ماذا يريد أردوغان من ليبيا
كان سقوط نظام العقيد معمر القذافي نقطة تحول بالنسبة لبلد مثل ليبيا تطغى انتماءاته القبلية على انتماءاته القومية، الفترة التي أعقبت سقوط نظام العقيد شهدت سباقا محموما اشتركت فيه عديد من الأطراف والقوى الدولية، كل يسعى لتحقيق مصالحه ولم يفلح حظر توريد الأسلحة لهذا البلد الساحلي في ردع الأطراف المختلفة من توريد العتاد للجماعات المسلحة في طرابلس وغيرها من المدن الليبية في محاولة لترجيح كفة طرف على الآخر.
أما الخريطة الإقليمية بالنسبة لليبيا فتتقدمها مصر والسعودية والإمارات الذين يدعمون الجيش الوطني الليبي حتى يصل بالبلاد إلى قدر من الاستقرار تنعكس إيجابا على المنطقة ولتجنب مزيد من التوتر فيما تصطدم رغبة هؤلاء الأصدقاء في مواجهة الحلف التركي الإيراني القطري الذي يحاول إعادة واحياء المشروع الإخواني بالمنطقة.
وترى مصر أن سيطرة الجيش الوطني الليبي على العملية السياسية في ليبيا وتحجيم الممارسات الميليشية التي تدعمها المليشيات الإرهابية ومن ورائها حلف “تركيا- إيران- قطر” الضمان الوحيد لتأمين حدود مصر الغربية من تسلل العناصر الإرهابية.
التصعيد الأخير
أعلن الناطق باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري في 30 يونيو المنصرم، أن تركيا أصبحت دولة معادية، بعد تأكد مشاركة عناصر من الجيش التركي في المعارك مع الميليشيات المتطرفة ضد الجيش الوطني الليبي، ولذلك أصدر قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر أوامره باستهداف “السفن والقوارب التركية في المياه الإقليمية الليبية”، وهو ما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إزائه باتخاذ كافة التدابير اللازمة.
وردا على ذلك أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن أنقرة سترد على أي هجوم تنفذه قوات الجيش الوطني الليبي ضد مصالحها، وبصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، أعلن رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح حالة التعبئة والنفير العام في كامل التراب الليبي، ردا على التهديدات التركية، ووجه خطابا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، وآخر للرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي بشأن “التدخل التركي السافر”.
وتزايدت وتيرة التصعيد، بعد إعلان تركيا اعتقال الجيش الليبي لستة من مواطنيها في ليبيا، وتهديدها باستهداف مقرات الجيش الليبي إذا لم يتم الإفراج عن المواطنين الستة، ورغم نفي الجيش الليبي علمه عن اعتقال أي مواطن تركي في ليبيا، فإن الخارجية التركية أعلنت بعد ساعات من التهديد الأول بأن المواطنين الستة تم الإفراج عنهم.
التدخل التركي في ليبيا منذ 2011
( دعم الفتاوى “الجهادية)
أتاحت تركيا منصة إعلامية لصادق الغرياني باعتباره مفتي الإخوان منذ سقوط نظام القذافي 2012؛ لإصدار فتاوى تدعم الإرهاب والإرهابيين، وللإشادة بما تقدمه أجندات تركيا وقطر والعمل على نشر العنف والإرهاب بشئون البلاد العربية؛ وأصدر الغرياني عدة فتاوى مثيرة للجدل مثل فتوى تدعو لتوجيه زكاة المال وأموال الحج والعمرة لميلشيات الإخوان، والانضمام إليها؛ وفتوى استحلال دم القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، وجنوده، باعتباره “جهادا”.
( دعم الإرهابيين بالسلاح)
قدمت تركيا دعما لوجستيا ومعلوماتيا لصالح الميلشيات الإرهابية وجماعة الإخوان في ليبيا؛ وأمدت أكثر من مرة الإرهابيين بالأسلحة عبر الموانئ الجوية والبحرية.
واعترفت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة في تقرير بتاريخ 23 فبراير 2015، بدعم تركيا للإرهاب في ليبيا، خاصة مليشيات فجر ليبيا الإرهابية، وتم ضبط أكثر من سفينة تركية محمّلة بالأسلحة، منها ما ضبطتها قوات خفر السواحل اليونانية، ومنها ما تم ضبطه في الموانئ الليبية.
وكانت أكثر عمليات توريد الأسلحة إثارة للجدل ما وصف بسفن الموت التركية التي وصلت إلى سواحل مصراته في شهر إبريل من العام الجاري، محملة بعشرات الآلاف من قطع الأسلحة لدعم قوات فايز السراج؛ إذ رست السفينة الإيرانية «سحر إي كورد»، المعاقبة أمريكيًا، لارتباط الشركة المالكة لها بالحرس الثوري الإيراني، ووزارة الدفاع في طهران في المياه الليبية، ومحمّلة شحنة سلاح بلغاري الصنع، موجهة للجماعات الإرهابية.
وفي شهر مايو، نشر “لواء الصمود” الليبي، التابع إلى حكومة الوفاق، صورا عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، تظهر لحظة إنزال سفينة تركية لشحنتها من المدرعات البالغ عددها تقريبًا بحسب المقاطع من 30 إلى 40 مدرعة من نوع “بي. إم. سي. كيربي” التركية التي تصنعها شركة “بي. إم. سي. أوتوموتيف” التركية التي يملك صندوق الاستثمار القطري 50% من أسهمها.
(معبر وملاذ للإرهابيين)
وانتهزت تركيا الوضع غير المستقر في ليبيا لجعلها معبرا لنقل العناصر المتطرفة من تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين من سوريا والعراق إلى ليبيا؛ حيث أنشأت قنصلية خاصة في مدينة مصراته في نوفمبر 2011.
واستمرت في تصدير الإرهابيين إلى بنغازي ودرنة عن طريق ما يعرف بجرافات الموت المحملة بالإرهابيين والأسلحة إلى الشرق الليبي؛ فنقلت 200 مقاتل تابعين لتنظيم القاعدة من وسط وشرق أفريقيا كدفعة أولى من جبال تونس تجاه ليبيا، ودفعة أخرى من تشاد تجاه الحدود الليبية، ونقلت المخابرات التركية، وحكومة الوفاق نحو ستة آلاف إرهابي متعددي الجنسيات، ، من إدلب السورية إلى مصراته وطرابلس عبر مطاري المدينتين…وبالإضافة إلى ذلك تقوم أنقرة بتوفير الرعاية والحماية للإرهابين المطلوبين دوليًا والمتورطين في الأحداث في ليبيا.
دوافع التدخل التركي في ليبيا
(دعم آخر معقل للإخوان)
تقوم ثوابت السياسة التركية تجاه الأزمة الليبية على دعم الإسلاميين (الإخوان المسلمين) في الغرب الليبي والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة “فايز السراج” التي تلقى دعما من التيار الإسلامي في ليبيا، بالإضافة لرغبة أنقرة في تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية في ليبيا، فدعمت جماعة الإخوان في ليبيا بالسلاح والعتاد، وتقديم الدعم السياسي في المحافل الدولية كالأمم المتحدة.
وتتلخص أهداف الدعم التركي للإخوان في ليبيا في (تفتيت الجيش الوطني الليبي لتسهيل سيطرة الإخوان على البلاد – تنفيذ المخطط التركي / القطري للاستيلاء على ليبيا – خلق قاعدة إخوانية جديدة بعد سقوطهم في مصر عقب ثورة 30 يونيو – إتاحة الفرصة لنهب ثروات البلاد من نفط وغاز)
من خلال هذا الدعم تظهر رغبة تركيا الشديدة في أن يحكم الإخوان المسلمون الطوق على ليبيا، وتمكينهم من حكم البلاد والسيطرة على مقدرات الدولة الليبية، وذلك للارتباطات الايديولوجية والسياسية بين الجماعة وبين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
(تهديد الأمن القومي المصري)
تعد مصر أحد أكثر دول الجوار الليبي تأثرا بتنامي الجماعات الجهادية في ليبيا، خاصة في ضوء وجود تشابكات جغرافية وسياسية وأيديولوجية بين التيارات الإسلامية في البلدين، والتي تعمقت عقب صعود التيار الإسلامي.
وانطلاقا من هذا حاولت تركيا عبر تدخلها في ليبيا ودعمها للإخوان المسلمين، بضرب الأمن القومي المصري بتمويل الجماعات الإرهابية المنتشرة هناك، ومحاولة تكوين ميليشيات مسلحة خاصة لتنفيذ أجندتها التخريبية بالمنطقة، واستخدام الأراضي الليبية كقاعدة انطلاق لمقاتلي تنظيم داعش.
(السعي التركي لسلب الحقوق في المتوسط)
يضع أردوغان نصب عينيه الثروات الضخمة من النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، ويعمل في ليبيا، على ضمان حصة منها بدعم من مليشيات جماعة الإخوان الإرهابية، ولكنه أيضا يفكر في تطويق مصر من جهة وقبرص من جهة ثانية، بالاتفاق على ترسيم الحدود بينه وبين السلطات الليبية المقبلة، التي ستكون موالية ومتفهمة له، لنسف الاتفاقيات الدولية المبرمة بين مصر، واليونان، وإسرائيل، على ترسيم الحدود البحرية لهذه الدول، واعترافها المتبادل في ما بينها بمناطقها الاقتصادية الخالصة، والتي تُشير المؤشرات بعد الاكتشافات الضخمة في مصر، وإسرائيل، وقبرص، إلى احتوائها كميات هائلة من الغاز.
بعض ردود أفعال السوشيال ميديا
تباينت ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي، بخصوص التدخل التركي في ليبيا، فمنها ما دعمت هذا التدخل واصفة إياه بأنه يأتي لدعم الحكومة الليبية المعترف بها وهي حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، في مواجهة ما يصفونها بقوات خليفة حفتر التي تريد السيطرة على العاصمة طرابلس، كما ترى أن التهديد الأخير من الجيش الليبي باستهداف الطائرات والسفن التركية جاء بعد أن خسر الجيش الليبي معركة غريان في الأيام الماضية.
أما على الجانب الآخر، فهناك آراء أخرى تشير إلى أن تركيا تريد احتلال ليبيا ولذلك تدعم الميلشيات المسلحة في طرابلس في مواجهة الجيش الوطني الليبي، وذلك لسلب الثروات الليبية، والسيطرة على القرار الليبي.
احتمالية التصعيد التركي
حدد أردوغان موقف بلاده الرسمي حيال الأزمة الليبية منذ فترة، وهو ” منع ليبيا من أن تتحول إلى سوريا جديدة”، واعدا بتقديم كل أشكال الدعم لحكومة الوفاق حتى يتحقق هذا الهدف.
وفي ظل التصعيد الأخير بين الجيش الليبي ونظام أردوغان، وغلق المجالين الجوي والبحري أمام الطائرات والسفن التركية، قد يلجأ أردوغان إلى التصعيد أكثر، والاستمرار في تقديم الدعم العسكري إلى الميلشيات في طرابلس، مما يزيد من إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين الجيش الليبي وتركيا، بعد أن توعد الجيش الليبي باستهداف كافة المصالح التركية في ليبيا.
ومن غير المتوقع أن يهدئ النظام التركي من حدة التوترات، خاصة وأن هذا التخفيف سيكون بمثابة انتصار للمحور المصري السعودي الإماراتي الداعم للجيش الوطني الليبي في حربه ضد الميلشيات المسلحة، وهو ما لن يرضى به أردوغان الذي يدعم هذه الميلشيات الإرهابية.