
تفجير انتحاري مزدوج في تونس … حصاد السياسات الخاطئة يبدأ؟
دخلت أجهزة الأمن التونسية، في حالة تأهب قصوى، عقب تفجير انتحاري مزدوج، نفذه أنتحاريان، قرب نقطة تفتيش أمنية في محيط السفارة الأمريكية بالعاصمة التونسية اليوم. توقيت هذا التفجير، والتضارب المستمر حول نتائجه، وكذا المقدمات السياسية والأمنية التي سبقته، كلها تشير إلى دخول تونس في سلسلة من المطبات الأمنية، تسببت فيها بشكل أساسي، المقاربة السياسية التونسية الغير واضحة، حيال الملف الليبي وتطوراته.
في تفاصيل هجوم اليوم، هاجم انتحاريين اثنين، نقطة تفتيش تابعة للأمن التونسي، قرب السفارة الأمريكية في العاصمة التونسية، وحتى الآن تتضارب الأنباء حول حصيلة القتلى والجرحى من جراء هذا الهجوم, وزارة الداخلية التونسية أعلنت عن مقتل المهاجمين الأثنين، وجرح خمسة من عناصر الأمن وشخص مدني، إلا أن الأنباء المتتابعة تفيد بأن أصابات عناصر الأمن خطيرة، وأن أحدهم على الأقل قد توفي متأثراً بجراحه.
وزير الداخلية التونسي هشام المشيشي، أكد خلال مؤتمر صحفي مقتضب بعد ساعات من التفجير، مقتل الملازم أول توفيق بن محمد الميساوي، وإصابة خمسة من أفراد الشرطة، بجانب سيدة مدنية، وأضاف ان حالات المصابين مستقرة، وأن العبوات الناسفة التي تم أستخدامها في تفجير اليوم هي محلية الصنع، وجاري التعرف على العناصر المنفذة لهذه العملية. الوزير التونسي كان خلال المؤتمر متحفظاً للغاية، خاصة حول هوية المنفذين، لكن تحدثت أنباء صحفية عن أن العنصرين المنفذين لهذه العملية هما من أصحاب الجنسية التونسية، وهما محمد سنيم الزنيدي، من مواليد سنة 1991، وخبيب لعقة، من مواليد 1993، ويقطنان في مدينة المرسى الساحلية قرب العاصمة التونسية. القاضي سفيان السليطي، وهو الناطق الرسمي باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، أفاد أن كمية المتفجرات التي تم أستخدامها في هذه العملية كانت كبيرة للغاية، خاصة أن الدراجة النارية التي أستقلها الانتحاريين كانت مفخخة، بالإضافة إلى الأحزمة الناسفة التي ارتداها منفذي العملية.
سبق وأعلن الناطق باسم وزارة الداخلية التونسية، أن تفجير اليوم استهدف بشكل أساسي الدورية الأمنية المتواجدة في منطقة البحيرة، وليس مبنى السفارة الأميركية الموجود في نفس المنطقة. وقد تم عقب التفجير، إعتقال أحد المشتبه بهم وزوجته في منطقة الكرم، للاشتباه في مساعدتهم لمنفذي هذا التفجير.
المفارقة في تفجير اليوم، أنه تم في ظل حالة الطوارئ العامة، التي تم تطبيقها في تونس عقب التفجير الإنتحاري، الذي استهدف في نوفمبر 2015، حافلة تابعة للأمن الرئاسي التونسي، مما أسفر حينها عن مقتل 12 عنصر. عملية اليوم تمت بشكل مشابه تماماً لهجمات مماثلة تمت سابقاً في شارع الحبيب بورقيبة، كذلك يأتي هذا التفجير، عقب أيام قليلة من انعقاد مؤتمر وزراء الداخلية العرب، في العاصمة التونسية، بحضور وزراء داخلية الدول العربية ومسؤولين أمنيين رفيعى المستوى.
بعض السفارات الأجنبية، وعلى رأسها السفارتين الأمريكية والفرنسية، أصدرت تعميمات لرعاياها، تحذر فيها من الإقتراب من كل المناطق المحاذية لمنطقة البحيرة، شمالي العاصمة التونسية، وتدعوهم إلى التقليص من تحركاتهم وتنقلاتهم داخل العاصمة خلال الفترة القادمة.
جدير بالذكر أن تونس شهدت خلال الأسابيع الماضية، بعض التطورات الأمنية التي سبقت تفجير اليوم، ففي الشهر الماضي، أعلنت وزارة الداخلية التونسية عن كشفها مخيما لعناصر إرهابية في مرتفعات القصرين غرب تونس، وقد قتلت قوات الأمن أحد العناصر الإرهابية خلال عملية مشتركة مع الجيش التونسي في نفس المنطقة، التي تعد معقل لعدة تنظيمات إرهابية مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم جند الخلافة المرتبط بتنظيم داعش، كذلك فإن الحياة السياسية التونسية بشكل عام، والحياة البرلمانية بشكل خاص، تعاني في هذا التوقيت خلافات عميقة، وهذا ربما جعل البيانات الحزبية التونسية المدينة لعملية اليوم، تشدد على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية، وعدم استغلال عملية اليوم، لتسجيل نقاط سياسية لهذا الطرف أو ذاك، خاصة في ظل الحكومة الجديدة التي تحاول تلمس طريقها، في وسط هذه الخلافات والتراشق السياسي، وهي الحكومة التي من الممكن أن تكون هي المستهدف الأساسي من تفجير اليوم.
العنوان الأساسي لتطورات اليوم في تونس، ربما يرتبط بشكل وثيق بالوضع الليبي، وحقيقة ان معبر رأس جدير الرابط بين تونس وليبيا، موضوع فعلياً تحت سيطرة ميليشيات تابعة لحكومة الوفاق، وهي ميليشيات أشتبكت عدة مرات في ما بينهما، وتبادلت السيطرة على المعبر خلال السنوات الثلاث الأخيرة. على الرغم من أن الحكومة التونسية، رفضت بشكل عام التعاطي مع المحاولات التركية والقطرية، لتبني مقاربتهما حيال الملف الليبي، إلا أنها في نفس الوقت، احتفظت بعلاقات وثيقة مع حكومة الوفاق في طرابلس، والتقى الرئيس التونسي منذ أيام، وزير الداخلية المفوض في هذه الحكومة فتحي باشاغا، واستمرت المطارات التونسية، في أستقبال الطائرات القادمة من مطاري مصراتة ومعيتيقة، لتشكل بذلك بوابة خروج عناصر حكومة الوفاق وميليشياتها إلى أوروبا.
التحركات الجوية التركية في اتجاه المطارات التونسية، والتي كان آخرها وصول طائرتي شحن من نوع سي 130، تابعتين لسلاح الجو التركي، إلى مطار مدينة جربة التونسية منذ أيام، ربما تؤشر إلى نجاح الضغوط القطرية، التي مارسها أميرها خلال زيارته الأخيرة الى تونس، على الرئيس قيس سعيد، لتغيير بعض من مواقفه التي أعلنها خلال زيارة الرئيس التركي الأخيرة إلى بلاده، وبالتالي انفجار اليوم يمكن أن يتم وضعه في نفس سياق هذه الضغوط، خاصة وأن الأرتباطات القطرية والتركية بالمجموعات الإرهابية في الشرق الأوسط بشكل عام، وشمال أفريقيا بشكل خاص، معروفة ومعلومة للجميع. الأكيد أن عدم حسم تونس لموقفها من ميليشيات طرابلس، ومراهنتها على استمرار العلاقة معها، من أجل الحفاظ على (التوازنات الداخلية التونسية)، سيجعل الجبهة الداخلية التونسية عرضة لمثل هذه الأبتزازات، التي يختلط المال فيها بالإرهاب، خاصة وأن ضخ المرتزقة السوريين إلى طرابلس، يجعل المشهد الأمني الأقليمي لتونس مكشوفاً بشكل أكبر، لمزيد من الخروقات لأمنها الداخلي.
باحث أول بالمرصد المصري



