كورونا

إسرائيل و”جائحة كورونا “: توظيف سياسي وإدارة أمنية للأزمة

واجهت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة بيانات وإحصاءات صحية تنذر بتأثيرات سياسية واقتصادية ذات مستوى خطير. إذ قفزت حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 فيها من 1930 حالة (في 24 مارس 2020) إلى 3865 حالة (في 29 مارس 2020: حسب وزارة الصحة الإسرائيلية)، بينما وصلت حالات الوفاة إلى 12 حالة (حتى 29 مارس). ولم يترك فيروس كورونا توابعه السلبية على القطاع الصحي الذي تهالك في إسرائيل فحسب، بل ترك تأثيره الحاد على الاقتصاد الإسرائيلي كذلك. إذ قفزت نسبة البطالة في إسرائيل من 3.4% (قبل اندلاع أزمة كورونا) إلى 16.5% (بتاريخ 23 مارس 2020)، ومن المقدر إذا استمر أداء حكومة تسيير الأعمال برئاسة نتانياهو على هذا النحو أن يرتفع ليصل إلى 20% كحد أدنى.

ظلت هذه الأرقام التي تضاف إليها وقائع تشاؤمية أعمق تأثيرًا هي المُعطى السياسي الأول الذي يتحرك به “بنيامين نتانياهو” في تسيير أعمال حكومته من أجل مواجهة أزمة كورونا. ليس ذلك فحسب بل لوحظ أن شكل إدارة نتانياهو للأزمة خلّف صلاحيات طارئة لم يقابلها أي رقابة من الكنيست. وهو ما حدث بالفعل؛ إذ سمح نتانياهو لحكومته بمراكمة صلاحيات وسلطات واسعة في ظل كنيست غير مفعل بسبب حالة الشلل السياسي التي دخلت فيها إسرائيل بعد ثلاث جولات انتخابية فاشلة تقريبا.

نتانياهو: مراكمة السلطات وأمننة إدارة الأزمة

استغل نتانياهو حالة الذعر التي دخلت فيها إسرائيل بعد الارتفاع المطرد في عدد الإصابات والوفيات جراء فيروس كورونا ليتخذ تدابير سياسية وأمنية تفوق صلاحية حكومته كحكومة لتسيير الأعمال؛ أي بعبارات أوضح: تتصرف حكومة نتانياهو كأنها حكومة نظامية وليس حكومة تسيير أعمال، وهو أول خطأ دستوري يرتكبه نتانياهو. وانعكس هذا الخطأ في مجموعة من السياسات:

أولا: دور مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في إدارة الأزمة: أسند نتانياهو مهمة الإدارة التخطيطية والتشغيلية للأزمة (أي مكافحة فيروس كورونا) إلى رئيس مجلس الأمن القومي “مئير بن شابات” وليس لوزارات وجهات حكومية محددة. مما عكس طابعًا مركزيًا في إدارة الأزمة انصب في شخص رئيس الحكومة، انصرف بالضرورة إلى شكل القرارات التي أخذها نتانياهو في مواجهة كورونا. إذ أفادت صحيفة هآرتس حسب مصادر رفيعة في وزارة الصحة أن نتانياهو يُقصي كبار خبراء الطب الوقائي والعلاجي الإسرائيليين المختصين في إدارة الكوارث والأوبئة، بخلاف أن وزير الصحة الإسرائيلي ذاته خارج الصورة الكلية. وبالتالي تظهر النتائج متناقضة بسبب غياب التنسيق بين السلطات.

ثانيا: أمننة إدارة الأزمة: اتخذ نتانياهو سياسات أمنية في إدارة الأزمة، مثل تكليف الشاباك بمراقبة هواتف وتتبع حركة الإسرائيليين المصابين بالفيروس؛ لضمان التزامهم بالعزل الصحي في بيوتهم. كما طالب وزير الدفاع الإسرائيلي “نفتالي بينيت” بتسلم ملف إدارة أزمة كورونا، وسعى لعقد أكثر من مؤتمر صحفي يصدر فيه البيانات المتناقضة في مضمونها مع بيانات وزارة الصحة، ومعبرًا عن انتقادات مباشرة لنهج وزارة الصحة والجهات الخدمية في مواجهة الأزمة.

في حين أن الجهة المدنية المفوضة قانونًا للتعامل مع الأزمات الوطنية هي الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ، ولكنها دون صلاحيات أو سلطات واضحة بسبب عدم وجود لجنة نيابية تحدد سلطاتها، وهو ما يعكس أيضَا سيطرة نتانياهو على السلطة الكاملة.

ثالثا: تغليب المصلحة الاقتصادية على المصلحة الصحية: رفض نتانياهو الكثير من التوصيات التي تغلب مصلحة المجتمع الإسرائيلي وتطويق انتشار المرض لصالح تغليب المصلحة الاقتصادية الكلية. مثل التوصية بتقليل عدد ساعات العمل. وجاء رفض نتانياهو بإيعاز من مئير بن شابات رئيس مجلس الأمن القومي.

رابعا: تعطيل الكنيست: جميع هذه السياسات كان لابد لها أن تمر بالموافقة أولا من الكنيست قبل التصديق عليها من الحكومة. ولكن بسبب تعطيل نتانياهو للكنيست بموافقة من رئيس الكنيست “يولي إدلشتاين” عضو الحزب الحاكم “الليكود”، فإن نتانياهو استمر في مراكمة الصلاحيات غير الدستورية (أي حسب قوانين الأساس التي تعامل معاملة الدستور في إسرائيل) وإقرار السياسات ورفض تشكيل اللجان الرقابية في الكنيست.

كل ذلك بخلاف سعيه (أي نتانياهو) لتقديم ضمانات شخصيه تحيله دون مقاضاته بالاتهام في أي من القضايا الثلاثة المتورط فيها. وهو ما نجح فيه مبدئيًا بتعليق وزير القضاء الإسرائيلي وعضو الليكود “أمير أوحنا” عمل المحاكم الإسرائيلية؛ مما تسبب في تأجيل محاكمة نتانياهو بداع إدارته لأزمة كورونا.

لماذا يريد الجيش الإسرائيلي إدارة أزمة كورونا؟

تستمر مطالب “نفتالي بينيت” وزير الدفاع الإسرائيلي (وزعيم حزب اليمين الجديد المحسوب على تيار الصهيونية الدينية) في إدارة أزمة كورونا في إسرائيل بعد عدد من المؤتمرات الصحفية التي انتقد فيها أداء وزارة الصحة الإسرائيلية، بعدها أوصى (29 مارس 2020) بإخراج إدارة أزمة كورونا من وزارة الصحة إلى “كابينت كورونا” كما أسماه، من خلال تقديمه خطة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والتي تبدأ بعد عيد الفصح اليهودي بزيادة عدد عمليات الفحص اليومي إلى 50 ألف عملية وتفاصيل إجرائية طبية وأمنية أخرى تستهدف إدارة الأزمة. ولكن يبقى السؤال لماذا يلح الجيش الإسرائيلي على إدارة أزمة كورونا؟

أولا: ترميم الصورة الذهنية للجيش لدى المجتمع الإسرائيلي؛ واجه الجيش الإسرائيلي تحديًا مركبًا يتلخص في زيادة أعداد الرافضين لدخول الجيش والمتهربين منه، وزيادة عدد الهاربين من الخدمة من ناحية. وتشوش الصورة الذهنية للجيش الإسرائيلي لدى الإسرائيليين من ناحية أخرى، إذ لم يعد الإسرائيليون يثقون في مبدأ أن الجيش يعبر عن روح المجتمع الإسرائيلي، أو بات خادمًا للقيم اليهودية بحق.

يتضح ذلك في أحد العوامل القوية التي استندت عليها إطلاق الخطة الاستراتيجية متعددة السنوات الصادرة عن الجيش الإسرائيلي “خطة زخم” التي ذكرت أن الجيش يستهدف تشكيل أسلحة برية بهدف صهر الإسرائيليين بشكل عام داخل بوتقة الجيش الإسرائيلي، خاصة اليهود الحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية.

ثانيا: مكاسب سياسية لـ “نفتالي بينيت”: يتطلع نفتالي بينيت زعيم حزب اليمين الجديد ووزير الدفاع الإسرائيلي الحصول على مكاسب سياسية وأرصدة شعبية جراء ظهوره بمظهر المبادر في حل أزمة كورونا. يدفعه في ذلك إدراكه بأن أي شكل من أشكال الحكومة في الوقت الحالي ستنقضي بمجرد انقضاء أزمة كورونا. وبالتالي ستقدم له إدارة الأزمة رصيدًا شعبيًا يمكن مراكمته لحين اللحظة المناسبة.

ختاما، 

يمكن القول إن كل أزمة تكمن بداخلها مجموعة من الفرص التي يمكن أن تسهم في نجاح منظومة إدارة الأزمة. ولكن يبدو أن أزمة كورونا في إسرائيل مثلت ساحة خصبة من الفرص السياسية التي استغلتها أطراف محددة في تعظيم مكاسبها أو الهروب من فخاخ قانونية. كان الطرف الأول هو نتانياهو الذي استغل كورونا في مراكمة السلطات والصلاحيات في يده والهروب من قضبان السجن بداع تسييره لأعمال حكومة طوارئ. والطرف الثاني الذي يسعى للانضمام في إدارة الأزمة هو الجيش الإسرائيلي ووزير دفاعها الذي يرغب في ترميم الصورة الذهنية وتحقيق مكاسب سياسية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى