
جنود “البالطو الأبيض”.. في الخطوط الأمامية لحماية المصريين من وباء كورونا
حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على توجيه الشكر للقطاع الصحي والطبي في مصر لجهوده في مواجهة فيروس كورونا المستجد قائلا: “نقدر جهودكم.. ونحن نخوض حربًا أنتم أبطالها”. وذلك أثناء كلمته باحتفال المرأة المصرية بقصر الاتحادية.
ففي الوقت الذي يجتاح فيه فيروس كوفيد-19 المستجد دول العالم، ليكشف الفيروس عن أوجه القصور في الأنظمة الصحية في جميع أنحاء العالم، وخاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية الصحية، واصل جنود البالطو الأبيض تقديم الرعاية الصحية أثناء تفشي الوباء، على الرغم من النقص في الموارد والإمكانيات، والأخطار الجمة التي تواجههم في انتقال العدوي إليهم نتيجة تعاملهم المباشر مع المرض.
انهيار أنظمة صحية كاملة في مواجهة فيروس كورونا
ضرب فيروس كورونا المستجد أكثر من 171 دولة، وأدي إلى انهيار منظومات صحية كاملة، مثل نظام الرعاية الصحية بإيطاليا، والذي احتل صدارة البلدان الأكثر صحة في العالم، وفقا لمؤشر بلومبرج للصحة العالمية ضمن 163 بلدًا، إلا أن الأنباء مؤخرًا أفادت بأنها باتت أكبر بؤرة لانتشار فيروس كورونا في أوروبا، وصاحبة أعلى حصيلة لعدد الوفيات الناجمة عن الفيروس المستجد في العالم بأسره.
وفي الآونة الأخيرة، قامت الكلية الإيطالية للتخدير والتسكين والإنعاش والعناية المركزة (SIAARTI) بنشر إرشادات تشبه قرارات “زمن الحرب” لتحديد من يعيش ومن يموت. وأفاد النظام الصحي في إيطاليا أن ما يصل إلى 80 % من أسرة المستشفيات في بعض المقاطعات يشغلها مرضى فيروس كورونا، وأن وحدات العناية المركزة مكتظة بشكل كامل في ظل نقص تام في الإمدادات.
كما أدى الإجهاد الذي سببه فيروس كوفيد-19 المستجد على الأنظمة الصحية إلى زيادة أعداد الوفيات من أمراض أخرى لا تتعلق بالفيروس. فهناك الكثير من القصص حول العالم عن مرضى يعانون من أمراض مختلفة مثل السرطان وأمراض أخرى حادة ومزمنة لا يجدون الفرصة لتلقي العلاج المناسب في ظل التكدس الحادث بالمستشفيات بمرضى فيروس كورونا، ونقص الإمكانيات الطبية علاوة على ذلك فلا يؤدي الفيروس إلى وفاة المرضى فحسب، بل أيضًا وفاة العاملين في المجال الطبي بسبب مزيج من العدوى والتعب.
المصابون من الأطقم الطبية جراء الفيروس حول العالم
مع الارتفاع المستمر في حالات الإصابة بفيروس كورونا وزيادة أعداد الوفيات، يعاني العاملون في المجال الصحي على الصعيد العالمي من نقص الإمدادات مثل الأقنعة الواقية. ففي الكثير من المستشفيات على مستوي العالم، نصحت الإدارات العاملين من الطواقم الطبية “باستمرار استخدام” أقنعة N95 حتى يتم تلوثها أو ترطيبها أو اختراقها“، والجدير بالذكر أن مثل هذه السياسات تشكل خطرًا كبيرًا على العاملين في الرعاية الصحية وتعرضهم لخطر العدوى التي قد ينشروها بعد ذلك إلى ذويهم وغيرهم من المخالطين لهم.
كما تظهر الأرقام الجديدة مستوى “هائلاً” من العدوى بين العاملين في المجال الطبي، حيث أصيب في إيطاليا وحدها ما لا يقل عن 2629 من العاملين الصحيين بفيروس كورونا منذ بداية تفشي المرض في فبراير، وهو ما يمثل 8.3 % من إجمالي الحالات المصابة.
ووفقًا للأرقام المنشورة في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، فإن العاملين الطبيين المصابين في الصين يشكلون 3.8 % من إجمالي الحالات، وجاءت 60% من أعداد الإصابات من الطواقم الطبية، في مدينة ووهان وحدها.
جيش مصر الأبيض في مواجهة فيروس كوفيد-19
لقد أعاد خطر فيروس كوفيد-19 المستجد، التذكير بأهمية الدور الذي يلعبه طاقم الجيش الأبيض، فكان في مصر الآلاف من الأطباء والتمريض والمسعفين، فرضت عليهم طبيعة عملهم البقاء لأسابيع تحت حصار الفيروس والابتعاد عن أهليهم وذويهم. يقفون في الصفوف الأولى لمواجهة خطر تفشي الفيروس، بشكل احترافي، على الرغم من المخاوف التي صدّرها بعض المحبطين في بداية الأزمة والتي تحف المنظومة الصحية المصرية وقدرة الطاقم الطبي المصري في التعامل مع الفيروس.
احتفاء مجتمعي بجنود البالطو الأبيض في ظل الأزمة
في ظل الأزمة التي يعيشها العالم بأسره، ومصر بالتبعية، فقد نحّى المجتمع المصري نجوم الفن الهابط ومريدي التريند جانبًا من المشهد العام في نوع من التصفية المجتمعية، وأشاد بمن ظهر مجددًا على الساحة وتصدر الأزمة بشجاعة وراهن بحياته على درء خطر الوباء عن مصر وهم “الأطباء والتمريض“, في محاولة من المجتمع لإثبات أن العلم ورجاله هم الأبقى، ويجب أن يتبوؤوا المكانة اللائقة بهم، ويحظون بكل الاهتمام والرعاية.
ومع تلك الحالة، تصدر هاشتاج “أطباء _مصر _البواسل_ شكرا” موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، خلال الأيام الماضية، في محاولة لرفع الروح المعنوية للأطباء، وذكر بعض المواقف التي تعبر عن المجهود الشاق الذي يبذلونه للقضاء على فيروس كورونا، وانتشرت الصور والتعليقات المتفاعلة بإيجابية مع رسالة الأطباء على مواقع السوشيال ميديا.
كما أطلقت الوحدة المركزية لشؤون مقدمي الخدمة الطبية بوزارة الصحة والسكان، هاشتاج “# جيش _ مصر _الأبيض”، لإرسال رسائل شكر لكل أعضاء الفريق الطبي المشاركين في الحجر الصحي، في أنحاء مصر، لعلاج مرضى كورونا، بالتزامن مع يوم الطبيب المصري، الذي وافق يوم الأربعاء 18 مارس 2020.
جهود الجيش الأبيض في مواجهة فيروس كورونا
يعمل الأطباء المصريون في نوبات طويلة تمتد أيامًا في كل مرة، لمواجهة الفيروس على الخطوط الأمامية، كما يتولى الأطباء والتمريض والمسعفين عدة أدوار في آن واحد للتعامل مع العديد من المرضى.
وفي ظل ضعف الإمكانيات والموارد، بدأت هذه الملحمة الطبية أولًا بالفريق الطبي الذي بادر بالسفر إلى مدينة ووهان لإجلاء المواطنين المصريين من بؤرة تفشي الوباء، مرورًا بإبداء الآلاف من الأطباء استعدادهم للمشاركة في فرق الدعم الطبي محل زملائهم في أي وقت.
وعلى الصعيد الآخر فقد دشن عدد من الأطباء بكلية الطب جامعة الإسكندرية مبادرة ” أمكث في بيتك واستشرنا” عبر مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي” فيسبوك” كخدمة تطوعية للأهالي، ضمن إجراءات الحد من انتشار فيروس “كورونا المستجد”. وقد لاقت المبادرة إشادة واسعه وانضم العديد من الأطباء على مستوي المحافظات المختلفة لتقديم تلك الخدمة التطوعية ضمن المبادرة.
حان وقت التقدير
ومع ظهور وباء كورونا وزيادة حجم المخاطر التي باتت تهدد عمل الأطباء، خاطبت نقابة الأطباء رئيس الجمهورية برسالة تطالب فيها برفع بدل العدوى، وجاء فيها «أن الأطباء يُعتبرون في الصف الأول لمجابهة الفيروس القاتل، وأنهم الأكثر عرضة للعدوى بسبب تواجدهم الحتمي وسط المرضى لرعايتهم. وأنهم يقومون بواجبهم، على الرغم من تعرضهم وأسرهم لمخاطر العدوى المتكررة، التي تصيب البعض منهم بإصابات خطيرة ويلقى العديد منهم حتفه بسببها».
واعتبرت نقابة الأطباء أن «جهد الأطباء لا يقدر بثمن، ولا يمكن لأي أموال أن تعوضهم أو أسرهم عن الإصابة بمرض خطير أو فقدان الحياة، وأن تقدير الدولة لدورهم من أجل زيادة شعورهم وأسرهم بالأمان والانتماء لتقدير جهدهم». وأشارت في نهاية البيان إلى أن قيمة بدل العدوى حاليًا تتراوح بين 19 و30 جنيهًا شهريًا فقط، وهذه القيمة المتدنية لم تطرأ عليها أي زيادة منذ خمسة وعشرين عامًا.
ختاما
حان وقت التقدير لأولئك الجنود الصامدين في الصفوف الأمامية، فيجب أن تكون الأمور مختلفة فيما بعد أزمة كورونا كلية عما قبلها، فالمطالبة برفع بدل العدوى ليست استغلالًا لظرف صعب، بل هو جرس إنذار لأوضاع خاطئة يجب تصحيحها. فالأطباء والعلماء وقادة التنوير يجب أن يتقدموا دومًا الصفوف الأولي، وأن يحظوا بالمكانة اللائقة في المجتمع.
باحثة ببرنامج السياسات العامة



