الصحافة العربية

تنسيق عال بين القاهرة والرياض.. شراكة المصير الواحد تبرهنه “التحركات السعودية الأخيرة في المنطقة”

فجر الخامس من يونيو 2017، وقت إعلان “مصر – السعودية – الإمارات – البحرين”، أو ما بات يُعرف بالرباعي العربي، مقاطعتهم الشاملة لدولة قطر، وتسليمها عبر وساطة كويتية قائمة بـ 13 مطلباً يجب تنفيذها شاملة، لإعادة العلاقات معها، ركزت المطالب علي شقين رئيسيين ومرتبطين بأسس ودوائر الأمن القومي العربي. الشق الأول: تعلق بتحجيم علاقة قطر بكل من تركيا وإيران، عبر خفض التمثيل الدبلوماسي مع الثانية وطرد عناصر الحرس الثوري الإيراني، وإغلاق القاعدة العسكرية للأولي ووقف كافة أشكال التعاون العسكري معها على الأراضي القطرية. 

أما الشق الثاني: فتعلق بإغلاق شبكات قنوات الجزيرة، وكافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر، وتسليم كافة العناصر المدرجة على قوائم الإرهاب في دول المقاطعة ووقف إيواءهم وقطع علاقاتها مع كافة التنظيمات الإرهابية والطائفية وعلى رأسها “الإخوان المسلمين – داعش – القاعدة – حزب الله”.

مثل إعلان فجر الخامس من يونيو، تحول حقيقي في مصفوفة الأدوار الإقليمية بعد ثورة الثلاثين من يونيو، وكذا مثّل دخول الرباعي العربي مرحلة جديدة من مراحل التنسيق، والارتباط الاستراتيجي في كل بؤرة من بؤر الصراع في المنطقة الممتدة من الجناح الشرقي للمنطقة العربية، وصولاً لدول المغرب العربي غرباً، ومن البلقان وسوريا وشرق المتوسط شمالاً، وصولاً لدول الساحل والصحراء والقرن الإفريقي جنوباً. وعلى قدر تعقُد شبكة المصالح في هذه المنطقة الشاسعة التي تعد محرك الأحداث عالمياً، تعرض الرباعي العربي لاختبارات شراكة، ولحظات حقيقة، شكلت العضلة العسكرية لقدراته، ونمّت مهاراته على التنسيق بشكل تصاعدي، عما بدأ به إعلان فجر الخامس من يونيو.

يتبني الرباعي العربي مشروع الدولة الوطنية في وقت الفرص الحقيقية لمشاريع التوسع العقائدية، لكل من إيران – إسرائيل – تركيا، ولاسيما بعد حذف كل من سوريا والعراق من معادلة القوة العربية، وانكشاف منطقة الجناح الشرقي للمنطقة العربية على نحو غير مسبوق. ما جعل من احتمالات اصطدام الرباعي العربي بهذه المشاريع التوسعية أمراً حتمياً، في أكثر من بؤرة صراع. وقد اتجه المرصد المصري في أحدي ورقاته لتحليل طبيعة الانخراط التركي – الإيراني في المنطقة واستراتيجية القاهرة لتطويقه.

مع هذا الاصطدام، والاشتباك متعدد الأنماط، في العراق وسوريا ولبنان واليمن والصومال، كان لدي الرباعي العربي ثغرة واضحة، نتيجة اختلاف أولويات المواجهة والعداء لمصر والإمارات من جهة، والسعودية من جهة أخرى. حيث وضعت السعودية الصراع مع إيران في المرتبة الأولي، يليها العداء مع تنظيم الإخوان المسلمين، في حين وضعتا مصر والإمارات أولوية المواجهة لتنظيم الإخوان المسلمين، وبدا واضحاً تبني الثنائي لسياسة احتواء غير تصادمية مع إيران وهو ما أربك تعاطي مصفوفة الرباعي مع القضايا المتعلقة بإيران في المنطقة.

من هذا التباين المؤقت في مصفوفة المواجهة، تعثر الرباعي في مسألتين:

الأولي: غياب استراتيجية جامعة لمواقف الرباعي تحدد ملامح وأبعاد احتواء إيران.

الثانية: تعرض الرباعي لمحاولات اختراق وتحييد الموقف السعودي، إثر وضعه تنظيم الإخوان في مرتبة دنيا بعد إيران، وظهرت بصورة جلية، محاولات دولة قطر في المناورة والتنصل من المطالب الـ 13، ووضع خطط بديلة، لإضعاف موقف الرباعي ولاسيما في صراعه مع تركيا وإيران، اللتان تشتركان في فكرة الحاكمية الإسلامية لمشروعهما رغم الاختلاف المذهبي، ما جعل تنظيم الإخوان بأيديولوجيته مجرد أداة وظيفية لكل منهما. الصور الجلية تلك كانت في الزيارة السرية لوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، للرياض، أواخر العام الماضي. وتقديمه عرض وصفه بـ “الجاد”، لتسوية المسألة الخليجية وإنهاء العداء المحكم، وتخلص عرضه الجاد، في تخلي قطر عن جماعة الإخوان المسلمين مقابل إعادة العلاقات مع دولة قطر. وعلى الرغم من عدم استجابة السعودية لعرض وزير الخارجية القطري رغم إبداء الرغبة في الدخول لسياقات من التفاهمات، إلا أنها عبّرت عن إدراك محور قطر – تركيا – إيران، للثغرة السالف ذكرها، والشروع في استغلالها بغية تحييد قوة كبري في المنطقة كالمملكة السعودية من مصفوفة الرباعي. وعلى إثر العرض القطري الأخير، جدد الرئيس السيسي، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، رفضهما لأية سياقات لتسوية المقاطعة خارج إطار المطالب الـ 13. 

بيد ظهرت مؤخراً العديد من التحركات المؤشرة على وجود أنماط عليا من التنسيق بين أطراف الرباعي، تركزت بشكل كبير علي تحرك سعودي جديد، إيجابي ونشط، تجاه قضايا المنطقة، ارتبط بشكل رئيسي بالمجال الحيوي المصري، وعبّر عن تنسيق عالِ وتوافق رؤي وتكاملية في التعاطي ومعالجة التهديدات والتحديات، بين القاهرة والرياض، بشكل فاق نشاط أول عامين من بدء إعلان الخامس من يونيو 2017. ويمكن تحديد ملامح ذلك التنسيق وتلك التكاملية في نقاط أربعة كالآتي:

أولاً: تعزيز الارتباط والتعاون بين السعودية وقبرص واليونان:

في منطقة كانت جديدة على صانع القرار في المملكة، حلّ شرق المتوسط في الواجهة لدي مسؤولي الرياض، وبسياسة إيجابية نشطة، منذ سبتمبر من العام الماضي، وتحديداً وقتما بدأت السعودية في أولي إجراءات فتح سفارة لها في قبرص وتعيين أول سفير لدي نيقوسيا، وتلي ذلك زيارة قام بها وزير الخارجية السعودي الأسبق، إبراهيم العساف، التقي خلالها، الرئيس القبرصي، ووزير الخارجية وعدد من المسؤولين في البلاد.

الجدير بالذكر أن، الزيارة تزامنت مع التصعيد التركي في قبرص بعد إصرار أنقرة على التنقيب على الاحتياطات الهائلة من الغاز الطبيعي قبالة سواحل الجزيرة في شرق المتوسط. وعدّها المسؤولون الأتراك “تحدِ لتركيا”.

تجدر الإشارة أن الرياض لم تغفل اليونان، فتوالت الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في الرياض وأثينا في الخمسة أشهر الماضية، فكان أبرزها زيارة رئيس الوزراء اليوناني، “كيرياكوس ميتسوتاكيس”، للرياض، الأسبوع الماضي، ولقاؤه الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. 

بيد أن الزيارة الأخيرة استبقتها جولات عدة لمسؤولين سعوديين رفيعي المستوي صوب أثينا، منها زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قبل أسبوع من زيارة رئيس الوزراء اليوناني للرياض.

  فضلاً عن زيارات سابقة لوزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، لأثينا في نوفمبر من العام الماضي.

يأتي الحضور السعودي الجديد في شرق المتوسط، ضمن سياقات التنافس والصراع السعودي – التركي، وكذا ضمن تعزيز الموقف المصري في شرق المتوسط، وجعل المحاولات التركية لاختراق مصفوفة التحالف بين مصر – قبرص – اليونان، أكثر صعوبة. ما ساهم في تعزيز قدرة الردع المصرية الخالصة المبنية على القدرة العسكرية والتحالفات والارتباطات الاستراتيجية طويلة المدي.

ثانيا: تضافر الجهود لعرقلة الطموحات التركية في الشمال السوري:

ترتكز الرؤية المصرية في التعاطي مع الصراع السوري، على وحدة التراب السوري، ودعم الجيش العربي السوري في مواجهة التنظيمات والعناصر المتطرفة، وقد أكد الرئيس السيسي ذلك في نوفمبر من العام 2016. تباين الموقف المصري والسعودي من الأزمة السورية، علي وقع ذلك، حافظت مصر على نسق معتدل في التعاطي، دون الانخراط ميدانيا في الصراع، وكذا دون شرعنة ودعم نشاطات التنظيمات المسلحة والإرهابية، التي تعمل بالوكالة، وقد أضافت كلمة الرئيس في اجتماع مجلس الأمن الدولي، في سبتمبر 2016، خطوطاً حمراء، حين ذكر: “واهن من يظن أن الغلبة في الصراع السوري ستكن للتنظيمات الإرهابية”.

رغم تباين الأجندات، وانتقال الصراعات الثنائية الإقليمية للميدان السوري، ببعدها المذهبي، إلا أن السعودية نجحت ضمنياً في توحيد لهجتها مع الموقف المصري في التعاطي مع التحولات الأمنية والاستراتيجية الكبرى في ميدان الحرب. وظهر ذلك بصورة جلية في إدانة السعودية للاجتياح التركي لشمالي شرق سوريا، أكتوبر الماضي. 

ثالثا: دعم الجيش الوطني الليبي ورفض اتفاقية تركيا مع الوفاق:

تمثل ليبيا امتداداً طبيعياً للأمن القومي المصري، كما أظهرت القيادة المصرية عدم التردد في استخدام القوة العسكرية لمجابهة التحديات والتهديدات الأمنية وكذا توجيه الضربات الاستباقية للتنظيمات المسلحة المتورطة في العمليات الإرهابية التي وقعت بالداخل المصري. يجئ الموقف السعودي من الأزمة الليبية ليدرك عمق الارتباط بينها وبين الأمن القومي المصري من جهة، ومن جهة أخري الأمن القومي العربي. حيث أولت المملكة اهتماماً بالجهود الرامية لتعزيز دور المؤسسة العسكرية الليبية، في إعادة بناء دولة ليبية ذات ولاءات وطنية وليس مذهبية أو طائفية قبلية. حيث استقبل الملك سلمان قبل عام قائد الجيش الوطني، المشير خليفة حفتر. 

وتلي ذلك دعماً لعمليات الجيش الليبي للزحف نحو الجنوب والغرب، واصطفافاً مع الرؤية المصرية. كما أدانت المملكة الاتفاقية المثيرة للجدل، بين تركيا ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، وعارضت بشدة التصعيد التركي في ليبيا إثر إقرار البرلماني التركي قانون يسمح بإرسال قوات عسكرية لليبيا. إذ قالت وزارة الخارجية السعودية، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية «واس»، إن المملكة تعتبر ذلك انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الصادرة بشأن ليبيا وتقويضاً للجهود الأممية الرامية لحل الأزمة الليبية، ومخالفة للموقف العربي الذي تبناه مجلس جامعة الدول العربية بتاريخ 31 ديسمبر 2019م.

رابعاً: سد النهضة الإثيوبي:

يمثل مشروع سد النهضة نقطة ضغط عظيمة التأثير للفواعل الإقليمية، التي تضع تصفية المشروع المصري الوطني، نُصب أعينها، لكن ثمة تضافر عربي ولاسيما من القوي المالية الكبيرة، مع الموقف المصري قد يرفع من سقف المناورة مع الدول الساعية للضغط لتحجيم طبيعة ومجال الدور المصري إقليما ودولياً من بعد ثورة الثلاثين من يونيو.

وبالتزامن مع بدء مرحلة جديدة في التفاوض الجاد، بين مصر والسودان وإثيوبيا، بوساطة أمريكية، للتوصل لاتفاق شامل منظم لعمل السد، يضمن الحقوق المصرية، ولا يضعها قبالة المساومات والموائمات، تحركت الجهود الدبلوماسية السعودية منطلقة من إدارة الشؤون الإفريقية في الخارجية السعودية، لما يمكن وصفه بوساطة إقليمية لحلحلة التعنت الإثيوبي، تتضافر مع التقدم الملموس في المفاوضات الجارية بواشنطن. 

حيث تلقى رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد علي، الخميس الماضي، رسالة خطية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، تضمنت تعزيز العلاقات الثنائية والتنسيق في القضايا الإقليمية والدولية. 

جاء ذلك خلال استقبال رئيس الوزراء الإثيوبي الأربعاء الماضي، وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الأفريقية أحمد عبدالعزيز القطان، الذي نقل رسالة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.

وفي رسالته، أكد العاهل السعودي ضرورة تطوير العلاقات الوطيدة التي تربط المملكة وإثيوبيا وشعبيهما، وتعزيز أطر التعاون الاستراتيجي بينهما على مختلف الأصعدة.

وتأتي زيارة القطان إلى إثيوبيا في إطار مشاركته في القمة الأفريقية الـ 33 لرؤساء الدول والحكومات الأفريقية، يومي 9 و10 فبراير الجاري بأديس أبابا. 

وفي ديسمبر الماضي، زار أحمد بن عبد العزيز قطان أديس أبابا، على رأس وفد رفيع المستوى في زيارة رسمية لإثيوبيا استغرقت 3 أيام لتعزيز التعاون بين البلدين.

بدورها، تسلمت القاهرة، عبر القطان رسالة من الملك سلمان، تتضمن تأكيد متانة العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين، حسبما أفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية. كما أكّدت الرسالة الخطية الحرص على تعزيز أطر التعاون الاستراتيجي بين البلدين على مختلف الأصعدة، ومواصلة العمل المشترك والتنسيق المكثف مع مصر إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية.

التحركات السعودية الأخيرة في ملف سد النهضة جاءت لتؤشر على تعاطي عربي جديد يعي الشراكة الاستراتيجية، وتبعات الضغط على مصر في ملف حرج كملف المياه؛ على مدى ثبات كل دولة في مواجهة أخطار تدميرية غير نمطية قد تعصف بسياساتها الدفاعية. 

خاتمة

بات واضحاً إدراك القيادة المصرية لأهمية ضبط إيقاع التنافس والصراع الثنائي ولاسيما تلك الموجودة بين دول في مصفوفة الرباعي العربي مع قوي إقليمية غير عربية، كالصراع السعودي – الإيراني، والسعودي – التركي. وتحقيق شراكة مصير واحد، تقوم على التنسيق العال، والتكاملية. 

كما تظل أخطار محاولات إضعاف محور الرباعي العربي قائمة في انتظار فرصة تباين أولويات العداء والمواجهة بين ثنائية “إيران – الإخوان”، لكن ديناميكيات الصراع في الشرق الأوسط برهنت على وجود تحالف عقائدي استتر بالسياسة، أو سياسي استتر بالعقيدة، بين تنظيم الإخوان ومحور تركيا – إيران، دفع الرباعي العربي بأولوية مواجهة الإثنين معاً وليس كلِ على حدة، وهو ما انعكس على توافق الثنائي “مصر – السعودية” في النقاط السوداء الأربعة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى