
“بيزنس إنسايدر” يكشف أفضل الاستراتيجيات المتبعة لمكافحة تفشي فيروس كورونا
نشر موقع “بيزنس إنسايدر” تقريرًا لكاتبه “مورجان ماكفال”، ألقى من خلاله الضوء على الطريقة التى تفاعلت بها ست دول مختلفة مع تفشي فيروس كورونا، وتلقى بالضوء على أكثر الاستراتيجيات المتبعة نجاحًا في هذا السياق.
وفي مستهل تقريره، أوضح الكاتب أن الفحوصات على نطاق واسع مع فرض الحجر الصحي قد ساعدت دولاً مثل “كوريا الجنوبية وسنغافورة” في السيطرة على الموجة الأولى من الإصابات. وذلك في الوقت الذي يبدو فيه أن عمليات الإغلاق أثبتت نجاحًا، إلا أنه وبمجرد رفع القيود شهدت أماكن مثل هونج كونج انتشار جديد للعدوى. وفي هذا السياق، يطرح موقع بيزنس إنسايدر تقريره، الذي يدور حول آراء مجموعة من الخبراء والتي تنص على أن الطريقة المُثلى لمكافحة عدوى الفيروس، قد تكون عبارة عن مجموعة من هذه الاستراتيجيات، تسمى “القمع”.
وفي هذا الصدد، يلفت الكاتب الى أن مجموعة تتألف من بلدان مختلفة قد بدأت بالفعل في إعطاء الباحثين فكرة عن عدد من الأساليب المتنوعة التي من الممكن استخدامها لأجل إيقاف تفشي المرض. فقد اتجهت الصين على سبيل المثال إلى وضع عدد 16 مدينة صينية في إطار حالة الإنغلاق الكامل لفترة تزيد على شهرين متتاليين. بينما رأت كوريا الجنوبية أنه من الأفضل أن تلقي بثقلها وراء جهود إجراء فحوصات على نطاق واسع. وفي ذات الوقت، طالبت السويد من سكانها أن يغسلوا أيديهم ويبتعدوا عن بعضهم البعض، ولكن في الولايات المتحدة يبدو أن السلطات انتظرت لبعض الوقت قبل اتخاذ اجراءات واسعة النطاق.
وهكذا، وبفعل تفحص النتائج التي أصبحت أكثر وضوحًا في كل بلد، يشير العديد من الخبراء إلى إمكانية استخدام مزيج استراتيجي من الفحوصات على نطاق واسع، مع الحجر الصحي بالإضافة الى فرض حالات الإغلاق على الصعيد الوطني لأجل مكافحة انتشار الفيروس. وفيما يلي يستعرض الكاتب الأساليب الأربعة الرئيسية التي اتخذتها الحكومات ومدى نجاح كلاً منها:
- إجراء الفحوصات، والعزل، وتتبع المخالطين، بالإضافة الى الحجر الصحي:
هذا النهج يمكن اتباعه في البلدان التي تمتلك رفاهية اكتشاف الحالات الأولى في وقت مبكر بما فيه الكفاية، بأن يساعدها على تبني نهج احتواء الفيروس، بدلًا من الركض لأجل التخفيف من حدته بعد تفشيه بالفعل. ووفقًا للدكتور بن كولينج، عالم الأوبئة في جامعة هونج كونج، “أن اكتشاف الحالات، والعزل، وتتبع المخالطين، والحجر الصحي. تعتبر هي الأربع خطوات اللازمة لإجراء عملية الإحتواء”.
ويستطرد الكاتب لافتًا الى أن هذا بالضبط ما فعلته كوريا الجنوبية. حيث بدأ مسئولو الصحة بسرعة بإجراء فحوصات واسعة النطاق على عشرات الآلاف من الأشخاص بشكل يومي، وطبقت الحكومة أيضًا برنامج تتبع اتصالات قوي للغاية – بغض النظر عن اختراق خصوصية المواطنين- وتسمح لها هذه الخاصية بأن تقوم بعد التأكد من إيجابية فحوصات شخصا ما، بتتبع مقابلاته الشخصية، واستخدام خاصية تحديد المواقع عبر القمر الصناعي، وسجلات بطاقة الائتمان الخاصة به، بالإضافة الى استخدام خاصية المراقبة عبر مقاطع الفيديو لأجل تتبع تاريخ رحلات المصاب، وفقًا لما نشرته واشنطن بوست.
وترتب على هذه الإستراتيجية انخفاظ المنحنى اليومي لمعدل الحالات الجديدة لدى كوريا الجنوبية في أوائل شهر مارس الماضي، ومنذ ذلك الحين أخذ منحنى انتشار الفيروس بشكل كبير في الإنحسار.
وتِبَاعَا لذلك، أخذت كلاً من هونج كونج وسنغافورة بسرعة في إجراء فحوصات على نطاق واسع، وفرض قيود على السفر، بالإضافة إلى فرض حجر صحي على الحالات المعروفة، واتخاذ تدابير التباعد الإجتمعي بدءً من أواخر شهر يناير، وترتب على ذلك أن كلا المدينتين شهدتا نجاحًا في احتواء سرعة تفشي المرض.
ولكن في نفس الوقت، ينقل الكاتب أن هذه الإجراءات قد لا تكون مجدية في كل مكان. والسبب وراء ذلك هو ما قاله عالم الوبائيات كاولينج، “أن هونج كونج مدينة ليست بالكبيرة، إنها تحتوي فقط على سبعة ملايين شخص، وتمتلك بالفعل نظام رعاية صحية متطور للغاية، بالإضافة الى أن مختبراتها المركزية تمتلك القدرة على إجراء الكثير من الفحوصات. ولكن كل هذه الأوضاع لا يمكن مقارناتها بمثيلاتها لدى الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال”.
مضيفًا أنه لتحقيق هذا النجاح، كان ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية أن تبدأ في إجراء فحوصات على نطاق واسع في كل ولاية، لكن مع هذا العدد الكبير من السكان، يتطلب اتخاذ خطوات مماثلة الكثير من الموارد. وعليه، قال كاولينج ” لقد فشلت عملية الإحتواء في الوقت الذي تنفز فيه القوى العاملة، كل هذا لأنه يوجد هناك العديد من الحالات التي لا يمكن فيها اجراء تتبع المخالطين أو فرض الحجر الصحي”. ولكن عندما يكون الإحتواء مستحيلاً، لا يبقى هناك سوى عددًا قليلاً من الخيارات الأخرى.
- الإنتظار قبل اتخاذ ردود أفعال على نطاق واسع:
يقول كاولينج “هناك دولاً أخرى مثل أوروبا وأمريكا، قد أساءت التقدير ولم تصدق أن ما حدث في الصين سوف يحدث أيضًا في أوروبا والولايات المتحدة، لأنه بدا بعيدًا جدًا عنهم ومختلفًا”. واليوم يوجد هناك منطقتان في شمال إيطاليا، تحديدًا “لومباردي وفينيتو“، تُظهران بوضوح عواقب هذا النهج.
فلقد انتهجت المدينتان استراتيجيات مختلفة، حيث فرضت “فينيتو” قيود السفر في وقت مبكر، وبدأت في إجراء الفحوصات على جميع السكان الذين تعاملوا مع مصابين فيروس كورونا، حتى لو لم تظهر عليهم الأعراض. لكن “لومباردي” قامت بإجراء فحوصات فقط على السكان ممن ظهرت عليهم أعراض وواجهت صعوبات في فرض نظام إغلاق إقليمي. وبعد مرور قرابة شهر، أشارت البيانات إلى وجود نتيجتين مختلفتين، فقد شهدت فينيتو معدل متباطئ من ظهور الحالات الجديدة والوفيات عن لومباردي.
وفي الولايات المتحدة، انتقدت السلطات الحكومية بسبب تجاوبها البطئ مع تفشي فيروس كورونا. فقد أدى اقتراف الأخطاء والتأخر في إنتاج اختبارات ” CDC ” لفيروس كورونا التاجي، أدى إلى وجود عجز كبير، بالإضافة الى أن اتخاذ قرارات الإغلاق تم تركها لكل ولاية بشكل منفصل.
ومن جانبه، علق “آشيش جها” مدير معهد الصحة بجامعة هارفارد، لبلومبرج :”هذه عدوى سريعة الحركة للغاية، بالدرجة التي تجعل فقدان عدة أيام أمر بالغ السوء، وفقدان أسبوعين أمر مروع، وفقدان شهرين يقترب من حد الكارثة، وهذا تحديدًا ما فعلناه”.
ولكن الولايات المتحدة بدأت أخيرًا في رفع مستويات اجراء فحوصات فيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء البلاد، ولهذا السبب قفز عدد الحالات المؤكدة الى أرقام كبيرة. ويعلق جها على هذا الأمر قائلاً: “لقد بدأنا ببطء في اللحاق بالركب، لكننا مع ذلك لازلنا متأخرين”. وأضاف: “أعتقد أن الخطوة الوحيدة التي تبقى أمامنا لأجل تفادي السيناريو الأسوأ، هي إعلان الحجر الصحي على المستوى الوطني لمدة 14 يوم”. وفي سياق متصل، يرى الدكتور أنطوني فوسي، مديرر المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، إن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تشهد إصابات تصل إلى ملايين مع وصول نسبة الوفيات الى 100.000 حالة.
- إعلان حالة إغلاق على مستوى وطني:
وفي هذه الحالة، لا يقصد بمصطلح “الإغلاق” المعنى التقني المستخدم عادة من قِبَل مسئولو الصحة العامة، ولكنه في هذه الحالة يقصد به تطبيق العزل المنزلي الإلزامي مع توجيه التوصيات بشأن ضرورة البقاء في المنزل، أو أصدار قرارات تنص على إغلاق أنواع معينة من الأنشطة التجارية أو تطبيق حظر الأحداث الكبرى والتجمعات. ولقد تبنت عددًا من الدول بالفعل هذه الإستراتيجيات، بالدرجة التي تجعل من عدد الأشخاص ممن يخضعون في الوقت الراهن لشكل من أشكال الإغلاق أكثر من عدد من كانوا على قيد الحياة أثناء الحرب العالمية الثانية.
ولقد نجحت هذه الاستراتيجية في الصين، حيث شهدت البلاد أنخفاضًا حادًا في معدل الحالات الجديدة، على الرغم من الاعتراضات التي أبداها بعض السكان المحليون والمسئولون الأمريكيون نحو الأرقام المعلن عنها للحالات. ولكن في نفس الوقت، يبدو أن البلدان التي أعلنت حالة إغلاق على المستوى الوطني في مارس، مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، لا تزال في تصاعد مستمر لتفشي المرض.
وفي الولايات المتحدة، أصدرت معظم الولايات تعليمات بضرورة البقاء في المنزل، وتشير نتائج الإحصائيات المبكرة الى أن هذه الإجراءات تعمل في بعض الأماكن. لكن عمليات الإغلاق لا يمكن اعتبارها بمثابة الحل الدائم، نظرًا لأن بعض المدن والبلدان الآسيوية بدأت في رفع قيودها، بالتزامن مع شهودها لإرتفاع في معدل الحالات الجديدة.
وفي هونج كونج، بلغ تعداد تفشي المرض مائة حالة فقط في أوائل مارس، ولكن سلطات المدينة نفذت حالة من الإنتشار الجماعي على نطاق واسع، وفرضت قواعد العمل من المنزل، ونشرت حملات توعية عامة، ورسمت خرائط بتقنيات عالية. وفي 2 مارس عاد موظفو الخدمة المدنية الى مكاتبهم، تبع ذلك الشركات الخاصة، وبدأ الناس في التنقل والذهاب الى المطاعم والحانات مرة أخرى. وبعد مرور أسبوعين، عندما بدأ مواطني هونج كونج ممن كانوا في الخارج بالعودة إلى ديارهم، ارتفع معدل الحالات بشكل مضاعف، وببلوغ يوم 30 مارس، كانت سلطات المدينة قد أعلنت عن أكثر من 680. وترتب على ذلك، أن ردت حكومة هونج كونج بفرض المزيد من القيود، وحظر التجمعات لأكثر من أربعة أشخاص، ومنعت غير المقيمين من دخول المدينة. وهذا ما يقودنا الى حقيقة أن عمليات الإغلاق الكامل، لا توقف حقًا انتشار المرض، إنها فقط تعمل على إبطاء تفشيه.
- حملات التوعية:
اتجهت بعض البلدان التي لم تتخذ خطوة الإغلاق أو فرض الحجر الصحي، بنشر حملات توعية للمواطنين تحثهم فيها على تطبيق مسافات التباعد الإجتماعي وغسل أيديهم بانتظام.
وفي السويد، لاتزال المدارس والعديد من الشركات تمارس أعمالها بشكل طبيعي. في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على نشر حملات توعية حول غسل اليدين، والحفاظ على مسافات التباعد الإجتماعي، وحماية كبار السن، وفي النهاية تركت الخيار أمام الفرد لأجل وقف المرض.
وتعليقًا على هذه الاستراتيجية، يرى “أندرس تيجنيل“، عالم الأوبئة، في تصريحه لصحيفة نيويورك تايمز: “نحاول العمل على إبطاء انتشار المرض بشكل تدريجي حتى نتمكن من التعامل مع المرضى الجدد، وهذه الطريقة التى نعمل بها في السويد، بحيث يتعمد نظامنا الصحي بأكمله في مكافحته للأمراض المعدية على العمل التطوعي”.
وفي وقتِ سابق من هذا الأسبوع، قامت وكالة الصحة العامة السويدية بنشر مبادئ توجيهية جديدة تقوم بتفويض كل شخص، بالإبتعاد عن الآخرين. بحيث يمكن للحملات الإعلامية أن تساعد على تسطيح المنحنى، مما يبطى الوباء بما يكفي للبقاء في إطار قدرة المستشفيات لدى الدولة. وعلى الرغم من استراتيجيتهم المختلفة في محاربة المرض، فإن أرقام السويد لاتزال بعيدة جدًا عن البلدان المجاورة والتي شهدت اغلاق عام.
- المزج بين التدابير المختلفة، يصنع استراتيجية “القمع”:
أوصى تحليل نشر من “إمبريال كوليدج لندن”، تم نشره بتاريخ 16 مارس، بالمزج ما بين هذه التدابير الوقائية. ويستنتج القائمون على هذا التحليل أن فاعلية أي استراتيجية منفردة من المرجح أن تكون محدودة، مما يتطلب الجمع بين استراتيجيات متعددة حتى يكون لها القدرة على تحقيق تأثير كبير على منحنى تفشي المرض. كما سلط التقرير الضو على استراتيجيتين رئيسيتين في مكافحة الفيروس التاجي، وهي “التخفيف” الذي يركز على ابطاء انتشار الوباء ولكن ليس بالضرورة إيقافه. و“القمع” الذي يهدف الى عكس مسار نمو الوباء.
مضيفين أن القمع سوف ينقذ معظم الأرواح، وينطوي ذلك على التباعد الإجتماعي على الصعيد الوطني، واجراء فحوصات على نطاق واسع، وتطبيق الحجر الصحي للحالات الإيجابية.
وأشار الكاتب في ختام تقريره إلى أن الإجراءات الحالية تهدف إلى منع الأسوأ، بحيث تحاول هذه الاستراتيجيات على البقاء بقدر الإمكان وصولاً إلى اللحظة التي يصبح فيها اللقاح متاحًا، وهذه العملية قد تستغرق 18 شهرًا. وهذه فترة زمنية طويلة، يعد من غير المرجح أن تستمر الحكومات، أو حتى السكان في تطبيق عمليات إغلاق وطني طويلة الأمد.
باحث أول بالمرصد المصري