
رؤية تشيلي إلى مصر: بوابة عربية وأفريقية
التقى الرئيس السيسي السبت 22 فبراير، رئيس مجلس النواب التشيلي إيفان فلوريس، وذلك بحضور رئيس مجلس النواب “علي عبد العال”، ووزير الخارجية المصري “سامح شكري”. إذ شهد اللقاء إمكانية الاستفادة من موقع مصر كقاعدة انطلاق للمنتجات التشيلية إلى المنطقتين العربية والأفريقية، خاصة في ضوء اتفاقات التجارة الحرة التي تربط مصر بهاتين المنطقتين.
الأمر الذي يدفع إلى مناقشة المصالح المشتركة بين البلدين وأبعاد هذه الزيارة، وكيف تنظر تشيلي إلى المنطقة العربية.
الزيارة.. مصالح ودلالات
تعود العلاقات بين مصر وتشيلي إلى عام 1930 أعقبها في العام التالي توقيع اتفاقية مزايا تجارية بين الدولتين عام 1931. إلا أن العقود اللاحقة لم تشهد توقيعاً لأي اتفاقيات بين الطرفين حتى عام 1978 إلى عام 1989، تم خلالها توقيع عدد من الاتفاقيات بين الدولتين في تلك الفترة في مجالات التجارة والسياحة والتبادل الثقافي.
وفي الوقت الحالي، يتمثل أهم مشروع ثنائي بين البلدين في توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة البترول المصرية والشركة القومية للبترول التشيلية ENAP (13 فبراير 2020)، وذلك في إطار معرض البترول المصري، وهو المشروع الذي أبرمت فيه الشركة التشيلية امتيازات التنقيب عن النفط واستغلالها مع الحكومة المصرية، والذي سيستمر لمدة عامين وحتى 10 فبراير 2022.
بالإضافة إلى ذلك، تهتم تشيلي بالاستثمار والتعاون في مجال الطاقة مع مصر، حيث زار السفير التشيلي في مصر مقر شركة السويدي للكهرباء وذلك في إطار العمل على تحقيق خطة الطاقة التشيلية 2050. كما تجمع مصر مع تشيلي اللجنة التجارية المشتركة والتي وافقت على إنشاء مجموعة عمل لإجراء دراسة جدوى في الأشهر الستة المقبلة لاكتشاف الفرص التي من شأنها فتح اتفاقية تجارية بين البلدين.
وترجع الدوافع الرئيسية للسياسة الخارجية التشيلية تجاه الدول العربية ما بين الدبلوماسية التجارية والالتزام بالمبادئ المشتركة، مع التركيز بشكل شبه حصري على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ؛ حيث طالما تبنت الحكومات اليسارية واليمينية في تشيلي سياسات خارجية مماثلة، تعتمد بشكل رئيسي على الثوابت السياسية حيال القضية الفلسطينية.
فقد اتسمت العلاقات بتبادل الزيارات وخاصة على مستوى القمم العربية اللاتينية في عام 2005 والحرص على مقابلة رئيس السلطة الفلسطينية في أعقاب كل لقاء. وقد أصبحت تشيلي ثاني دولة غير عربية، إلى جانب البرازيل ، بصفة عضو مراقب دائم في جامعة الدول العربية. إلا أن مستوى التعاون بين المنطقة العربية وتشيلي أقل بكثير عن التعاون بين تشيلي ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وفي عام 2009، أعلن السفير “تارود كوبورن” عن هدف تشيلي للتفاوض على عقد اتفاقية تجارة حرة بين تشيلي مع دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز التجارة الثنائية وزيادة حجم الاستثمارات. وتعد مسألة اتفاقية التجارة الحرة هي مسألة إستراتيجية بالنسبة لشيلي، حيث تفتقر إلى أي معاهدة تجارية داخل المنطقة العربية، والتي يمكن بها أن تكمل تشيلي خريطة اتفاقيات التجارة العالمية الخاصة بها.
على الرغم من الاتصالات التي تخللت الإعلان عن هذا الهدف، وصلت المناقشات حول بدء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة إلى طريق مسدود، بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية من بعض دول مجلس التعاون الخليجي. بينما أبدت الإمارات والكويت اهتمامًا نشطًا بزيادة العلاقات الاقتصادية مع تشيلي في الوقت الذي كان أعضاء مجلس التعاون الخليجي الآخرون أكثر ترددًا. وبالتالي، فإن هذه الزيارة من قبل رئيس مجلس النواب التشيلي قد تكون مبنية على نظرة تشيلي إلى مصر باعتبارها مركز إقامة علاقات مع باقي دول الخليج وامتدادها إلى الدول الإفريقية. هذا إلى إمكانية تعزيز الدولة المصرية لمركزيتها بين الدول العربية والإفريقية من جانب، والدول اللاتينية من جانب أخر.
كما شملت الزيارة دلالة أخرى على مستوى أمني، إذ أشاد رئيس البرلمان التشيلي بالجهود المصرية في مكافحة الإرهاب، ودعا في اللقاء إلى تنسيق متبادل على المستوى الدولي في مجال مكافحة الإرهاب. ويعزو محورية تشيلي في مجال مكافحة الإرهاب للمؤشرات التالية، وهي:
أولا: تعد تشيلي عضوا في مجموعة الدول المكافحة لغسيل الأموال في أمريكا الجنوبية (GAFILAT) ، وكذلك في لجنة منظمة الدول الأمريكية لمكافحة الإرهاب (CICTE).
ثانيا: شاركت تشيلي أيضًا في مبادرات أخرى متعددة الأطراف لمكافحة الإرهاب. على سبيل المثال ، في أبريل 2015 ، التقى ممثلون من تشيلي ودول أمريكا اللاتينية الأخرى في كولومبيا في ورشة عمل إقليمية لمكافحة الإرهاب بوزارة العدل الأمريكية. في نوفمبر 2017.
ثالثا: استضافت تشيلي ورشة عمل لدول التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ (APEC) لتحليل أنظمة الجزاءات الدولية المتعلقة بتمويل الإرهاب.
أسواق جديدة
لطالما كان تنويع أسواق التصدير محركًا رئيسيًا لإقامة علاقات دبلوماسية لتشيلي. فمنذ عام 1990 ومع بداية عملية إرساء الديمقراطية، وقعت تشيلي اتفاقيات تجارية ثنائية وإقليمية أكثر من أي دولة أخرى في العالم بإجمالي 64 اتفاقية تجارية تشمل 65% من سكان العالم. كما استهدفت DIRECON (الإدارة العامة التشيلية للشؤون الاقتصادية الدولية) على وجه الخصوص بلدان مجلس التعاون الخليجي. وكان لهذه الدبلوماسية الاقتصادية بعض التأثير على التدفقات التجارية. فبين عامي 2005 و 2013 ارتفعت الصادرات التشيلية إلى البلدان العربية بنسبة 162.1 % وخاصة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. وتتميز تشيلي بأنها الاقتصاد الأول في أمريكا الجنوبية طبقاً لتصنيف منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) على الرغم من وضع اللامساواة المتفاقم في الدولة حالياً. بالإضافة، تعد تشيلي الدولة الأولى في أمريكا اللاتينية والثانية عالمياً في استثمارات الطاقة المتجددة.
ويدفع تشيلي عوامل ودوافع أخرى تفسر رغبتها في مد علاقات اقتصادية وتجارية مع الدول العربية بالتحديد، إذ ازدادت الواردات من الشرق الأوسط مع تزايد الطلب في تشيلي على الغاز الطبيعي السائل، والتي تستورد 72٪ من استهلاكها للطاقة. وحين تعرضت تشيلي للخطر خلال 2004 عندما بدأت الأرجنتين في خفض صادرات الغاز الطبيعي من أجل تزويد السوق المحلية بها، أدى النزاع مع الأرجنتين إلى أن أوجدت تشيلي استراتيجيات أخرى للتوريد، أحدها في عام 2007 حينما تم تدشين محطة إعادة التحويل إلى غاز بما يسمح باستيراد الغاز الطبيعي المسال من أي مكان في العالم. وفي عام 2013، استوردت تشيلي 13.4 % من إجمالي مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال من الشرق الأوسط. في عام 2012، كان اليمن المزود الأول لها في المنطقة.
ثوابت تشيلي تجاه القضايا العربية
تعد القضية الفلسطينية أحد القضايا المشتركة بين الدول العربية وتشيلي على اختلاف حكوماتها. فقد تواصلت المؤسسات العربية والفلسطينية بشكل متزايد مع صانعي السياسة الخارجية بتشيلي، إما في انتقاد مواقف تشيلي تجاه الدول العربية أو الإشادة بها. ويوجد بتشيلي اتحادان فلسطينيان هما الأكثر تأثيراً على المواقف بشأن القضية وهما الاتحاد الفلسطيني لتشيلي، وهو كيان أنشئ عام 1984 لتمثيل المجتمع بأسره أمام السلطات التشيلية وتم إعادة تنشيطه في عام 2002 استجابة لاندلاع الانتفاضة الثانية في فلسطين. والاتحاد الثاني هو مؤسسة بيت لحم الفلسطينية والتي تم إنشاؤها في عام 2000 من قبل رجال الأعمال ماريو نزال وألبرتو قسيس وخوسيه سعيد. هذا إلى جانب المجموعة البرلمانية التشيلية-الفلسطينية التي تم تأسيسها رسميًا في عام 2010 بناءً على مبادرة أعضاء الكونجرس التشيلي من أصل عربي فلسطيني. وفي حين أن الكونغرس في تشيلي لا يتمتع بسلطة كبيرة في تحديد السياسة الخارجية وفقًا للدستور، إلا أن عدداً من الدراسات أوضحت كيف يمكن في بعض الأحيان ممارسة بعض التأثيرات من خلال وسائل غير مباشرة.
ففي القضية الخاصة بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ساهمت المناقشات التي جرت في مجلس النواب وتداعياتها الصحفية في صياغة آراء صانعي السياسة الخارجية وممارسة بعض الضغوط على السلطة التنفيذية من خلال إعطاء وزن لكل لوبي بين النخب السياسية. حيث يعد المثال على اعتراف تشيلي بالدولة الفلسطينية في عام 2011 مثالاً جيداً، وذلك حين ضغط أعضاء البرلمان على الحكومة بعد الضغوطات التي لاقتها من الولايات المتحدة وكندا لعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وخلص إلى اعتراف تشيلي بدولة فلسطين الموحدة ذات السيادة الكاملة.
لذا يمكن القول إن البرلمان التشيلي يعد فاعلا مؤثرا في صناعة سياسة تشيلي الخارجية، خاصة تجاه القضية الفلسطينية وتفاعلاتها مع الدول العربية.