الصحافة الدولية

تحولات القوة العسكرية … قراءة في تصنيف ” Global Fire Power ” للعام 2020

أصدر موقع “Global Fire Power”، المتخصص في قياس القدرات العسكرية عالميًا، تصنيفه السنوي للجيوش الوطنية على مستوى العالم للعام 2020، والذي يضم 138 دولة، ووفقًا للتصنيف الحالي تصدر الجيش المصري القائمة تأكيد لكونه الأقوى عربيًا وإفريقيًا وشرق أوسطيًا، حيث جاءت بالمركز الـ (9) على مستوى العالم، والأول بمنطقة الشرق الأوسط وعربيًا وأفريقيًا. وبهذا تكون مصر قد تقدمت عدة مراتب في هذا التصنيف حيث كانت مصنفة بالمركز الـ (12) عالميًا، والثاني بالشرق الأوسط خلال نسخة العام 2019. وتدلل تلك التقارير على أن المشروعات القومية التي تخوضها الدولة المصرية هي فعليًا ذات مردود أمني استراتيجي يضاف الى محصلة القوة الشاملة للدولة، ويثبت أن البُعد التسليحي والتحديثي للقوات المسلحة قد انعكس بشكل إيجابي وفعال على معادلة القوة بالمحيط الإقليمي والدولي لصالح الجيش المصري. ويتناول هذا التقرير منهجية التصنيف الخاص بـ “Global Fire Power”، والتحولات الجارية على صعيد القوى العسكرية بدوائر الاهتمام المصرية المختلفة.

منهجية التصنيف

يعتمد تصنيف “Global Fire Power” على العديد من العوامل لبناء “مؤشرات القوة” للجيوش الوطنية. ولا يقتصر التصنيف على إجمالي عدد الأسلحة لدى الدولة، بل يقوم على تحليل حالة تنوع السلاح، وتطور التكنولوجيا العسكرية المفعلة بالخدمة. وتنقسم قياس مؤشرات القوة الى عدة أقسام رئيسية هي القوة العاملة، والقوة الجوية، والقوة البحرية، والقوة البرية، والقدرات المالية، والموارد الطبيعية، والقدرات اللوجستية، كذلك الحالة الجغرافية. ويضم كل مؤشر من المؤشرات السابقة عددًا متنوعًا من عوامل القياس والتصنيف.

وتسمح عوامل التحليل والقياس برسم الخطوط الثابتة لمقارنة وضع كل دولة بالدول الأخرى؛ للوصول الى إطار عام لقياس القدرات الشاملة للدولة، فيضم مؤشر القوة العاملة إجمالي تعداد السكان والقوى العاملة للدولة، كذلك من هم لائقين للخدمة، وعدد العاملين بالقوات المسلحة من ضباط ومدنيين، بالإضافة الى من يبلغون سن التجنيد سنويًا. وعلى صعيد القوة الجوية فيضم هذا المؤشر إجمالي الطائرات المقاتلة والطائرات الهجومية الحديثة، كذلك المروحيات النمطية والهجومية، الى جانب طائرات الشحن العسكري والمدربين وطائرات المهام الخاصة. أما مؤشر القوة البحرية فيشمل إجمالي القطع البحرية بين حاملات الطائرات والمروحيات، والطرادات والفرقاطات والمدمرات، كذلك الغواصات وكاسحات الألغام البحرية، الى جانب وحدات الدوريات والتأمين.

ويضم مؤشر القوة البرية الدبابات والعربات المدرعة، كذلك المدفعية بأنواعها، والمنظومات الدفاعية والصاروخية. ويرتبط مؤشر القدرات المالية بموازنة القوات المسلحة، والدين الخارجي، واحتياطي النقد الأجنبي والذهب، كذلك إجمالي القوة الشرائية لديها. فيما يركز مؤشر الموارد الطبيعية على قطاع النفط كالاحتياطي المثبت لدى الدولة، وكمية الإنتاج والاستهلاك النفطي بها. أما مؤشر القدرات اللوجستية، فيهتم بإجمالي القوة العاملة والمرافئ القابلة للاستخدام كالمطارات والموانئ ومحطات التبادل، والسكك الحديدية وشبكات الطرق والنقل، كذلك قوة قطاع النقل البحري والنهري التجاري. أما مؤشر الحالة الجغرافية فيتضمن مساحة إقليم الدولة، وحدودها البرية والبحرية، فضلاً عن الممرات المائية الصالحة للاستخدام.

العملاق الناهض في صدارة الإقليم ودوائر الاهتمام

يعزز التصنيف الصادر حديثًا أن استراتيجية التطوير الشاملة التي تبنتها الدولة المصرية لأفرع القوات المسلحة تؤتي ثمارها بشكل سريع؛ إذ لم تستطع أغلب القوى الإقليمية أن تواكب نمط التحديث بالجيش المصري وإدخال منظومات حديثة للقتال والتدريب، فقد قامت مصر  بشراء حاملات المروحيات -الميسترال- والفرقاطات ولنشات الصواريخ وإدخالها للخدمة بالقوات البحرية، واستلام دفعات من الغواصات الألمانية “تايب 209″، وكذلك أسراب من المقاتلات والمروحيات المقاتلة والهجومية الروسية والفرنسية كالرفال و “كا52” للخدمة بالقوات الجوية، ودعم منظومة الدفاع الجوي بمنظومة s300. كما اتجهت الدولة المصرية الى توطين العديد من الصناعات الدفاعية والشروع في انتاج عربات مدرعة وقطع بحرية تتناسب وخبرات الجيش المصري وتاريخه، وافتتحت مصر عدة قواعد بحرية وجوية اتاحت لها الفرصة لتفرض سيطرتها على مسارح العمليات العسكرية على كافة الاتجاهات الاستراتيجية.

وتضمن استراتيجية عمل الدولة المصرية تطوير وتدعيم عناصر القوة الشاملة للدولة، وقد عززت مشروعات الطرق والسكك الحديدية وافتتاح العديد من مشروعات تطوير المرافئ البحرية والجوية والبرية من قدرة القوات المسلحة على الانتشار والسيطرة وهو ما مكنه من التقدم في التصنيف. بل واسهمت السياسات الاقتصادية والإدارة الإيجابية للموارد الطبيعية والاقتصادية واكتشافات الغاز وغيرها من الإصلاحات بقطاعات المال والاعمال من رفع كفاءة الاقتصاد المصري وتعزيز عناصر القوى الشاملة لمصر، في ظل التحديات التي اعاقت تطوير تلك القوى الشاملة خلال الفترات السابقة.

ووفقًا للتقرير، فإن مصر تحتل المرتبة الـ (7) من حيث القوة البحرية بعدد (316) قطعة بحرية، والمركز الـ (2) عالميًا بامتلاكها (31) كاسحة الغام بحرية، كذلك المركز الـ (3) من حيث امتلاكها لحاملات المروحيات بعد شراءها حاملتي المروحيات ميسترال (عبد الناصر والسادات). وتتصدر أوائل الدولة المالكة للدبابات حيث تأتي بالمركز الـ (4) بعدد (4295) دبابة، كذلك بالمرتبة الـ (6) من حيث المركبات المدرعة والمدفعية، وفي المركز الـ (7) عالميًا من حيث المنظومات الصاروخية. وتأتي مصر بالمرتبة الـ (10) على مستوى القوات الجوية بـ (1054) طائرة عسكرية، كذلك هي الـ (5) من حيث طائرات التدريب، وبالمركز الـ (14) عالميًا من حيث عدد السكان بإجمالي (99413317) نسمة.

القوى الدولية بين الهيمنة والتراجع

أوضح التقرير عند ثبات معادلة القوة بالنسبة للدول الكبرى، حيث استمرت الدول الأربعة الأولى بذات الترتيب وهي الولايات المتحدة ثم روسيا ثم الصين ثم الهند، ولكن تراجعت فرنسا الى المركز الـ (7) بعد أن حافظت خلال الأعوام الأربعة الأخيرة على المركز الـ (5)، فيما تقدمت اليابان مركزًا واحدًا عن العام الماضي لتصبح بالمرتبة الـ (5)، كما تقدمت كوريا الجنوبية مركزًا واحدًا عن العام 2019 لتصبح بالمرتبة الـ (6)، فيما حافظت المملكة المتحدة على المركز (8) للعام الثاني على التوالي. وأصبحت مصر تحتل المركز الـ (9) عالميًا متقدمةً ثلاث مراكز دفعةً واحدةً بعد أن كانت بالمركز الـ (12)، وتلتها البرازيل فإيطاليا ثم المانيا. والشكل التالي يوضح تغير موازين قوة الدول المتصدرة للترتيب من المركز الخامس الى العاشر خلال الأعوام السابقة.

تحولات القوة العسكرية إقليميًا

كشف التصنيف عن تراجع تصنيف عدد من الدول الإقليمية مثل تركيا التي تراجعت من المركز الـ (9) عام 2019 الى المركز الـ (13) بالعام الجاري، وإسرائيل التي أصبحت في المركز الـ (18) بعد أن شغلت المركز الـ (16) العام الماضي، أما إيران فقد أبقت على مركزها الـ (14) والذي شغلته في 2019 أيضًا. وعربيًا، فقد تقدمت المملكة العربية السعودية للمركز الـ (17) بعد أن كانت العام الماضي بالمركز (25)، وكذلك تقدمت الامارات العربية المتحدة للمركز (46) بدلاً عن مركزها الـ (62) في 2019، وتقدمت سوريا مركزًا واحدًا لتصبح بالمرتبة الـ (49) عالميًا، فيما أحتفظ العراق بمركزه السابق الـ (53) للعام 2020 أيضًا، وتراجعت الجزائر لتصبح بالمركز الـ (28) بدلاً من الـ (27) بالعام الماضي.

ومجمل القول، فقد نجحت الدولة المصرية في تحقيق التحديث العسكري كميًا ونوعيًا، رغم التحديات الاقتصادية التي واجهتها خلال الفترات السابقة، وبذلك استعادت مكانتها التاريخية والميدانية وأصبحت القوات المسلحة المصرية، وفقًا للشهادات الدولية المتتابعة، أقوى الجيوش عالميًا والمتصدرة كأكبر قوة عسكرية بالشرق الأوسط والمنطقة العربية. ويظل التحدي الأكبر الحفاظ على تلك المكتسبات الى جانب تحقيق المزيد من الاستقرار والتنمية، في ظل ما يشهده الإقليم من اضطرابات ومناوشات.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى