
التموضع الجديد .. السعودية تستقبل رئيس الوزراء اليوناني وشرق المتوسط في الواجهة
في زيارة استغرقت يومين، التقي رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، أمس، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، في الرياض. وعقد الملك جلسة مباحثات رسمية تناولت استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها ودعمها في مختلف المجالات، إضافة إلي بحث تطورات الأحداث في المنطقة.
حضر جلسة المباحثات جوقة من المسؤولين رفيعي المستوي من الجانبين، بينهم الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض، والأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية، وعادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية عضو مجلس الوزراء، ومحمد الجدعان وزير المالية، وعصام بيت المال، سفير السعودية لدى اليونان.
حضر من الجانب اليوناني، وزير التنمية والاستثمار، ونائب وزير الخارجية، والسفير لدى السعودية أيوانيس تاغيس، ومستشار الأمن القومي الفريق ألكساندروس دياكوبولوس.
تلي جلسة المباحثات التي ترأسها الملك سلمان، اجتماعاً آخراً عقده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مع رئيس الوزراء اليوناني، وكان من أبرز حضور الاجتماع ، وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ورئيس الاستخبارات العامة، خالد الحميدان.
مؤشرات ودلائل النشاط في دوائر شرق أوروبا وشرق المتوسط
أولاً: المؤشرات
“المؤشرات بدأت بوضوح منذ العام 2017، حين استقبل الملك سلمان الرئيس اليوناني، وتلي ذلك تحركات على مستوي وزارات الخارجية ورئاسة الوزراء”
- زيارات متبادلة مكثفة في دائرة شرق المتوسط:
اللافت في زيارة رئيس الوزراء اليوناني، أنها تأتِي ضمن سياقات سياسة إيجابية نشطة للسعودية في دوائر شرق أوروبا، ولاسيما في أرمينيا وبلغاريا، وشرق المتوسط، وخاصة في جمهورية قبرص. حيث استقبل الملك سلمان في 19 من يناير الفائت، وزير خارجية قبرص.
وذلك بعد أربعة أشهر من تعزيز السعودية لعلاقاتها مع قبرص وإرسالها أول سفير مقيم في نيقوسيا، وتلي تعيين السفير السعودي، زيارة قام بها وزير الخارجية الأسبق، إبراهيم العساف، التقي خلالها رئيس قبرص ووزير خارجيتها.
كما تأتي زيارة رئيس الوزراء اليوناني، بعد حوالي أسبوع من زيارة وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان للعاصمة اليونانية أثينا.
فضلاً عن زيارات سابقة لوزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، لأثينا في نوفمبر من العام الماضي.
تلاها في ديسمبر من ذات العام، زيارة لوزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس للمملكة.
- التنسيق الدفاعي
مهدت الزيارات السالف ذكرها وتسلسلها الزمني المتقارب، الطريق أمام تعزيز العلاقات التجارية، ودفق الاستثمارات السعودية في أسواق جديدة، بديلة عن تركيا؛ وكذا التنسيق الدفاعي والأمني.
إذ أعلن المتحدث باسم الحكومة اليونانية “ستيليوس بيتساس” اليوم، الثلاثاء، عن أن بلاده سترسل منظومة الدفاع الصاروخي “باتريوت” إلى السعودية، في إطار برنامج يضم الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا.
وحسب “بيتساس”، فإن اليونان ستنشر “الباتريوت” لحماية منشآت بني تحتية علي صلة بقطاع الطاقة تعد غاية في الأهمية.
وتابع: ”نشر هذه الصواريخ يساهم في حماية أمن مصادر الطاقة، ويعزز صورة بلدنا كعامل مساعد على الاستقرار الإقليمي ويوطد علاقتنا مع السعودية“، مضيفا أن ”المحادثات بشأن هذه الخطوة بدأت في أكتوبر”.
ثانياً: الدلالات
دخلت التوترات في منطقة شرق المتوسط، مرحلة جديدة من التصعيد علي إثر إبرام الحكومة التركية ورئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج؛ مذكرتي تفاهم، تم بمقتضاهما رفع مستويات التنسيق والدعم العسكري بينهما وكذلك ترسيم الحدود البحرية علي نحو مثير للجدل، وبالمخالفة للقانون الدولي المنظم لعمليات الترسيم.
تزامن ذلك مع اتساع رقعة السياسة الهجومية النشطة لتركيا في الإقليم ولاسيما في شمالي سوريا، والميدان الليبي. وعلي وقع هذه التحركات ارتبطت عضوياً ديناميكيات الصراع، ومسارات التسوية في كل من إدلب ومصراتة وطرابلس، وكذلك شرق المتوسط؛ بشكل هدد مصالح دول الحوض وخاصة قبرص واليونان.
بيد أن الاتفاقية البحرية الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق أضرت بصورة مباشرة باليونان، حيث تجاهلت تماماً جزيرة كريت، التي تُعد عقدة الغاز المتدفق من دول الحوض لأوروبا، وبدا واضحاً أن تركيا تتبني استراتيجية عدوانية تسعي من خلالها لفرض وقائع مادية وقانونية تفتح لها الباب أمام مساومات عدة أبرزها:
- خفض احتمالات التصعيد والمواجهة العسكرية مع كل من قبرص واليونان، مقابل احباط مشاريع الربط الطاقوي مع مصر. ولكن لا يُرجح أن تقبل اليونان بمثل هذه الطروحات التي ستمثل خضوعا لمنطق “البلطجة” التركي وتبقي اليونان رهنا لعمليات ابتزاز تركية لاحقة، ستتطلب نهجاً يونانياً مغايراً لمعالجته سنوضحه لاحقاً.
- محاولة إجبار قبرص علي الإقرار بعمليات التنقيب التركية الغير مشروعة قبالة سواحلها.
الجدير بالذكر أن عمليات التنقيب التركية الغير مشروعة وصلت حتي الآن لتشمل خمس مناطق
هذا فضلاً عن تنفيذ عشرات الخروقات الدورية للمجال الجوي والبحري لكل من قبرص واليونان. أفضت السياسات التركية خلال العقد الماضي لتحولاً منافياً لما تم إقراره في استراتيجية العدالة والتنمية، من جعل منطقة البلقان والاتحاد الأوروبي هدفا لسهم قوس تمددها، لكن يبدوا أن من يمسك بالقوس التفت ناحية الشرق والجنوب، محدثاً برشقات سهامه وسياساته الحادة المنبثقة من مشروعه التوسعي الأممي، هزاً عنيفاً لأركان وثوابت الأمن القومي العربي وأيضاٌ الأمن القومي لجيرانه، حيث وفر ظرفاً استراتيجياً لتحالف وشراكات ذات مناعة عالية للتمدد التركي قوامها (مصر – اليونان – قبرص – فرنسا – إيطاليا – السعودية – الإمارات)، فيما تبقي إسرائيل لتحتفظ بمستويات مستقرة نسبياً من التنسيق مع تركيا لا تضر بالمصالح الأمريكية بالمنطقة التي توافقت ضمنياً مع مصالح جيران تركيا فيما يختص بالأمن الطاقوي وتوفير مورد بديل للطاقة لأوروبا بعيداً عن المصدر الروسي. ليفضي الظرف الاستراتيجي وديناميات التصعيد التركي بشرق المتوسط ومناطق الصراع في الشرق الأوسط لبزوغ سياقات العداء والتنافس علي النحو التالي:
- صراع سعودي – تركي علي زعامة العالم الإسلامي السُني، يلقي بظلاله علي شرق المتوسط.
- صراع تاريخي (يوناني – تركي) وصل بأثينا للرياض وأبوظبي المناوئتين للمشروع التركي الأممي.
- صراع (مصري – تركي) يأتي ضمن سياق مواجهة نموذج الدولة الوطنية القومية للمشاريع التوسعية العقائدية؛ بلور تحالف استراتيجي مع (قبرص – اليونان).
- صراع (إماراتي – تركي) بنفس سياق النقطة السابقة.
- تموضع (إيطالي – فرنسي) ضد الطموحات التركية بشرق المتوسط، وايضاً في شمال إفريقيا ودول الساحل والصحراء.
وبشكل عام يمكن القول بأن الرباعي العربي بات يتبني تعميق وتدعيم العلاقات والمصالح والشراكات الاستراتيجية مع خصوم الدولة التركية ولاسيما في منطقة شرق المتوسط، علي نحو أظهر تنسيقاً مكملاً للأدوار. ما يضع المكتسبات التركية في الميدان السوري والليبي في موضع اختبار حقيقي ولاسيما بعد التقدمات الميدانية الأخيرة للجيش السوري في إدلب رغم التوافقات الضمنية الروسية – التركية.



