الصحافة الدولية

المعادلة الصعبة.. “اتفاقية أوسلو” بين فرص الإبقاء وتحديات الإلغاء

على نهج “هذه بضاعتكم ردت إليكم”، اختار الرئيس الفلسطيني “محمود عباس أبومازن” أن يسير، فخلال ترؤسه لاجتماع “نادر” للحكومة الفلسطينية في رام الله كشف بعض الأوراق وذلك حسبما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية الثلاثاء،  فبجانب تلويحه بأنه سيوقف “التنسيق الأمني مع إسرائيل” إذا استمرت في تطبيق خطة السلام الأمريكية، فقد صرح بأنه مستعد للوصول  إلى مرحلة يسلم فيها السلطة للإسرائيليين كقوة احتلال، في انقلاب على كل مكتسبات “أوسلو” ذلك المشروع الذي بدأ بمحادثات سرية وتوج باتفاقية معلنه في سبتمبر 1993. 

وأضاف عباس خلال الحكومي: “سنقول لهم تفضلوا لتسلم الهدية التي أعطيتمونا إياها في أوسلو، لأننا نتحمل كل المسؤولية وهم لا يتحملون شيئاً، نفضوا عبء الفلسطينيين ومشاكلهم عن ظهرهم. لا، تعالوا تحملوا مسؤوليتكم، أو نأخذ حقوقنا كاملة حسب الشرعية الدولية”. من هنا، تم طرح عدة أسئلة عن هذه الاتفاقية، عن المكتسبات التي حصل عليها الفلسطينيين من خلالها، وعن تحديات إلغائها؟

لماذا أوسلو؟

 كان عام 1979، عندما طلب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في وقتها  ياسر عرفات من النرويج أن تتوسط لتوفير قناة اتصال سرية مع الإسرائيليين راغبًا في استغلال طبيعة العلاقات بين النرويج وتل أبيب، إلا أن إسرائيل لم تبدِ في ذلك الوقت اهتماماً للتواصل المباشر مع عرفات أو مع منظمة التحرير الفلسطينية.ولم يمر عقد قبل أن تندلع الانتفاضة الفلسطينية التي فاقت في حجم تظاهراتها التوقعات الإسرائيلية والفلسطينية معًا،. وفي العام الثاني للانتفاضة، تحديداً 1988، أعلن ياسر عرفات قبوله بقراري الأمم المتحدة 242 و338 اللذين منحا إسرائيل الحق بالعيش في “حدود آمنة ومعترف بها”، ما سمح لها بالاستمرار باحتلال مناطق استراتيجية مهمة في الضفة الغربية. أي أن الاعتراف بإسرائيل ككيان موجود ويحق له العيش بسلام سبق محادثات أوسلو بأعوام.

في نفس التوقيت واجهت إسرائيل إدانة دولية بسبب الوسائل التي قمعت بها  المتظاهرين الفلسطينيين، وتعرضت لضغوطات خارجية من المجتمع الدولي للبدء بمحادثات سلام مع الفلسطينيين.واتخذت تل أبيب القرار بالبدء بمفاوضات مباشرة سرية مع منظمة التحرير الفلسطينية في النرويج.  

كانت منظمة التحرير الفلسطينية تعاني مكانة متراجعة عقب غزو العراق الكويت، حيث اختارت أن تسانده علانية، وقد انتهزت إسرائيل الفرصة للبدء في المفاوضات، حيث فقدت القضية الفلسطينية شيئًا من زخمها في ذلك الوقت.

وقد تم توقيع الاتفاقية في الولايات المتحدة الأمريكية بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ومثل الطرف الإسرائيلي وزير الخارجية، في حينها، شيمون بيريز. وعن الجانب الفلسطيني كان الرئيس ياسر عرفات. ويعتبر اتفاق أوسلو  حتى اليوم منعطفا مهما في مسار القضية الفلسطينية، فقد أنهى النزاع المسلح بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ورتب لإقامة سلطة وطنية فلسطينية في الضفة الغربية وغزة. وقد نص على:

  • إجراء مفاوضات للانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية وغزة على مرحلتين .
  • الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا.
  • الأمن الداخلي  من مهام قوة شرطة فلسطينية يتم تشكيلها من فلسطينيي الداخل والخارج مع وجود لجنة للتعاون الأمني المشترك.
  • تنص الوثيقة على تشكيل سلطة حكم فلسطيني انتقالي تتمثل في مجلس فلسطيني منتخب يمارس سلطات وصلاحيات في مجالات محددة ومتفق عليها لمدة خمس سنوات انتقالية.
  • تنص الوثيقة كذلك على أن لهذا المجلس حق الولاية على كل الضفة وغزة في مجالات الصحة والتربية والثقافة والشؤون الاجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة إضافة إلى الإشراف على القوة الفلسطينية الجديدة، ما عدا القضايا المتروكة لمفاوضات الحل النهائي مثل: القدس، والمستوطنات، والمواقع العسكريةوالإسرائيليين المتواجدين في الأرض المحتلة.
  • بالنسبة لانتخابات المجلس التشريعي فتدعو وثيقة إعلان المبادئ إلى أن تتم تلك الانتخابات تحت إشراف دولي يتفق الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي عليه، وتتم هذه العملية في موعد أقصاه تسعة أشهر
  • وبالنسبة لمفاوضات الوضع النهائي فقد نصت الوثيقة على البدء في تلك المرحلة بعد انقضاء ما لا يزيد عن ثلاث سنوات والتي تهدف بحث القضايا العالقة مثل: القدس، والمستوطنات، واللاجئين، والترتيبات الأمنية، والحدود، إضافة إلى التعاون مع الجيران وما يجده الطرفان من قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك، كل ذلك سيتم بحثه استناداً إلى قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.

و قد رفضت فصائل فلسطينية اتفاقية أوسلو وعلى رأسها حركة “حماس”، بالإضافة إلى منظمات أخرى مثل “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” و”الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” و”جبهة التحرير الفلسطينية”،  وبعد عام من التوقيع على اتفاقية” أوسلو” حصل كل من اسحاق رابين وشيمون بيريز وياسر عرفات على جائزة نوبل للسلام لسنة 1994، وذلك تقديرا لجهودهم في التوصل إلى حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

بماذا يتميز اتفاق أوسلو؟


يتميز بأنه اتفاق تسوية سلمية مؤقتة لتمهيد الظروف وتهدئة وتهيئة الاجواء من أجل التفاوض حول قضايا الصراع الرئيسية بهدف التوصل إلى حل للصراع يؤدي لمعاهدة سلام دائمة. وهو ما لم يعد مطروحًا في خطة السلام الأمريكية التي حسمت على أقل تقدير مسألة القدس ومسألة عودة اللاجئين في البنود التي طرحت بالفعل في البيت الأبيض بوجود الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي وغياب الفلسطينيين.

أول اعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية

 إن الاعتراف بإسرائيل ضمن محادثات أوسلو كان بالأساس مستمدًا من قرار  مجلس الأمن رقم 242، وما ورد فيه من كلمات في نفس الشأن، بينما الاعتراف الإسرائيلي بمنظمة التحرير كان المستجد بالموضوع، حيث ان القرار 242 يتحدث عن دول ليس من بينها فلسطين، لذلك ممكن اعتبار اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني يمثل اعتراف صريح ومباشر بالشعب الفلسطيني و”بحقوقه المشروعة والسياسية”، ويمثل ذلك تحول سياسي جديد حيث أن إسرائيل أقيمت على فكرة تيودور هيرتزل المتمثلة بمقولته “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، فكانت هذه المقولة قاعدة لكل موقف إسرائيلي فيما بعد، ولمواقف دولية أيضاً، والذي تمثل في صدور وعد بلفور الذي أطلقته بريطانيا 1917، وصك الانتداب الذي صدر عن عصبة الأمم، واللذان  لم يتطرقا من قريب أو بعيد الى وجود الشعب الفلسطيني بل أشار اليه على إنه “الطوائف الأخرى التي تعيش على أرض فلسطين”.

ورقة فلسطين الرابحة

 خلال اتفاق أوسلو، لم يقدم الجانب الفلسطيني أي تنازل عن أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة بالقانون الدولي، فحتى إعترافه بإسرائيل هو تنازل معنوي طالما تمسك بحق العودة الى الأرض، بينما قدمت اسرائيل تنازلات عن مكتسبات غير مشروعة كثيرة حصلت عليها بالحرب والاحتلال فقد وافقت على الافراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين على مراحل، ووافقت على التنازل عن اراضي اكتسبتها بالحرب والاحتلال.

C:\Users\owner\Desktop\9 يناير\700x414.jpg

كما وافقت على وضع القدس كقضية من قضايا مفاوضات الحل النهائي ومنح منظمة التحرير ولاية سياسية على سكان القدس الفلسطينيين مع بعض الصلاحيات في شؤون الصحة والتعليم وابقاء مؤسسات للمنظمة تعمل في القدس كبيت الشرق، وبالرغم من أنها كانت قد أعلنت ضم القدس لإسرائيل وأن القدس موحدة عاصمة اسرائيل، فوضع العاصمة على طاولة المفاوضات يعد تراجع وتنازل عن موقف سابق.كما أن ذكر قضية اللاجئين  ضمن قضايا مفاوضات الحل النهائي، ووجوب حل قضية اللاجئين من أجل حل الصراع،كان نقطة قوة تفاوضية للطرف الفلسطيني.

ماذا لو لم تجرى محادثات أوسلو؟

 لم تكن إسرائيل لتتوانى عن فكرة ضم الأراضي الفلسطينية بطرق غير مشروعة، وربما هي الحيلة التي تلجأ إليها إسرائيل الآن والتي أشارت إليها صحيفة هآرتس الإسرائيلية حينما لفتت النظر إلى أن الطريقة التي صيغت بها بنود خطة السلام الأمريكية تشبه وثيقة الاستسلام وأن حتى الاستسلام ينبغي أن يصاغ بطريقة تحفظ على المستسلم بعض من ماء وجهه، ولذلك فإن البعض يشكك في أن الوثيقة كتبت لترفض، وهو ما يعطي إسرائيل حرية الحركة.

C:\Users\owner\Desktop\9 يناير\29138-فلسطينيون-يحشدون-لمسيرة-حق-العودة.jpg

وبالعودة إلى أوسلو فإن انفصال غزة بشكل أحادي مثلا كان وارد دائما في ذهن الإسرائيليين، وإسرائيل منذ أن دعمت ظهور حركة حماس كحركة منافسة لمنظمة التحرير وهي تراهن على قيادة بديلة للشعب الفلسطيني أو لجزء منه، ولذلك فإن عدم عقد اتفاق أوسلو وتأسيس الكيان الفلسطيني الرسمي على الأرض الفلسطينية ما كان ليؤدي الا لكيان أو كيانات فلسطينية غير رسمية بدون أي حقوق سياسية كما هو نموذج غزة اليوم في ظل انقلاب وسيطرة حماس على الحكم الذاتي لغزة بدون أي حقوق سياسية او علاقات دولية رسمية وفعالة.

لماذا فشل استكمال الاتفاق؟

 افتقر اتفاق أوسلو للنص على  آلية فعالة لعملية تنظيم تسوية المنازعات  و التي تمثلت في المادة 26 بعنوان “لجنة الارتباط الإسرائيلية – الفلسطينية المشتركة”، عمل لجان تسوية المنازعات، حيث تم الاتفاق على أن يكون التوصل إلى القرارات بالاتفاق. يتضح هنا أن فض المنازعات سيكون خاضع لتوافق الطرفين فقط، دون إمكانية وجود طرف تحكيم إو طرف إلزام ثالث، إلا بموافقة الطرفين، مما يشير ذلك إلى ضعف في إجراء هام ومفصلي من إجراءات تسوية المنازعات، ففي حال وقوع خلاف سيتيح ذلك الفرصة لتمترس كل طرف خلف رؤيته في تفسير نقطة الخلاف، وفي النهاية سيفرض الطرف الأقوى إرادته وهو الطرف الإسرائيلي في طبيعة الحال.
لذلك كان لابد من الاتفاق على طريقة لحل المنازعات من خلال التحكيم الدولي، أو الاحتكام لطرف ثالث متفق على اللجوء إليه بشكل اجباري. 

ماذا لو ألغي الاتفاق

عدم توفر البديل لاتفاق أوسلو لا يتيح تنظيم الحد الأدنى المتبقي من العلاقة بين منظمة التحرير واسرائيل، تلك العلاقة التي من الصعب قطعها طالما هناك سلطة فلسطينية بمؤسساتها موجودة على الأرض الفلسطينية في ظل وجود الاحتلال.

  ويفتح الباب للانتقال إلى مرحلة مجهولة المعالم وهي السمة الرئيسية لما بعد اتفاق أوسلو، لأن ما سيترتب على ذلك هو حل السلطة فعليا،  وبالتالي غياب الضامن لشكل العلاقة مع الاحتلال، وهذا خيار ترفضه أوروبا وأميركا وإسرائيل أيضا.

كما أن حل السلطة يعني فورا انتقال التبعية الإدارية للفلسطينيين إلى الاحتلال في كل مناحي الحياة وبكامل التكاليف، بعد نحو ربع قرن من عدم المسؤولية المدنية علاوة على أن  إنهاء اتفاق أوسلو يعني خسارة سنوات من التمهيد والتهيئة للتوصل لحل نهائي للقضية الفلسطينية.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى