
رئيس الموساد في الدوحة: لإنقاذ “نتنياهو” و”حماس”
علاقات وثيقة وسرية تربط بين ” الدوحة، تل أبيب، وغزة”.. كان آخرها الزيارة التي كُشفت وجاءت تفاصيلها على لسان زعيم حزب إسرائيل بيتنا ” أفيجدور ليبرمان”، وفد رفيع المستوى من الموساد توجه في زيارة سرية إلى قطر في الخامس من الشهر الجاري ، وخلال زيارة لم تستغرق أكثر من أربعة وعشرين ساعة التقى قائد الموساد يوسي كوهين والقائد الجنوبي للجيش الإسرائيلي. هيرزي هاليفي بكبار المسؤولين القطريين في الدوحة.
ويعرف ” هاليفي “بإنجازاته في إدارة الاستخبارات العسكرية وهو من أصحاب مدرسة التفوق المعلوماتي لإسرائيل على أعدائها واستخدام أسلوب الردع بأساليب لا تؤدي إلى تصاعد الموقف، وحسب دراسة نشرها مركز بيجن- السادات في عام 2018 فإن على إسرائيل أن تكون مستعدة دومًا لصراع مستقبلي وهو ما يعيه جهاز الموساد.
” يوسي كوهين” رئيس الموساد
إلا أن ما لا يعيه ان استمرار دعمه لحماس المنقلبة في غزة وإغداق مليارات الدولارات عليها لا يكرس فقط الانقسام الفلسطيني وهو الهدف المرجو لدى الإسرائيليين وإنما يقوي أيضًا من شوكة حماس في غزة والمنطقة ، وهي الجماعة المعروفة بدعمها المطلق لإيران والحرس الثوري الإيراني وتقف بجانبها جماعة الجهاد الإسلامي ، وكأن إسرائيل بدعمها لحماس تدعم أيضًا إيران وحرسها الثوري من حيث لا تريد. خصوصًا وأن جماعة الجهاد الإسلامي معروفة بأنها وكيل إيران في المنطقة.
فهل تبحث حماس من وراء الدعم القطري والذي قيل أنه سبب الزيارة السرية الأخيرة من الموساد الإسرائيلي للدوحة عن قرار مستقل عن رام الله؟
حماس تريد أن تنفرد بقرارها
بطبيعة الحال فإن الدعم القطري يوفر لحماس استقلالية مالية تامة عن السلطة الفلسطينية في رام الله وإيذانًا بانتهاء انصياعها لأي من المحددات التي تشكل علاقتها بسلطة رام الله، خصوصًا وأن شعار المقاومة لم يعد يجد لا على أرض الواقع ولا في نفوس الفلسطينيين أثرًا فقد تم عزل حماس بالكامل بمرور السنين وفشلت مواجهتها مع إسرائيل، وعلى الرغم من أن العام الماضي شهد إطلاق 2600 صاروخ من الشريط الحدودي في غزة إلى جنوب إسرائيل إلا أن الخسائر في صفوف الإسرائيليين لا تكاد تذكر وإذا ذهبنا إلى أبعد من ذلك فإن مسيرات العودة لم تحقق هي الأخرى الأثر المرجو منها ، فلماذا تستبقي حماس سلاح المقاومة؟
وعلى الجانب القطري فدعم الدوحة لغزة مستمر لأكثر من عقد كامل والزيارات متبادلة باستمرار وكان آخر المبالغ التي وفرتها قطر لحماس قد وصل إلى 15 مليون دولار عن طريق ” محمد العمادي” وهو رجل إسرائيل في الدوحة وقد زار تل أبيب أكثر من 20 مرة، وكانت تبريرات العمادي المستمرة لهذا الدعم الموفور بأنه مساهمة من الدوحة لمنع ” نشوب صراع” في حين أن الواقع يفترض أن دعم حماس دون السلطة مرتبط بالتفاهمات القائمة بين الدوحة وطهران، فالمعروف أن قطر هي حليف إيران الوحيد في منطقة الخليج العربي.
حماس تنفذ أجندة الإخوان وإيران
حماس تقوم بدور الخادم الأمين لمصالح إيران وتركيا ومؤخرًا ماليزيا التي باتت ملاذًا للإخوان المسلمين حتى أنها استضافت قمة إسلامية مصغرة في محاولة لتقويض سطوة المملكة السعودية على العالم السني، وخلال الأشهر القليلة الماضية أبلت حماس بلاء حسنًا فقد توجه وفد برئاسة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إلى تركيا وماليزيا وقطر وعدة دول أخرى في ديسمبر ويناير فقط. وفي محاولاتها الدؤوبة للعب على الحبال قالت حماس إن نائب رئيس مكتبها السياسي “صالح العروري” كان في مصر لمناقشة بعض الأمور العالقة! بعد أيام قليلة من لقاء الموساد بالقطريين لتلقي الدعم لحماس.
هل تكون حماس بوابة لتمرير خطة السلام الأمريكية؟
ولا تكتف حماس بمحاولة اللعب على الحبال، بل تحاول التغول على سلطات رام الله، وبرز ذلك عندما قال وفد آخر من حماس أنه قد زار لبنان والتقى برئيس المخابرات العسكرية اللبنانية في جنوب لبنان، وهو ما قامت الحركة بإصدار بيان حوله فيما بعد قالت فيه إن الاجتماع ناقش خطة السلام الأمريكية. لا تتوقف حماس عن اعتبار نفسها دولة، والغريب في أمر تلك الدولة أنها مفرغة من قيادييها؛ فإسماعيل هنية يبقى خارج القطاع معظم الوقت، وكان آخر ظهور خارجي له في جنازة قاسم سليماني في طهران “يناير الماضي”، أما نائب رئيس الحركة ” صالح عروري” لم يعد للقطاع إلا في عام 2018 بعد أن أمضى ثماني سنوات خارج غزة، متنقلًا بين تركيا وقطر.
الحركة التي انقلبت في غزة منذ 2007 ظلت تكافح منذ ذلك الوقت، وقد تم عزلها وتفكيكها بالعديد من الحروب في الأعوام 2009 و 2012 و 2014، ولم يعد لديها سوى القليل لتقدمه، ولذلك فهي تبحث عن صفقة طويلة الأجل، ولا يُستبعد أن تكون جزءًا من تمرير خطة السلام الأمريكية.
كيف تنظر فتح لتقارب حماس مع قطر؟
على الجانب الآخر تنظر “فتح” إلى ما يجري بعين الريبة، وتشكك فيما يدور بين حماس وقطر التي دعمت غزة بـ15 مليون دولار، فتح لا ترى هذا الدعم إلا في سياقين، أولهما تقسيم الفلسطينيين بشكل أكبر، وثانيهما أن ” العمادي” يعمل من أجل إقرار صفقة طويلة الأمد أو إرساء هدوء طويل.
وحسب وسائل إعلام سعودية فإن شخصيات قطرية أخرى التقت برئيس الموساد، بما في ذلك محمد بن أحمد المسند الذي تصفه وسائل الإعلام السعودية برئيس المخابرات القطرية ومستشار الأمير، أما صفته الرسمية “مستشار الأمن القومي”، الزيارة الأخيرة لا يمكن أخذها على محمل الدعم المادي فقط، خصوصًا وأنها الزيارة الثانية من نوعها خلال ستة أشهر.
محمد بن أحمد المسند
معطيات المشهد
المشهد العام هو أن إسرائيل ستجري انتخاباتها وما زالت قطر ترزح تحت مقاطعة رباعية أفقدتها الكثير، في الوقت الذي تحاول فيه إيران تطويق إسرائيل من جهة في حين تخوض معارك في جبهات مختلفة في اليمن وسوريا وهي جبهات لم تحقق فيها طهران انتصارًا مطلقًا حتى الآن، والقائمون على حماس يدركون أن حلفائهم في قطر وإيران ينفضون أو ينصرفون لشؤونهم.
كما يمكن وضع زيارة الموساد إلى قطر بعيدًا عن الملف الفلسطيني ، بحيث يكون اجتماع المسؤولين الإسرائيليين بمسؤولين قطريين في الدوحة جزءًا من العلاقات المتنامية بين إسرائيل ودول المنطقة، إضافة لكونها طريقة عملية للحفاظ على تدفق الأموال إلى غزة ، ويمكن ربطها بضغوط إيران وتركيز إسرائيل على شكاوى حماس المستمرة بإهمالها دوليًا ، وهنا يمكن لتل أبيب أن تكون قادرة على لعب دور في إعادة الاهتمام الدولي لحماس وقطاع غزة في محاولة لاستقطابها بعيدًا عن طهران من باب إبعاد الخطر عنها ، فإذا كانت إسرائيل مهددة بصواريخ إيران الباليستية طويلة المدى فإنها لا ترغب أن تظل تعاني من الإزعاج المستمر بصواريخ حماس التي تمولها طهران.
اللواء محمد إبراهيم: إسرائيل تهدف لهدنة طويلة مع حماس
وتعليقًا على هذه الزيارة، أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري، عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن الانقسام الفلسطيني يصب مؤكدًا في مصلحة إسرائيل التي تحرص على استمراره وتعميق جذوره من أجل ألا تعود اللحمة الفلسطينية مرة أخرى، وانطلاقًا من هذا الهدف فإن إسرائيل تسعي إلى اتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن استمرار حركة حماس في حكم قطاع غزة، ومن بين هذه الإجراءات السماح بدخول الأموال القطرية إلى القطاع، وكذلك السماح بقيام قطر بإقامة العديد من المشروعات التنموية والسكينة.
وأضاف أن إسرائيل تهدف أيضًا إلى عقد هدنة طويلة الأمد مع حركة حماس في مقابل تقديم العديد من التسهيلات للسكان القطاع في المجالات التجارية والاقتصادية، مشددًا على أن حركة حماس مازالت تتحكم بشكل كامل في مقدرات الأمور في غزة، ولا توجد لديها أية مرونة واضحة من أجل دفع المصالحة الفلسطينية إلى الأمام.
ورأى اللواء الدويري أن كل هذه المواقف يمكن أن تؤدي إلى الفصل الكامل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتقود في النهاية إلى إقامة دويلة غزة وهو الأمر الذي سينهي تمامًا كل الآمال المعقودة على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في يوم ما،
وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة بين حماس وقطر والتي يصفها البعض بالـ” مزعجة” لمصر، فإن موقف القاهرة فيما يتضمن حرصًا على أن تكون الأوضاع في قطاع غزة مستقرة وهادئة وفي هذا المجال تتحرك مصر بقوة من أجل تهدئة أي توترات بين الضفة وغزة كما يحدث حالياً ،كما تسع مصر إلى إنجاح جهود المصالحة، ولازال الموقف المصري متمسكًا بقيام دولة فلسطينية مستقلة قوامها الضفة الغربية وقطاع غزة .
باحث أول بالمرصد المصري



