قانون الإنتاج الدفاعي في أمريكا ..سلاح “ترامب” لتخفيف تداعيات “كورونا”
تعتبر كثير من الأوساط الحكومية والحزبية في الولايات المتحدة الأمريكية، أن خطوة الرئيس دونالد ترامب، في تفعيل قانون (الإنتاج الدفاعي)، لمحاصرة إنتشار جائحة كورونا، جاءت متأخرة، وفي سياق منحى يؤكد بطء ردود فعل إدارة ترامب على هذه الكارثة الدولية، وهو البطء الذي يرى الجميع آثاره الآن بادية في كافة الولايات الأمريكية، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة، صاحبة المركز الأول على مستوى العالم في إجمالي عدد المصابين بهذه الجائحة، بنحو 116 ألف مصاب.
فقد ظلت إدارة ترامب، حتى أيام قليلة، تقاوم الأصوات الداعية إلى استخدام هذا القانون، للمساعدة في سد الفجوات المتزايدة في مستوى الإمدادات الطبية، المتوفرة على الأراضي الأمريكية، وذلك بما يسمح بالمزيد من السلطات الممنوحة للحكومة الفيدرالية، للإشراف على تصنيع وتداول جميع المهمات الطبية المطلوبة في مثل هذه الظروف، مثل كمامات التنفس والأقنعة و البدلات الواقية، وأجهزة التنفس الصناعي، والمضادات الحيوية.
تلكؤ إدارة ترامب في الإستجابة لهذه الدعوات، كان مبعثه قناعة خاطئة من جانبها، بإنه من الأفضل أن تتجنب، إلصاق صبغة (تأميمية)، على القطاعات الإقتصادية الأمريكية، وأن القطاع الخاص سوف يتجاوب حتماً مع دعواتها، لتكثيف عمليات تصنيع هذه المواد، لكن إزاء عدم إستجابة معظم شركات هذا القطاع، اضطرت إدارة ترامب لتفعيل هذا القانون.
ما هو قانون الإنتاج الدفاعي
قانون الإنتاج الدفاعي، “Defense Production Act”، أقره الرئيس الأميركي الراحل هاري ترومان في سبتمبر 1950، في الأسابيع الأولى لاندلاع الحرب الكورية، بهدف مزدوج، الأول، هو توفير المعدات العسكرية اللازمة في زمن الحرب، والثاني، هو تجنيب الإقتصاد الأمريكي، بعض التبعات السلبية التي أصابته عقب الحرب العالمية الثانية، خاصة بسبب السياسات التمويلية التي أدت إلى عجز قياسي في الموازنة الأمريكية، وبفضل هذا القانون، حقق الأقتصاد الأمريكي في العام التالي للحرب الكورية، معدل نمو بلغ 11 بالمائة، وانخفضت مستويات الإنفاق الاستهلاكي والإستثماري، وارتفعت معدلات الإنفاق الحكومي، الذي تم تمويله من حصيلة الضرائب.
يحتوي القانون على ثلاثة أقسام رئيسية. القسم الأول، يعطي للرئيس سلطات تسمح له بمطالبة الشركات، بقبول وترتيب عقود تصنيع أو شراء المعدات والمواد الخام التي يراها ضرورية من أجل الدفاع عن البلاد، وهذه السلطات تجيز للرئيس أيضًا أصدار قوائم بالمواد الممنوع تخزينها أو التلاعب في أسعارها، القسم الثاني من هذا القانون، يمنح الرئيس سلطة إصدار قرارات، يتم بموجبها تخصيص الخدمات والموارد والمرافق الحكومية والخاصة، من أجل تعزيز قدرة البلاد على الدفاع، أما القسم الثالث والأخير، يسمح للرئيس بقدر من السيطرة على القطاعات المدنية في الأقتصاد الأمريكي، بحيث يمتلك القدرة على الحصول على ما يصعب الحصول عليه حكومياً من مواد خام ومعدات، عن طريق القدرات المتوفرة في القطاع الخاص.
بجانب هذه الأقسام، يعطي هذا القانون للرئيس، حق مصادرة الممتلكات الخاصة، وسلطة إجبار المؤسسات الصناعية على تكثيف إنتاجها لمنتجات معينة، وفرض ضوابط على مستوى الأجور والأسعار، وعلى مسارات الإئتمان العقاري والشخصي، وتحديد أولويات الدولة في عمليات التصدير والإستيراد، كافة هذه المهام تتم إدارتها عن طريق الرئيس، ويتم تنفيذها عن طريق وزارة الدفاع الأمريكية (في ما يتعلق بتحديد المنتجات والمواد الخام التي سيتم تطبيق القانون عليها)، ومكتب الصناعات الإستراتيجية والأمن الاقتصادي في وزارة التجارة الأمريكية (وهذا في ما يتعلق ببقية المهام المنصوص عليها في هذا القانون).
تم أستخدام هذا القانون عشرات المرات خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم من أن الغرض الرئيسي منه كان، زيادة صلاحيات الرئيس في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنه بمرور السنوات، تم توسيع مظلة عمله، لتشمل مجالات أخرى مثل الكوارث الطبيعية ومكافحة الإرهاب، ومؤخراً جائحة كورونا.
خلال فترة الحرب الكورية، تم أستخدام هذا القانون لوضع ضوابط لمستويات الأجور والأسعار، وتنظيم إنتاج وأستقدام المواد الخام الإستراتيجية للصناعات الحربية، مثل الفولاذ والمطاط والنحاس، أستمر أستخدام هذا القانون على فترات متباعدة خلال فترة الحرب الباردة، حيث حافظت الولايات المتحدة على مستويات ثابتة في صناعات إستراتيجية تخص المجال العسكري والفضائي، مثل الحديد والصلب والألومنيوم والتيتانيوم، وكذلك وفر قروضاً بدون ضمانات أو فوائد للقطاع الحكومي، ولوجستيات أخرى من بينها التدريب والعمالة، من أجل دعم هذين المجالين.
أواخر ثمانينات القرن الماضي، بدأ الجانب المدني في أستخدام هذا القانون، يبرز بشكل أكبر، فقد بدأت وزارة الدفاع الأمريكية، وأحيانًا الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ ، منذ ذلك التوقيت، في اشتراط بحث مدى مطابقة أية عقود أو توريدات، لمتطلبات هذا القانون.
كذلك استغلت وزارة الدفاع الأمريكية، الصلاحيات التي يوفرها هذا القانون في ما يتعلق بالإتفاق والتعاقد مع القطاع الخاص، لتوفير تمويل كافي، لإطلاق عمليات بحث وتطوير مواد وتقنيات جديدة، خاصة في مجالي الكيماويات والإلكترونيات، ثم تم توسيع هذه الدائرة في مطلع عام 2011، بعد أن أستخدم الرئيس السابق باراك أوباما هذا القانون، لفرض قيود على شركات الإتصالات الأمريكية، تجبرها على تقديم معلومات وافية حول طبيعة استخدامها، لأجهزة وتقنيات وبرامج مصنعة خارج الولايات المتحدة.
ترامب يستخدم هذا القانون للمرة الثانية
جدير بالذكر، أن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، سبق له أستخدام هذا القانون في يونيو 2017، من أجل تصنيف مجموعتين من المواد الخام والمواد المصنعة، على أنها (مواد هامة للدفاع الوطني)، المجموعة الأولى، تضمنت كافة المواد التي تدخل في صناعات الهياكل الخاصة بالبرنامج الفضائل الأمريكي، والمجموعة الثانية، تضمنت مواد خاصة بلقاحات مضادة لبعض الفيروسات، بجانب بعض الألياف الصناعية، والتقنيات الإلكترونية، وحالياً أدخل الرئيس الأمريكي الى هذه القوائم، أجهزة التنفس الصناعي، حيث طلب رسمياً من العملاق الصناعي (جنرال موتورز)، تطويع منشآتها الصناعية لإنتاج أكثر من مائة ألف جهاز تنفس صناعي، مع احتمالية طلبه تنفيذ نفس المهمة من شركات أخرى في صناعة السيارات مثل شركة فورد.
عمليًا، أصدر الرئيس ترامب حتى الآن، أمرين تنفيذيين يستندان إلى هذا القانون، الأول، يتم بموجبه توجيه كافة الموارد المتوفرة، لتكون تحت تصرف وزارة الصحة، لدعم الخدمات التي تقدمها في هذه الأزمة، سواء على المستوى البشري أو اللوجيستي، والثاني، يضع ضوابط لمنع أحتكار أو تخزين المواد والمنتجات الخاصة بالقطاع الصحي.
ويتيح تفعيل هذا القانون للرئيس ترامب، مجموعة واسعة أخرى من الصلاحيات، التي من المتوقع ان يستخدمها كلها أو معظمها خلال قادم الأيام، حيث يستطيع إجبار الشركات والمؤسسات الصناعية على إنتاج سلع أو توفير خدمات معينة، وكذا تحديد الجهات التي تذهب إليها هذه السلع وكمياتها، ويمكن له أصدار أوامر تقوم بموجبها شركتين أو أكثر، بالعمل بشكل مشترك على إنتاج سلعة أو منتج معين، دون أن يكون في هذا خرق لقانون منع الاحتكار، كذلك يتيح هذا القانون للرئيس منع عمليات شراء الحصص أو الاندماج أو الاستحواذ من جانب شركات أجنبية تجاه شركات أمريكية.
تصحيح للخطأ … أم أستغلال للظرف؟
فاصل رفيع جداً، يفصل ما بين أعتبار خطوة ترامب الأخيرة تصحيحًا لخطأ أساسي وقع به، حين أستهان بمخاطر هذه الجائحة ولم يستعد لها، أو اعتبارها أستغلالاً للظرف القائم، من أجل تحقيق مكاسب أمريكية على المستوى الأقتصادي، لكن الأكيد أن ترامب يضع الجانب الأقتصادي لهذه الأزمة على رأس أولوياته، فقد وقع الجمعة الماضية، مشروع قانون ضخم، يتم بموجبه تخصيص ميزانية قياسية للطوارئ تبلغ قيمتها 2 تريليون دولار.
وقد حصل هذا المشروع على إجماع ساحق من مجلسي الشيوخ والنواب، ويتضمن منحاً بقيمة 1200 دولار لملايين الأمريكيين، وشيكات نقدية لنحو 150 مليون أسرة أمريكية، وآليات لتوفير مساعدات فيدرالية عاجلة بقيمة تصل إلى 1 تريليون دولار، في شكل قروض تجارية وضمانا لملايين الشركات الأمريكية، تتضمن 25 مليار دولار على شكل منح، و25 مليار دولار على شكل قروض لشركات الطيران، و17 مليار دولار على شكل قروض للصناعات الدعمة للأمن القومي الأمريكي، وأكثر من 400 مليار دولار في شكل قروض وضمانات للشركات والمدن والولايات.
مبعث هذا التوجه كان الآثار الاقتصادية المدمرة التي أصابت القوى العاملة الأمريكية، وهذا كان جلياً في تدفق نحو ثلاثة ملايين عامل أمريكي، خلال أسبوع واحد فقط، على المكاتب الحكومية، لتقديم طلبات للحصول على إعانات البطالة، وهو معدل غير مسبوق في التاريخ الأمريكي، ينذر بقرب دخول البلاد في حقبة من الركود الأقتصادي الشديد،
إذن الأقتصاد هو رمانة الميزان الأمريكية في التعامل مع ملف هذه الجائحة، فهل تدشن الولايات المتحدة نجاحاً أقتصادياً مماثلاً لما قامت به عقب حرب كوريا، أم أن الولايات المتحدة مقبلة على ركود اقتصادي، قد يكون أحد أهم العوامل التي قد تنهي بشكل تام، حقبة القطب الأوحد على المستوى العالمي؟