كورونا

الإرهاب.. و”ثغرة كورونا”

شجعت حالة الارتباك الصحي والأمني في غالبية دول العالم نتيجة لانتشار فيروس “كورونا” المستجد، على استغلال تلك الظروف من قبل التنظيمات الإرهابية من أجل تحقيق أهدافها ونشر فكرها المتطرف. فقد لجأت التنظيمات إلى آليات متعددة في ضوء الاستفادة من انتشار الفيروس. وعليه، تحاول هذه الورقة قراءة تحرك التنظيمات الإرهابية في محاولة لرصد الآليات الحالية وتفسيرها، والتعرف على خطواتها القادمة.

آليات متعددة

هناك عدد من الآليات التي يمكن أن تلجأ إليها التنظيمات الإرهابية، في محاولة للاستفادة من أزمة “كورونا” ويمكن استعراضها على النحو التالي:

التجنيد:

مع تصاعد التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس “كورونا”، وخضوع ملايين من البشر للعزل الذاتي في منازلهم، انصرف عدد كبير من الأفراد إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعرف على مستجدات الأحداث، حيث الملاذ الآمن لنشاط التنظيمات الإرهابية، والساحات البديلة لنشر فكرهم. وبالتالي تمثل حالة الارتباك والخوف التي يشهدها العالم أجمع، فرصه جديدة للتنظيمات الإرهابية للوصول إلى قواعد جماهيرية جديدة، وتجنيد عناصر شابه. وبالنظر إلى الإجراءات المصاحبة للفيروس نجد أنه دفع إلى التباعد الاجتماعي تجنبًا للإصابة بالمرض، ما أسفر إلى ضعف الروابط الاجتماعية والأسرية. الأمر الذي يمكن أن تستثمر فيه تلك التنظيمات عبر توظيف الحاجة إلى “الانتماء”، هذا من جهة. ومن جهة أخري، قد تستثمر التنظيمات في التداعيات السلبية المترتبة على فيروس “كورونا”، حيث تباطؤ وتيرة الاقتصاد، وانخفاض مستويات المعيشة، وفقدان عديد من الأفراد وظائفهم، ما يدفعها إلى استغلال الاحتياجات المالية للأفراد، ومحاولة تجنيدهم عبر تقديم تسهيلات وحوافز اقتصادية.  

استهداف السجون:

 سعت بعض التنظيمات الإرهابية إلى استغلال انشغال الدول بمكافحة فيروس “كورونا”، ودعت إلى اقتحام السجون من أجل إخراج عناصرها. وفي هذا السياق، حاول تنظيم “داعش” استغلال انتشار فيروس كورنا من أجل إطلاق سراح أعضاءه. ففي افتتاحية العدد الأخير لصحيفة “النبأ” الأسبوعية التي يصدرها التنظيم، دعا أنصاره للاستفادة من الوباء لتحرير السجناء من “سجون المشركين ومعسكرات الإذلال”، وتجدر الإشارة إلى هروب عدد من معتقلي “داعش” من سجن “الغويران” في الحسكة شمال شرقي سوريا، مساء أمس. وعلى صعيدٍ متصلٍ، قامت جماعة “الإخوان المسلمين” بإرسال رسائل عبر البريد الإلكتروني تحت عنوان “الرسالة دي ممكن تنقذ حياتك من كورونا”، ظاهرها توعوي وباطنها تحريضي بهدف استغلال الوباء لدعم عدم الاستقرار عبر المطالبة بإطلاق سراح الإرهابيين من سجناءهم خوفًا من تفشى الفيروس في السجون المصرية. وعلى التوازي، قامت مجموعة تابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” بنشر مجموعة من الرسائل التحريضية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تدعو لاقتحام السجون المصرية، وتهريب عناصر الإخوان، في ظل انشغال الحكومة بمواجهة الأزمة الوبائية، والحد من انتشار فيروس “كورونا”. 

نشر الشائعات:

تُعد إحدى آليات عمل التنظيمات الإرهابية نشر الشائعات التي تستهدف النيل من ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وإيجاد حالة من السيولة والفزع تؤثر على النسيج المجتمعي للدول، وتوفر مساحات لنشر الفكر الإرهابي المتطرف. وفي هذا السياق، بدأ “داعش” عبر قنواته بالتشكيك في الأعداد الرسمية التي أعلنتها الصين حول المصابين بفيروس “كورونا”، متهمًا الأخيرة بإخفاء العدد الحقيقي. وعلى صعيدٍ متصلٍ، سعت المحطات الإعلامية التابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” لتشويه مجهود الأطباء في مصر ومهاجمة وزارة الصحة. وبالتوازي مع تلك التحركات، لجأت جماعة “الإخوان المسلمين” إلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ أطلقت عدد من الفيديوهات منها من يدعي أصحابها أنهم دكاترة متخصصين يهاجمون الحكومة المصرية، وآخرون يدعون أن لهم حالات من أقاربهم لم يسمح لها بتلقي الرعاية الصحية بعد ثبوت إصابتها بالفيروس. 

نشر الفيروس:

من المُرجح لجوء التنظيمات الإرهابية إلى استخدام الحرب الجرثومية لتحقيق أهدافهم وتهديد أمن الدول والمجتمعات عبر نشر الفيروس. وفي هذا السياق، حَذرت تقارير استخباراتية من احتمالية قيام “داعش” بنشر فيروس “كورونا”، والعمل على مفاقمة تفشيه. وعلى صعيدٍ متصلٍ، قام الإخوانى الهارب “بهجت صابر” بدعوة المصابين بكورونا للانتقام عن طريق إصابة المسؤولين الحكوميين وقوات الأمن من الشرطة والجيش عمدًا. ولم يختلف تفكير “الإخوان المسلمين” عن تفكير غيره من التنظيمات الإرهابية المتطرفة، إذ كشفت مذكرة حديثة لمكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي أن جماعات “اليمين المتطرف” في الولايات المتحدة حثت أنصارها في رسائل بعثتها إليهم على نشر فيروس “كورونا” بين اليهود، واستخدام “بخاخات” مليئة بإفرازات جسم معدية في مهاجمة أفراد الشرطة.

تنفيذ عمليات إرهابية:

عملت بعض التنظيمات الإرهابية على توظيف حالة الارتباك التي تعاني منها الحكومات من أجل تنفيذ عمليات إرهابية. فقد حَثت افتتاحية مجلة “النبأ” التابعة لتنظيم “داعش” في 19 مارس 2020، عناصر التنظيم على الاستفادة من الوضع الحالي للوباء في شن هجمات، كما شددت على حاجة الذئاب المنفردة إلى تعبئة واستغلال الخوف الاجتماعي الذي يحدثه الوباء. وقد جادل التنظيم – على حد زعمه – بأن السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو تنفيذ العمليات الإرهابية، ولو بأبسط الوسائل المتاحة. ومن جهة أخري، صعدت جماعة “بوكو حرام” عملياتها الإرهابية، حيث أسفرت تلك العمليات عن سقوط أكثر من 160 قتيلًا في صفوف جنود الجيشين التشادي والنيجيري، وذلك في ضوء انشغال بعض الجيوش في منطقة الساحل الأفريقي للمساعدة في مواجهة الفيروس”.

ملاحظات أساسية

بناء على ما تقدم يمكن استخلاص جملة من الملاحظات المهمة التي يمكن إجمالها على النحو التالي:

الملاحظة الأولى: تنصرف إلى تغيير العقل الإرهابي، فعلى الرغم ما يتميز به عقل التنظيمات الإرهابية من عقلانية ورشادة، ما يدفعها إلى تجنب العمليات الإرهابية في ظل تفشى الأوبئة، حتى لا تخسر التعاطف معها، إلا أن التنظيمات الإرهابية في الوقت الحالي لم تتميز بتلك العقلانية في التفكير، ولا سيما تنظيمي “داعش”، و”بوكو حرام” حيث شَرَعا في تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية. وفي محاولة لتفسير ذلك التوجه يمكن القول إنه تحرك استعراضي يستهدف تأكيد الوجود والقدرة على التهديد في ضوء التراجع التي حظيت به في الفترات الأخيرة.

الملاحظة الثانية: تتعلق باحتمالية إصابة أعضاء التنظيمات الإرهابية بفيروس “كورونا”، فبالرغم من عدم وجود إحصائيات حول وجود عدد إصابات داخل التنظيمات الإرهابية، (ولن يكون هناك إحصائيات)، غير أن ذلك الاحتمال وارد، وقد يكون له تداعيات سلبية تتزايد وطأتها على المجتمعات التي تنشط فيها تلك التنظيمات الإرهابية. وفي سياق آخر، أفادت بعض التحليلات بأن احتمالات انتقال فيروس “كورونا” إلى هذه التنظيمات الإرهابية قليل، وذلك لأنها مجموعات منغلقة على ذاتها قليلة الاحتكاك بعناصر خارج دائرتها، ما يجعل كل الاحتمالات مفتوحة ووارده.

الملاحظة الثالثة: تنصرف إلى الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في التجنيد، ومن المرجح استمرارها في لعبه، ولاسيما في ضوء لجوء الأفراد إليها مع تصاعد إجراء العزل الذاتي وحظر التجول. ومن ثَم، يتعين على شركات وسائل التواصل الاجتماعي حظر المحتويات المتطرفة من أجل الحيلولة دون نشر الفكر المتطرف، على أن يأتي ذلك بالتوازي مع جهود الدول في الحد من المحتوى المتطرف عبر الرقابة الفاعلة، وتوفير محتوى موازي معتدل على ساحات التواصل الاجتماعي.

الملاحظة الرابعة: تتمثل في الأولويات الأمنية للدول، بمعنى خطورة تغيير الحكومات من أولوياتها الأمنية بشكل تتراجع فيه التهديدات الإرهابية لصالح الأوضاع الناجمة عن تفشي الوباء، لأن الإرهاب سيزدهر في ظل” كورونا” على المدى القصير، والمتوسط، والطويل، سواء عبر التجنيد أو نشر الشائعات أو تنفيذ العمليات من جهة. ومن جهة أخرى عبر استغلال تراجع شرعية الدول وتقديم نفسها كبديل.

مجمل القول، من المُرجح أن تسعى التنظيمات الإرهابية لاستغلال حالة الارتباك التي تمر بها الدول من أجل تحقيق أهدافهم، وفي محاولة لاستعاده نشاطها مرة أخرى. وعليه، لابد أن يقابل هذا التحرك إدراك من قبل الحكومات ووعي من قبل الأفراد، حتى لا تكون “ثغرة كورونا” مدخلًا جيدًا لتفعيل نشاط التنظيمات الإرهابية.

+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

تقى النجار

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى