
عرض دراسة “مخاطر الإخوان المسلمين في بناء مجتمعات موازية في أوروبا”
سعت جماعة “الإخوان المسلمين” إلى الانتشار إقليميا ودوليا، فكان هدفها قيام حركة أممية متخطية الحواجز القومية والوطنية. ومن ثم، العمل على انشاء فروع خارجية لها في مختلف البلدان. وفي هذا السياق امتد نشاط “الإخوان المسلمين” إلى أوروبا من أجل البحث عن حواضن جديدة.
وجاءت دراسة المركز الأوروبي للدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات تحت عنوان “مخاطر الإخوان المسلمين في بناء مجتمعات موازية في أوروبا” لتوضح طبيعية نشاط “جماعة الإخوان المسلمين” في أوروبا وامتدادها وأدوات تأثيرها. وقد انقسمت الدراسة إلى عدد من المحاور التي سوف يتم استعراضها خلال هذا الطرح
أولا: كيف اخترقت جماعة الإخوان المجتمعات الإسلامية في أوروبا؟
أكدت الدراسة الصادرة عن المركز الأوروبي للدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات سعي جماعة “الإخوان المسلمين” إلى التغلغل في المجتمعات الإسلامية في أوروبا، وفي إطار ذلك السعي عمدت إلى اتباع عدد من الأدوات والمقاربات المختلفة التي تحقق لها أهدافها. وأشارت الدراسة إلى تنوع أدوات الجماعة بما يناسب طبيعية وظروف كل دولة. ففي المانيا عملت على استقطاب اللاجئين، وذلك عبر استفادتها من موجة اللجوء الكبيرة التي وصلت إلى المانيا عام 2015، حيث قامت بتجنيدهم من خلال نشر خطاب إخواني قائم على التأطير الإيدلوجي لفكر الجماعة. ولم تكفي الجماعة باستقطاب اللاجئين بل امتدد نشاطها إلى نشر أفكارها المتطرفة في الأجيال الجديدة وذلك عبر توظيف مناهجها المتشددة في بعض المؤسسات التعليمية التابعة لها.
وفي سياق متصل، أردفت الدراسة اعتماد الجماعة أداة مختلفة لنشر فكرها في بريطانيا، إذ كانت وسيلتها في ذلك هي السجون، حيث توجد هياكل هرمية مرتبطة جماعة “الإخوان المسلمين” في السجون البريطانية، تعمل تلك الهياكل على استقطاب السجناء الجدد ونشر الفكر الإخواني المتطرف. كذلك تَعزز نفوذ جماعة الإخوان في بريطانيا عبر الاستثمارات، حيث يمتلك تنظيم الإخوان في لندن ثروة مالية ضخمة تقدر بنحو (10) مليارات دولار، وتحمى تلك الاستثمارات الضخمة أفراد التنظيم من الحظر المباشر.
اما في إيطاليا، فكان التواجد الإخواني عبر السيطرة على دور العبادة، معتمده في ذلك على التمويل القطري، إذ مولت قطر حوالي (140) مسجدا ومركزا إسلاميا في أوروبا بقيمة (71) مليون يورو وتتركز معظمها في إيطاليا. ومن ثم، وفي إطار التغلغل والاختراق الإخواني لأوروبا، أكدت الدراسة على سعى جماعة “الإخوان المسلمين” لأنشاء سلسلة من المنظمات التي تبدو مستقلة ظاهرية ولكنها تدعم في الخفاء شبكات من الشركات والجمعيات الخيرية والمنظمات والمدارس من أجل تمرير خطابها المتطرف، حاولت الجماعة من أجل تحقيق هذا الهدف استغلال كل السبل المتاحة لها وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي.
ثانيا: تنظيم” الإخوان” وخلق المجتمعات الموازية في أوروبا.. التهديدات والمخاطر
أوضحت الدراسة الصادرة عن المركز الأوروبي للدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات تمكن جماعة “الإخوان المسلمين” من الانتشار والتوسع بشكل كبير بعد خروج عدد من عناصرها في فترة الستينيات إلى الدول الأوروبية، وتزايدت أعداد المنتمين إليها داخل المجتمعات الأوروبية منذ النصف الثاني من القرن العشرين. وشكلت الجماعة ما يسمى “بالكيانات الموازية” التي تسعي لتكون بديلًا للدولة والمجتمع، وذلك بهدف الضغط على صانع القرار الأوروبي لتحقيق مطالب الجماعة. حيث اكتشفت الشرطة السويسرية وثيقة سرية في 8 فبراير 2020، بعد مداهمة فيلا يملكها “يوسف ندا” رئيس “بنك التقوى” وأحد أكبر أقطاب المال الإخواني، تضمنت الوثيقة عنوان “المشروع الكبير”: أي مشروع الإخوان المسلمين للسيطرة على أوروبا وأمريكا والعالم كله. وفي إطار سعى الجماعة لإقامة الكيانات الموازية اشارت الدراسة إلى اتخذ الجماعة عدد من الخطوات، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:
- التوغل في المجتمعات الغربية عبر خطاب مزدوج، حيث ترفع شعارات تنادي بالديمقراطية والتعايش السلمي بين طوائف المجتمع، بينما في الدول العربية والإسلامية تتحدث إلى المجتمع بصيغة “الأنا”.
- إقامة شبكة من الروابط الاجتماعية من خلال الزواج بين عناصرها وإقامة علاقات تجارية واقتصادية للتكيف مع البيئة التي تعمل بها.
- استقطاب المهاجرين إلى هذه الدول عبر تجنيدهم بدعوة إلى حمايتهم من الدخول في نسق الحياة الغربية المختلف عن الحياة في الشرق.
- عدم اعتماد صيغة عضوية الفرد في جماعة الإخوان بالخارج وأنها لا تأتي عبر كيان خاص بل إنها تكون عن طريق الإيمان بالأفكار والأساليب والمنهج الخاص بها.
- استخدام “الاسلاموفوبيا” كسلاح للتأثير في معارضيها، وجذب مزيد من المؤيدين إلى صفوفها، فضلًا عن استخدامها ملفات حقوق الإنسان كسلاح للترويج لأجنداتها المتطرفة
وأكدت الدراسة الصادرة عن المركز الأوروبي أن عبر تلك الأدوات والتحركات نجحت الجماعة في ترسيخ قيمها ومعتقداتها داخل المجتمعات الأوروبية، الامر الذي ترتب عليه تفريغ بعض المجتمعات من هويتها وكسر العديد من الأعراف والقيم الأوروبية. وكان نتيجة تلك التحركات الإخوانية هي التأثير على التركيبة الديمغرافية للمجتمع الأوروبي وظهور تهديدات أمنية مجتمعية جديدة في أوروبا من بينها تزايد حركات اليمن المتطرف كرد فعل على تصاعد وتيرة المجتمعات الموازية، وما اظهرته من انعزال ورفض للقيم المجتمعية والفكرية الأوروبية، ورفض هذه المجتمعات الموازية لفكرة “الاندماج” داخل المجتمع الأوروبي
ثالثا: مخاطر إقامة مجتمعات موازية في ألمانيا.. مشروع الإخوان المسلمين
القت الدراسة الصادرة عن المركز الأوروبي للدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات الضوء على تحذير الاستخبارات الألمانية من أن خطورة جماعة “الإخوان المسلمين” باعتبارها مصدر خطر على الديمقراطية، حيث تكمن خطورتها في أعضاءها والمتعاطفين معها، ممن حصلوا على تعليم جيد ويشغلون مناصب كبيرة. وتتزايد خطورة الجماعة في كونها تعيش وسط شرائح المجتمع، وتتسلل إلى مؤسسات المانية باستخدام وجهات عمل منها شركات تجارية ومنظمات ومجالس إسلامية.
وبالرغم من إدراك الاستخبارات الألمانية لحجم تهديدات جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الدراسة أوضحت التحدي الذي يواجه جهاز الاستخبارات، ويتمثل في صعوبة الحصول على وثائق وشواهد من أجل وضع الجماعة على قوائم الإرهاب. إذ تكمن المشكلة في فصل الجماعة بين “النواة الصلبة” للجماعة والتنظيمات السرية، بعبارة أخرى الفصل بين الواجهات التجارية والسياسية والمنظمات التي تتخذها غطاء لأنشطتها. وما يزيد من تعقيد المشهد أن تلك الواجهات التي يمكن اعتبارها أذرع الإخوان، تنفي وجود أي علاقة تنظيمه مع جماعة الإخوان المسلمين. ويرجع ذلك إلى أن جماعة الإخوان، تفهم جيدا القوانين والإجراءات الأوروبية، ما يمكنها من الالتفاف على تلك القوانين وحماية نفسها من أي مساءلة قضائية أو أمنية.
وبالتالي، أكدت الدراسة على وجود حاجة مُلحة إلى تعزز الاستخبارات الألمانية تقاريرها حول جماعة “الإخوان المسلمين”، من خلال العمل على كشف أنشطة الجماعة. وعرض تلك التقارير على البرلمان الألماني، ونشر ما يمكن نشرة من أجل إطلاع المجتمع الألماني ومن ضمنه الجاليات المسلمة على مخاطر تنظيم الإخوان المسلمين وأنشطته السرية.
رابعا: كيف يستغل الإخوان المجالس الإسلامية في أوروبا؟
تناولت الدراسة الصادرة عن المركز الأوروبي للدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات أهمية سيطرة جماعة “الإخوان المسلمين” على المجالس الإسلامية المركزية، إذ أن الجماعة تدرك أن السيطرة على أوروبا تكمن في السيطرة على المجالس الإسلامية المركزية، ما يجعها قادرة على الضغط السياسي على الحكومات الغربية في أكثر من اتجاه، وذلك لما تملكه المجالس المركزية الإسلامية من نفوذ على قطاع كبير من الجاليات المسلمة، وفيما يلي بالتفاصيل أبرز المجالس الإسلامية في أوروبا، طبقا لما جاء في الدراسة الصادرة عن المركز الأوروبي
- المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: تأسس عام 1997 على يد “يوسف القرضاوي” مفتي جماعة الإخوان المسلمين بأموال قطرية. وقد أطلق الإخوان في أوروبا عبر “المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث” تطبيقاً على الهواتف الذكية اسمه “يورو فتوي آب” أثار هذا التطبيق جدلاً كبيراً ووجهت اتهامات لمؤسسيه بأنه يحرض على الكراهية. كما اتجه المجلس إلى التعامل مع بعض القضايا التي تدعم الإرهاب بشكل غير مباشر، ما أثار حفيظة بعض الأوروبيين والمسلمين في الغرب، الذين أكدوا هذه النوعية الآراء تحض على الكراهية
- المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا: تأسس عام 1993، يرأسه “أيمن مزيك”. يضم في عضويته (19) منظمة إسلامية، ويتبع تلك المنظمات حوالي (300) مسجد، ويشمل كل المذاهب الإسلامية.
- المجلس الإسلامي في برلين: يضم “خضر عبد المعطي” أهم قيادات تنظيم “الإخوان المسلمين الدوليين” ويعد المنسق العام للمجلس الأوروبي للأئمة والوعاظ في أوروبا.
- المركز الإسلامي في ميونيخ: يعد التنظيم المركزي لجماعة الإخوان في ألمانيا، يركز على الخدمات الاجتماعية والدعوية لاستقطاب المسلمين.
- المجلس الأعلى للشباب المسلم: تنظيم شبابي وهو تابع للمركز الإسلامي في ميونيخ، وجماعة الإخوان مسيطرة عليه بالكامل.
- المجلس الإسلامي في بريطانيا: أكبر مؤسسة إسلامية في بريطانيا، ويندرج تحت مظلتها أكثر من (500) هيئة إسلامية في بريطانيا، ولها صلات غير معلنة بجماعة الإخوان المسلمين.
- الإخوان و”اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا”: يُهيمن على عدد واسع من المساجد في فرنسا، وهو قريب من فكر الإخوان المسلمين.
- الإخوان واتحاد المجتمعات الإسلامية في إيطاليا (UCOII): يُتهم بالتعاون الوثيق مع جماعة الإخوان المسلمين في قطر.
- الإخوان والمجلس الإسلامي السويدي: يقع تحت مظلة “الرابطة الإسلامية” وهي مظلة لعدد من المنظمات السويدية فهي تابعة بشكل كامل “للتنظيم الدولي” والذي ينشط بأذرع متعددة في أوروبا
- الإخوان والمجلس الإسلامي الدنماركي: اسسته قطر لتجعل منه صندوقاً لتمويل تيارات متطرفة وفلول جماعة الإخوان الفارين من الدول العربية وحصالة لجمع الأموال وتوزيعها على قياديين في جماعات وتنظيمات وتيارات مشبوهة داخل أوروبا.
خامسا: مخاطر جماعة الإخوان المسلمين في خلق مجتمعات موازية داخل أوروبا
أوضحت الدراسة الصادرة عن المركز الأوروبي للدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات مخاطر جماعة “الإخوان المسلمين” من التمدد في أوروبا، إذ أصبحت أوروبا ملاذا لجماعة “الإخوان المسلمين” والمؤيدين لها والمتعاطفين معها، حيث وسعت الجماعة من طموحاتها واجنداتها على الأراضي الأوروبية من خلال تجنيد مختلف العناصر البشرية والمالية بهدف التغلغل والانتشار داخل أوروبا وخلق مجتمعات موازية للمجتمعات الأوروبية تختلف تماما من حيث التركيبة الديمغرافية والولاء واحترام القوانين الأوروبية. وفي سبيل تحقيق ذلك استفادت جماعة الإخوان من الدعم التركي والقطري لتحقيق هذا المشروع المدروس بعناية، وهو التأثير على دوائر ومراكز صنع القرار الأوروبية من خلال جعل هذه المجتمعات الموازية كورقة ضغط.
كما أقرت الدراسة، استخدام جماعة “الإخوان المسلمين” للإسلاموفوبيا في دول أوروبا كسلاح للتأثير في معارضيها، وجذب مزيد من المؤيدين إلى صفوفها، حيث استغلت الجماعة رواية الإسلاموفوبيا لإضعاف إرادة وعزيمة الغربيين، وقاموا بتصوير وهم زائف بأن الغربيين الذين يعارضون الهجرة من “الباب المفتوح”، ينتهجون مسالك تميزية ضد جميع المهاجرين. ونتيجة ذلك تقل أعداد الغربيين الذين يبدون استعدادهم لمناقشة ضرر “الأسلمة” الذي يجب أن يعارض كواجب في اى بلد حر.
مجمل القول، توصلت الدراسة عن المركز الأوروبي إلى نجاح جماعة “الإخوان المسلمين” في الانتشار داخل المجتمعات الأوروبية، نتيجة امتلاكها القدرة العالية على التنظيم والادارة، الأمر الذي خلق لها بيئة خصبة للتطرف. ورغم ذلك لم تقم الدول الأوروبية على رأسهم بريطانيا والمانيا بتصنيف “الإخوان” كجماعة إرهابية، حيث لم تحسم الدولتان أمرهما بشأن حظر جماعة الإخوان. وربما يرجع عدم حظر جماعة الإخوان المسلمين في العديد من الدول الأوروبية إلى استخدام جماعة الإخوان المسلمين كورقة ضغط سياسية، أو الخوف على اقتصاديات تلك الدول، خصوصا أن استثمارات التنظيم في أوروبا ضخمة، وربما يرجع السبب إلى احتمالية لجوء الجماعة إلى العنف وتنفيذ عمليات إرهابية حال حظرها. لذا تتجه الحكومات الأوروبية إلى الحد من الأذرع والفروع المرتبطة بالإخوان وترك الأصل. وأكدت الدراسة إلى أن عدم قرار حظر الجماعة في بعض الدول الأوروبية يسمح بأن يستمر مؤيدوها بجمع التبرعات لأعمالها سرا، وتمويل الجماعات المتطرفة سواء داخل أو خارج أوروبا ونشر التطرف داخل الأوساط المسلمة.

للاطلاع على الدراسة أنظر:https://www.europarabct.com/%D9%85%D9%84%D9%81



