
“السلام والتنمية”… عنوان الأجندة المصرية خلال رئاستها الاتحاد الإفريقي 2019
بخلاف سياسة رواندا لرئاسة الاتحاد الإفريقي والتي أعطت الإصلاح الهيكلي والمؤسسي لمؤسسات الاتحاد، جاءت السياسة المصرية لتعلي من هدفي ” السلام والتنمية”، تماشيًا مع الرؤية الإفريقية الأوسع والمتمثلة في “أجندة التنمية الإفريقية ،2063، والتي تعمل كافة الأهداف تحقيقًا للسلام، وصولًا للتنمية. وإنطلاقًا من هذه الرؤية وتحقيقًا للمساعي المصرية الساعية نحو إرساء السلام وتحقيق التنمية ونظرًا للارتباط بينهما؛ إذ لا يمكن تحقيق التنمية بدون سلام، جاءت التحركات المصرية الدبلوماسية دافعة بشكل نشط نحو تحقيق هاذين الهدفين على النحو التالي:
أولًا: إرساء السلام
إنطلاقًا من الدور التاريخي المصري في القارة الإفريقية والداعم لحركات التحرر الإفريقية ومساعدة الدول الإفريقية للوصول لمبتغاها وتحقيق الاستقلال، وكان لهذا الدور الرائد في القارة انعكاساته على المكانة المصرية بالقارة الإفريقية تاريخيًا في عهد عبد الناصر. وعلى نفس المنوال سعى الرئيس السيسي لتقديم الدعم للدول الإفريقية لبناء السلام، إذ تعاني معظمها من صراعات مسلحة وتصاعد الحركات الإرهابية، وتماشى ذلك مع أهداف أجندة التنمية الإفريقية 2063، بتحقيق هدف إرساء السلام في القارة، وإنطلاقًا من هذه الرؤية بذلت مصر جهود عدة على النحو التالي:
- مبادرة إسكات البنادق 2020
تبنت مصر مبادرة إسكات البناق في القارة الإفريقية 2020، وذلك اتساقًا مع أهداف أجندة التنمية الإفريقية، وتستهدف تلك المبادرة التي أعدها مجلس السلم والأمن الإفريقي، وتبناها الرئيس السيسي أثناء تسلمه رئاسة الاتحاد في فبراير 2019، التوصل إلى اتفاقات نهائية مع أطراف النزاع بربوع القارة السمراء، فضلًا عن طرح مبادرات للحوار بين كافة الأطراف، وعملت مصر على عقد لقاءات تنسيقية وحوارات مع وزراء دفاع أفارقة، وتجمعات إقليمية، على مدار العام من أجل تفعيل المبادرة، وهي الجهود التي يتعين استكمالها بالتعاون مع جنوب إفريقيا، الرئيس القادم للاتحاد.
- استضافة مركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات
دعمت مصر جهود الاتحاد الإفريقي من أجل إعادة الإعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات، واستكمال منظومة السلم والأمن الأفريقية ودفع الجهود المبذولة لمنع النزاعات والوقاية منها والوساطة فى النزاعات. ومن أجل دعم منظومة السلم والأمن الإفريقي، تشارك مصرة بكثافة في قوات حفظ وبناء السلام في إفريقيا، كما أنها تدفع باتجاه أن تكون عمليات حفظ السلام في إفريقيا مشكّلة من قوات إفريقية، بعيدًا عن قوات بعثات الأمم المتحدة، وذلك إعمالًا لمبدأ الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية.
- المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لتجمع الساحل والصحراء
انطلاقًا من رؤية مصر الشاملة لمكافحة الإرهاب، والمستندة إلى ضرورة تضافر الجوانب السياسة والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والفكرية، فصلًا عن ضرورة التصدي لأليات التمويل والدعم السياسي والإعلامي للجماعات الإرهابية، سعت مصر إلى دعم جهود مكافحة الإرهاب بالقارة الإفريقية، التي أدت فيها الصراعات المسلحة لتنامي الظاهرة الإرهابية، وإنطلاقًا من خصوصية المجتمعات الإفريقية، وفشل المقاربات الدولية في مواجهة الظاهرة الإرهابية، على نحو ما هو حادث الآن بالساحل والصحراء، بات من الضرورة أن تمتلك الدول الإفريقية مقاربة إفريقية خاصة بهم، منبثقة عن خصوصية السياق. وفي هذا الصدد، أنشأت مصر المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لتجمع الساحل والصحراء، ليعزز التعاون والتنسيق الأمني بين دول شمال إفريقيا ودول الساحل والصحراء التي تشهد تنامي موجات الإرهاب.
وعلى جانب آخر، وعلى خليفة تطورات الأوضاع السودانية آنذاك، واتجاه الاتحاد الإفريقي إلى تعليق عضويتها، حتى يتم نقل السلطة سلميًا إلى مدنيين، عقدت القاهرة قمة رؤساء دول وحكومات وممثلين رفيعى المستوى عن الشركاء الإقليميين للسودان. وهي القمة التي أجمع خلالها الشركاء الإقليميين عن تقديم الدعم للسودان حتى يتجاوز الأزمة السياسية بالبلاد، كما أرجأ الاتحاد الإفريقي قرار تعليق عضوية السودان بالاتحاد الإفريقي، على النحو الذي يمكن معه القول بأن تلك القمة ساهمت في استعادة التوازن داخل الاتحاد الإفريقي إزاء الأوضاع السودانية.
وفي اليوم ذاته، وإنطلاقًا من مبدأ حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية، بذلت مصر جهود حثيثة من أجل حل أزمات دول الجوار ليبيا والسودان. ففي الثالث والعشرين من إبريل احتضنت القاهرة اجتماع ” قمة الترويكا ولجنة ليبيا رفيعة المستوى بالاتحاد الإفريقي”، وذلك لمناقشة أخر التطورات على الساحة الليبية، والبحث عن حل للأزمة الليبية ومكافحة الإرهاب بدعم من الدول الإفريقية. وعلى هامش قمة سوتشي الروسية، أكد السيسي على ضرورة تعزيز العمل الإفريقي الموحد من أجل حل الأزمة الليبية، وذلك في سياق لقائه برئيسي جنوب السودان وتشاد.
ثانيًا: تحقيق التنمية
ولما كان السلام شرطًا لتحقيق التنمية، لتستطيع الشعوب والدول استغلال مواردها الاستغلال الأمثل، وتحقيق مردود ملموس من واقع احتياجات الشعوب، وإعملًا لمبدأ الملكية الوطنية للتنمية، على نفس نهج الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية، حمل الرئيس السيسي لواء إبراز أولويات التنمية الإفريقية في المحافل الدولية، وذلك آملًا في تحقيق تنمية متكافئة لا يتم فيها استغلال الجانب الإفريقي، وعملت مصر في هذا الجانب على نقل تجاربها الثنائية المضيئة في التعاون الاقتصادي إلى القارة الإفريقية، وذلك باعتبارها نافذة القارة على العالم، ومن هذا المنطلق قامت مصر بجهود عدة، من بينها :
- تمثيل القارة في القمم الاقتصادية دبلوماسية نشطة
مثلت مصر على مدار العام القارة الإفريقية في الكثير من القمم والمحافل الدولية، وهي الخطوة التي ساعدت مصر في التحدث باسم القارة الإفريقية، ومن ثم عرض التحديات التي تواجهها، وأيضًا أولويات التنمية بها، وهذا ليس فقط على مستوى القمم الاقتصادية التي عقدت بالشراكة مع إفريقيا، وإنما حرصت مصر على تمثيل إفريقيا والتحدث باسمها في كافة المحافل الدولية التي لم تكن القارة طرفًا فيها، وذلك على غرار، مشاركة مصر في قمة الأمم المتحدة للمناخ، وتحدث خلالها باسم الدول الإفريقية، مطالبة بضرورة تحمل مسؤولية مشتركة بأعباء متباينة من أجل التعامل مع ظاهرة التغير المناخي، التي تتحمل الدول الإفريقية التداعيات السلبية الأكبر بسببها.
وفي هذا السياق، شاركت مصر في قمة مجموعة العشرين باليابان، يونيو الماضي، وهي القمة التي عقد الرئيس السيسي على هامشها قمة مصغرة مع رئيسي جنوب إفريقيا والسنغال، اتفقوا خلالها على ضرورة إبراز أولويات التنمية الإفريقية أمام الشركاء، مع التركيز على أهداف أجندة التنمية 2063. وفي أغسطس، شاركت مصر في أعمال مجموعة السبع بفرنسا، والتي عرض خلالها سبل تحقيق السلام والتنمية المستدامة، وأسس الشراكة العادلة بين إفريقيا ودول المجموعة. وفي الشهر ذاته، عقدت قيمة ” تيكاد” بطوكيو بهدف حشد الدعم لمبادرات التنمية الإفريقية، كما تم عقد قمة سوتشي بروسيا في أكتوبر الماضي، في إطار سعي روسيا لتعزيز علاقتها بإفريقيا.
– الدفع نحو إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية
استضافات مصر اجتماعات وقمم تشاورية حول إنشاء منطقة التجارة الحرة، إلى أن تم تدشينها في يوليو الماضي، وذلك بتصديق 24 دولة إفريقية من بينهم مصر. ويأتي ذلك اتساقًا مع رؤية مصر لتعزيز العمل الإفريقي المشترك، الذي يعد أحد أولوياتها خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي.
وفي السياق ذاته، اتجهت مصر نحو دعم مبادرات النيباد التي تهدف إلى تطوير وتعزيز التكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي في أفريقيا، إذ استقبل الرئيس السيسي المدير التنفيذي للوكالة، باعتبار مصر إحدى الدول المؤسسة للمبادرة، والساعة نحو تفعليها.
- تحقيق التعاون الثنائي مع دول القارة :
سعت مصر لتسخير إمكاناتها وخبراتها من أجل دفع عجلة التنمية الاقتصادية الإفريقية، وفي هذا الصدد كانت مجالات الزراعة والبنية التحتية وشبكات الطرق والربط الكهربائي المجالات الأبرز التي غلفت الطابع الثنائي للتعاون المصري الإفريقي.
وفي سياق داعم للتنمية، عقدت مصر في يونيو الماضي، المنتدى الإفريقي الأول لمكافحة الفساد، كخطوة نحو تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في الدول الإفريقية، بما يعزز تحقيق التنمية و متطلبات الحكم الرشيد في القارة والانطلاق نحو بناء دولة وطنية تنموية خالية من النزاعات.
كما عقدت مصر منتديين للاستثمارفي إفريقيا عامي 2018 و 2019 على التوالي، وعلى هامش المنتدى الأول، أطلقت مصر صندوق مخاطر الاستثمار في إفريقيا، لتشجيع المستثمرين المصرين والأجانب بالتوجه نحو الاستثمار بإفريقيا والمشاركة فى تنمية القارة السمراء، وذلك علاوة على الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في إفريقيا في 2014.
وفي ديسمبر الماضي، عقد في أسوان ” منتدى أسوان للسلام والتنمية” الذي تم الإعلان عنه في قمة سوتشي، وذلك للتباحث في سبل إرساء السلام وتحقيق التنمية بدول القارة الإفريقية.
- تمكين الشباب والمرأة
أكد الرئيس السيسي في كافة خطاباته ولقاءاته على ضرورة تمكين الشباب الإفريقي لمواكبة التطورات والاضطلاع بمهامهم وذلك من خلال تعزيز أطر التنمية بما يتيح تعليمًا جيدا يخلق فرص عمل للشباب، يضيق الفجوة بين المؤسسات التعليمية وسوق العمل لدى الشباب الإفريقي، فضلًا عن دعم وتمكين المرأة وتعزيز دورها في كافة المجالات، ولم يقتصر دور الشباب والمرأة على تحقيق التنمية الاقتصادية فحسب، وإنما أيضًا ضرورة دمج الشباب والمرأة في أطر وهياكل بناء السلام بالقارة الإفريقية وعمليات حفظ السلام، وذلك للحيلولة دون استقطاب الشباب من قبل التنظيمات الإرهابية. وفي هذا المجال، عقدت مصر ملتقى الشباب العربي الإفريقي، لعرض ومناقشة القضايا التي تهم الشباب الإفريقي، فضلًا عن إيلاء القضايا الإفريقية مساحة كبيرة في أجندة منتدى شباب العالم، الذي يشارك به أيضًا نسبة معتبرة من الشباب الإفريقي. وارتباطًا بهذا التوجه، أعلن الرئيس السيسي عن إطلاق البرنامج الرئاسي لتمكين الشباب الإفريقي كركيزة يتم البناء عليها في سيا
ثالثًا: دبلوماسية نشطة
- اللقاءات والزيارات
في إطار حرص مصر على تعزيز على تعزيز علاقتها بدول القارة، قام الرئيس بجولة زار خلالها كل من غينيا وكوت ديفوار والسنغال، بالإضافة إلى لقاءات مع عدد من رؤساء وزعماء القارة الافريقية منهم رئيس موزمبيق، ورئيس وزراء إثيوبيا، و رئيس جنوب أفريقيا، تشاد، جزر القمر، لبحث سبل تعزيز التعاون، والتشاور والتنسيق تجاه سبل القضايا الأفريقية ذات الاهتمام المشترك وجهود مكافحة الإرهاب، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة.
- الصومال وكينيا
حرص الرئيس السيسي على هامش فاعليات الأمم المتحدة، شارك الرئيس السيسى فى قمة ثلاثية ضمت محمد عبد الله فارماجو رئيس جمهورية الصومال، وأوهورو كينياتا رئيس جمهورية كينيا، وذلك لبحث بعض الملفات الثنائية الخلافية بين الطرفين، وخاصة الخلاف البحري، والعمل على ألا تؤثر تلك الملفات على علاقات الأخوة وحسن الجوار. وتعكس تلك التحركات، الدبلوماسية النشطة التي تبنتها مصر إبان رئاستها للاتحاد على مدار العام. وفي هذا الصدد، تبنت مصر أيضًا دبلوماسية نشطة من أجل حل أزمة سد النهضة، إلا أنها تبنتها بعيدًا عن طرحها على الاتحاد الإفريقي، حتى لا يمكن اعتبار أنها تستغل دورها من أجل حسم مصالحها الخاصة.
- مبادرات صحية
سعت من خلالها مصر إلى محاربة الأمراض في إفريقيا، على غرار مبادرة 100 مليون صحة، لمعالجة فيرس سي، كما تعتزم مصر إنشاء مركز إقليمي لدعم مبادرات الصحة العامة يكون مقره القاهرة، وذلك لتفعيل مبادرات الصحة العامة في الدول الأفريقية للتخلص من الأمراض والأوبئة التي تشكل عبئًا كبيرا على الدول الأفريقية. وهي المبادرات التي تعمل على تعزيز القوة الناعمة المصرية في إفريقيا، ما أدى في نهاية المطاف إلى رئاسة مصر للجنة الفنية لمكافحة المخدرات بالاتحاد الإفريقي.
وفي الأخير،
جاءت السياسة المصرية تجاه القارة الإفريقية مرتكزة على ثوابت السياسية الخارجية المصرية القائمة على الحفاظ على كيان الدولة القومية وتحقيق تنمية شاملة لتعبر بذلك عن ثوابت مصر تجاه القارة، إيمانًا منها بانتمائها لمحيطها الإقليمي، وضرورة العودة إلى القارة بعد فترة من تراجع العلاقات، وتنامي مدركات ذهنية سلبية متبادلة بين الجانبين، وبالفعل قطعت مصر شوطًا كبيرًا بالقارة الإفريقية، منذ عودتها إلى أروقة الاتحاد الإفريقي عقب ثورة 30 يونيو، وهي الجهود التي يتعين على مصر البناء عليها، وضرورة استكمال المسيرة، والتعاون مع دولة جنوب إفريقيا، الرئيس القادم للاتحاد، بما يعزز من المكانة والدور المصريين عبر القارة الإفريقية.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



