سوريا

ورطة أردوغان مع “روسيا” في شمال سوريا والثمن الذي يجب عليه دفعه لعودة تحالفه مع واشنطن

الدور التركي في إدلب وما آثاره من رد فعل معاكس من الجانب الروسي الداعم للجيش الوطني السوري، والذي اعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خرقاً لاتفاقية سوتشي 2018 التي وقعها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قام بدعم الفصائل المعارضة السورية المصنفة إرهابيا، وأصدر الأوامر بقصف مواقع الجيش السوري بصواريخ تركية نجحت في إسقاط مروحيتين سوريتين، أثار غضب الجانب الروسي لما يمكن أن يترتب على ذلك من تغيير في شروط الاشتِاك ومعادلاته على الأرض، ومن المتوقع أن تزداد العلاقة تعقداً عقب مطالبة أردوغان الولايات المتحدة بإرسال صواريخ “باتريوت” للتصدي للطائرات والصواريخ الروسية، في محاولة لكسب ود الولايات المتحدة التي تسبب شراء أردوغان صواريخ “إس 400” من روسيا، في إثارة غضب الولايات المتحدة وحلف الناتو باعتبارها عضو فيه.

ويعد التهديد التركي بمحاربة الجيش السوري مباشرة إذا لم يوقف الرئيس السوري بشار الأسد هجومه على إدلب، آخر منطقة رئيسية تسيطر عليها الفصائل المسلحة السورية. نهاية لفترة التحالف الروسي التركي، كما جاء في صحيفة “واشنطن إكزماينر” الأمريكية، التي رأت أن أردوغان الذي تخيل نفسه لاعباً تكتيكياً رئيسياً، قامت روسيا بالتلاعب به، من خلال دفعه نحو تدمير العلاقات الطويلة مع الولايات المتحدة من أجل علاقة سياسية وقتية مع الجانب الروسي لأغراض محدودة. 

ومع ذلك ، فإن الحسابات الواقعية لأردوغان  تجعله لا يمكنه الوثوق بموسكو بشكل كامل، مماسيدفعه للبحث عن تحقيق توازنًا أكبر مع واشنطن، وطالب كاتب المقال مايكل روبين البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الخارجية بضرورة التفكير في كيفية إعادة العلاقات مع تركيا، والتي أوضح أنه لا يمكن الوثوق بتركيا، واشترط اعادة تلك العلاقة من خلال قيام تركيا بدفع المقابل.

لماذا لا يمكن للولايات المتحدة الوثوق في أردوغان

وصفت الصحيفة أردوغان بأنه ليس المرة الأولى التي يجد نفسه فيها مهزوماً، ولكن بعد التعمد التركي لإنهاء العلاقات مع الولايات المتحدة، حان الوقت للولايات المتحدة من الرد القاسي على تركيا، مشيرة إلى انه من المهم أن تدير الولايات المتحدة ظهرها لتركيا، نظراً لسياسات أردوغان خلال الـ 17 عامًا، التي قام فيها ببث الكراهية والتحريض عبر الأبواق الإعلامية وتدريسها في المدارس ضد الولايات المتحدة، مما أحدث تغيراُ ديموجرافياً مضاد للولايات المتحدة. 

وأردفت الصحيفة في وقت سابق أن العلاقات الأمريكية التركية لن تكمن في شخصية الإدارة الأمريكية والتي يلقي فيها كل حزب اللوم على الآخر، كما فعل ترامب مع أوباما وبالعكس من خلال إلقاء اللوم على ترامب، ولكن تكمن توتر العلاقات في أردوغان نفسه، الذي عمل على تغيري السياسات التركية الداخلية والخارجية من خلال السيطرة على الإعلام وتقييد الحريات، وحركة الإنقلاب الفاشلة التي اتخذها من أجل تطهير الجيش من كبار الضباط والمسئولين على حد وصف الصحيفة.

الغزو التركي والتطهير العرقي بدعوى الديمقراطية

وأضافت الصحيفة أن القوات التركية قامت بغزو قبرص منذ أكثر من 45 عاماً، ومع انتفاء كل الأسباب للاحتلال التركي لقبرص؛ إلا أنه كان لتركيا خطط أخرى، وهي التخفي تحت مظلة “إنقاذ الأقلية” المحاصرة، إلى إستيلاء علني تركي قام بفضل قبرص إلى قبرص الشمالية التركية، وهي الدولة المعترف بها من أنقرة فقط، من أجل ما أسمته الصحيفة “سرقة” الموارد القبرصية، من خلال حالة التمييز التي انتهجتها تركيا في الفصل بين الأتراك والقبارصة، والتي إذا تركت تلك الثروات في يد القبارصة لاستفاد الجميع واستطاعت أن تربط الجميع في مكان واحد بغض النظر عن الدين أو العرق كما تفعل تركيا. 

وأصبح الدخول التركي في قبرص هو القاعدة وليس الاستثناء، وهو ما انتهجته تركيا عند دخول العراق ورفضت أيضاً المغادرة، وعلى مدار العامين الماضيين احتلت تركيا مساحات شاسعة من الأراضي السورية، أولاً في عفرين ، وفي الآونة الأخيرة شرقًا، بدعوى مكافحة الإرهاب كما يبث في الإعلام التركي، ولكن على العكس لم يتمكن أردوغان من تقديم أي دليل على أن أي هجوم إرهابي قد تم شنه من المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الديمقراطية السورية، بل على العكس قامت القوات الكردية السورية بالفعل بتأمين الحدود ومنع الإرهاب.

ففي تقرير سابق للصحيفة اشارت أن الأكراد هم من استطاعوا هزيمة القاعدة بمفردهم، ومن ثم تنظيم “داعش” في وقت تلقى فيه كل منهما الدعم من المخابرات التركية وأعضاء عائلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان  بإيعاز من أردوغان، في محاولة تركية سابقة لتقويض الموقف الأمريكي، وطالبت الإدارة الأمريكية بدراسة السياسات التركية ورفع الشعارات هل هي حقيقية بالفعل أم أنها تكتيك للحصول على التنازلات الأمريكية.

ويذكر المسؤولون الأتراك مرارًا وتكرارًا أن شمال سوريا الذي يسيطر عليه الأكراد يشكل تهديدًا إرهابيًا ، وأن حزب العمال الكردستاني يستخدم المنطقة كملاذ آمن ينطلق منه الهجمات إلى سوريا؛ إلا أن أصدر مركز معلومات روجافا، وهو مركز أبحاث سوري، في سبتمبر 2019 قاعدة بيانات لجميع الحوادث، فوجدوا أن جميع الهجمات باستثناء هجوم واحد كانت من تركيا إلى سوريا، وليس العكس. تضمنت هذه الهجمات أسلحة ثقيلة وإطلاق صواريخ من مواقع تركية إلى شمال شرق سوريا، مما أسفر عن مقتل 27 ، وجميعهم من المدنيين وواحد منهم طفل. في المقابل ، كان هناك هجوم واحد فقط من شمال شرق سوريا إلى تركيا، حيث اعتقل الجاني من قبل قوات الدفاع السورية.

ويكمن الهدف الفعلي لأردوغان من تلك الغزوات هو إحداث “تطهير عرقي لمنطقة الأكراد” ونهب مواردهم، إلى جانب قرب إدلب من البحر المتوسط هذا على جانب السياسة الخارجية، وعلى الصعيد الداخلي، أراد أردوغان أن ينصب نفسه البطل العسكري مرتدياً زي القائد وترسيخ إرثه باعتباره القائد الأكثر تأثيراً منذ مصطفى كمال أتاتورك الذي أسس تركيا الحديثة قبل قرن تقريبا، هذا إلىجانب صرف انتباه الأتراك عن حالة الركود الاقتصادي الذي يعيشه الداخل التركي، وهو ما وصفته الصحيفة بأنها “خدعة مثيرة للسخرية”، ولم يتبق لأردوغان سوى اللوم على فشل تلك الخطة.

ثمن عودة العلاقة التركية الأمريكية في ظل الغضب الروسي

وختم الكاتب مقاله مشيراً أن إرسال القوات إلى سوريا لم يكن بالأمر الهين بل سيكون الثمن العسكري مكلفاً له، كما اكتشفت الولايات المتحدة في فيتنام والعراق وأفغانستان وأماكن أخرى، فالحرب ليست نزهة، وهو ما يقابله أيضاً سعراً دبلوماسياً عالياً. وأشار أنه الواقع الحالي يشير إلى” أن تركيا بحاجة إلى الولايات المتحدة”، وليس العكس كما قال جيمس جيفري ، سفير الولايات المتحدة السابق في تركيا ومع ذلك ، يجب أن يكون ثمن أي دعم دبلوماسي مرتفعًا، والذي لايقل عن الانسحاب الكامل لجميع القوات التركية والمستوطنين من قبرص والعراق وسوريا، مما سيطرح تساؤلاً حول مدى تقبل أردوغان لذلك الثمن والذي سيكلفه مكانه. 

إدلب خط الفصل في العلاقات الروسية التركية ومستقبل اردوغان في الحكم

بينما يبحث أردوغان عن ملاذ آمن من خلال الولايات المتحدة عقب توتر العلاقات مع روسيا، إلا أن سياسات أردوغان التي آثار الغضب الأمريكي السابق، وعملية الكيد السياسي مع روسيا والتي انقلبت ضده، أحدثت حالة من الانقلاب في الداخل التركي، فربما تكون نهاية أردوغان في إدلب هي نهايته في الحكم التركي، وذلك إثر الهجوم الذي شنه عبدالله جولن، الرئيس التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية السابق، الذي ينتمي إليه أردوغان، وتمثلت تصريحات جولن “النارية” كما وصفها الإعلام، من خلال انتقاد الحرب التي يخوضها أردوغان في سوريا قائلاً أن “تركيا التي تورطت في حربا شاملة مع سوريا، دون وجود خطة مناسبة للخروج”، والتي عززت خلالها تركيا التعاون مع روسيا وابتعدت عن حلفائها من الولايات المتحدة والغربيين، وهو الأمر الذي سيضعف الديمقراطية التركية”. 

ويبدو أن السياسة الأمريكية تتفق مع المعارضة التركية في الداخل، التي ترى أن أردوغان هو سبب توتر العلاقات مع الحلفاء الغربيين والولايات المتحدة، والتي تكللت بشراء صواريخ “إس 400” ولكن مع الخلاف الروسي، فإن أردوغان أصبح الضحية التي ستمثل إدلب له نهاية الدعم الروسي، وتعقيد العلاقات مع الداخل التركي، مما سيفتح الباب أن تمثل إدلب نقطة الفصل في التأثير في الانتخابات التركية المقبلة، وستضع تساؤلاً هل ستدعم الولايات المتحدة  تغيير النظام الحاكم من أجل استعادة النفوذ التركي الأمريكي مع تعقد العلاقات الروسية، والتأكيد على الخلاف مع شخصية أردوغان وليس النظام التركي؟

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى