
السلطات أعادت فتحه دون ضوابط.. سوق ووهان للحيوانات: ” هنا كان البدء”
“هذه واحدة من أسوأ حالات التستر في تاريخ البشرية، والآن نواجه وباءً عالميًا” هكذا وصف عضو جمهوري من تكساس ومسؤول بارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي ” الفعلة الصينية”، إلا أنه وفي كل ما حدث، تمسكت الصين بطرح واحد ” من يشيرون إلى أن ووهان هي مركز الوباء لا ينطقون إلا بالهراء بشكل منتظم”، أما الحقيقة فبعيدة كل البعد عن تأكيدات الصين. وحسب صحيفة “بيزنس إنسايدر” فإن فيروسي السارس وكورونا المستجد يشتركان في أنهما يبدآن من الأسواق التي تعرف بالرطبة، والتي تنتشر في الصين وتبيع الحيوانات البرية والبحرية دون ضوابط، وهذه المرة كان سوق “ووهان” للحيوانات البحرية والبرية نقطة البدء.
ونتيجة للظروف الغريبة التي تتعرض لها الحيوانات في السوق ودرجات الحرارة المختلفة عن بيئتها الأصلية “كانت الطفرة” وقفز الفيروس من جسد إحداها إلى أحد الباعة، في تلك اللحظة تحديدًا منح البشر حياة جديدة لفيروس كورونا المستجد.. فماذا حدث تحديدًا؟
طبيعة الأسواق الرطبة
تُعرف الأسواق الرطبة بهذا الاسم لأن البائعين غالبًا ما يذبحون الحيوانات أمام العملاء. وفي مثل هذه الأسواق، يتم ضغط الأكشاك الخارجية معًا لتشكيل ممرات ضيقة، حيث يتسوق السكان المحليون والزوار من أجل قطع اللحوم النيئة والناضجة، وليس من قبيل الغرابة هناك أن تجد كشكًا يبيع الدجاج بالقرب من منضدة الجزار، يتم تقطيع اللحم بينما تشاهد الكلاب بترقب لا تدرك من خلاله أنها ستكون التالية على منضدة الجزار. بينما أكشاك الأرانب والمأكولات البحرية تقوم بطبخ مواردها للزبائن.
الأسواق “الرطبة” في الصين تضع الناس والحيوانات الحية والميتة – الكلاب، الدجاج، الخنازير، الثعابين وأكثر – في اتصال وثيق دائم. وهو ما يجعل من السهل على الأمراض الحيوانية المنشأ أن تقفز من أجساد الحيوانات إلى أجساد البشر.
وتأكيدًا على ذلك قالت جمعية الحفاظ على الحياة البرية في بيان لها إن “أسواق الحيوانات الحية ضعيفة التنظيم والممزوجة بالاتجار غير المشروع بالحياة البرية توفر فرصة فريدة للفيروسات للانتقال من مضيفيها في الحياة البرية إلى البشر”.
وفي حالة سارس وكورونا المستجد المسمى COVID-19، كانت الخفافيش هي المضيف الأصلي. ثم نقلت بدورها الفيروس إلى الحيوانات الأخرى في السوق، التي نقلت المرض إلى البشر.
تباطؤ الإجراءات
على الرغم من أن السجلات الحكومية المسربة تشير إلى أن أول إصابة كانت في العاشر من ديسمبر الماضي لبائعة جمبري في سوق ووهان إلا أن شهادة السكان المحليين تؤكد أن الإصابات الأولى ظهرت في نوفمبر الماضي، وعلى أفضل الأحوال فإذا صدقنا الرواية الحكومية فإن الفاصل الزمني بين اكتشاف الإصابة وإغلاق السوق الذي كان مصدرًا لها يصل إلى شهر.
تم إغلاق السوق في الأول من يناير الماضي. وحظرت سلطات ووهان في وقتها تجارة الحيوانات الحية في جميع الأسواق الرطبة، فيما مثل حظرًا وطنيًا مؤقتًا على بيع وشراء الحيوانات البرية ونقلها في الأسواق والمطاعم والأسواق عبر الإنترنت في جميع أنحاء البلاد.
تناقض حكومي
إذن أغلقت السلطات السوق مؤقتًا، إلا أن العلماء الصينيون وجدوا أن أول حالة تم الإبلاغ عنها لفيروس كورونا في شهر ديسمبر لا علاقة لها بالسوق الرطبة وذلك نقلاً عن تقرير نشر في المجلة الطبية The Lancet .
وقال الباحثون إن أكثر من 13 حالة من حالات الإصابة بكورونا البالغ عددها 41 حالة لا صلة لها بسوق ووهان. وإن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد نقطة بداية التفشي على وجه اليقين. ولكن إن كان هذا صحيحًا فلماذا تقول السجلات الحكومية أن المريضة صفر كانت بائعة للجمبري في سوق ووهان ثم لماذا قامت السلطات بإغلاق السوق وحظر تداول الحيوانات البرية وإن كان مؤقتًا؟ إضافة إلى أنه وقبل فرض الحظر الجديد، أعلن الحزب الشيوعي الصيني عن خطط للقضاء على أسواق الحياة البرية والتجارة غير القانونية في جميع أنحاء البلاد، معترفًا بـ “أوجه القصور” في رده على تفشي المرض.
حيث تأتي ثلاثة أرباع الأمراض المعدية الجديدة أو الناشئة من الحيوانات، وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
تحايل
كان الكثير من أشكال تجارة الحياة البرية في الصين غير قانونية بالفعل، حيث يحظر قانون حماية الحياة البرية في الصين صيد وبيع الأنواع المهددة بالانقراض، ولكنه لا ينطبق على جميع الحيوانات البرية. لكن هذه الممارسة استمرت بسبب التراخي في تنفيذ القانون، إضافة إلى الثغرات الموجودة فيه، كما يمثل السوق على الانترنت بؤرة أساسية للتحايل حيث يتم تسمية الحيوانات بأسماء أخرى لحيوانات أليفة فيسهل بيعها.
هل أكلوا الخفاش؟
إن أحدًا لا يستطيع الجزم بأن الفيروس انتقل نتيجة لأكل خفاش بعد طبخه، خصوصًا وأن كوفيد 19 يفنى عند التعرض لدرجات حرارة عالية، السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أنه قفز لجسد أحدهم نتيجة لطفرة ما حدثت في ذلك السوق، حيث تعرض الفيروس للـ” مضايقة” في بيئته الحاضنة الأصلية، ويكفي مثلًا أن يكون براز الخفاش قد سقط على قطعة فاكهة أو خضروات قبل ذبحه لينقل المرض إلى البشر، وعندما قارن الباحثون الشفرة الوراثية لكورونا المستجد بالفيروسات التاجية الأخرى، وجدوا أنها أكثر تشابهًا مع عينات الفيروس التاجي للخفاش. وأكدت إحدى الدراسات أن الفيروس التاجي الجديد يشترك في 96 ٪ من الشفرة الوراثية مع الفيروسات التاجية المنتشرة في مجموعات الخفافيش الصينية.
وقال كوي جي، عالم الفيروسات الذي كان ضمن فريق حدد الفيروسات المرتبطة بالسارس في الخفافيش في عام 2017، لـ Nature إن سلالة الفيروس التاجي هذه كانت بوضوح “فيروس الثدييات”.
فصيلة الخفاش الصيني التي نقلت فيروس السارس
صعوبة تغيير الثقافة
أقرت الصين بأنها بحاجة إلى السيطرة على تجارة الحياة البرية المربحة إذا أرادت منع تفشي وباء آخر. واتخذت خطوات بالفعل فقامت بإغلاق السوق في يناير، وفرضت حظرًا على البيع في فبراير، لكن إنهاء التجارة سيكون صعبًا. إن الجذور الثقافية لاستخدام الصين للحيوانات البرية عميقة، ليس فقط للطعام ولكن أيضًا للطب التقليدي والملابس والزخارف.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها المسؤولون الصينيون احتواء التجارة. ففي عام 2003، تم حظر حيوان “النمس” – وأعدم بأعداد كبيرة بعد أن اكتشفوا أنه من المحتمل أن ينقل فيروس السارس إلى البشر. كما تم حظر بيع الثعابين لفترة وجيزة في “قوانجتشو” بعد تفشى السارس.
يقول خبراء الصحة العامة إن الحظر خطوة أولى مهمة، لكنهم يدعون بكين إلى اغتنام هذه الفرصة الحاسمة لسد الثغرات -مثل استخدام الحيوانات البرية في الطب الصيني التقليدي- والبدء في تغيير المواقف الثقافية في الصين حول استهلاك الحيوانات البرية.
صناعة بالمليارات
شكك الكثيرون في أن الحظر سيكون فعالًا على المدى الطويل. وأكدوا “قد تنخفض التجارة لبضعة أشهر … ولكن بعد فترة سيعود الناس لما كانوا عليه.
صناعة كهذه من الصعب إيقافها، وقد وجد تقرير رعته الحكومة في عام 2017 من قبل الأكاديمية الصينية للهندسة أن تجارة الحياة البرية في البلاد تبلغ قيمتها أكثر من 73 مليار دولار وتوظف أكثر من مليون شخص. وعلى الرغم من ذلك فإنه وفق دراسة أجرتها جامعة بكين للمعلمين والجمعية الصينية لحماية الحياة البرية في عام 2012 فقد عارض أكثر من 80 ٪ من السكان في بكين استهلاك الحياة البرية. ولكن يبقى الوضع مخيفًا في الريف حيث تسيطر معتقدات أخرى.
حتى أن مجموعة من 19 أكاديميًا من الأكاديمية الصينية للعلوم والجامعات الرائدة أصدرت بيانًا عامًا يدعو إلى إنهاء التجارة، قائلة إنه يجب التعامل معها على أنها “قضية أمان عام”.
حظر هش
يُعدُّ استخدام الحيوانات الغريبة في الطب الصيني التقليدي من العوائق التي تحول دون الحظر التام على تجارة الحياة البرية. وهي صناعة تقدر الآن بنحو 130 مليار دولار.
وإذا ما كنا نتحدث عن حظر هش فيجب أن نعي أنه يستثنى أيضًا من الحيوانات البرية تلك المستخدمة في الطب الصيني التقليدي. وحول ذلك تؤكد الحكومة الصينية، أنه إذا أصبحت التجارة غير قانونية بسرعة، فسوف تدفعها للخروج من الأسواق الرطبة في المدن، مما يخلق أسواق سوداء في المجتمعات الريفية حيث يسهل إخفاء الحيوانات عن السلطات وهو ما سيكون أكثر خطورة.
إعادة فتح مركز الكارثة
حسب الـ واشنطن تايمز عرفت الصين لسنوات أن الخفافيش تسببت في المرض، وتركت أسواق الحيوانات البرية مفتوحة، وعطفًا على ذلك وبعد ما يقرب من أربعة أشهر منذ تفشي أحد أسوأ الأوبئة التي شهدها الكوكب في الصين، أعيد فتح أسواق الحيوانات. هذا يعني أن الحياة في الصين تعود إلى طبيعتها، إلا أن إعادة فتح أسواق الحيوانات دون أي احتياطات لتفشي الأوبئة في المستقبل قد بث القلق في جميع أنحاء العالم. عادت الخفافيش والعقارب إلى أسواق اللحوم في الصين في الوقت الذي تتعافى فيه الصين من تفشي المرض الذي هز العالم وراح ضحيته أكثر من أربعين ألف شخص. وحسب الدايلي ميل البريطانية تمت مشاهدة حشود ضخمة على الفور في الأسواق ولكن دون أي احتياطات في منظر يثير الرعب أكثر مما يثيره التفشي الحالي للوباء، ومنع الناس من التقاط الصور لتهدئة موجة الكراهية ضد الصين حيث أصيب بالفيروس ما يقرب من 900 ألف شخص حول العالم حتى الآن، لم يستفق العالم بعد من موجة تفشي كوفيد 19، وإذا افترضنا على أحسن حال انحساره في الصيف، فإن البشرية لم تتجهز بعد لقفزة جديدة تشهدها أحد أسواق الصين الرطبة!
باحث أول بالمرصد المصري