقترحت الحكومة في 20 مارس تقديم مليار كرون سويدي للقطاع الثقافي وكذلك الحركة الرياضية دعما لما تواجه من آثار اقتصادية نتيجة الفيروس. 

على المستوى الصحي

قامت القوات المسلحة ببناء مستشفيات للطوارئ خارج ستوكهولم، وتم الاستعانة بمهنيين متقاعدين في مجال الرعاية الصحية، كما وفرت الحكومة موارد مالية إضافية وأجور مرضية لأعداد كبيرة من السكان.

وسمحت الحكومة بإعفاءات لبناء المستشفيات والمباني المؤقتة لمواجهة انتشار الوباء، حتى لا تعرقل تصاريح البناء اللازمة جهود الرعاية الصحية لمواجهة الفيروس، فقد أحيل إلى المجلس التشريعي اقتراح بعنوان” استثناءات من قانون التخطيط والبناء”، وتقدم المجلس الوطني للإسكان والبناء والتخطيط في 26 مارس برسالة إلى المكاتب الحكومية لتعديل قانون البناء لتيسر إدارة الأزمة من قبل الوكالات والمناطق والبلديات الحكومية، وبموجب الاقتراح تستطيع الحكومة منح إعفاءات من شرط أن يكون المبنى ممتثلاً لما في خطة التنمية البلدية المفصلة، على أن يبدأ تنفيذه في 1 مايو 2020، وإمكانية تطبيقه على المباني المؤقتة التي بنيت بالفعل دون تصريح بناء.

كما تعوض الحكومة البلديات عن التدابير الاستثنائية في مجال الرعاية الصحية والطبية، وسوف يتم إيقاف الخصم الخاص بالأجور المرضية لمدة شهرين بين 11 مارس و31 مايو، وتقوم الحكومة المركزية بدفع استحقاقات العاملين المرضى منذ يومهم الأول، ويستطيع الموظف أن يطلب سداد تكاليف عن اليوم الأول للمرض من الحكومة المركزية ويقدم طلب إلى وكالة التأمين الاجتماعي السويدية، وكذلك الأفراد الذين يعملوا لحسابهم الخاص. 

إضافة إلى تخصيص وكالة الصحة العامة مبلغ قيمته 41 مليون كرون سويدي لتغطية تكاليف الموظفين، و20 مليون كرون سويدي للمجلس الوطني للصحة السويدية وكذلك 5 مليون كرون سويدي للوكالة السويدية للمنتجات الطبية لضمان توفير الأدوية، إضافة إلى قيمة الإطار الائتماني للمجلس الوطني للصحة والرعاية من 100-300 مليون كرون سويدي لشراء معدات الحماية والاختبار، وكذلك أموال مخصصة للوكالة السويدية المدنية للطوارئ لنشر تقارير معلوماتية لجميع الأسر، وتوفير إعانة للأفراد المصابين بالفيروس. 

على المستوى الاقتصادي

نظرا لتعرض البلديات والمناطق لأزمة مالية جراء انتشار فيروس كورونا تهدف الحكومة وحزب المركز والحزب الليبرالي إلى وضع تمويل إضافي بقيمة 22 مليار كورن سويدي في ميزانية الربيع المعدلة لعام 2020، والتي ستقدم في 15 أبريل، من شأن هذا التمويل تغطية التكاليف الإضافية للرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية.

إضافة إلى تعزيز التأمين ضد البطالة، وزيادة التمويل المخصص لخدمة التوظيف العامة في السويد، وبرامج سوق العمل.

فضلاً عن ضمان قرض من الحكومة المركزية لتسهيل حصول الشركات على التمويل، بما يعنى أن الحكومة ستضمن 70% من القروض الجديدة التي تقدمها المصارف للشركات التي تواجه صعوبات مالية نتيجة الفيروس، وخفض مؤقت لمساهمات الضمان الاجتماعي لأصحاب العمل في الفترة من 1 مارس إلى 30 يونيو 2020 ودفع فقط اشتراكات ومعاشات الشيخوخة.

ولخفض التكاليف التي تتحملها الشركات في قطاعات مثل السلع الاستهلاكية والفنادق والمطاعم، تقترح الحكومة تقديم الدعم وإعادة التفاوض على الإيجارات وأن تغطى 50% من تخفيض الإيجار بما يصل إلى 50% من الإيجار الثابت. وفيما يخص الاحتياطات الضريبة يقترح تغييرها بشكل مؤقت بحيث يتم تخصيص 100 % من الأرباح الخاضعة لضرائب 2019 والتي تصل إلى مليون كورن سويدي لمواجهة الخسائر المحتملة في المستقبل.

إضافة إلى استعادة الضريبة المدفوعة للمواطنين في 2019، ومن المقترح تأجيل دفع الضرائب، وهو ما يعنى أن ضريبة القيمة المضافة المقررة سنويا من 27 ديسمبر2019 حتى 17 يناير2021 تتضمن هذا المقترح. إضافة إلى حصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة على التمويل اللازم. وفى 17 مارس اقترحت الحكومة ضمانات ائتمانية لشركات الطيران بقيمة 5 مليار كرونا سويدية منها 1,5 مليار كورن سويدي لشركة SAS، وتوسيع الضمان الائتماني لوكالات ائتمانات التصدير السويدية وكذلك صناعة الشحن البحري.

كما تقوم الحكومة المركزية بتغطية ثلاثة أرباع التكاليف في حالة خفض ساعات عمل الموظفين، لكن في حالة العمل لساعات قليلة تغطى ثلث التكاليف، وفى حالة تسريح الموظفين في الأجل القصير تنخفض تكاليف أجور العمل إلى النصف، بينما يحصل العامليين على 90 % من أجورهم.

ختاما 

يمكن القول إن التجربة السويدية تختلف عن غيرها من الدول في استمرار الحياة اليومية بين المواطنين مع فرض تدابير بسيطة حفاظا على الصحة العامة وتحمل المواطنون المسئولية مع الدولة في مواجهة الوباء، وهو ما جعلها تصل إلى مستويات ليست كبيرة مقارنة بدول أخرى اتخذت إجراءات حاسمة في هذا الصدد.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى