السودان

تحولات أمنية.. محاولة اغتيال “حمدوك” بين بدائية التقنية وتطورات المشهد السوداني

لم يمض أكثر من عام علي بيان عزل الجيش السوداني للرئيس المخلوع عمر البشير، في 11 إبريل 2019، حتى فوجئ السودان ومحيطه العربي والإقليمي، صباح اليوم، بحدثٍ جديدٍ من نوعه، تمثل في محاولة اغتيال رئيس الحكومة الانتقالية “عبد الله حمدوك”، إثر استهداف موكبه المكون من سيارتين بعبوة ناسفة، ووابل من زخات الرصاص من مصدر مجهول.

يُعدُّ الحادث الأخير جديدًا على المشهد السوداني الذي يختبر منذ عام حراكًا شعبيًا كبيرًا منذ قرابة العام، أطاح بحكم البشير الذي رهن موقع السودان لتحالفات إقليمية مثيرة للجدل والقلاقل تجاه دول جواره ومحيطه العربي والدولي؛ إذ طغت الأيديولوجيا المنبثقة من أدبيات الحاكمية الإسلامية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين على غالبية القرارات الاستراتيجية والاتجاهات السياسية والاقتصادية والأمنية للسودان طوال عقود ثلاثة تحت حكم البشير، وتسببت في تدمير للاقتصاد، وانفصال الجنوب، وعزلة دولية وحروب لا تنتهي.

وتحول السودان لملاذٍ آمنٍ للحركات والتنظيمات الإرهابية ورموزها من “بن لادن” وصولاً للإرهابي الدولي “كارلوس”، فضلًا عن توجيه دفة التقارب لمحور (إيران – تركيا) عوضًا عن محيطه العربي. ما جعل السودان إبان حكم البشير بمثابة نقطة فاصلة في استراتيجيات مشاريع الهيمنة والتوسع للقوى الإقليمية التي تتبني الخطاب “الإسلاموي”، وتوظف جماعات وحركات الإسلام السياسي بغية تحقيق أهدافها. وهو ما تجلى في أخطر مناورة للسودان هددت على نحو كبير الأمن القومي المصري والعربي، بالسماح لتركيا –صاحبة المشروع التوسعي الأممي الذي يستهدف البلدان العربية المركزية- بإدارة وتشغيل ميناء سواكن علي البحر الأحمر، في زيارة الرئيس التركي الأخيرة للسودان في مايو 2017. ما مهد لإمكانية وجود عسكري تركي في الخاصرة الجنوبية المصرية، وقبالة السواحل السعودية في البحر الأحمر. ذلك فضلاً عن الاعتماد الكبير على الترسانة العسكرية الإيرانية في تسليح عتاد الجيش السوداني ولاسيما البري، والاحتفاظ بعلاقات جيدة مع النظام الإيراني، في نفس الوقت الذي يشارك فيه السودان ضمن التحالف العربي في اليمن ضد جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا.

فكانت الإطاحة بنظام “الإنقاذ الوطني” الذي قام البشير بغرسه طوال العقود الثلاثة ليضمن هذا التموضع المثير للجدل ضمن مصفوفة الأدوار العربية والإقليمية؛ حدثًا فارقًا في تاريخ الشعب السوداني الذي بات يتطلع لرسم مستقبل أفضل نحو دولة مؤسسات ذات سيادة. وعلى الرغم من نجاة السودان من سيناريوهات التفكك والانكشاف الأمني والاقتتال المسلح الداخلي على نحو يفرز معه تنامي نشاط تنظيمات الجيل الجديد من الإرهاب العابر للحدود، إلا أنه مازال يواجه تحديات جسام للحفاظ على تماسك مؤسساته، والتوصل لصيغة توافقية نهائية تراعي الفصل بين السلطات، وتحدد مهامها في ظل المحاولات الخارجية المتكررة لإبقاء دوران السودان في مصفوفة “الإنقاذ الوطني” على الصعيد المحلي والإقليمي. وهو ما يُفسر تلاقي المؤسسة العسكرية السودانية مع قوي الحرية والتغيير في ضرورة تفكيك إرث “نظام الإنقاذ”. وقد طفت العديد من المؤشرات على تبني ركائز النظام البائد لثورة مضادة، وقد أحبطت المؤسسة العسكرية أربع محاولات انقلابية تورط فيها ضباط كبار منهم رئيس الأركان الأسبق، كما حاول عديد من أقطاب الإنقاذ الاندماج مجددًا في مسار التسوية السياسية في مشهد ما بعد الثورة من خلال مغازلة المجلس العسكري، إلا أن قيادة “مجلس السيادة” تبنت برنامجًا إجرائيًا يستهدف تفكيك نظام الإنقاذ، من خلال لجنة تمارس عملها حتى الآن.

المجموعة الإسلامية التي نمت جذروها في بنية نظام البشير من أشخاص لكيانات لأحزاب، وجدت ضالتها مع تنظيم الإخوان في اللجوء لاستراتيجية “كمون” بدلًا عن المواجهة في معركة غير متكافئة، فمنهم من لجأ لأطراف السودان البعيدة عن مركز الحكم في الخرطوم، والآخر توجه صوب الدوحة وأنقرة متوعدًا بإجهاض المسار السياسي الحالي.

هكذا وصل سقف خطورة المشهد السوداني، حتى محاولة الاغتيال النوعية التي استهدفت رئيس الوزراء المدني “عبد الله حمدوك”، لتنبئ بالعديد من المؤشرات جنبًا مع بيان قوي الحرية والتغيير. فكيف تمت محاولة الاغتيال؟

تفجير بتقنية بدائية

استُهدف موكب رئيس الوزراء في منطقة “كوبري كوبر” شمال شرقي الخرطوم، وهو في طريقه لرئاسة مجلس الوزراء. عن طريق تفجير عبوة ناسفة، وُضِعَت في سيارة قريبة من نقطة مرور موكبه المكون من سيارتين “لاند كروزر”. أعقب ذلك التفجير إطلاق رصاص على السيارتين، لكن أحدًا لم يصب بأذى.

ومع التحليل الأولي لحجم الانفجار والأضرار التي لحقت بالسيارات الثلاث، نجد أن العبوة الناسفة كانت ذات شحنة تفجيرية صغيرة، إذا ما قورنت بعمليات اغتيال نُفِذت في الإقليم خلال العقد الجاري، كما تؤشر على ضعف تقنية التصنيع والكادر البشري المنفذ للعملية والذي تولي إطلاق زخات من الرصاص على الموكب فور تفجير العبوة. كما يرجح ذلك أن يكون الفاعل ذو طابع محلي أكثر منه خارجي إقليمي، ولاسيما بعد احتراف الفواعل العنيفة من غير الدول لمثل هذه التقنيات والعمليات. وتتشابه هذه التقنية إلى حدِ كبير مع منتجات اللجان النوعية لتنظيم الإخوان في مصر، التي تولت تصنيع عبوة ناسفة واستهداف منشآت البنى التحتية والدوريات الأمنية. 

بعد نحو ساعة من الحادث طمأن “حمدوك”، الشعب السوداني بنجاته من الحادث”.

النظام الإخواني القديم في الواجهة

في هذا السياق يقول الدكتور هاني رسلان رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في تصريح للمرصد المصري: “المعنى الكامن والأكثر خطورة في هذه المحاولة هو أن أحد الفرقاء الداخليين المتصارعين -وهم كثر- قد قرر أن الصراع بأدواته السياسية لم يعد مجديًا، ولذلك جرى التحول إلى العنف، مضيفًا “هذا يُنذر بعواقب وخيمة قد تهدد تماسك الدولة السودانية التي تقف على مفترق طرق”.

كما ذكر “رسلان”، أن “مواقع التواصل الاجتماعي السودانية بدأت عقب الحادث مباشرة الإشارة إلى بعض الشباب المنتمين إلى ميليشيات النظام السابق، وما نشروه قبل أيام، بأنه (باقي من الزمن ٣ أيام.. وكل واحد يطلع شجرته) وقبل قليل صدر بيان إعلان بالمسئولية عن الحادث من جهة تسمى نفسها الشباب الإسلامي – طالبان السودان”.

تجدر الإشارة إلى أن ما من جهة معروفة حتة الآن تبنت محاولة الاغتيال، عدا بيان منسوب لحركة الشباب الإسلامي السوداني – طالبان. وهي حركة لم يكن لها وجود على الساحة الإقليمية إلا بعد مرور السودان بأحداث عصيبة عقب الإطاحة بالبشير، والهجمات الغامضة التي استهدفت نقاط التمركز الأمني لقوات التدخل السريع واستهداف برج القيادة العامة في ديسمبر 2019. فالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بعد الصدمة الكبرى التي مر بها جراء سقوط تنظيم الإخوان في مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، لجأ لاستحداث حركات مسلحة جديدة، وغامضة لخوض غمار المواجهة المسلحة نيابة عن التنظيم الأم. وقد سجلت القاهرة العديد من تلك التنظيمات مثل حسم ولواء الثورة.

الوطنية مقابل الأممية

يخوض السودان غمار التحدي بالتحول إلى دولة وطنية جامعة لكافة الأطياف، بيد أن مشروع الدولة الوطنية بالمنطقة يقع ضمن بنك أهداف القوى الإقليمية صاحبة المشاريع التوسعية الأممية التي تقوم بالأساس علي هدم فكرة الدولة الوطنية، تمهيدًا لتوظيف الشعوب ومقدراتها لخدمة أهدافها التوسعية. كما قطع السودان شوطًا ليس بالهين في التحول لدولة المؤسسات الوطنية، وهو ما يمثل تهديدًا حقيقيًا لجماعات الإسلام السياسي يصل إلى درجة التهديد الوجودي، ما ينبئ بتحول أمني قد يشهده السودان في معركة قد لا تبدو الأخيرة مع إرث ثلاثة عقود من حكم أيديولوجيا الحاكمية الإسلامية ذات الانتماءات ما دون الوطنية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى