الصحافة الدولية

توقيت لافت.. قراءة في خطاب حالة الاتحاد والمشهد الانتخابى في أمريكا

بعد أربعة وعشرين ساعة من انطلاق الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقبل أربعة وعشرين ساعة من تبرئته رسميًا في محاكمة عزله بمجلس الشيوخ الأمريكي، ألقى الرئيس دونالد ترامب خطابه الثالث عن حالة الاتحاد في جلسة مشتركة للكونجرس بغرفتيه الشيوخ والنواب، وصف خلالها عامه الثالث بنجاح لا مثيل له وأن عامه الرابع سيكون الأفضل على الإطلاق. ولكن كانت هناك كلمة واحدة لم يتطرق لها ترامب في خطابه وهي “العزل”.

أثناء صعوده على المنصة، تجاهل ترامب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي مدت يدها لمصافحته، لتقوم بعد انتهاء الخطاب مباشرة بتمزيق نسخة من خطابه كانت بحوزتها. وهتف الجمهوريون “أربع سنين أخرى” وساد الصمت الديمقراطيون. وتحت عنوان “العودة الأمريكية العظيمة“، سلط  ترامب الضوء على “الإنجازات الرئيسية” التي حققها خلال فترة رئاسته المتمثلة في:

1- تقدم اقتصادي

خصص الرئيس الأمريكي في خطابه حيزاً كبيراً للانجازات الاقتصادية، واعتبر في هذا الإطار أن سنوات التراجع الاقتصادي قد انتهت إلى الأبد. وانخفضت معدلات البطالة لأدنى مستوياتها حيث وصلت إلى 3.5% وهي أدنى مستوى لها منذ نصف قرن، ويرى ترامب أن هذا سببا كافياً لإعادة انتخابه مرة أخرى. وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم. ووقعت الإدارة الأمريكية على قانون الاتفاق التجاري المعدل بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، والذي يعد تحديثا لاتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، ويحل محل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) الموقعة قبل 26 عاما. كما أرتفعت أسواق الأسهم المالية بنسبة 70%، ونجحت الرسوم الجمركية في دفع الصين لتوقيع اتفاق مع الولايات المتحدة.

في المقابل أشار استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز خلال شهر يناير جاء فيه أن 40% من الأمريكيين يشعرون بتحسن اقتصادي أفضل مما كانوا عليه في نفس الوقت من العام الماضي. وأن الوضع الاقتصادي يشير إلى تباطؤ النمو في قطاعات “ذوي الأجور المتوسطة” وبالتالي فإن الاقتصاد بعيدا ًعن كونه الأفضل على الإطلاق، كما أشار ترامب. 

2- الأمن القومي

ركز ترامب في خطابه على أن إدارته استثمرت 2.2 تريليون دولار في الجيش الأمريكي، وأن حلفاء الولايات المتحدة يدفعون حصتهم في النفقات العسكرية. بالإضافة إلى تدشين الفرع الجديد في الجيش الأمريكي وهو قوات الفضاء، لتكون الولايات المتحدة الدولة الأولى التي تضع علمها على كوكب المريخ. وتطرق ترامب إلى القوة العسكرية الأمريكية وقال إن “جيشنا أعيد بناؤه كلية وقوته لا تضاهيها أي قوة في العالم. أقول لشعب بلادنا العظيم ولأعضاء الكونجرس حالة اتحادنا أقوى من أي وقت مضى”.

3- الرعاية الصحية.

وفيما يخص الرعاية الصحية قال ترامب: “هناك من يريد التخلص من رعايتك الصحية، ويسلب طبيبك، وإلغاء التأمين الخاص بالكامل، ولقد صادق 130 نائباً في هذه الغرفة على تشريع لفرض سيطرة اشتراكية على نظام الرعاية الصحية لدينا، مما أدى إلى محو خطط التأمين الصحي الخاصة البالغة 180 مليون أمريكي”. وبخصوص المهاجرين أكد أن إدارته تسعى لتعديل القانون ليكون السماح بدخول المهاجر مشروطا بكفاءته، وينبغي عدم تمكين المهاجرين من الرعاية الصحية المجانية. وانتقد نظام الرعاية الصحية الذي أقرته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بقوله إنه لن يسمح للاشتراكية بتدميره. كما تحدث عن مقاومة إدارته للأمراض بقوله إنها تعمل على اجتثاث مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) في الولايات المتحدة بنهاية العقد الحالي. ولم يغب فيروس كورونا الذي تتزايد المخاوف العالمية بشأنه عن خطاب الرئيس الأمريكي، حيث يقوم بالتنسيق مع الحكومة الصينية لمواجهة الفيروس.

4- قضايا خارجية.

تطرق ترامب في خطابه إلى نجاح إدارته في القضاء على تنظيم داعش وقتل زعيمه “أبو بكر البغدادي ووصف الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، بأنه كان “جزار النظام الإيراني” ومسئول عن قتل آلاف العسكريين الأمريكيين في العراق، وأن قتلته جاء بناء على أوامر منه. وعلى النظام الإيراني أن يتخلى عن سعيه لحيازة السلاح النووي. وعن فنزويلا، وصف ترامب رئيسها نيكولاس مادورو بالديكتاتور وتوعد بتدميره، وبأن يكون خصمه اللدود خوان جوايدو الرئيس القادم. وفي أفغانستان هناك محادثات سلام جارية لإنهاء أطول حرب أمريكية وإعادة القوات الأمريكية للوطن. وتحقيقاً لمبدأ “أمريكا أولاً” ليس من مهمتنا أن نخدم الدول الأخرى كوكالة لإنفاذ القانون.

المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية

أظهر استطلاع للرأي أعده معهد جالوب ونشر قبل خطاب حالة الاتحاد، أن ترامب حصل على 49% من تأييد الناخبين وهو أعلى مستوى يسجله منذ وصوله للسلطة في يناير 2017. وما يزيد من الظروف المواتية للرئيس، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي المنافس التي انطلقت في ولاية أيوا وتعثر الديمقراطيين في إعلان نتائج الانتخابات التي تأخرت لظروف تقنية.

وكان الحزب الديمقراطي عاجزًا، عن نشر أي نتائج، في إخفاق للتنظيم وكارثة سياسية سارع الرئيس دونالد ترامب إلى استغلالها. معلقاً في تغريدة له “لا شيء يعمل، تماما كما أداروا البلاد، الشخص الوحيد الذي يمكنه إعلان نصر كبير جدًا في أيوا الليلة الماضية هو ترامب”. واغتنم أنصار الرئيس الوضع ليلمحوا إلى أن التأخير يخفي عملية تزوير انتخابي. وأبدى العديد من المسؤولين والخبراء المتخصصين في الانتخابات والأمن المعلوماتي عن قلقهم من احتمال التشكيك مرة جديدة في موثوقية العملية الانتخابية الأمريكية نتيجة مزيج من الثغرات وقلة الاحتراف.

ويتم اختيار المرشحين من خلال سلسلة من الانتخابات التمهيدية والمؤتمرات الحزبية في كل ولاية تابعة للولايات المتحدة، بدأت في 3 فبراير بولاية أيوا وستنتهي في بورتوريكو في الأول من يونيو المقبل. وانطلق السباق إلى البيت الأبيض داخل الحزب الديمقراطي بمشاركة أكثر من 24 مرشحاً لمنافسة المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

بوتدجدج مثلي الجنس يتصدر نتائج أول انتخابات للديمقراطيين بولاية أيوا وساندرز ثانيا وصفعة لبايدن

وأظهرت النتائج التي أعلنت بعد ما يقرب من 21 ساعة من بدء توافد سكان الولاية على أكثر من 1600 موقع عام إلى حصول بيت بوتيدجيدج، رئيس بلدية ساوث بند السابق في إنديانا، على 26.9% من الأصوات يليه السيناتور بيرني ساندرز الذي حصل على 25.1% ثم السيناتورة التقدمية إليزابيث وارن التي حصدت 18.3% من الأصوات بينما نال جو بايدن 15.6% ، وجاءت السيناتور إيمي كلوبوشار في المركز الخامس بحصولها على 12.6%.   

وشكل تصدر المرشح المعتدل بيت بوتيدجيدج لنتائج الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، مفاجأة كبرى بعد تقدمه بفارق ضئيل على بيرني ساندرز. وبالتالي فإن فرص بوتيدجيدج كمرشح لا يمكن تجاهله في السباق نحو البيت الأبيض. وشكل الأداء السيء لنائب الرئيس السابق جو بايدن مفاجأة كبرى ثانية خلال هذه الانتخابات، بعد أن حل في المرتبة الرابعة، بعدما كان يهيمن منذ أشهر على استطلاعات الرأي على المستوى الوطني.

ما أهمية أيوا؟

“أيوا” ولاية ريفية وليست حضرية، يبلغ سكانها حوالى ثلاثة ملايين نسمة. نسبة السكان البيض فيها أكثر من 90%، في حين أن النسبة لا تتجاوز 71% في بقية الولايات المتحدة. ويشكل كبار السن نسبة كبيرة منهم. ولولاية أيوا 41 مندوبا من أصل 3979، ويتطلب الفوز بترشيح الحزب الفوز بـ 1991 مندوبا. وفوز المرشحين لانتخابات الرئاسة في أيوا يعني للفائز أهمية كبرى تتمثل في:

  1. الولاية الأولى التي تُظهر دعمها لمرشح ما، فهي الاختبار الأول من قبل ناخبين حقيقيين، ومستوى التأييد الذي يحظى به المرشح الرئاسي فيها مؤشراً مهماً إلى كيفية أدائه وقبول الناخبين له.
  2. النتائج التي تخرج عن أيوا، تقدم دليلاً على طبيعة أداء الحملة الانتخابية للمرشحين، ما يجعلهم يسارعون إلى علاج مواطن الخلل.
  3. تدفع النتائج الضعيفة إلى خروج المرشح وانسحابه من السباق، في حين تُقدم النتائج القوية رسالة إلى قادة الحزب الديمقراطي الراغبين في فوز مرشح قوي ضد ترامب، ما يعزز فرص المرشح للفوز بترشيح الحزب على مستوى الولايات المتحدة في نهاية السباق.
+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى