كورونا

كيف يمكن قراءة تحذيرات “داعش” من “كورونا”؟

في ظل تفشي فيروس “كورونا المستجد كوفيد-19″، أصدر تنظيم “داعش” الإرهابي تعليمات لعناصره بشأن التعامل مع الفيروس؛ حيث نشرت صحيفة “النبأ” التابعة للتنظيم في عددها الأخير قائمةً من التوجيهات لتجنب الأمراض المعدية. وقد تضمنت هذه القائمة عددًا من الإرشادات مثل: تجنب مخالطة المصابين، وغسل اليدين قبل الأكل، وتجنب السفر للمناطق الموبوءة. وتطرح تلك التعليمات تساؤلاتٍ حول هدف التنظيم من نشرها، إذ يمكن قراءة تلك التعليمات في ضوء الاحتمالين التاليين:

الاحتمال الأول: عدم انتشار الفيروس بين عناصر تنظيم “داعش”

 وفي ضوء ذلك الاحتمال، يمكن النظر لتلك التعليمات بوصفها إجراء احترازي وقائي، يهدف إلى التوعية بمخاطر الفيروس، سعيًا للحفاظ على عناصر التنظيم المتبقية، ولا سيما في ضوء التحديات التي يواجها التنظيم؛ فبجانب الهزيمة العسكرية التي تعرض لها في معظم الولايات والمناطق التي كان يسيطر عليها، وفقدانه عديد من قيادات الصف الأول والثاني، يشهد التنظيم انقساماتٍ وخلافاتٍ حادة بين أروقته. 

وعلى صعيدٍ متصل، وفي إطار ذلك الاحتمال، يمكن القول إن التنظيم يحذو حذو الدول؛ فكما حذرت الأخيرة مواطنيها من تداعيات الفيروس وسبل الوقاية منه، ينتهج الأول النهج نفسه. ويعكس هذا المنطق الرؤية الذاتية للتنظيم التي لم تتغير؛ في رؤية نفسه كـ “دولة الخلافة الإسلامية” المحملة بالمسؤولية تجاه مواطنيها، وتتعامل مثلها مثل الدول.

وفي السياق ذاته، يهدف التنظيم لتجنيد أعضاءٍ جددٍ في محاولةٍ منه لكسب تأييد عناصرٍ شابةٍ جديدة؛ إذ فسر تفشي المرض بكونه “العقاب الإلهي” الذي يستلزم الاقتراب من الله عبر فكرة الجهاد طبقًا لرؤيته. وعليه، ومع بداية تصاعد الحديث عن الفيروس، أبدى التنظيم الشماتة من انتشاره في كلٍ من الصين وإيران، لأن الأولى -في نظره- “شيوعية كافرة”، أما الثانية فهي “شيعية مرتدة”.

الاحتمال الثاني: انتشار الفيروس بين أعضاء التنظيم

وهو ما تتزايد احتمالاته لا سيما في ضوء ظهور المرض في مناطق يوجد بها التنظيم؛ إذ بلغ عدد الإصابات بفيروس “كورونا” في العراق حتى الآن 79 حالةً، بمعدل وفياتٍ قُدّر بـ 10%. ووفقًا للأرقام المعلنة، توفيت 8 حالاتٍ، ما يشير إلى أن العدد الفعلي للعدوى قد يتخطى هذا الرقم بكثير. 

وعلى الرغم من عدم تأكيد أي حالاتٍ مصابةٍ بالفيروس في سوريا أو اليمن، إلا أنه يصعب الاعتماد على تقارير الصحة العامة في كثيرٍ من الأحيان؛ نتيجةً لما تمر به تلك البلدان من ظروفٍ استثنائية. ناهيك عن تحول أوروبا إلى بورةٍ لفيروس “كورونا”. وهي المنطقة التي يحتفظ “داعش” بتمثيل داخلها عبر “الخلايا النائمة” أو “العائدين”.

كل تلك المعطيات تُلقي بظلالها على نشاط التنظيم حال لجوئه إلى توظيف إصابة أعضائه بالفيروس؛ فقد نشهد إرهابًا جديدًا مختلف الدوافع والآليات والأهداف؛ فمن المتوقع أن يحول عناصره المصابة إلى قنابل “بيولوجية” بشرية تهدف إلى نشر المرض، هذا على صعيد. وعلى صعيدٍ آخر، قد يبدأ التنظيم في السطو على المنشآت الطبية بهدف توفير مستلزماتٍ صحيةٍ لعناصره، وذلك في ضوء لجوئه من قبل للسطو على البنوك بغرض الحصول على الأموال. وقد يشرع التنظيم أيضًا في اختطاف الأطباء من أجل علاج مصابيه.

وتجدر الإشارة إلى أن سعي تنظيم داعش لتوظيف “الإرهاب “البيولوجي” ليس بجديد عليه؛ فقد ألقت وحدات مكافحة الإرهاب الألمانية في 2018 القبض على عنصرٍ داعشيٍ يُدعى “سيف الدين”، لشرائه الآلاف من بذور الخروع عبر الإنترنت، لتصنيع قنابل “الريسين” السامة، في أعقاب تلقيه تعليماتٍ من تنظيم “داعش” عبر الإنترنت لتصنيع “قنبلة بيولوجية” من سم “الريسين”. 

وقد جاء ذلك في أعقاب الدعوات التي أطلقها التنظيم خلال عامي 2016 و2017، للتحريض على استهداف أوروبا بالأسلحة “البيولوجية”. إذ شجّع أتباعه في الغرب “من عاملين في المتاجر، والمصانع، ومحلات السوبر ماركت أيضًا” على وضع سم “السيانيد” “الذي يعد واحدًا من أسرع السموم قتلًا وأشدها فتكًا” في الخضراوات، والفواكه، واللحوم، وخلطه بالخمور. 

مجمل القول، 

يظل الوقت هو العنصر الحاسم في ترجيح أحد الاحتمالين. وفي ضوء سرعة انتشار فيروس “كورونا” فلا يُستبعد أن تصل العدوى إلى عناصر تنظيم “داعش”. وعلى الرغم من احتمال انحسار نشاط التنظيم على المدى الطويل حال تفشى المرض بين عناصره، إلا إن ذلك التفشي -إن حدث- سيخلف تداعيات سلبية تتزايد وطأتها على المجتمعات التي ينشط فيها التنظيم على المديين القصير والمتوسط.

+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

تقى النجار

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى