
كورونا يغير شكل العلاقة بين أفريقيا وأوروبا
مازال فيروس كورونا المستجد يبهر البشرية كلها بما يحدثه فيها من تغيرات على كافة الأصعدة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فما بعد كوفيد 19 –حتمًا- ليس كما قبله، ويمكن استظهار هذه التغيرات على سبيل المثال في العلاقة بين القارتين السمراء والعجوز، وخاصة بعد الأنباء التي كشفتها صحيفة “napolitan” الإيطالية عن إرسال الصومال فرقة طبية من جامعة مقديشو الوطنية إلى إيطاليا لمساعدتها في احتواء المرض.
أوروبا أصبحت مصدر الوباء
على الرغم من الروابط الاقتصادية القوية بين أفريقيا والصين، فإن معظم الإصابات التي ظهرت في القارة السمراء في بداية انتشار الفيروس، كان منشأها أوروبا، سواء لمواطنين أوروبيين سافروا إلى البلدان الأفريقية، أو لمواطنين أفارقة عادوا من أوروبا، وبذلك أضحت أوروبا مصدر اللعنات على القارة السمراء التي تعاني في الأساس من تردي الأوضاع الصحية، وتهالك المنظومات الصحية لأكثر دولها -الفقيرة أصلًا-.
وأرجعت منظمة الصحة العالمية الأمر إلى أن الصين –باستثناء ووهان- كانت أكثر نجاحًا في احتواء فيروس كورونا المستجد من أوروبا، إذ استمرت الرحلات الأوروبية من وإلى العديد من البلدان الأفريقية، مما ساعد على انتقال المرض إليها من البلدان التي أصبحت بؤرة انتشار للفيروس، وخاصة إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، وهي بلدان تربطها علاقات وثيقة بالكثير من دول أفريقيا.
وبذلك تغيرت الآية، فبعدما كانت أفريقيا بيئة خصبة للأوبئة والأمراض التي يهرع العالم كله إلى علاجها، وآخرها مرض الإيبولا الذي ظهر في غرب القارة عام 2014، باتت القارة السمراء أقل القارات إصابة بالفيروس، وأكثرها تضررًا من انتقال الفيروس إليها من قارات أخرى، وعلى رأسها أوروبا.
موسم الهجرة إلى الجنوب
الهجرة إلى الشمال هي الحلم الذي يراود الكثير من الأفارقة، بحثًا عن العمل والمال والشهرة والنجاح، ولكن تغيّر الأمر نسبيًا مع الوافد الجديد “كوفيد 19″، فأصبحت الهجرة إلى الجنوب هي الحلم والمطمع، يبحث فيها الأوروبيون عن جوٍ أكثر دفئًا على أمل أن يسهم ذلك في عدم إصابتهم بفيروس كورونا المستجد الذي تفشى في بلدانهم بشكل بات عصيًا على الاحتواء، خاصة مع وجود بعض التقارير العلمية التي تشير إلى أن الطقس الحار يساهم في عدم انتشار الفيروس، وهي التقارير التي أكدت منظمة الصحة العالمية عدم التأكد منها علميًا حتى الآن.
وتشير وقائع إلى فرار الكثير من الإيطاليين والإسبانيين إلى دول أفريقية تحت غطاء السياحة هربًا من الفيروس الذي تفشى في بلدانهم، إذ أفادت إحدى وكالات الأنباء الكاميرونية عن ارتفاع عدد الوافدين من إيطاليا بسبب الأشخاص الذين يحاولون الهروب من الفيروس. كما سُجّل عدد من الوقائع عن بعض الأوروبيين الذين كانوا يزورون بلدان أفريقية للسياحة ورفضوا مغادرتها بعد انتهاء رحلاتهم.
وأعلنت موريتانيا مطلع الشهر الماضي ترحيلها 15 سائحًا إيطاليًا وصلوا أراضيها، بعد رفضهم الخضوع للحجر الصحي، وذلك بسبب مخاوف من نقلهم فيروس كورونا المنتشر في إيطاليا، وأعلنت تونس كذلك في 10 مارس ترحيلها 30 إيطاليًا.
كما رفضت السلطات الأوغندية في 9 مارس الماضي دخول 22 أوروبيًا، توجهوا إلى العاصمة كمبالا لحضور منتدى الأعمال الأوغندي الأوروبي، وذلك بسبب مخاوف من الإصابة بفيروس كورونا المستجد، إلا أن مسؤولي المنتدى أكدوا أن من مُنعوا من دخول البلاد ليسوا من ضيوف المنتدى بل من السياح، وأن بعض ضيوف المنتدى موجودون بالفعل في البلاد، إضافة إلى آخرين أكدوا أنهم لن يحضروا.
الأوروبيون غير مرحب بهم في أفريقيا
أعلنت الكثير من الدول الأفريقية فرض حجر صحي كامل على القادمين إليها من دول “عالية الخطورة” مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة، إذ قال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا –على سبيل المثال- في بيان له: “نحن نفرض حظرًا على سفر الرعايا الأجانب من الدول عالية الخطورة مثل إيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية وإسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين اعتبارًا من 18 مارس 2020″، مؤكدًا أن “البلاد تشهد انتقالًا داخليًا للفيروس تم اكتشافه لأول مرة في مجموعة سافرت إلى إيطاليا، والحكومة ستتخذ إجراءات عاجلة لحماية المواطنين واقتصادها”.
وأعلنت الكونغو الديمقراطية فرض حجر صحي على الأشخاص الذين يسافرون إليها من أوروبا، وذلك مباشرة بعد أن اكتشفت أول حالة مصابة بالفيروس في البلاد لمواطن بلجيكي. وقال الرئيس الكيني أوهورو كينياتا إن “الحكومة تعلق سفر جميع الأشخاص القادمين إلى كينيا من أي دولة ظهرت فيها حالات إصابة بفيروس كورونا.. فقط الكينيون وأي أجنبي يحمل إقامة سارية سيُسمح لهم بالدخول بشرط تطبيق الحجر الصحي الذاتي”. والأمر ذاته حدث في الكثير من الدول الأفريقية مثل رواندا وغانا ومالي، إضافة إلى كل بلدان شمال أفريقيا.
تدور دائرة الأيام، فبعدما كانت الدول الأوروبية هي التي تفرض حظرًا على السفر إلى أفريقيا، وخاصة مع أزمة مرض الإيبولا التي استمرت من عام 2014 إلى عام 2016، إذ قطعت الكثير من البلدان الأوروبية رحلاتها إلى دول غرب أفريقيا، وخاصة غينيا وليبريا وسيراليون.
باحث أول بالمرصد المصري