ليبيا

بعد الفيتو … شهادة وفاة لمخرجات مؤتمر برلين؟

جاء إستخدام روسيا مدعومة من الصين وجنوب أفريقيا، لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ضد مشروع قرار قدمته بريطانيا للمجلس، لإعتماد مخرجات مؤتمر برلين الأخير حول ليبيا، كمسمار أول في نعش مخرجات هذا المؤتمر، الذي يتضح يوماً بعد أخر أنه نسخة (أقل واقعية وأكثر تفاؤلاً)، من مؤتمري روما وباريس حول ليبيا عام 2018.

الحل العربي الإقليمي للملف الليبي … إلى الواجهة

شهادة الوفاة التي حازتها مخرجات مؤتمر برلين كانت لها مقدمات عدة، أولها ما أشرت أليه أمس من فقدان جميع المكونات السياسية الليبية، الثقة في إمكانية تحقيق المسار السياسي المقترح في جنيف، والمبنى بشكل أساسي على مخرجات برلين، لأي تقدم ملموس، خاصة وأن هذه المخرجات كانت كما سبق وذكرت في تحليل سابق، مفتقرة للوضوح وآليات التطبيق والمتابعة، ناهيك عن الغياب التام لأي ذكر أو تناول لقضايا ميدانية مهمة، على رأسها وجود الميليشيات واستمرار تدفق الأسلحة.

زيارة وزير الخارجية الجزائري أمس إلى بنغازي، ولقائه بكل من المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني، ورئيس وزراء الحكومة المؤقتة ، ووزير خارجيته، بجانب رئيس البرلمان، شكل تطوراً هاماً، ليس فقط في ما يتعلق بالموقف الجزائري من الملف الليبي، بل أيضاً كونه مؤشراً اضافياً على فقدان الدول الإقليمية لثقتها بمسار برلين خاصة، والمسار الدولي عامة في ما يخص الحل في ليبيا، وتوجه الأطراف المحلية الليبية، والأقليمية المجاورة لها، إلى الدور العربي والأفريقي، كبديل قد يكون له مرونة أكبر في التعامل مع كافة الأطراف الليبية، وفي نفس الوقت يكون أقل إلتزاماً وتقيداً بمحددات دولية تحكم التحركات الهادفة إلى إيجاد حلول لهذا الملف، وعلى رأسها التوازن الروسي – التركي، والدور الفرنسي والإيطالي.

زيارة الوزير الجزائري إلى بنغازي (اولاً)، والتي تضمنت لقاءات مع القادة السياسيين والعسكريين، بجانب لقاء هام مع ممثلي المجلس الأعلى للقبائل الليبية، ومن قبل هذه الزيارة استقبلت الجزائر وزير خارجية الحكومة المؤقتة، والزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة المؤقتة إلى الجزائر، كلها مؤشرات ساهمت في إيصال رسالة ضمنية إلى حكومة الوفاق، مفادها أن التيار الأقليمي بدء يميل أكثر في اتجاه بنغازي ومكوناتها السياسية والعسكرية، وهو ما تسبب في إلغاء زيارة الوزير الجزائري إلى طرابلس، والتي كانت مقررة عقب زيارته أمس لبنغازي. ولعل أهم التحديات التي ستواجه الجزائر في المرحلة المقبلة، في مساعيها للحل في ليبيا، هو المحافظة على مستوى معين من العلاقات مع حكومة الوفاق رغم التوتر الحالي، وربما تلجأ إلى الدور التونسي ليكون معادلاً في هذا الصدد، ليمثل البلدين معاً الثقل الأساسي في تكوين الأرضية الأقليمية العربية لبدء حل سياسي، يبدو أنه يبتعد شيئاً فشيئاً.

موسم الحج إلى بنغازي … يبدأ

عقب زيارة الوزير الجزائري، وصل إلى بنغازي وفد ألماني كبير، ضم سفير ألمانيا لدى ليبيا أوليفر أوفيتشا، وسفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا آلان بوجيا، ومدير مكتب المغرب العربي والشرق الأوسط بوزارة الخارجية الألمانية كريستيان بوك. وقد ألتقى الوفد مع المشير خليفة حفتر، ثم عقد عدة لقاءات أخرى مع نائب رئيس مجلس النواب وعدد من نواب المجلس، ثم مع عدد من شيوخ وأعيان بنغازي. اللافت في هذه الزيارة تناولها ملف إعادة الإعمار، والشراكة بين الأتحاد الأوروبي وعدد من بلديات بنغازي، من أجل تأهيل عدد من قطاعات البنية التحتية في المدينة. أعقبت هذه الزيارة، زيارة أخرى أجراها وفد بريطاني رفيع.

اللجنة العسكرية المشتركة ومسار جنيف السياسي .. محاولات الإنعاش تبدأ

على الرغم من الزلزال الذي أحدثه الفيتو الروسي في مجلس الأمن، إلا أن برلين ومن خلفها إيطاليا، مازالتا تحاولان دفع مسار برلين ومشتقاته إلى الأمام، وعقد الجلسة الأولى لمناقشة مسار برلين السياسي، التي من المقرر عقدها خلال الأيام المقبلة في جنيف. وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أعلن أن اللجنة المنوط بها متابعة تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين، ستجتمع منتصف الشهر الجاري، على أن يتم منتصف الشهر القادم اجتماع لوزراء خارجية الدول التي شاركت في مؤتمر برلين.

أيطاليا من جهتها، مدفوعة بتضررها من وقف عمليات تصدير النفط الليبي، بدأت في محاولة تقريب وجهات نظرها في ما يتعلق بالملف الليبي مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، نظراً لقناعة روما بإن مسار برلين بات مهدداً بأن يلقى مصير مؤتمري باريس وروما. وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، صرح  إن هناك حاجة لرسالة واضحة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بشأن ليبيا، مؤكداً على ضرورة التدخل الأمريكي في هذا الملف لحلحلة الوضع، وإيقاف ما سماها (الحرب بالوكالة) في ليبيا. جدير بالذكر أن دي مايو التقى خلال الأيام الأخيرة في روما، بوزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، وسيلتقي هذا الشهر، بنظيره الروسي سيرجي لافروف، لمناقشة عدة ملفات أهمها الملف الليبي.

أما في ما يتعلق باللجنة العسكرية الليبية المشتركة، المعروفة بإسم لجنة (5 + 5)، فلم تتضح حتى الآن ماهية ما تم تحقيقه من اجتماعاتها في جنيف، وقد تم تناول نتائج هذه الاجتماعات، خلال محادثة هاتفية، جمعت أمس بين مستشار ميركل للشؤون السياسية جان هيكر، مع وزير الخارجية المفوض بحكومة الوفاق محمد سيالة، بجانب بحث نفس الموضوع في لقاء بين المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف. الثقة في إمكانية تحقيق هذه الاجتماعات لأية نتائج ميدانية، مفقودة من جانب أطراف سياسية ليبية عدة، المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، ممثلاً في أحد أعضائه وهو عبد الرحمن الشاطر، سخر في تغريدة له عبر موقع تويتر، ممن صدقوا تصريحات غسان سلامة، حول وصول الوفدين المجتمعين إلى توافق، بشأن تحول الهدنة القائمة إلى وقف دائم لإطلاق النار.

السفينة اللبنانية الناقلة للسلاح التركي إلى طرابلس … تصعيد إيطالي جديد

بعد محاولات تركية للتغطية على فضيحة إستخدامها للسفن التجارية المدنية، من أجل نقل الأسلحة والذخائر إلى طرابلس، خاصة بعد نشر الصور التي توضح تواجد احدى هذه السفن (اللبنانية الجنسية)، قبالة الساحل الليبي، بجانب فرقاطتين تابعتين للقوة البحرية التركية المشاركة في عمليات حلف الناتو في البحر المتوسط. صعدت إيطاليا هذا الملف بشكل علني ومكثف، حيث احتجزت السلطات في ميناء جنوة اليوم هذه السفينة المسماة (بانا)، بعد أن دخلت إلى الميناء منذ ثلاثة أيام لإصلاح عطل أصابها. السبب الرئيسي لهذا الاحتجاز كان طلب قدمه الضابط الثالث العامل ضمن طاقم هذه السفينة، والذي طلب حق اللجوء السياسي، مؤكداً أن لديه دلائل ومعلومات حول كيفية نقل حمولة الأسلحة إلى طرابلس، ونوعية ما تم نقله.

هذه المعلومات دفعت النائب الإيطالي العام، لتوجيه تهمة الإتجار غير المشروع في السلاح لقبطان هذه السفينة، وإصدار أمر بالتحفظ عليها، وبدء سلسلة من التحقيقات، تقودها شعبة التحقيقات العامة والعمليات الخاصة في الشرطة الإيطالية، بجانب مديرية مكافحة الجريمة المنظمة في جنوة. أثر ذلك أعلنت وزارة الخارجية اللبنانية عن فتحها تحقيقاً حول ملف هذه السفينة، وارتباطات رجل الأعمال اللبناني الذي يمتلكها بالحكومة التركية ونشاطها في نقل الأسلحة إلى ليبيا ودول أخرى.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى