كورونا

التأثير السياسي لفيروس “كورونا” على المستويين الإقليمي والدولي

انعكس تأثير فيروس كورونا على مجموعة من المحددات السياسية المرتبطة بداخل الدولة ومحيطها الإقليمي وعلى النظام السياسي العالمي، فضلاً عن تأجيل لعدد من الاجتماعات الدبلوماسية والقمم الدولية للانعقاد والوصول إلى عدم “السلام بالأيدي” بين المسئولين حذراً من انتشار العدوى. ويجدر الإشارة إلى بعض النقاط الأولية الهامة:

  • أشارت بعض التحليلات إلى أن انتشار الفيروس يعود إما لتأويلات دينية أو الحرب البيولوجية بين الدول للتأثير عليها سياسياً. 
  • ألمحت بعض التحليلات إلى أن المستفيد هو الولايات المتحدة.
  • تكمن خطورة الفيروس في مدى انتشاره الواسع وليس تأثيره المميت، بمعنى زيادة حالة ونطاق الخوف والذعر العالمي.

وعليه، ينعكس التأثير السياسي لانتشار الفيروس على عدد من القضايا:

  • أزمة شرعية: 

لم يستجب النظام الصيني منذ بداية ظهور حالات إصابة بفيروس كورونا في ديسمبر 2019 إلى نداءات ودعوات عدد من الأطباء بمدينة ووهان عن انتشار الفيروس في أرجاء المدينة. وقد اعترف النظام الصيني في 20 يناير 2020 – أي بعد أكثر من شهر من الانتشار الأوّلي- بخطورة الوباء ورفع حالة الطوارئ في الدولة. انعكس هذا التأخير من قبل الدولة في تزايد حالة انتقاد كبيرة للرأي العام الصيني لأداء الحزب الشيوعي الصيني- لم يشهدها منذ عام 1989-، والتساؤل عن مدى كفاءة نظام الحوكمة داخل الصين والتشكيك في الشفافية وتداول المعلومات وسرعة تعامل الدولة مع الوضع؛ مما جعل شرعية السلطة السياسية والرئيس الصيني والثقة السياسية على المحك. 

إلا أن أزمة الشرعية تلك لم تقتصر على النظام الصيني وحده، وإنما تعرضت لها جميع الأنظمة السياسية التي ظهرت بها حالات إصابة بفيروس كورونا. وذلك لأن مفهوم الدولة في حالة ظهور لأوبئة يقع في تعريفها بأنها المسئولة عن الموت والحياة، وبالتالي يقع الاختبار الحقيقي للدولة في مدى مواكبتها واستجابتها لتهديد الوباء واتخاذ الاجراءات بشأنه والتقييم بشفافية للوضع.

  • الانتخابات الرئاسية الأمريكية: 

أشارت بعض التحليلات إلى أن انتشار الفيروس وضع إدارة الولايات المتحدة المؤسسية للأزمات العالمية محل تساؤل. فضلاً عن تأثيرات الفيروس على أداء الاقتصاد الأمريكي والذي يعد ركيزة وأساس شرعية أداء الرئيس ترامب عنددخوله في الانتخابات الرئاسية المقبلة بنوفمبر 2020. وبالتالي ووفق لعدد من التحليلات، فإن الاعتماد على الأداء الاقتصادي فقط لن يتمكن من اثبات صدارته ضمن عوامل أخرى لضمان الشرعية؛ وذلك لاحتمالية دفع ترامب ثمناً للسياسات التي تبناها مثل: 

  • محاولة الإدارة الأمريكية خفض الانفاق الحكومي على قطاع الصحة، وإلغاء النظام الصحي الذي دشنه الرئيس أوباما، وخفض ميزانية مكافحة بعض الأمراض، وإغلاق وحدة الأمن الصحي العالمي التابعة لمجلس الأمن القومي الأمريكي.
  • إعطاء الشعب صورة عن احتواء كامل لانتشار الفيروس، وذلك على عكس الوضع المستند إلى تصريحات من المركز القومي الأمريكي للمناعة وأمراض التنفس من خطورة الوضع واحتمالية الانتشار الواسع للفيروس.

ووفقاً لهذا التحليل، فقد يتسبب الوضع في تراجع شعبية الحزب الجمهوري مقابل تزايد شعبية أصحاب الأجندات اليسارية داخل الحزب الديموقراطي، والمنادية بالدور المتزايد لسياسات الضمان والحماية الاجتماعية.

  • التنافس مع الولايات المتحدة: 

قد يتسبب تراجع الأداء الاقتصادي للصين نتيجة انتشار الفيروس إلى التشكيك في تمكنها من الوفاء بالجزء الأول من الاتفاق التجاري الأول مع الولايات المتحدة. إلى جانب إمكانية ضغط الولايات المتحدة على الصين بشأن الجزء الثاني من الاتفاق التجاري؛ وذلك لأن الوضع الحالي يؤثر على قدرة الصين على التفاوض. فضلاً عن احتمالية زيادة التنافس الجيوسياسي بين البلدين في القضايا الخلافية بينهما ضمن المحيط الإقليمي الأسيوي في بحر الصين الجنوبي ودور دول الأسيان التفاوضي مع الصين.

  • التأثير على مفهوم العالمية “Globalism”: 

يعارض الرئيس الأمريكي مفهوم العالمية ويدعو إلى فكرة “الحدود” الفاصلة بين الدول وقدر أكبر من السياسات الحمائية. يرتبط ذلك بأن انتشار الفيروس بهذا النطاق هو نتيجة للانفتاح العالمي بين الدول. وقد يستغل ترامب انتشار الفيروس – وفق تحليل مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي- لدعم فكرته بخطاب مواجهة “العالمية” والسعي نحو إعادة هيكلة النظام السياسي العالمي. وذلك خاصة في ظل حالة عدم اليقين والتساؤل بشأن الثقة الدولية في تعامل النظام الدولي مع هذا المهدد البيولوجي والتأثير على نظام الاعتماد المتبادل والحوكمة العالمية.

  • المراهنة على المناخ: 

استندت تصريحات الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة على حالة المناخ باعتبارها العامل الطبيعي للحيلولة دون انتشار الفيروس. الأمر الذي يدلل خلال المدى القصير على عن عدم حيازة الدول لآليات ملموسة وخروج الوضع عن السيطرة والتعويل على عامل “الوقت”. ما يدفع بحتمية وحيوية وضرورة التوصل إلى استراتيجية دولية بشأن قضية التغير المناخي.

  • كراهية الأجانب “Xenophobia” والذعر: 

أرجعت تحليلات أن الحملات الإعلامية قد تسببت في انتشار حالة كراهية وذعر من الصينيين؛ باعتبارهم مصدر التهديد الرئيسي والحصري في انتشار الفيروس. الأمر الذي له مردود على دور الصين العالمي وصورة الشعب الصيني في محيطه الإقليمي وعلى المستوى الدولي، بما ينعكس بدوره على جاذبية النموذج الصيني. فضلاً عن أن الذعر مؤداه السياسي هو إعادة التساؤل عن كافة النظم الحياتية والسياسية الموضوعة، وإلقاء المسئولية السياسية على الدولة بشكل أساسي باعتبار الوباء بمثابة اختبار لقدرة كيان الدولة على التعامل معه.

  • حالة استقطاب دولي:

 أوضحت مواقف الدول من الوضع في الصين إلى وجود حالة من “الاستقطاب الدولي” تحت ثنائية “الانقطاع والاستمرارية” في نمط العلاقات. وذلك لأن الدول الداعمة للصين أبقت على استمرار الاتصال معها مثل كامبوديا وباكستان، في حين وجود معسكر أخر لدول أغلقت المنافذ والحدود مثل كوريا الشمالة والروسيا والفلبين. 

  • تنافس النماذج الدولية: 

نتيجة لتراجع الدور الاقتصادي والتجاري الصيني على الساحة الدولية، قد تلجأ العديد من الدول إلى شركاء أخرين للتنمية بديلاً عن الصين. وفي هذا الوضع، قد يُقدِم الغرب على تعزيز رواية أن لديه أكثر لتقديمه للدول عن الصين. خاصة في الوقت الذي استند فيه مؤتمر ميونخ للأمن على إعادة الغرب (أوروبا والولايات المتحدة) لتعريف نفسه وهويته ومشروعه لإحياء نموذجه في التعامل مع القضايا الأمنية والعالمية. الأمر الذي يفتح المجال أمام الاقتصاديات الصاعدة الجديدة إلى تقديم نموذجها لملء الفراغ الذي قد ينتج عن تراجع الصين كنموذج دولي.

  • مبادرة الحزام والطريق:

 قد يؤثر الانتشار الواسع لفيروس على مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين، وخاصة لإصابة الفيروس لعدد من مراكز التجارة العالمية مثل هونج كونج وإيطاليا.

وختاماً،

 وعلى الرغم من إفادة بعض التقارير أن نسبة الوفيات الناتجة عن الإصابة بفيروس كورونا والتي لا تتعدى 3% لا تعبر عن وباء فتاك ومميت يجتاح البشرية، إلا أن حالة “الخوف” والذعر لها تأثير سياسي كبير ينعكس مردوده على دور الدولة وتعريفها وشرعية نظامها السياسي وتذكير الإنسان بأن الأمور ليست تحت السيطرة، بل وقد يرتد إلى إعادة التساؤل في جدوى النظام العالمي ومفاهيمه عندما تضع تلك المفاهيم الجديدة الناتجة عن انتشار الفيروس محل اعتبارها مثل النظر بصورة أكبر وأعمق لقوى الطبيعة وعلاقتها بالإنسان.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى