
تشارلز.. المستشرق الباحث عن العرش
عاد ولى العهد البريطاني الأمير تشارلز إلى صدارة نشرات الأخبار مرة أخري، وذلك عقب الإعلان عن إصابته بفيروس كورونا المستجد الذي تحول إلى وباء عالمي بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية.
إن كنت تتصور أن تشارلز – الثالث إذا ما جلس على العرش – مجرد شخصية شرفية يحضر بعض المناسبات العامة بهذا الوجه المخضب، وتتسابق بعض الصحف الصفراء في الغرب قبل الشرق في نشر صوره بالتنورة الأسكتلندية على سبيل السخرية، فإن السطور المقبلة سوف تنسف تلك الصورة تمامًا.
ينتمي تشارلز لواحدة من أعرق الأسر الملكية في التاريخ، وأكثرهم غموضًا، رغم أن القوانين البريطانية تجعل الملك والأسرة الملكية ذي صلاحيات شرفية أشبه بديكور مزركش، ولكن النظريات الأمنية راحت تطارد هذه الأسرة تارة تلو الأخرى، إذ إن بعض خبراء المخابرات السوفيتية نظروا إلى “الدور الشرفي” باعتباره خدعة تاريخية، بينما لا تزال الأسرة الملكية البريطانية تدير الحكومة من خلف الستار، ينظر بعض المؤرخين إلى ملك بريطانيا باعتباره رئيس مجلس يضم 600 عائلة نافذة تدير كافة مصالح بريطانيا داخل وخارج المملكة.
ملك بريطانيا دستوريًا هو عاهل 16 دولة، أبرزهم بريطانيا (إنجلترا، اسكتلندا، ويلز، أيرلندا الشمالية) إضافة إلى كندا وأستراليا ونيوزيلندا، وهو الحاكم الأعلى لـ كنيسة إنجلترا التي تعد الكنيسة الرسمية للمذهب الإنجليكاني. ويُسمّى الفرع الحاكم من الأسرة البريطانية الملكية “بيت ويندسور”، والأسرة الملكية البريطانية الحاكمة هي ألمانية الأصل، ولا عجب في ذلك فإن الأسرة الملكية في إسبانيا ولوكسمبورج ينتمي كلاهما إلى آل بوربون ملوك فرنسا.
ولد تشارلز فيليب آرثر جورج في 14 نوفمبر 1948، هو وريث العرش البريطاني باعتباره الابن الأكبر لإليزابيث الثانية، وتم تسميته وليًا للعهد عام 1952، وبحلول عام 1958 حصل على لقب أمير ويلز وحتى اليوم. خدم في الجيوش البريطانية المختلفة، وإن كانت البداية في سلاح الطيران الملكي عام 1971، حتى وصل إلى رتبة مشير في 16 يونيو 2012، إلى جانب رتبة أميرال في البحرية البريطانية ومارشال في القوات الجوية البريطانية ورئيس أركان الأسطول الكندي ومشير وأميرال الجيش النيوزيلاندي.
على عكس أسلافه من أولياء العهد – والملوك – لم ينشأ تشارلز في المدرسة الملكية، بل قررت والدته إلحاقه بـ “مدارس الشعب” ليصبح أول ولي عهد – وأول ملك حال توليه العرش – يتربى وسط الشعب، ولاحقًا كان أول ولي عهد – وأول ملك حال توليه العرش – ينال شهادة جامعية بعد أن كان الملوك وأولياء العهد يدخلون الجيش فور تخرجهم من المدرسة الملكية، فإن تشارلز درس الأنثروبولوجيا والآداب والتاريخ والآثار واللغات في جامعة كامبريدج، ثم حصل على ماجستير في الآداب من الجامعة ذاتها. واهتم تشارلز المؤرخ والأديب بحضارات الشرق حتى يمكن اعتباره من اهم المستشرقين في عصره، وقد أصدر العديد من الكتب في مجالات مختلفة فهو من ألمع أدباء جيله أيضًا.
دور سياسي غير مسبوق
وعلى عكس العشرات من الملوك والأمراء في بريطانيا قبل تشارلز، أبدى ولي العهد البريطاني اهتمامًا بالعمل السياسي المباشر، ففي منتصف سبعينيات القرن العشرين أعرب تشارلز عن اهتمامه بالعمل كحاكم عام لأستراليا، بناءً على اقتراح رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم فريزر، ولكن الدوائر السياسية المحلية والإقليمية الأوروبية الرافضة لدور سياسي مباشر للأسرة الملكية البريطانية أوقفت الأمير الشاب.
ولكن طموحات تشارلز المبكرة جعلت تلك الدوائر تتفهم –مبكرًا أيضًا- حتمية محاصرة ولى العهد البريطاني وتلطيخ سمعته إن أمكن، على ضوء حقيقة أن الرجل لديه طموح لان يسترد العرش البريطاني دوره السياسي، وأن يلعب الملك دورًا سياسيًا ووطنيًا قويًا، ولا يكتفى بالجلوس خلف الستار، حتى لو كان يدير بعضًا من خيوط اللعبة السياسية العالمية.
وبالمثل فإن تشارلز قبل التحدي، وأرسل طيلة نصف قرن من الزمان، العشرات من الإشارات الواضحة إلى أنه سيكون الملك المارق على حصة بريطانيا في المسرح العالمي، ولن يكون ذلك الملك المتوافق مع رؤية العولمة والرأسمالية الدولية لطبيعة دور بريطانيا. عام 1995 أصبح أول عضو في العائلة المالكة يزور جمهورية أيرلندا بصفة رسمية ليساهم في إنهاء التوتر البريطاني الأيرلندي التاريخي.
جريدة الجارديان البريطانية نشرت بتاريخ 15 ديسمبر 2015 تقريرًا بعنوان Revealed: Prince Charles has received confidential cabinet papers for decades كشفت فيه أن ولى العهد يمتلك الإمكانية للوصول إلى أرشيف وكافة أوراق الحكومة البريطانية، سواء السجلات السرية أو محاضر الجلسات، وأنه مطلع على عمل وتاريخ ووثائق الحكومة البريطانية بشكل شامل ويومي.
وخلال عام 2015 تفجرت قضية مذكرات العنكبوت الأسود Prince Charles’s black spider memos، وهي عبارة عن مراسلات تشارلز إلى مجلس الوزراء البريطاني، حيث تم نشر بعض تلك المراسلات عبر الصحف، وأظهرت تلك المذكرات حقيقة أن ولى العهد يرسل بشكل دوري أوامر واستشارات وقرارات ينبغي على الحكومة البريطانية المنتخبة أن تتخذها.
وعكس عشرات المسؤولين في الغرب، يواصل تشارلز زيارة إيران بانتظام، إضافة إلى السعودية وفلسطين، كما انه مهتم بالكنائس الشرقية خاصة الأرثوذكسية في اهتمام نادر من أمير ينتمي إلى الكنيسة الإنجيلية، ما جعله أكثر مسؤول غربي منفتح على ثقافات الشرق بعيدًا عن حسابات الساسة.
رفض عرش رومانيا
عام 1997 زار تشارلز رومانيا وعرض قضية تدمير الأديرة الأرثوذكسية والقرى الأثرية خلال الحكم الشيوعي، وروج لها للعالم أجمع، ما ساعد على جذب اهتمام المنظمات الثقافية العالمية لإعادة الحياة لهذا التراث الذي هدمه الشيوعيون. واشترى تشارلز منزلًا في رومانيا، ودعم بالمال أبرز المنظمات الرومانية التي تسعي للحفاظ على التراث الأرثوذكسي هناك.
وعلى ضوء شعبيته الجارفة لدي الكنيسة والشعب الروماني، تواصلت معه بقايا الأسرة الملكية الرومانية المخلوعة؛ من أجل إعادة الملكية في رومانيا عبر تنصيبه ملكًا على رومانيا، مثلما كان يجري في العصور القديمة حينما كانت بعض الدول الأوروبية تستدعي أميرًا قويًا من دول الجوار لضخ دماء جديدة في الأسرة الملكية البائدة أو المنهارة، في سابقة هي الأولى أن تستدعي دولة أرثوذكسية أميرًا أنجليكيًا لكي يرأسها، ولكن تشارلز رفض عرش رومانيا مفضلًا أن يمارس دوره التنويري دون مقابل، وذلك بحسب المؤرخ الروماني توم جالاجر في مقاله الشهير Charles de România.
ويتمتع تشارلز أيضًا بـ “فهم عميق للفن والعمارة الإسلامية” كما يحب أن يكتب عنه، وشارك في تشييد مبنى وحديقة في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية يجمع بين الأساليب المعمارية الإسلامية وأكسفورد.
من ديانا إلى كاميلا
على المستوي الشخصي ارتبط تشارلز أكثر من مرة قبل التعرف على ديانا سبنسر، وهي ليست من عامة الشعب كما يدعي المروجون لأسطورتها، ولكن آل سبنسر من الأسر البريطانية الأرستقراطية النبيلة التي صاهرت الأسرة الملكية مرارًا، وتنحدر ديانا من نسل الملك البريطاني جيمس الثاني، ولها أقارب في آل سبنسر ينحدرون من نسب الملك هنري السابع، وكلاهما متداخل مع نسب تشارلز ما يعني عمليًا أن تشارلز وديانا أقارب.
القصة التي يُروَج لها، أن تشارلز عقب الزواج من ديانا عام 1981، قد خانها عاطفيًا وجنسيًا بالعودة إلى صديقته كاميلا باركر عام 1986، ما جعلها تضطر لخيانته هي الأخرى اعتراضًا وحزنًا على ما جرى لها. ولكن بعيداً عن الأفلام السينمائية وحكايات الصحف والإعلام، فأن ديانا التي لقبت بأميرة ويلز عقب زواجها من تشارلز، قد استأجرت بين عامي 1992 و1993 مدرب الصوت بيتر سيتلن لمساعدتها على تطوير صوتها العام، وأن هذا المدرب قد وطد علاقته بالأميرة ما جعلها تفتح قلبها له وتقص بعضًا من تفاصيل حياتها دون أن تعرف أن مدرب الصوت يسجل لها، ولاحقًا نُشرت تلك التسجيلات للعامة.
في شريط صوت سُجل عام 1992، اعترفت ديانا أنها ما بين عامي 1984 و1986 دخلت علاقة عاطفية مع باري ماناكي الذي تم نقله إلى فرقة الحماية الدبلوماسية في عام 1986 بعد أن قرر مديروه أن علاقته مع ديانا كانت غير ملائمة، وكانت خيانة ديانا الأولى قبل عودة تشارلز لكاميلا مسجلة أيضًا في تقرير BBC News بعنوان Diana ‘wanted to live with guard’ الذي بث بتاريخ 31 يوليو 2017، وتقرير صحفي بعنوان The Mannakee file نشر بجريدة The Daily Telegraph في اليوم ذاته.
ولكن ديانا لم تهدأ، وسرعان ما سجلت الخيانة الجنسية والعاطفية الثانية في مسيرتها ودخلت في علاقة جديدة بنفس العام مع الرائد جيمس هيويت، مدرب ركوب الخيل لدى الأسرة الملكية، وهي العلاقة الشهيرة التي أنتجت أوروبا فيلمًا سينمائيًا عنها، ووصلت شهرتها لاحقًا إلى الشارع البريطاني الذي نشر لسنوات شائعة بأن هيويت هو والد الأمير هاري – الابن الثاني لتشارلز وديانا – إلى تشابه بين هيويت وهاري إضافة إلى أن هاري قد ولد بالفعل في الوقت الذي بدأت فيه علاقة ديانا مع هيويت.
أجرى مارتن باشير الإعلامي بقناة BBC لقاءً تلفزيونيا مع ديانا وتم بثه في 20 نوفمبر 1995، وبسؤالها عن علاقتها بهويت قالت: ” نعم عشقته ولكنه خذلني “. ذبحت ديانا كرامة زوجها، الذي علم بخيانتها وقررا الانفصال دون طلاق، وأثناء رحلة تعافيه من جرحه عاد إلى صديقته كاميلا باركر واستئناف علاقته بها عام 1986 عقب جولتي خيانة من ديانا لزوجها.
تشارلز لم يخف هذه التفاصيل، وعبر مقابلة متلفزة مع جوناثان ديمبلبي في 29 يونيو 1994 قال في المقابلة “إنه أعاد إحياء علاقته مع كاميلا عام 1986 فقط بعد أن انتهى زواجه من الأميرة بشكل لا يمكن إصلاحه”. وديانا بدلًا من إصلاح خطئها واسترداد زوجها من صديقته، ظهر لها في أغسطس 1992 تسجيل صوتي جديد يثبت وجود علاقة جنسية مع شخص يدعي جيمس جيلبي ولعل أفضل ما كتب عن هذا التسجيل هو تقرير صحفي بعنوان “Princess Diana’s ‘admirer’ named by Press” بجريدة New Straits Times نشر بتاريخ 27 أغسطس 1992.
عام 1994 كشفت الصحافة عن علاقة جنسية جديدة مع رجل الأعمال المتزوج أوليفر هور ثم لاعب الرجبي ويل كارلينج، وأخيرًا قبل الطلاق دخلت في علاقة مع المستثمر في الأسهم الخاصة ثيودور جيه فورستمان. هذه الخيانات الست لم تكتشف وقتذاك للعامة، ولكن على ما يبدو أن من أراد يومًا وقف الصعود السياسي للأمير تشارلز، ومن أراد تلطيخ سمعة الملكية البريطانية، قد وجد مادة دسمة في الأميرة ديانا.
وهكذا تفاجأت الأسرة الملكية بسير من التسجيلات الصوتية يتم تسريبه واحدًا تلو الآخر، مع جرأة في بث تلك التسجيلات، بالإضافة إلى تسريب ديانا لتسجيل صوتي بين تشارلز وكاميلا يتجاذبان أطراف حديث يدل على أن بينهم علاقة جنسية. ثم لاحقاً تم ترتيب لقاء تلفزيوني عاصف للأميرة ديانا، تعترف فيه بكل شيء كما لو كانت تطلب الغفران بكرامة من الأمة، وتم تصويرها باعتبارها المرأة التي خيب زوجها الذي يكبرها بــ 31 عامًا كافة آمالها كشابة تتطلع للمستقبل حينما خانها مع عشيقته السابقة كاميلا.
ونقلت الصحف أن الأسرة الملكية حاولت مرارًا تقويم سلوك ديانا بلا جدوى، خاصة الأمير فيليب دوق إدنبرة، ووالد الأمير تشارلز، ولكن بالنظر إلى السجل المرضي لديانا يتضح أن هذا الاضطراب كان جزءًا رئيسيًا من حالة مرضية عامة، إذ إن أميرة ويلز الراحلة اعترفت بأنها مصابة بالنهم المرضى العصبي Bulimia nervosa، وهو أحد اضطرابات الأكل المتمثل في الشراهة في تناول الطعام، كما اعترفت بأنها مريضة اكتئاب منذ زمن، بالإضافة إلى Borderline personality disorder أو اضطراب الشخصية الحدي الذى يعد من ابرز أعراضه عدم الاتزان في المشاعر، كما اعترفت الأميرة بانها مصابة بــ Self-harm أو اضطراب إيذاء النفس، وأنها في بعض حالاتها قامت بإصابة يديها وقدميها إصابات بالغة.
وقد أتت اعترافات ديانا الطبية حينما ظهرت في برنامج بانوراما عبر شاشة BBC في 20 نوفمبر 1995، ولكن بعد مرور ربع قرن على بث هذه المقابلة فلا أحد يسأل نفسه كيف تحمل تشارلز العيش مع امرأة بهذا الاضطراب النفسي والعقلي وذلك لأن الإعلام عبر أجندة مكلف بها لتشويه سيرة تشارلز جعل الرأي العام كلما تعاطف مع ديانا فانه في علاقة عكسية يسحب من رصيد تشارلز الشعبي!
اكتملت إجراءات الطلاق كليًا في 28 أغسطس 1996 وتسلمت ديانا مبلغ 17 مليون يورو، بينما حارب تشارلز الكنيسة والملكة والأسرة بل والراي العام والصحافة والإعلام والدستور ومجلس العموم ومجلس الوزراء من اجل الزواج من صديقته كاميلا وذلك عام 2005 ليعرف قلب الأمير المستشرق أخيرًا معني الاستقرار والهدوء.
إمبراطور بريطانيا غير المتوج
أسس تشارلز منظمة The Prince’s Trust عام 1976 ولاحقًا جمع كافة المنظمات ومجهوداته حول العالم في تحالف The Prince’s Charities، وهو راعي ورئيس وعضو ومالك ومؤسس أكثر من 400 مؤسسة اقتصادية وخيرية وإنسانية واستثمارية، بالإضافة إلى مجالات الحفاظ على التراث والبيئة وتطوير التعليم ورعاية الآداب واحتضان الاكتشافات الطبية، ورعاية الأيتام والمسنين، كما يملك العديد من المحافظ الاستثمارية والعقارات السكنية والزراعية والتجارية.
يُعدُّ تشارلز من أوائل من نبهوا إلى أهمية رفع مستوى الوعي بالزراعة العضوية وتغير المناخ، ويعود له الفضل في اهتمام الحكومات البريطانية المتعاقبة بقضية الزراعة العضوية والمتغيرات المناخية.
وإن كنت تتساءل كيف حافظت بريطانيا عمومًا ولندن خصوصًا على طابعها المعماري طيلة تلك العقود، بينما بعض الدول الأخرى تغير إرثها ووجها المعماري على ضوء التمدد السكاني والتطور الحضاري، فالإجابة هي مجهودات تشارلز الذي راح يؤسس الجمعية تلو الأخرى وينشر الوعي بأهمية أن تظل بريطانيا على نفس ملامحها المعمارية التي تميز تراثها المعماري عن كافة بلدان العالم، ويرعى جهود ترميم المباني الأثرية والقديمة، وبناء ورعاية المتاحف والحفاظ على التراث المحلي للمدن البريطانية، لكيلا تتغير ملامح لندن التاريخية قط.
تدخل تشارلز من حين لآخر في المشاريع التي تستخدم الأساليب المعمارية الحداثية من اجل إيقافها؛ لأنها لا تتناسب مع طابع بريطانيا الكلاسيكي، فهو الرجل الذي يقف خلف إلغاء تصميم اللورد روجرز لتطوير موقع ثكنات تشيلسي وإسناد المشروع إلى مؤسسة هندسية أخرى، ادعى روجرز أن الأمير قد تدخل أيضًا لمنع تصميماته لدار الأوبرا الملكية وساحة باتيرنوستر، وأدان تصرفات تشارلز باعتبارها “إساءة استخدام للسلطة” و “غير دستوري”.
تبرع تشارلز بمعاشه الحكومي لمؤسسة خيرية غير مسماة تدعم المسنين بحسب جريدة جارديان في 27 يوليو 2014، وفي مارس 2014 رتب تشارلز تكاليف وخطة توريد خمسة ملايين لقاح الحصبة والحصبة الألمانية للأطفال في الفلبين على تفشي الحصبة في جنوب شرق آسيا.
منذ أوائل الثمانينيات، عزز تشارلز الوعي البيئي وطور اهتمامًا بالزراعة العضوية، التي بلغت ذروتها في إطلاق علامته التجارية الخاصة Duchy Originals عام 1990 التي تبيع الآن أكثر من 200 منتج مختلف مستدام من الطعام إلى أثاث الحدائق. وانخرط أمير ويلز في الزراعة واجتمع بانتظام مع المزارعين لمناقشة تجارتهم في الريف البريطاني، وفي عام 2004 أسس حملة عصر النهضة التي تهدف إلى دعم مزارعي الأغنام البريطانيين وجعل لحم الضأن أكثر جاذبية للبريطانيين.
تشارلز هو رئيس أكثر من 20 منظمة للفنون المسرحية، والتي تشمل الكلية الملكية للموسيقى والأوبرا الملكية وأوركسترا الغرفة الإنجليزية والأوبرا الويلزية الوطنية، وأسس تشارلز مؤسسة الأمير للأطفال والفنون في عام 2002 لمساعدة المزيد من الأطفال على تجربة الفنون مباشرة، وهو رئيس شركة رويال شكسبير الناشطة في المجال الفني والثقافي.
تشارلز هو رسام مائي وقد عرض وباع عددًا من أعماله ونشر أيضًا كتبًا حول هذا الموضوع، وعام 2001 تم عرض 20 مطبوعة حجرية من لوحاته المائية التي توضح عقارات بلاده في بينالي فلورنسا الدولي للفن المعاصر وهو الرئيس الفخري للأكاديمية الملكية لتنمية الفنون.
عراب السلاح البريطاني
لم يكتف تشارلز بأنه يدير إمبراطورية اقتصادية مترامية الأطراف، لا تخضع لرقابة تذكر، ولكن صحيفة الاندبندنت نشرت تقريرًا نادرًا في 3 فبراير 2015 تحدثت فيه عن تاريخ ولى العهد البريطاني في تعزيز مبيعات شركات السلاح البريطانية حول العالم، وذلك على ضوء انه ضابط بالجيش البريطاني وصل إلى رتبة مشير، وان تشارلز هو المسؤول الأول عن توريد السلاح البريطاني إلى دول الخليج العربي عموماً والسعودية على وجه الخصوص.
الحرب الأهلية السورية
ولم يغب تشارلز عن مداخلات بلاده في سنوات الربيع العربي، فحينما احتاجت بريطانيا إلى غطاء للتدخل في سوريا، كان الحل هو منظمة الصليب الأحمر البريطاني بالإضافة إلى 14 جمعية خيرية بريطانية تعمل داخل المناطق التي خرجت عن سيطرة الحكومة البعثية السورية.
ويكمن دور تشارلز في ذلك أنه تبرع بمبلغ غير معلن عام 2013 من أجل تمويل هذا النشاط بالكامل، علماً بأن نشاط الإغاثة البريطاني في سوريا كان غطاء لتدخل وعمل استخباراتي داخل الأراضي السورية.
في انتظار العرش
خلال العام 2019، نشرت تقارير تفيد اعتزام الملكة إليزابيث الثانية التنحي عام 2021 حينما تبلغ من العمر 95 عاماً، هكذا أصبح العرش يلوح في أفق تشارلز، وبينما العالم يتأهب للصدام السياسي المتوقع بين الملك المتمرد والنخب السياسية البريطانية والأوروبية، يأتي خبر إصابة تشارلز بفيروس كورونا في مارس 2020 لتبث عاصمة الضباب المزيد من الضباب في وجه المشهد البريطاني.
هل يرحل تشارلز عن عالمنا قبل والدته، وبحسب ترتيب ولاية العهد فأن الولاية تذهب إلى أخيه أندرو الذي تنحي عن واجباته الملكية عام 2019 وبالتالي تذهب الولاية إلى الأخ الثالث إدوارد الذي بدوره خفض مستوي تمثيله الملكي، وهكذا وكأن هنالك ترتيبات جرت منذ سنوات تتوقع رحيل تشارلز قبل إليزابيث فأن ولاية العهد حتى لو مات تشارلز فأنها تذهب إلى ابنه ويليام على ضوء تنحي أندرو وإدوارد عن وجباتهم الملكية!
مع تقدم سن إليزابيث وولى عهدها تشارلز والحالة الصحية لكليهما، فان السؤال اليوم حتى حلول عام 2021 هو من الذي سوف يسبق الآخر إلى السماء، وهل يصبح تشارلز قادرًا على تولى العرش عقب شفائه، أم يظل متوعكًا صحيًا، ويمرر العرش لابنه دون أن يتذوق لقب جلالة الملك ولو ليوم واحد في حياته.. هذا هو السؤال.
باحث سياسي