اقتصاد وطاقة

كيف نفهم الإجراءات الاقتصادية المصرية لمجابهة تداعيات “كورونا”

أعلنت وزارة المالية المصرية في يوم 14 مارس الجاري عن تخصيص 100 مليار جنيه لمواجهة انتشار فيروس كورونا، ثم تلت ذلك في 15 مارس بالإعلان عن الزيادة الدورية للعام 2020/2021 بنسبة 7%، بالإضافة إلى إعادة هيكلة نظام ضريبة الدخل بحيث يُقلل أعباء أصحاب الشرائح الدُنيا من الأجر، تزامن ذلك مع إعلان البنك المركزي اتخاذ عدد من الإجراءات لمواجهة الفيروس من أهمها تأجيل الاستحقاقات الائتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لمدة 6 أشهر، وعدم تطبيق عوائد وغرامات إضافية على التأخير في السداد، بالإضافة إلى  إلغاء الرسوم والعمولات المطبقة على رسوم نقاط البيع والسحب من ماكينة الصراف الآلي (ATM) والمحافظ الإلكترونية، لمدة 6 شهور.

تُعد الإجراءات السابقة هي الخطوة الأولى فيما يُعرف اقتصاديًا بالسياسة التوسعية، والتي تهدف في الأساس لمواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي أو دفعه في حالة دخوله في حالة ركود، وهما الحالتان اللتان يُخشى على الاقتصاد المصري أن يشهد أحدهما تحت تأثير كورونا، ولذلك سابقت الدولة المصرية باتخاذ إجراءات توسعية مبدئية لمواجهة الآثار الاقتصادية لهذا التفشي، على المستويين المالي والنقدي، وفيما يلي نستعرض كيف تؤثر الإجراءات المُتخذة على الاقتصاد المصري، وأي اتجه يُمكن أن تتخذ تحت ضغوط كورونا في حال تعمق تأثير انتشار الفيروس.

أولًا – السياسة المالية

السياسة المالية هي ذلك الجزء من السياسة الاقتصادية الذي تُديره وزارة المالية وتتحكم فيه أساسًا عن طريق إيرادات الدولة ونفقاتها، فعلى جانب الإيرادات كُلما اتجهت وزارة المالية إلى رفع الإيرادات من إداراتها الإيرادية كمصلحتي الضرائب والجمارك المصريتين بما يُكلف الأعمال إنفاق أعلى تكون بذلك الوزارة قد اتجهت إلى سياسية ضريبية انكماشية، حيث ستؤدي إجراءاتها إلى رفع تكلفة مُمارسة الأعمال مما يُسفر عن تقليل أرباحها، وبالتالي تعيين عدد أقل من العاملين، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تأثير سلبي على الناتج المحلي الإجمالي، والعكس في حالة إذا ما اتجهت إلى الخفض، حيث سيحدث تأثير عكسي يؤدي إلى تقليل تكلفة مُمارسة الأعمال مما يؤدي ارتفاع أرباحها، وهكذا.

C:\Users\DELL\Desktop\782.jpg

يحدث عكس التأثير على جانب المصروفات، فكُلما وسّعت الوزارة من إنفاقها كرفع الرواتب والمعاشات أو الإنفاق الاجتماعي، يستفيد بهذا الإنفاق أعداد أكبر من المواطنين الذين ترتفع دخولهم، وبالتالي يزيد الجزء المُخصص للإنفاق، وهو ما يؤدي إلى لجوء عدد أكبر منهم لشراء السلع والخدمات مما يؤدي إلى ارتفاع أرباح الشركات والأعمال وبالتالي يؤدي إلى تشغيل عدد أكبر من العُمال لمواجهة الطلب الجديد، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تأثير إيجابي على الناتج المحلي الإجمالي. ويحدث عكس هذا التأثير إذا ما اتجهت الوزارة إلى خفض إنفاقها بحيث تُقلل الرواتب والمعاشات وغيرها، حيث سيقل الإنفاق ويحدث عكس العملية السابقة.

هذه الإجراءات ليست ببساطة عرضها السابق، فقد تحدث تأثيرات عكسية، في أي من الحالتين إذا ما فقدت وزارة المالية السيطرة أو اتخذت إجراءات جائرة، ومن هذه التأثيرات ارتفاع مُعدلات التضخم لمُستويات مؤذية للأعمال والأسر في حالة الإنفاق غير المحسوب، وكذلك قد تتسبب في ركود وإفلاس للأعمال في حالة التضيق الشديد، لذلك على الوزارة دائمًا إجراء العديد من الدراسات والأبحاث على أوضاع السوق قبل اتخاذ قراراتها، حتى تكون الإجراءات كمشرط جراح يعالج ولا يؤذي.

بناءً عليه نُلاحظ أن الإجراءات التي اتخذتها وزارة المالية توسعية على جانبي الإيرادات والمصروفات، حيث أعلنت زيادة الإنفاق برفع رواتب الموظفين لدى الدولة وفي ذات الوقت خفض الضرائب عليهم بما يصب في اتجاه رفع أجورهم عامة وخاصة المُخصص منها للإنفاق، وبالتالي ستتجه هذه الزيادات إلى السوق لسد الاحتياجات الأساسية، وهو ما سيعمل على تقليل آثار كورونا التي تتمثل أساسًا في انخفاض الإنفاق وبالتالي تقليل أرباح الشركات وتقليل العمالة، من ناحية أخرى نلحظ اتخاذ الإجراءات بسرعة كبيرة ما يبدو معه أن الوزارة تُدرك جيدًا وضع السوق في الوقت الحالي، ولذلك لم تتردد في رفع الإنفاق وخفض الإيراد.

ثانيًا – السياسة النقدية

على عكس السياسة المالية، يُدير البنك المركزي السياسة النقدية، والبنك المركزي هو جزء من مؤسسات الدولة لكنه مُستقل عن الحكومة، يُمارس سياسته ويُعمل أدواته بعيدًا عن الحكومة، ويُمارس البنك هذه السياسة أساسًا عن طريق القطاع المصرفي باستخدام أدوات ثلاث وهي، إدارة الاحتياطي الإلزامي: وهو الحد الأدنى من ودائع العملاء الذي يجب أن يحتفظ به البنك، وثانيًا سعر الخصم: وهو الثمن الذي يُقرض به البنك المركزي البنوك، وأخيرًا ما يُطلق عليه “عمليات السوق المفتوح” حيث يشتري البنك المركزي ويبيع أدوات الدين الحكومي من أذون وسندات للبنوك، وتهدف الأدوات الثلاث إلى التحكم في حجم السيولة النقدية لدى البنوك، التي بدورها كُلما ارتفعت، زادت قدرة البنوك على إقراض الشركات لتوسع حجم أعمالها وبالتالي توظف عدد أكبر من العاملين.

C:\Users\DELL\Desktop\1-5.jpg

وقد اتخذ البنك المركزي اليوم في جلسة استثنائية بخفض سعر الفائدة 3%، استباقًا لآثار الفيروس بما يكفي لتعديل السياسة النقدية، نتيجة تزامن عوامل أخرى بالإضافة إلى كورونا، لكن ما اتخذه البنك حتى الآن من إجراءات يصب كذلك في التيسير على الشركات عن طريق عدم تحميلها مصروفات إضافية نتيجة التأخر المتوقع في سداد التزاماتها، والناتج عن إجراءات الوقاية من انتشار الفيروس التي اتخذتها الحكومة أو بصدد اتخاذها.

وكُلما تعمقت الآثار الناجمة عن انتشار الفيروس كُلما اتجهت السياستان المالية والنقدية إلى التوسع، حيث قد تقوم وزارة المالية بتخفيض الضرائب أو تأجيل سدادها لفترة من الوقت وخاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، أو رفع الرواتب بقدر أكبر، وكذلك توجيه المزيد من النفقات إلى أصحاب المعاشات والمُدرجين على قوائم برنامجي تكافل وكرامة، أما البنك المركزي فقد يلجأ إلى تخفيضات متوالية لأسعار الفائدة، بالإضافة إلى تدخلات جزئية بسيطة في السوق بشراء كميات بسيطة من أدوات الدين الحكومي.

في النهاية:

 لا بد من الإشادة بالتحركات السريعة للجناحين الاقتصاديين، واللذين أبديا استجابة سريعة للغاية لما يحدث من تحركات على المستوى الصحي، وهو ما أوضح حقيقة تحول أجهزة الدولة المصرية مما عهدها عليه المواطنون كأجهزة رد فعل إلى أجهزة مُبادرة ومُبادئه تتنبأ وتتوقع وتتدخل بما يُفيد الوطن والمواطن، ولعل ما ظهرت به الدولة في أزمة “مُنخفض التنين” يُلخص هذا التحول، وينبئ بجهاز حكومي ودولة قادرة تتعزز قُدراتها مع ما تتعرض له من أزمات.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى