
الأمم المتحدة: النساء الأكثر عُرضة لمخاطر فيروس كورونا
مع احتدام جائحة كورونا وزيادة أعداد المصابين حول العالم بشكل متسارع، وفي ظل تضارب المعلومات المنتشرة حول تأثيرات فيروس كورونا المستجد، وماهي الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس؟، وهل تختلف درجة الاستجابة للفيروس بإختلاف النوع الاجتماعي؟.
أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان ان تفشي الأمراض يؤثر على النساء والرجال بشكل مختلف، حيث تزيد الأوبئة من عدم المساواة بين الجنسين، وذلك وفقا لما ذكرته المذكرة الإرشادية التي أصدرها الصندوق يوم الثلاثاء 24مارس 2020، حول فيروس كورونا المستجد من منظور النوع الاجتماعي.
أوضحت المذكرة أن النساء هن الأكثر عُرضة للإصابة بفيروس كورونا المستجد، والأكثر تضررا بشكل عام جراء انتشاره في العالم، وذلك نظرًا لأن النساء يواجهن مجموعة متنوعة من عوامل الخطر التي يجب معالجتها على وجه السرعة.
النساء في الخطوط الأمامية
تواجه النساء خطرًا متزايدًا للتعرض لفيروس كورونا، ليس ذلك لأسباب فسيولوجية معينة، وإنما بسبب تمثيلهن غير المتناسب بين موظفي الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، إذ تشكل النساء حوالي 70% من اجمالي القوى العاملة العالمية في مجال الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية في 104دولة، وذلك وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية سواء كطبيبات وممرضات وقابلات وعاملات.
وهي الأدوار التي تضعهن في الخطوط الأمامية للتعامل مع تفشي أي مرض، فعلى سبيل المثال، فإن 90% من طاقم التمريض وأكثر من نصف الأطباء في مقاطعة “هوبي” في الصين من النساء، مما أدى إلى ارتفاع عدد الإصابات بين النساء العاملات في المجال الطبي في المقاطعة جراء العدوى، ووفقا لما أوردته المذكرة، خلال تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا 2014-2016، كانت النساء أكثر عرضة للإصابة بالعدوى بسبب أدوارهن السائدة كقائمات بالرعاية وعاملات في المجال الصحي.
فضلا عن أن النساء غير العاملات في مجال الصحة لسن بمنأى عن الخطر ذاته، حيث تقع على عاتقهن مسؤولية الرعاية المنزلية لأسرهن، فوفقا لمنظمة العمل الدولية، تؤدي النساء 76.2 ٪ من إجمالي ساعات عمل الرعاية غير مدفوعة الأجر على الصعيد العالمي، أي أكثر من الرجال بثلاثة أضعاف، ويرتفع هذا الرقم في آسيا والمحيط الهادئ إلى 80٪، ومع تزايد الضغط على الأنظمة الصحية في الدول التي يتفشى بها فيروس كورونا المستجد، سيحتاج العديد من الأشخاص المصابين بالوباء إلى العناية المنزلية، مما يزيد من العبء العام على النساء، ويعرضهن أيضًا لخطر أكبر للإصابة.
وبالرغم من تأزم الوضع بالنسبة للنساء في ظل تفشي فيروس كورونا، وتواجدهم في الخطوط الأمامية بشكل أكبر من الرجال، إلا أن نسبة الوفاة بين الرجال المصابين بفيروس كورونا المستجد كانت أعلى حتى الآن، فقد أظهرت دراسة صادرة عن المركز الصيني لمكافحة الأمراض أجريت على حوالي 44.600 شخص مصاب بـ فيروس كورونا المستجد، أن معدل الوفيات بين الرجال كان 2.8٪، مقارنة بـ 1.7٪ للنساء، وهو ما تم تأكيده في دول مثل ايطاليا والمانيا وايران، وتم ارجاع ذلك لأسباب عدة منها: ان نسبة المدخنين أعلى في الرجال، كما أنهم أقل عرضة لغسل أيديهم، بالاضافة إلى أحتمال أن يكون الرجال لديهم أستجابات مناعية مضادة للفيروسات بنسب أقل.
الحوامل والرعاية الجنسية والانجابية
أعلنت منظمة الصحة في وقت سابق أن المرأة الحامل تقع ضمن الفئات الأكثر عُرضة لخطر فيروس الكورونا، ولكن تزداد المخاطر إذا ما وضعنا في الاعتبار عوامل أخرى، مثل أحتياج المرأة الحامل إلى رعاية ما قبل الولادة، من المتابعة الدورية والتحاليل والتي لن تستطيع الحصول عليها بشكل جيد في ظل الإنتشار الواسع للوباء، خوفا من الإختلاط، كما أن بعض البلدان التي أصابتها الجائحة اضطرت إلى تجييش جهود وموارد الصحة لديها لخدمات الرعاية الحرجة بعيدًا عن مجالات الرعاية الأخرى.
فغالبًا ما يتم تجاهل خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في أوقات الأزمات، إلا أن النساء ما زلن بحاجة إلى توفير وسائل تنظيم الأسرة وغيرها من الخدمات الخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية، ورعاية صحة الأم، ولكن قد تتأثر هذه الاحتياجات بسبب تعرض سلاسل الإمدادات لضغوط ناجمة عن الاستجابة لمواجهة الوباء، ويتضاعف الخطر اذا ما كانت المرأة الحامل عاملة في مجال الصحة، حيث لا يسمح لهن في أغلب الأحيان بالراحة في المنزل، لشدة الاحتياج لكل فرد في المنظومة.
كما تعد النساء أقل حظًا من الرجال من حيث القدرة على إتخاذ القرارات الأسرية، ونتيجة لذلك واجهت النساء عوائق كبيرة أمام الرعاية الصحية أثناء تفشي فيروس “زيكا” 2015-2016، بسبب أن بعض النساء لا يمتلكن الاستقلالية فيما يخص قراراتهن الجنسية والانجابية، وما زاد الأمر سوءًا هو عدم كفاية الحصول على الرعاية الصحية، وعدم كفاية الموارد المالية لعمل الفحوصات اللازمة لهن ولأطفالهن.
ارتفاع خطر العنف ضد المرأة
يؤدي انتشار الأوبئة في كثير من الأحيان إلى ظهور تهديدات تتجاوز خطر الإصابة بالعدوى، حيث أشارت المذكرة إلى امكانية تعرض النساء إلى خطر العنف المنزلي وغيره من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل أكبر خلال انتشار الأوبئة، وذلك وفقًا لما تم رصده أثناء تفشي أمراض سابقة.
- الاستغلال الجنسي للنساء والاطفال:
تشير المذكرة أن انتشار وباء كورونا قد يؤدي إلى ارتفاع مخاطر الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال، فقد أدت الآثار الاقتصادية لانتشار فيروس إيبولا في غرب افريقيا على سبيل المثال، إلى تفاقم مخاطر الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال في المنطقة، مما يعطي مؤشر ان ذلك ربما يحدث في ظل ظروف انتشار وباء كورونا المستجد.
- تصاعد العنف المنزلي:
وفي سياق متصل، قد تؤدي هذه الظروف إلى انتشار العنف المنزلي ضد النساء، حيث يشعر الرجال في الحالات المشابهة بالضغوط في مواجهة الصعوبات الاقتصادية الناتجة عن انتشار الفيروس، وعدم القدرة على العمل، مع طول فترة الحجر، مما يتسبب في حدوث التوترات الأسرية ونشوب الصراع داخل المنزل.
ويذكر أن العنف ضد المرأة بشكل عام متفشي في جميع المجتمعات دون استثناء، فواحدة من كل ثلاثة نساء في العالم قد تعرضن للعنف المنزلي وفقا لمنظمة الصحة العالمية، كما تُقتل في المتوسط 137 امرأة يوميًا على يد أحد أفراد أسرتها، وتزداد احتمالات التعرض للعنف المنزلي عندما توضع الأسر تحت ضغوط متزايدة ناجمة عن مخاوف تتعلق بالأمن والصحة والمال وظروف المعيشة الصعبة، وهي الظروف التي تقبع تحتها كثير من الأسر في ظل تفشي جائحة كورونا.
ووفقًا لبيان صادر عن “فومزيلي ملامبو–نكوكا”، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة بتاريخ 24مارس 2020، تضاعف عدد حالات العنف المنزلي ضد المرأة المبلغ عنها ثلاثة مرات في الآونة الأخيرة في بعض البلدان التي تمارس العزل الاجتماعي لمجابهة فيروس كورونا، فعلى سبيل المثال تلقى مركز الشرطة في مقاطعة جيانلي، الصينية 162 بلاغًا عن حالات عنف منزلي خلال شهر فبراير2020، وهو رقم أكثر بثلاث مرات من الـ 47 التي تم الإبلاغ عنها خلال نفس الشهر من العام السابق، وكان 90% من هذه البلاغات مرتبط بإنتشار وباء كورونا، والأمر لم يختلف كثيرا في مدن أخرى خارج الصين.
وبدأت حملة موسعة قادتها نساء الصين للتصدي للعنف المنزلي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قمن بإطلاق هاشتاج #AntiDomesticViolenceDuringEpidemic لمناهضة العنف المنزلي خلال فترة تفشي الوباء.
- زيادة العنف الالكتروني:
بالاضافة إلى ما تقدم، تواجه المرأة نوعًا آخر من العنف في الفضاء الالكتروني، فمع زيادة القيود المفروضة على التنقل حدث ارتفاع في أعداد مستخدمي الانترنت خاصة وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب وغرف الدردشة، مما يفتح مجال أوسع أمام التحرشات الالكترونية، وهذا جانب يستدعي ضرورة توخي الحذر لحماية الفتيات.
الصورة النمطية للرجال:
ولا تقتصر المخاطر هنا على ما تم ذكره، حيث تشير المذكرة أيضًا إلى نوع آخر من الأخطار ناتج عن سلوك بعض الرجال في المناطق الأكثر ارتباطًا بالأعراف والعادات، حيث يميل هؤلاء إلى عدم الإكتراث لصحتهم، متمسكا بالصورة النمطية للرجال الأقوياء، مما يعني تأخراً في اكتشاف الإصابة وسرعة انتشار أكبر للعدوى يكون ضحيتها بالدرجة الأولى أفراد أسرته.
التأثير على سبل عيش النساء
يمكن لوباء كورونا أن يفرض خسائر كبيرة على سُبل عيش النساء، فمع الإغلاق الجماعي لمراكز رعاية الأطفال والمدارس في 15 دولة، بالإضافة إلى عمليات الإغلاق الموضعية في 14 دولة أخرى، اضطرت الكثير من النساء العاملات إلى أخذ إجازة، أو محاولة العمل من المنزل أثناء رعاية أطفالهن، مما تسبب في تخفيض دخولهن.
إلا ان الخطر الحقيقي في هذه الحالة يكون على النساء الآتي لا تستطعن أخذ إجازة مدفوعة الأجر، ولا تسمح طبيعة الأعمال التي يقمن بها بالعمل من خلال المنزل، مثل العاملات بأجر يومي، والعمالة المنزلية، وصاحبات الأعمال الصغيرة، والعاملات في قطاعات التنظيف، وتجهيز الأطعمة، والبائعات، حيث تهيمن النساء على النسبة الأكبر من العمالة في قطاع الخدمات والاقتصاد غير الرسمي في العالم.
على سبيل المثال، تمثل النساء 85 في المائة من تجار الأسواق اليومية في ليبيريا، وعندما فُرضت قيود التنقل المتعلقة بالإيبولا، حد ذلك من المعاملات التجارية وتأثرت السلع القابلة للتلف مما ألحق ضررًا كبيرًا في سبل كسب رزقهن وأمنهن الاقتصادي.
وجدير بالذكر، بالرغم مما تقدم لا تزال هناك حاجة إلى بيانات دقيقة وكاملة مصنفة حسب الجنس والسن والظروف الصحية لفهم ما إذا كان النساء والرجال يعانون من العدوى والمضاعفات والوفاة بشكل مختلف أم لا.
توصيات
ختامًا، تلعب النساء دورًا لا غنى عنه في مكافحة تفشي المرض، من منطلق دورهن كعاملات في مجال الرعاية الصحية، وعلماء وباحثين، وبناة سلام، ومقدمي رعاية، لذا من الضروري التأكد من أن أصوات النساء مسموعة وطلباتهن معترف بها ويتم أخذها في الحسبان.
وبالرجوع إلى المذكرة الصادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، نجد أنها وضعت العديد من التوصيات لمساعدة صانعي السياسات لمراعاة النوع الاجتماعي أثناء تفشي وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)، ففي خضم الجهود الكبيرة التي تقوم بها الحكومات للسيطر على تفشي الوباء، يجب إلا يغيبوا عن احتياجات النساء، حيث أوصت المذكرة بـضرورة أعطاء الحوامل المصابات بأمراض الجهاز التنفسي أولوية قصوى في العلاج وذلك بسبب زيادة تعرضهن لخطر حدوث أثار جانبية سلبية، مع فصل الوحدات الصحية الخاصة برعاية ما قبل الولادة ورعاية المواليد الجدد والأمهات عن الوحدات الصحية الأخرى التي تحتوي على الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد، مع أهمية تقديم الدعم النفسي للنساء والفتيات المتضررات من العنف القائم على النوع، وكذلك للعاملين في مجال الصحة بشكل عام.
كما حث الصندوق صانعي السياسات على إدراج منظور المرأة في التخطيط للوباء وصنع القرار، بالاضافة إلى ذلك، تشير المذكرة إلى ضرورة أن تشمل أنظمة الرصد والاستجابة، التصنيف طبقآ للجنس والعمر والنوع وحالة الحمل، لفهم كيفية تأثير فيروس كورونا المستجد بشكل أوضح.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية