مكافحة الإرهاب

مقتل “قاسم الريمى”.. دلالات وتداعيات

أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في السادس من فبراير الجاري، أن الولايات المتحدة نَجحت في قتل “قاسم الريمي” زعيم تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” خلال إحدى عمليات مكافحة الإرهاب باليمن. ولم يحدد ” ترامب” معلومات حول العملية أو توقيتها. لكن هناك تقارير صحفية تحدثت عن أنه قُتل في غارة بطائرة أمريكية مُسيرة استهدفت منزلًا في مديرية “وادعي عبيدة” شرق مدينة مأرب اليمنية يستخدمه مسلحو القاعدة وكرًا لهم. وفي سياق متصل، لم يصدر تنظيم “القاعدة” أي تأكيد لمقتل “الريمي”، كذلك لم يصدر عنه نفي، ولكن من المعروف أن التنظيم دائماً ما يتأخر بتأكيد مقتل كبار قادته. ومن ثّم تُثير عملية مقتل “الريمي” تساؤلاتٍ مُهمة حول طبيعية الدور الذي يقوم به في التنظيم، كذا دلالات وتداعيات مقتله.

طبيعة دور “قاسم الريمي”

يكنى بأبو هريرة الصنعاني، من مواليد 1978، عُين قائداً لتنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” عام 2015، خلفًا “لناصر الوحيشي”؛ بعد مقتل الأخير في غارة جوية على مدينة “المكلا” شرقي اليمن. بدأت علاقته بتنظيم “القاعدة” منذ سفره مع عائلته إلى أفغانستان، إذ انضم للتنظيم في سن الخامسة عشر. عمل تحت إشراف زعيم التنظيم السابق” أسامة بن لادن” وخلال ذلك الوقت تدرج في سلم المواقع القيادية حتى وصل إلى درجة “مدرب” في معسكر تابع لتنظيم “القاعدة” 

عاد إلى اليمن في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، وعمل خلال تلك الفترة تحت قيادة “الوحيشي”، إلا أن السلطات اليمنية في صنعاء قامت باعتقاله عام 2005، بتهمة التخطيط لاغتيال السفير الأمريكي في اليمن، غير أنه تمكّن في فبراير 2006 الفرار من السجن.  وفي عام 2007 ارتبط اسمه بالهجوم الذي استهدف مجموعة من السياح الإسبان، وأسفر عن مقتل 8 منهم، في مأرب وسط اليمن. 

تمتع ” الريمى” بخبرات واسعة دفعت به إلى التأسيس لاندماج فرّعي تنظيم القاعدة في اليمن وفي السعودية في 2009، وأطلق عليهما تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب”، وأصبح بعد ذلك القائد العسكري للتنظيم المستحدث. كان “الريمي” من أصحاب الفكر المتطور في تنفيذ العمليات، إذ أنه أول من ابتكر فكرة الطرود المفخخة. ووُصف بأنه “الأب الروحي” للتنظيم، فهو المسئول عن تجنيد الجيل الحالي من عناصر القاعدة. كما عمل تهديد مصالح الولايات المتحدة، وذلك بحَث مؤيديه في الدول الغربية، على شن هجمات وصفها “بالسهلة البسيطة”.

شارك “الريمي” في تنفيذ عديد من العمليات الإرهابية في الدول عربية وأجنبية، إذ اتهمته الحكومة اليمنية في عام 2009 بإدارة معسكر تدريبي تابع لـ “القاعدة” في محافظة أبين، وارتبط اسمه لاحقاً بمحاولة تفجير طائرة ركاب متجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى إرسال عدة طرود مفخخة إلى الولايات المتحدة في 2010. وفي ضوء ذلك النشاط أدرجته واشنطن على قائمة الإرهاب مايو 2010، وجمدت أرصدته المصرفية. وفي عام 2018 رفعت وزارة الخارجية الأمريكية قيمة المكافأة التي وضعتها لمن يقدم معلومات تقود إلى اعتقاله من خمسة إلى عشرة ملايين دولار.

دلالات وتداعيات

تُثير عملية مقتل “قاسم الريمي” عددًا من الدلالات والاستنتاجات المهمة، نوردها فيما يلي: 

الملاحظة الأولى: تتعلق بما تحمله عملية مقتل “الريمي” من قيمة دعائية للولايات المتحدة على وجه العموم، وقيمة دعائية لإدارة “ترامب “على وجه الخصوص، ولا سيما وأنها جاءت بعد شهر من عمليه قتل “قاسم سليماني” قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري على يد القوات الأمريكية في العراق أوائل يناير الماضي، ومن قبلها عمليه قتل “أبو بكر البغدادي” زعيم تنظيم “داعش” في أواخر شهر أكتوبر الماضي. وبالتالي، تمثل عملية مقتل “الريمي” تأكيد على نجاح إدارة “ترامب” في تحقيق أهدافها والقضاء على قادة التنظيمات الإرهابية، ولا سيما أن الرئيس الأمريكي اعتبر “الريمي” هدفًا منذ أن توليه السلطة في يناير 2017 حين تم توجيه غارة على معقل لـ “القاعدة” في اليمن، لكنه نجا منها.

الملاحظة الثانية: تتمثل في مجيء عملية مقتل “الريمي” في أعقاب إعلان تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” مسؤوليته عن عملية إطلاق النار التي وقعت في السادس من ديسمبر الماضي في قاعدة “بينساكولا” الجوية التابعة لسلاح البحرية الأمريكي في “فلوريدا”، حيث قتل “محمد الشمراني” وهو متدرّب سعودي ثلاثة بحارة أمريكيين. وبالتالي، يمثل مقتل “الريمي” ردًا مباشرًا من الولايات المتحدة على عملية “بينساكولا”، حيث ترسل “واشنطن” رسالة مفادها تأكيد الحسم الأمريكي في التعامل مع التهديدات الإرهابية التي تستهدف أمنها.

الملاحظة الثالثة: تنصرف إلى السلاح المستخدم في تنفيذ العملية، فقد استخدمت الولايات المتحدة منذ مدّة طويلة طائرات “الدرونز” في حربها ضد قادة تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب”، حيث تم تصفية عدد كبير من قادة تنظيم ” القاعدة في جزيرة العرب” بواسطة ” الدرونز”، وعلى رأسهم ” أنور العولقي” القيادي البارز في التنظيم، و ” سعيد الشهري” الرجل الثاني في التنظيم،

 و”ناصر الوحيشي” نائب زعيم القاعدة، و” إبراهيم العسيري” صانع قنابل التنظيم. 

عكست تلك الطائرات فاعلية في استهداف قادة التنظيم وحققت نجاح كبير في الوصول لأهدافها، ولا سيما مع تأكيد الولايات المتحدة على دقتها. إلا أن هناك عدد من التقرير الحقوقية أفادت سقوط عدد من الضحايا المدنيين جراء الغارات الأمريكية التي تستهدف قادة تنظيم القاعدة في اليمن، في ظل تكتم من جانب الولايات المتحدة عن الحديث عن تلك الأعداد، ما يُشير إلى أن هناك تكلفة بشرية مصاحبة للغارات الأمريكية، ويشكك في الرواية الأمريكية عن دقة تلك الغارات.

الملاحظة الرابعة: تتعلق بتداعيات مقتل ” الريمي” على تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب “، إذ يمثل مقتله ضربة للتنظيم، ولا سيما وأنه يُعد آخر القادة العسكريين المتمرّسين، إذ أن أغلب عناصر التنظيم حديثو عهد بالقتال في هذه المناطق، فضلًا عن ضعف تحصيلهم الشرعي. وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” فقد عدد كبير من قيادات الصف الأول، وقد انعكس ذلك على حال التنظيم في اليمن، إذ تراجع تأثيره مؤخرًا وانحسرت عملياته. 

غير أن ذلك لا يعنى انتهاء التنظيم، إذ اعتاد على تهيئة نفسه لمثل هذه التحديات، فهناك بديل دائما. وفي هذا السياق، تواترت الانباء عن وجود مرشحين محتملين لخلافته “الريمي”، وهما “سعد بن عاطف العولقي”، و “خالد باطرفي”. وإن كانت فرص تولى الأول أكبر من الثاني لكونه القيادي الأبرز بعد” الريمى”، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية الأمريكية إلى الإعلان عن مكافأة قدرها 11 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال “العولقي” و”باطرفي”

الملاحظة الخامسة: تنصرف إلى التنافس الجهادي بين “القاعدة” و “داعش”، ففي أعقاب مقتل ” الريمي” كشفت السجالات الإعلامية بين ” القاعدة” و”داعش”، حجم التنافس بينهما في اليمن كساحة محورية لا غنى عنها لكليهما، في سياق سعيهما للحضور في الشرق الأوسط. وقد وصفت قنوات داعش “الريمي” بالمرتد في سياق الرد على موقف “القاعدة” من قتل “البغدادي” زعيم “داعش” السابق. كما نشر “داعش” على قنواته أخبارًا عن هجمات يشنها فرعه في محافظة البيضاء وسط اليمن على خمسة مواقع عسكرية للحوثيين. ومن ثُم، يسعى “داعش” إلى استغلال التحديات التي يتعرض لها تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” من أجل إيجاد مساحة جديدة يستطيع أن يستثمر وينشط فيها، مزاحمًا “القاعدة” بغرض إعادة التموضع داخل مناطق جغرافية تمثل بيئة مواتية لنشاطه.

مجمل القول، يمثل مقتل ” قاسم الريمي” استثمار سياسي لإدارة الرئيس الأمريكي “ترامب” ولا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية. غير أنه على صعيد آخر، يمثل تحدى لتنظيم ” القاعدة في جزيرة العرب”، خاصة في ضوء الانتكاسات التي تعرض لها التنظيم مؤخرًا، ولا يعنى ذلك التحدي انهيار التنظيم، إذ أن استمرار حالة اللايقين السياسي وتعثر مسارات التسوية في اليمن تمثل ظروف موائية وبيئة حاضنة لنشاط “القاعدة” و “داعش” وغيرهما من التنظيمات الإرهابية.

+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

تقى النجار

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى