
الجيش المصري.. حائط الصد المنيع في استراتيجية الدولة لمجابهة وباء كورونا
تحتل الجيوش مكانة رمزية وحيوية في كافة الدول والمجتمعات باعتبارها أحد أدوات القوة الشاملة التي يمكن أن تؤهل الدولة ونظامها السياسي للقيام بوظائفها، والحفاظ على مقدرات الشعوب وسيادة ووحدة الأراضي الوطنية للدول. ففي أوقات سابقة كانت الأدوار الدفاعية تعتبر المهمة الأولى للقوات المسلحة، وبمرور الوقت شهدت الساحة الدولية والاقليمية عدد من التحولات التي انتهت إلى تراجع حدة الحروب التقليدية، وهو ما ساهم في إضفاء مهام جديدة وأدوار غير تقليدية على القوات المسلحة وجيوش المنطقة، إذ اصبحت الأدوار التنموية والمجتمعية عاملًا أساسيًا ومشتركًا للمؤسسات العسكرية داخل الدول المتقدمة والنامية.
الحصن المنيع
ظل الجيش المصري طيلة تاريخه وبشكل عام حائط الصد الأول والحصن المنيع الحامي للدولة المصرية، حيث اتخذت القوات المسلحة على عاتقها مهمة حماية الدولة المصرية والذود عنها والحفاظ عليها من كافة المخاطر والتهديدات التي تُحيط بها، وقد لعبت دورها بشكل فاعل ومؤثر، سواء كان هذا الدور يتعلق بالأمور الدفاعية أوقات الحروب، أو الأدوار والمهام التنموية في مراحل السلم والاستقرار. كما لعبت القوات المسلحة دورًا بارزًا في مساندة الشعب المصري ومطالبه في ثورة 30 يونيو، ولم يتوقف درو القوات المسلحة عن هذا الحد، بل تمكنت من لعب دور محوري في الحفاظ على الدولة الوطنية المصرية، بعيدًا عن الوقوع في مصير نموذج الدولة الهشة والدول الفاشلة التي أفرزتها أحداث 2011 وما بعدها.
وفي تقرير سابق على منصة “المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتجية” المعنية بمتابعات آخر التطورات المتعلقة بانتشار وتداعيات فيروس كورونا، تم التطرق لحدود وطبيعة المهام غير التقليدية التي يمكن أن تقوم بها الجيوش في أوقات الكوارث الطبيعية والأزمات، وفي حالات تفشي وانتشار الأوبئة، سواء كانت تلك المهام مرتبطة بفرض وتعزيز الأمن، أو الأدوار ذات الطبيعة اللوجيستية، ناهيك عن تقديم الدعم الطبي، وغيرها من الأدوار الفاعلة. فمع تزايد وتفشي وباء كورونا حول العالم، بات المجتمع الدولي مهددًا بشكل غير مسبوق، إذ تٌشير كافة المؤشرات والتحليلات إلى أن العالم يواجه أسوأ أزمة عصفت به في القرن الحالي، خاصة وأن العدو القائم والمشترك الذي يُحاصر كافة المجتمعات في الوقت الراهن أصبح غير مرئي. كما أنه تمكن من ترك تأثيرات وتداعيات كبيرة حتى الآن، حيث سجلت نسبة الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا حتى (27 مارس) نحو 552626 شخص، مقابل وفاة ما يقرب من 25044.
وفي هذا الصدد، سوف نتطرق لحدود وطبيعة دور القوات المسلحة المصرية في معاونة المؤسسات المدنية والمعنية في محاصرة فيروس كورونا، ومنع تمدده في الدولة المصرية، ومن ثم تلافي تداعياته المحتملة على كافة المستويات والأصعدة. وقد لعب الجيش المصري منذ الوهلة الأولى دورًا مهمًا في هذه الأزمة ولا يزال، خاصة وأن الأدوار التنموية والمجتمعية التي تقوم بها القوات المسلحة لم تكن عائقًا أمام تطوير وتحديث وتنمية قدراتها العسكرية، وهو ما عبر عنه الترتيب الصادر عن مؤسسة “جلوبال فاير باور” لعام2020 والذي وضع الجيش المصري ضمن أقوى جيوش العالم.
فمنذ إعلان وزارة الصحة المصرية عن اكتشاف أول إصابة بفيروس كورونا عملت القوات المسلحة على حشد كافة طاقاتها وامكاناتها للمساهمة في تطويق الفيروس والعمل على الحد من انتشاره، وقد اتخذت القوات المسلحة جملة من الإجراءات والتحركات في سبيل ذلك وهو ما يمكن الوقوف عليه فيما يلي:
اولا: إعلان حالة التأهب والاصطفاف، سخّرت القوات المسلحة قدراتها ورفعت من حالة التأهب والجاهزية للتعامل مع هذا الوباء، حيث قامت إدارة التعيينات بالاحتفاظ باحتياطات من المواد الغذائية تكفي لنحو20 ألف فرد، وذلك ضمن الإجراءات الحمائية والاستراتيجية في التعامل مع الأزمة. كما اتخذت هيئة الإمداد والتموين والخدمات البيطرية عددًا من الإجراءات منها التثقيف الصحي والتدريب على إجراءات الأعمال الوقائية. وقد جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في (24 مارس) وتفقده للمعدات والأجهزة المخصصة لاعمال التعقيم والتطهير ومكافحة كورونا للتأكيد على طبيعة الدور التي يمكن أن تقوم به القوات المسلحة في هذه الأزمة، حيث إن زيارة الرئيس تحمل عددًا من الدلالات يأتي في مقدمتها التأكيد على ضرورة تكاتف كافة مؤسسات الدولة للتصدي للأزمة، فضلًا عن حالة التأهب والجاهزية التي تقوم بها القوات المسلحة والدور المتوقع منها في هذه الأزمة.
ثانيا: تطويع المقومات الطبية، طوّعت القوات المسلحة طواقمها ومقوماتها الطبية لخدمة المواطن والعمل على منع والحد من انتشار الفيروس، حيث قامت إدارة الإطفاء والإنقاذ بتجهيز عرباتها ومعداتها وتزويدها بقواذف الأكرون وتجهيزها بمعدات ومحاليل لاستخدامها في أعمال التطهير وتعقيم الأماكن الحيوية، وقد تم تجهيز نحو 24 عربة إطفاء بقدرة 12 طنًا للعربة. في الوقت ذاته، قامت وحدات الحرب الكيماوية بالقوات المسلحة بإجراء حملة مكثفة لتطهير وتعقيم الأماكن والمنشآت والمرافق الحيوية في الدولة المصرية، كما امتد العمل ليشمل عددًا من الميادين والشوارع الرئيسية، ولا يزال العمل متواصلًا حتى تنتهي الأزمة. من ناحية أخرى يمكن للقوات المسلحة عبر هذة الوحدات القيام بعمل تحليلات الـــــ (PCR) اللازمة لفحص المشتبه في إصابتهم، وذلك من خلال قسم الوقاية البيولوجية بالمعامل الرئيسية للحرب الكيمائية.
ثالثا: منع الاحتكار والاستغلال، عملت القوات المسلحة على منع وقوع المواطن فريسة الممارسات الاحتكارية والاستغلالية من قبل تجار الأزمات، حيث سعت لتقديم كافة سبل وأشكال الدعم عبر توفير الاحتياجات والأساسية والسلع التموينية اللازمة للمواطن بناء على توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، وذلك من خلال عدد من المؤسسات التابعه للقوات المسلحة –شركة النصر للكمياويات الوسيطة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية- والتي عملت على توفير السلع التموينية وامداد المواطن بها بعيدًا عن جشع التجار، كما عملت القوات المسلحة على ضخ ومضاعفة المعروض من المطهرات والمحاليل التي تستخدم في أعمال التطهير والتعقيم وتوفيرها باسعار مناسبة وفي متناول الجميع، كما قامت القوات المسلحة بتوسيع قاعدة انتشار هذه المنتجات بحيث تشمل كافة محافظات الجمهورية مما يعود بالفائدة على الجميع.
مجمل القول، يمكن التأكيد على أهمية الدور التي تقوم به القوات المسلحة المصرية في مجابهة ومواجهة خطر تفشي كورونا، حيث تتكاتف الجهود العسكرية بجانب الجهود المدنية في تقليل المخاطر التي يمكن أن تنجم عن انتشار هذا الوباء، حيث تقف القوات المسلحة في خط الدفاع والمواجهة، الأمر الذي يمكن الاستدلال عليه من خلال ما تقوم به من إجراءات وتحركات في هذا الصدد، فضلًا عن التضحيات التي يقدمها رجال الجيش في هذه الفترة، وهو ما أدى إلى استشهاد اللواء أركان حرب شفيع عبدالحليم وقبله اللواء أركان حرب خالد شلتوت أثناء تصديهما لهذا الوباء، وذلك في إطار قيامهما بالمشاركة في تطهير الشوارع والميادين والمنشآت الحيوية في الدولة.
باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع



