
هل هناك علاقة بين الظروف المناخية وانتشار فيروس كورونا ؟
أصبح الشغل الشاغل لعلماء العالم خلال الشهور الأخيرة هو بحث شتى الطرق لمقاومة انتشار مرض القرن الحادي والعشرين الأشهر وهو فيروس كوفيد-19 المشهور إعلاميًا بكورونا المستجد، وبجانب السعي لإيجاد اللقاح وإنقاذ آلاف المرضى، هناك أيضًا عدة محاولات لفهم مجرى انتشار الفيروس. إذ قام علماء من جامعة ميريلاند ينتمون إلى شبكة الفيروسات العالمية (تحالف دولي من علماء الفيروسات الذين يدرسون الحالة) بمحاولة إثبات علاقة قد تكون مثيرة للاهتمام بين خواص الانتشار للفيروس والظروف والعوامل المتعلقة بالمناخ في المناطق التي انتقل إليها المرض.
وبعد تقسيم مناطق العالم المختلفة إلى شرائح مناخية متعددة، لوحظ أن الفيروس انتشر بصورة أسرع وأكبر في منطقة بعينها, أطلق عليها اسم حزام الفيروس التاجي، وهو الشريط الأخضر الذي يمكن رؤيته على الخريطة، الذي يتطور فيه المرض.
شكل1: التوزيع الحراري للكرة الأرضية مع الإشارة للمنطقة الخضراء

وطبقًا لنتيجة هذا البحث، فإن هناك منطقة بعينها تتسم بظروف مناخية متشابهة وفي نفس الوقت انتشار أضخم للفيروس عن المعتاد. وتقع هذه المنطقة بشكل محدد بين دوائر عرض 30 و50 درجة. وتتعرض أغلب هذه المنطقة لمتوسط درجات حرارة يتراوح ما بين 5 و11 درجة مئوية، بالإضافة إلى معدلات رطوبة تتراوح ما بين 47 و79%.
وبالنظر للومباري, وهي إحدى أكثر المدن الإيطالية تضررًا من المرض, قد نستطيع من خلال ما توصل إليه هذا البحث أن نفسر سبب هذا الانتشار. إذ أن للومباردي متوسط درجات حرارة يقدر بـ9 درجات مئوية، وكذلك معدلات رطوبة تتراوح ما بين 68 و75%، بل إنه بشكل عام، لم تظهر ضراوة في الانتشار لفيروس كوفيد-19 في المدن ذات متوسط درجات حرارة أقل، حتى تلك صاحبة درجات الحرارة الأدنى من الصفر. وهو ما قد يعطي استنتاجًا أوليًا بأن الفيروس قد لا يستطيع تحمل البرد القارص.
وكذلك الحال في مدينة لومباردي, التي تقع في الجزء الشمالي من إيطاليا, فإن العديد من المدن التي تقع في نفس المنطقة الحزامية, تعرضت لنفس المشكلة في كوريا الجنوبية والصين وفرنسا وألمانيا وإيران ومنطقة شمال المحيط الهادئ في الولايات المتحدة. وهي المدن الأكثر تضررًا حتى تاريخه. وعند مقارنة الظروف المناخية لهذه المناطق، تُوصل إلى أن جميع هذه المناطق تزامن تفشي الوباء فيها بالتوازي مع استقرار درجات الحرارة نسبيًا فيها داخل الحدود المذكورة، لفترة أطول من شهر. بل إن هذه النتائج قد تفسر سبب عدم إعلان حالات الطواريء في الدول والمناطق الملاصقة للصين, واكتشاف عدد أقل من الحالات المتوقعة فيها.
فحتى منتصف شهر مارس, اكتُشفت 80 حالة فقط في مدينة بانكوك بتايلاند, وكذلك 47 حالة فقط في فيتنام كاملة. ونفس الحال في كمبوديا وميانمار, إذ احتوت الأولى على 7 حالات فقط, مقابل عدم اكتشاف أي حالة في الثانية. وعلى الصعيد الآخر, ففي خلال فترة التطور الأقصى لانتشار المرض بشهري يناير وفبراير, كان متوسط درجة الحرارة في مدينة ووهان الصينية 6.8، وفي العاصمة الكورية الجنوبية سيول 7.9، وفي العاصمة الإيرانية طهران بين 7 و 15، وفي بياتشنسا وميلان بشمال إيطاليا ما بين 6 إلى 9 درجات مئوية.
يذكر أن العديد من الباحثين قد اشتبهوا في أن فيروس كورونا ينتهج سلوكيات مقاربة لأمراض البرد الأخرى التي تهاجم الجهاز التنفسي، وبالتالي لديها حساسية ملحوظة للظروف المناخية. إذ تتحمل تلك الأمراض الطقس البارد بشكل أفضل لأن لديهم غطاء دهني، ولكنه يتحلل في الطقس الحار. كما أنه من الصحيح أيضًا أن متوسط الظروف الصحية للناس يتحسن خلال شهور الصيف, ويزداد الجهاز المناعي قوة في تلك الفترة.
إحدى الفرضيات الطبية لتفسير هذا الشأن يتعلق بدور الميلاتونين، الذي يتأثر بعوامل الضوء. كما ينشط فيتامين د بالتعرض للأشعة فوق البنفسجية، وهو ما ينتج عنه في النهاية تخفيف من حدة حدوث الأمراض التي تؤثر على الجهاز التنفسي. وطبقاً لهذه الفرضية, فمن المتوقع أن تتحرك مواقع التوسع في التفشي ناحية الشمال من ممر الحزام الحالي. وهذا يعني أن الفيروس قد ينتقل إلى إنجلترا واسكتلندا وأيرلندا ومنطقة كولومبيا البريطانية في كندا, حيث تشير الدراسات إلى احتمالية انفجار الوباء هناك بين أواخر مارس وأبريل. وكذلك قد يحدث نفس التأثير في شمال الصين الذي لم يعاني سابقًا وقت اندلاع الأزمة بنفس درجة ووهان على سبيل المثال.
ويبدو أن الاهتمام العلمي بالظاهرة التي تناولتها الدراسة البحثية لعلماء جامعة مريلاند قد ازداد مؤخرًا، وأصبح الجميع يأمل في أن يتمكن من إثبات أن الصيف سيكون حلًا فعالًا لإنهاء خطر كورونا. وهي النظرية التي تميل إليها العديد من الأبحاث مؤخرًا. منها دراسة قام بها باحثون من جامعة جوانجزو الصينية، والتي توصلت إلى أن الفيروس ينتقل بشكل أفضل حين تكون درجة الحرارة حول 8.72 درجة مئوية، حتى الباحثون من جامعة تسينجهوا في بكين، والذين استخدموا بيانات من المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، توصلوا إلى أنه عندما تكون درجات الحرارة والرطوبة أقل، فستنتشر العدوى لحالات أكثر من تلك المناطق الأخرى التي تكون فيها درجة الحرارة أكثر دفئًا والرطوبة أعلى.
كما قام فريق من جامعة رور في مدينة بوخوم الألمانية بتحليل وقت بقاء الفيروس على الأسطح, فوجدوا أنه يبقى لفترة أطول في الظروف الباردة والرطبة. إذ يمكن أن يبقى في درجات حرارة تقترب من 4 مئوية لمدة 28 يومًا, بينما يختفي وقتًا قصيرًا عندما تصل الحرارة من 30 إلى 40 درجة مئوية. وهو ما يشير إلى أن وصول الصيف يمكن أن يقلل بشكل كبير من انتقال العدوى. أي أن ارتفاع درجة الحرارة، مع الحفاظ على انخفاض الكثافات في المناطق المزدحمة, قد يكون هو الحل, بشرط عدم تطور الفيروس مجددًا.
هل وصول الصيف نقطة النهاية للوباء؟
نظرًا لأن الإنفلونزا ونزلات البرد تميل إلى التذبذب مع المواسم، والتراجع في الصيف والعودة في الشتاء كل عام، فقد أعرب الكثير من الناس -بما في ذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- عن تفاؤلهم بأن الدفء الوشيك في فصل الربيع يمكن أن يعيق انتشار الفيروس. ولكن رغم كل الدراسات الحالية ونتائجها الإيجابية نوعًا ما، فإن هناك مؤشرات أخرى قد تدل على أن حرارة الصيف قد لا تكفي. إذ كانت المناطق الدافئة، التي تنتمي إلى النصف الآخر من الكرة الأرضية، عرضة للوباء أيضاً. ومنها على سبيل المثال القارة الأسترالية.
وهناك بالفعل بعض الخبراء الذين يرون صعوبة انتهاء الفيروس خلال الشهور الصيفية المقبلة, منهم عالم الأوبئة مارك ليبستش من جامعة هارفارد. ويرى ليبستش أن انخفاض درجات الحرارة وحده لن يكون كافيًا لإحداث تأثير كبير. وقارن فيروس كورونا المستجد بفيروسات تاجية أخرى مثل SARS-CoV-2، والذي يأتي في الربيع والصيف. وأبرزت أخبار الاصابات في أستراليا صواب فرضية ليبستش نسبياً. إذ يُعدُّ تشخيص الممثل العالمي توم هانكس وزوجته بالاصابة دليلًا مؤسفًا على ذلك. وكان الممثل يصور في مدينة جولد كوست الأسترالية، حيث يبلغ متوسط درجة الحرارة حوالي 23 درجة مئوية.
فمتوسط درجة الحرارة في أستراليا حاليًا أعلى من تلك المذكورة في دراسات جامعة ميرلاند وغيرها. ولكن هذا لم يمنع وجود حالات عدوى بكوفيد-19. حيث أصيب ما لا يقل عن 128 شخصًا في أستراليا، وتوفي ثلاثة أشخاص هناك. لذلك يبدو أن الفيروس قد لا يتوقف عن الانتشار خلال فترة الصيف، حتى لو كانت الأرقام في أستراليا أقل من مثيلاتها في إيطاليا أو إيران. وهو ما أشارت إليه ماريا فان كيرخوف، خبيرة الأمراض المعدية في منظمة الصحة العالمية، خلال مؤتمر صحفي عُقد يوم 5 مارس الجاري، إذ ذكرت أنه ليس لديهم سبب للاعتقاد بأن هذا الفيروس سيتصرف بشكل مختلف في درجات حرارة مختلفة.
وختامًا لا يزال هناك الكثير لنتعلمه عن كيفية سلوك الفيروس التاجي الجديد, فرغم تسابق العلماء في محاولة علاجه, إلا أن المعرفة القصيرة بالفيروس خلال الأسابيع الأخيرة غير كافية كي يعرف العلماء بعد ما سيفعله الفيروس خلال فصلي الربيع والصيف.
باحث ببرنامج السياسات العامة



