
أبو النعيم السلفي .. المتمرد على القصر المغربي
في مساء يوم الجمعة 3 أبريل الجاري، قضت المحكمة الابتدائية بعين السبع بمدينة الدار البيضاء المغربية، بالسجن لمدة عام واحد مع النفاذ، بجانب دفع غرامة مالية قدرها ألفي درهم مغربي، على الشيخ السلفي المعروف عبد الحميد أبو النعيم، وجاء ذلك الحكم على خلفية اتهام أبو نعيم بالتحريض على الكراهية، والتمرد على ما أمرت به السلطة في المملكة، ارتكاب جنايات وجنح ضد الأبرياء عبر التحريض بمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
وكانت النيابة العامة قد قررت متابعة أبو النعيم بعد نشره فيديو على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الشهير “فيسبوك”، وهو الفيديو الذي أثار ضجة واسعة في المغرب، بعد أن صرح فيه قائلا :”إن البلد الذي يأمر بإغلاق المساجد قد أرتد عن دينه، وكفر بعد إيمانه، وأصبح دار حرب وليس دار سلام”، في إشارة منه إلى قرار الحكومة المغربية بإغلاق جميع دار العبادة في سياق جهودها لمكافحة تفشي فيروس كورونا.
الفيروس بدوره، حاز على جانب كبير من هجوم هذا الرجل، الذي كثيرا ما شكك في وجوده بالأساس، وقد انعكس ذلك على مطالباته المتكررة، للشباب المغربي، بعدم التجاوب مع أية تدابير تتخذها الدولة حيال هذا الوباء. كل ذلك وأكثر جعل المكتب الوطني لمكافحة الإرهاب والجريمة يفيض به الكيل، بعد أن منح القصر الملكي المغرب العديد من الفرص لمختلف أبناء تيار الإسلام السياسي.
وقد درجت المديرية العامة للأمن الوطني المغربي، على مدار السنوات الماضية، في وضع أبو النعيم. تحت تدابير أمنية مكثفة، بهدف مراقبة نشاطه، للإشتباه في صلته بخطط إرهابية، تستهدف المجتمع المغربي، وتهديد المواطنين والمواطنات بارتكاب أفعال تنطوي على تهديد السلم والنظام العام.
من هو أبو النعيم السلفي؟

هو واحد من أبرز رجال الفكر السلفي الوهابي في المغرب على الإطلاق، فبعد أن عمل كمدرس لمادة التربية الإسلامية بمنطقة درب السلطان التى كان يقطنها، تفرغ لنشر أفكاره الوهابية، ولذلك عُزل بصفة نهائية من مهامه بوزارة الأوقاف المغربية، بعد أن ضاقت الوزارة بتصرفاته ومحاولاته أستغلال المنابر التابعة لا، لترويج أفكاره المتطرفة.
تتلمذ أبو النعيم على يد الشيخ تقي الدين الهلالي الذي يعد أول من أدخل الدعوة السلفية إلى المغرب، بعد كل من الشيخ أبو شعيب الدكالي والشيخ محمد بن العربي العلوي، وقد رحل إلى المملكة العربية السعودية في شبابه وتتلمذ على يد كل من الشيخ محمد بن صالح العثيمين وعبد العزيز بن باز وعبد الكريم الخضير وعبد المحسن العباد. كذلك سافر إلى القاهرة، حيث تقابل فيها عدة مرات مع الشيخ أبو إسحاق الحويني، الذي يعد أكثر الشيوخ المصريين أقتناعاً بأفكار أبو النعيم.
يُعد ابو النعيم، واحداً من أكبر وأشرس من هاجموا كافة التيارات السياسية غير الإسلامية ذات الأفكار العلمانية في المملكة المغربية، كذلك أعتاد لسانه على سب وقذف القيادات الدينية البارزة بالمملكة، وقد سبقت محاكمته بتهم عديدة، منها إهانة بعض المؤسسات كوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكذلك التحريض على قيادات حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية. الآن بات في السجن، الشيخ السلفي المتشدد، الذى تسبب في الصداع المزمن لكثير من المسؤولين بوزارة الأوقاف وغيرها بالمملكة المغربية، ولكن تداعيات ذلك الحدث لا نعتقد أنها ستكون سريعة كما كان الحال عليه في إجراءات اعتقاله ومحاكمته.
ما بعد تمرد السلفي على القصر الملكي

من ما سبق، نتوقع أن يعود القصر الملكي المغربي، إلى رؤيته السابقة في تعامله مع تيارات الإسلام السياسي، فبعد أن راهنت المملكة المغربية على التيار الصوفي وحده، وقدمت له كل الدعم على حساب باقي التيارات المتشددة والمتطرفة، على خلفية التفجيرات التى شهدتها الدار البيضاء في 16 مايو 2003م، الأمس شاهد القصر الملكي بأم عينه عدم قدرة التيار الصوفي على شغل مكان جماعة الإخوان المسلمين بالأمس، ويشاهد اليوم فشل هذا التيار أمام الجناح السلفي المتطرف، وهو التيار الذى تصاعدت أسهمه عقب حركات الاحتجاج الشعبي في دول المنطقة منذ عام 2011م.
القصر الملكي المغربي حالياًُ يبقى في حيرة شديدة، بعد أن وجد نفسه بين شقي الرحى (الإخوان والسلفيين) اللذان كان يعتقد لسنوات طويلة أنهما اصبحا، بعد سلسلة من الموائمات والاتفاقيات السرية بينهم وبين القصر الملكي، أذرع له في الشارع المغربي، يجد نفسه حالياً أمام موقف لا يحسد عليها، فالإخوان وأن كان القصر الملكي قدم لهم ثاني أهم منصب في البلاد إلا وهو منصب رئيس الحكومة وبعض الحقائب الوزارية ونصف الكراسي البرلمانية، كي يتجنب ما حدث في دول الربيع العربي من صدام دموي بين تنظيمات الإخوان والحكومات، (مع العلم أن من قبل 2011م والقصر الملكي يتعامل بتلك النظرية لاحتواء جماعة الإخوان المسلمون)، تحولوا الآن إلى عبء على كاهل الملك محمد السادس، في ظل فشل رئيس الوزراء الأسبق عبد الاله بنكيران (المحسوب على حزب العدالة والتنمية الإخواني) أو الحالي سعد الدين عثماني والمحسوب على نفس الحزب والجماعة أيضا، في تنفيذ أي تنمية أو مشروعات قومية للبلاد، للنهوض باقتصادها الذي كان العامل الرئيسي في إشعال شرارة الاحتجاجات الشعبية بالأونة الأخيرة.
على الجانب الأخر، أصبح التيار السلفي، الذي يفترض أنه لا ينخرط في السياسة والعمل السياسي، أصبح لديه الآن في المغرب، مشروعاً متكاملاً مشابه لمشروع الإخوان المسلمون الذي يروج لنفسه بأنه يحمل مشروع متكامل لإدارة الدولة، اليوم التيار السلفي يكشر عن أنيابه فى المغرب، ويعلن تمرده على كل الاتفاقات التي عقدها مع القصر الملكي سابقا، حتى عقد السلفيون العزم ولأول مرة على التغريد خارج السرب، ومهاجمة النظام المغربي عبر الشيخ السلفي أبو النعيم. أول تمرد إسلامي على القصر الملكي، بعد أن كانت كافة تيارات الإسلام السياسي جمعاء تنأى بنفسها من كل الصدمات السابقة بين الشعب والنظام، والتي كان أبرزها في الريف المغربي بقيادة ناصر زفزافي.
الإسلام السياسي كما عهدناه، كان دوماً بإنتهازيته واستغلاله السيئ لأي حدث، حتى وإن كان على حساب المصلحة الوطنية، يكرر نفس الأمر في المغرب وعلى حساب شعبه، فحتى أزمة تفشي فيروس كورونا استغلها التيار الديني أسوأ استغلال خاصة التيار السلفي، وعندما يأس الأمن المغربي من المواءمات السياسية مع التيارات الإسلامية، لم يعد أمامه سوى اعتقال أبو النعيم لأرسال رسالة صريحة وواضحة للجميع، بأن البلاد قد طفح بها الكيل من مثل تلك الدعاوى الهدامة.
وبات القصر الملكي المغربي في حيرة أمام خيبة الصوفي في الشارع، وفشل الإخواني في الحكومة، وتمرد السلفي على المنابر.
فهل يكتب المستقبل القريب علاقة جديدة بين القصر الملكي والأحزاب العلمانية، أم نرى صيغة جديدة أكثر تعقيدا لإعادة العلاقة بين القصر الملكي والتيارات الإسلامية تكون أكثر إرضاء للبعض على حساب الأخر