
تفاصيل اقتحام الشرطة التركية لمقر “سبوتنيك” واعتقال صحافييها
في خطوة تخرج عن إطار التوقعات المحتملة لسيناريو تعامل أنقرة مع المكاسب السورية الروسية الساحقة على جبهة إدلب ، أقدمت قوات الشرطة التركية اليوم الأحد على مداهمة واقتحام مكتب وكالة “سبوتنيك” الروسية للأنباء في إسطنبول، حيث تم اعتقال رئيس تحرير سبوتنيك النسخة التركية –ماهر بوزتيب- في إسطنبول.
وأجرت في نفس الإطار، عمليات بحث وتفتيش في مقر مكتب الوكالة.
ووفقًا لما ذكره مسئول بارز بسبوتنيك لوكالة “ريا نوفوستي” إن :”السلطات التركية تقوم بإجراء تفتيش لمكتب سبوتنيك في إسطنبول، طبقًا للأمر الصادر عن مكتب المدعي العام في إسطنبول، فيما تبقى أسباب اتخاذ هذا الاجراء مجهولة”.
وحول هذا الهجوم، يبدو أن بوزتيب لا يعتبر وحده هو الصحفي المضطهد والمهاجم من قِبَل القوات التركية. ولكن يشار إلى أنه وقبل وقوع عملية اعتقاله بيوم واحد فقط، كانت مارجريتا سيمونيان –رئيسة تحرير سبوتنيك وقناة روسيا اليوم- قد ذكرت أن ثلاثة من موظفي وكالة سبوتنيك بتركيا قد تعرضوا للهجوم، من قِبَل مجهولين حاولوا اقتحام شققهم السكنية بأنقرة مساء –يوم 29 فبراير- وهتفوا بشعارات عدوانية وقومية ووجهوا لهم الإهانات، وحاولوا فتح أبواب شققهم عنوة.
وعليه، توجه الصحفيون الى مقر الشرطة، للإدلاء بأقوالهم بمجرد اختفاء المحتجين من أمام مقر سكنهم، إلا أن اللجوء للشرطة جاء بنتائج عكسية. حيث اختفى الصحفيون تماما قبل ليلة من اعتقال رئيس تحرير مكتب سبوتنيك، وفُقد الاتصال معهم.
هذا الفيديو من “ريا نوفوستي “
بينما أنكرت الشرطة التركية من جانبها، معرفتها بمكان وجودهم أو حتى إمكانية أن يكون هؤلاء موجودون في الوقت الحالي رهن الاحتجاز. وفقا لما صرحت به رئيس تحرير راديو سبوتنيك مارجريت سيمونان، نقلاً عن الشرطة التركية.
بينما رصدت مصادر صحفية تركية أخرى، معلومات تشير الى أن الصحفيين تم احتجازهم في –مقر قصر العدل- بعد أن تم استجوابهم في مكتب المدعى العام التركي، على خلفية اتهامات تتعلق بالمقال الذي نشرته الوكالة تحت عنوان “المُقاطعة المسروقة.. لماذا قامت فرنسا قبل 80 عامًا بتسليم هاتاي إلى تركيا؟!”
هاتاي.. هدية من لا يملك إلى من لا يستحق.. لماذا انزعجت أنقرة من المقال؟!

يدور موضوع المقال المنشور باللغة التركية، والذي تسبب بإزعاج كبير للسلطات التركية، حول المدينة المسروقة التي كانت فرنسا قد أهدتها إلى تركيا منذ 80 عامًا. وبينما يخوض إردوغان معركة حامية الوطيس على الأراضي السورية لأجل اثبات احقيته في البقاء هناك، وفيما خارت قواه وبات يقف وحيدًا أمام خيارات قليلة، تجعل الهزيمة أمرًا لا فكاك له منه أبدًا.
يُظهر المقال على صفحات سبوتنيك النسخة التركية، والذي يقول وباختصار شديد، أن فرنسا لم يكن لديها أي سبب حقيقي يدفعها لأن تمنح تركيا –قبل 80 عامًا- قطعة سورية خالصة، والمقصود هنا هي مقاطعة هاتاي المسروقة. وتقع مدينة هاتاي في الوقت الحالي، في جنوب الجمهورية التركية، على الطرف الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، وتحدها الأراضي السورية من جهتي الشرق والجنوب، ومحافظتي أضنة والعثمانية من الجهة الشمالية الغربية.
ومن يتتبع تاريخ هذه المدينة، يدرك بوضوح أنها ليست تركية الأصل، إذ أنها كانت تُعرف باسم “لواء الإسكندرونة” حتى عام 1939م. عندما كانت تتبع بذلك الوقت اراضي الجمهورية السورية، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى قامت فرنسا باقتطاعها عنوة من سورية ونقل تبعيتها الى تركيا عبر ما أطلق عليه بذلك الوقت “استفتاء شعبي”، قاطعه معظم سكان الأقاليم العربية. كما يذكر أن تركيا عملت منذ نقل ملكيتها على تغيير كافة الأسماء العربية الموجودة بالمنطقة الى اللغة التركية، وبهذه الطريقة ومع مرور الوقت أصبح الإقليم تابعًا للأراضي التركية بشكل رسمي.
الانتهاكات التركية بحق الصحفيين.. ليست الأولى من نوعها

من يطالع أنباء اقدام القوات التركية على اعتقال صحافيي سبوتنيك، قد يظن للوهلة الأولى أن هؤلاء هم غرباء قادمون من روسيا لأجل تدمير سمعة الدولة التركية. ولكن من يتمعن بالنظر الى المسألة، سوف يكتشف على الفور أن جميع الصحفيين المعتقلين هم في الحقيقة مواطنين أتراك!
ولكن من وجهة نظر أنقرة، هذه أمور لا تَهم ولن تُغير من الأمر شيء، المهم هو اثبات وجهات نظرهم. أو على الأقل منع أي أحاديث من شأنها أن تُحرم على الدولة التركية أحقيتها في الامتداد الجغرافي الطبيعي، والتوجه نحو السلطنة ولكن على الطريقة الحديثة. فلم يفت بعد 48 ساعة على مضي الاحتجاجات التي شهدها محيط القنصلية الروسية في إسطنبول -28 فبراير- وترديد هتافات تُحمل الروس مسئولية مقتل الضباط الأتراك على الأراضي السورية. حتى بدأت السلطات تتخذ خطوات جديدة، من شأنها أن تساهم في قمع الصحفيين وإجبارهم على الامتناع عن المساس بحقوقهم الشرعية –من وجهة نظرهم- في الامتداد الجغرافي خارج الأراضي التركية، ومن ناحية أخرى تسهم في أن تكون ورقة ضغط جديدة يمكن استخدامها ضد بوتين.
وبالتأكيد، تملك أنقرة سجلاً حافلاً في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، وما يشمله هذا المُسمى من انتهاكات في حقوق الصحفيين. ففي 2017، تم اصدار 6 اوامر تقتضي بحظر البث التليفزيوني بالإضافة الى اتخاذ قرار بإغلاق 3 منابر إعلامية بموجب قرارات حكومية. كما ارتفعت حدة القمع في تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، ودخول البلاد في حالة طوارئ بسبب استمرار البلاد بالتلويح بما يحدق بها من مخاطر أمنية.
وفي 2018، واصلت السلطات التركية عملية قمعها لحرية الصحافة، من خلال اقدامها على حذف آلاف المقالات وتشديد الرقابة على منصات التواصل الاجتماعي. حيث أوضح تقرير نشره مركز ستوكهولم للحريات، أن عدد المقالات التي حذفتها السلطات التركية من على شبكة الإنترنت وصل الى 2950 مقالاً في عام 2018 منفردًا! وحذر التقرير نفسه من الأوضاع المقلقة لحرية الصحافة في تركيا، حيث أورد أن البلاد تحتل المركز الـ 157 بين 180 دولة على تقرير منظمة مراسلون بلا حدود.
وفي نوفمبر 2019، اتخذت محكمة تركية قرارًا بالإبقاء على عقوبات بالسجن صدرت بحق صحافيين سابقين في صحيفة “جمهورييت” المعارضة، متجاهلة بهذه الطريقة رأي محكمة التمييز التي كانت قد أبطلت حكمًا سابقًا بخصوص هذا الأمر. كما نقلت مصادر أن المحكمة أبقت على عقوبات بالسجن تصل الى أكثر من ثماني سنوات بحق 12 صحافيًا ومسئولاً في “جمهورييت”، على خلفية اتهامات تتعلق بـ “مساعدة جماعات إرهابية”.
وتُعد هذه القضية بمثابة نقطة سوداء في سجل تركيا المتعلق بحرية الصحافة، نظرًا لأنها تخالف قرارًا كانت محكمة التمييز –محكمة الاستئناف العليا في تركيا- قد اتخذته في وقتٍ سابق، يقضي بإلغاء عقوبة الصحفيين. كما تجسد هذه القضية نموذج واضح على تراجع حرية الصحافة في عهد رجب الطيب إردوغان، خاصة في اعقاب الانقلاب الفاشل بـ 2016. كما كان من بين الصحافيين السابقين المُحتجزين، رئيس التحرير السابق مراد سابونجو ورسام الكاريكاتير موسى كارت، بالإضافة الى صحافي التحقيقات الشهير الذي أصبح نائبًا معارضًا أحمد سيك. حيث تم اتهامهم خلال المحاكمة التي وصفت بكلمة –محاكمة عبثية- بمساعدة حزب العمال الكردستاني، والذي تُصنفه أنقرة بأنه حزب “إرهابي”، بالإضافة الى اتهامات بحق عبد الله غولن والذي تتهمه تركيا بمحاولة التخطيط لانقلاب فاشل.
باحث أول بالمرصد المصري



