كورونا

“كورونا” الأكثر انتشارا من “سارس” .. فهل يكون الأكثر تأثيرا اقتصاديًا؟

ضربة ثانية موجعة تلقتها الصين في أقل من عقدين، بانتشار فيروس كورونا والذي أصاب 17.238 شخص وأدى إلى وفاة 362 شخص بالصين بنسبة وفيات تقدر بـ 2.1%، حتى صباح اليوم، ولم تتوقف الإصابة عند حدود الصين بل أعلنت 26 دولة عن ظهور إصابات بين رعاياها تقدر بـ 242 شخص وحالة وفاة واحدة بالفلبين جميعهم على صلة وثيقة بالصين. وعلى الرغم من سرعة انتشار فيروس كورونا حيث تم تسجيل 2103 إصابة جديدة في مقاطعة هوبي خلال 24 ساعة فقط؛ إلا إنه يزال الأقل تأثيرًا من فيروس “سارس” والذي ضرب الصين في عام 2003، وأدى خلال 9 أشهر إلى إصابة حوالي 8150 شخص ووفاة 774 شخص بنسبة وفيات 9.5%.

فعلى الجانب الإنساني، يظل فيروس كورونا الأقل تأثيرًا من فيروس سارس، والذي استنزف ما يقرب 60-80 مليار دولار في 2003، وانخفاضًا بنسبة 25% في عائداتها من السياحة وخسرت 2.8 مليون وظيفة، لكن يبقى التساؤل حول هل ستظل نفس العلاقة بهذا الشكل على الجانب الاقتصادي أيضًا؟!

مقاطعات للأشباح … قطاعات تتهاوى

على الرغم من عدم مرور شهر، منذ بداية إعلان ظهور فيروس كورونا بمدينة ووهان الصينية، إلا أن الوباء القى بظلاله سريعًا على الاقتصاد الصيني، خاصة في ظل هشاشة الاقتصاد الصيني حيث سجل العام الماضي أضعف نمو منذ ثلاثة عقود بمواجهة ارتفاع قيمة الدين وتداعيات الحرب التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

اما عن حجم الأثر على الاقتصاد الصيني، فقد أشار بعض الخبراء الاقتصاديين إنه من المتوقع هبوط نمو الاقتصاد الصيني بنسبة نقطتين مئويتين خلال الربع الجاري من العام. وهو ما يعني خسائر بالنمو تصل قيمتها إلى 62 مليار دولار. وقد شهد السوق الصيني أزمة انتهاك للأسعار، بينما كانت الآراء الأكثر تشاؤمًا بتوقع انخفاض نمو الاقتصاد الصيني بحوالي 5%، وقد تم تسجيل 1413 قضية انتهاك للأسعار في ظل انتشار الوباء، وقد تم الدفع بـ 390 ألف موظف لمكافحة انتهاكات السوق، وإنفاذ القانون.

فعلى الصعيد الداخلي، تحولت مقاطعات إلى مدن للأشباح أو “الزومبي” على حد وصف عدة تقارير مصورة عن الأجواء الداخلية بمدن ينتشر فيها الوباء، فمدينة ووهان الصينية والتي يقطنها حوالي 11 مليون فرد، أصبحت خالية من المارة، فجميع المطاعم المحلية وحتى العالمية منها، والسنيمات، والمواصلات الداخلية أغلقت أبوابها لعدم وجود من يرتادها. فالمكان الوحيد الذي يرتاده المواطنون هو الأسواق التجارية، لشراء ما تبقى من سلع غذائية لسد احتياجاتهم اليومية. فيشير المشهد الداخلي إلى تهاوي قطاعات بعينها، على رأسها قطاع الخدمات والنقل الداخلي، والذي عانى من عزوف المواطنين عن ارتياد الأماكن العامة والمزدحمة، خشية الإصابة بالفيروس.

  • قطاع البورصة والمال:

ظهرت آثار الازمة سريعًا على مؤشرات سوق المال الصيني، فقد انخفض مؤشر شنغهاي المركب بأكثر من 8%، كما تراجع مؤشر بورصة شنتشن بنحو 9% مع عزل ثاني أكبر اقتصاد في العالم عن بقية الدول. وقد تسبب انتشار الفيروس، في انخفاض قيمة الأسهم الصينية بأكثر من 400 مليار دولار في أول جلسة تداول اليوم الاثنين منذ 23 يناير، بعد عطلة طويلة بمناسبة العام القمري الجديد. وذلك على الرغم من اعلان البنك المركزي الصيني رصد 174 مليار دولار لمساندة الاقتصاد الوطني.

  • قطاع السياحة:

ويعد قطاع السياحة من أكثر القطاعات المتأثرة بانتشار الفيروس، الخاسر الأكبر في تلك الأزمة بعد إغلاق عدة مطارات وتعطيل رحلات، خاصة في هذا التوقيت من العام، والذي يفترض أن يشهد أكبر نسبة رواج سياحي داخليًا وخارجيًا، فقد تم تعطيل رحلات أكثر من 35 مليون صيني لمختلف دول العالم، وذلك تزامنًا مع اجازات الاحتفالات الصينية بالسنة القمرية. وتعد مدينة ووهان، والتي تعد مركز مواصلات هام وحيوي بالصين، وغيرها عدة مدن اصبحت في حالة عزلة مع فرض قيود شديدة على السفر إليها، وتواجه الصين عزلة دولية متزايدة أيضا بسبب القيود المفروضة على الرحلات الجوية من وإلى البلاد في محاولة لاحتواء الفيروس.

  • القطاع التكنولوجي:

يُصنَع بالصين حوالي 70% من الهواتف الذكية التي تباع بالأسواق العالمية، وهي من الصناعات المهددة بانخفاض معدلاتها نتيجة لانتشار الفيروس، فقد توقع تقرير صادر عن معهد أبحاث السوق ” استراتيجى أنالتيكس ” أنه من المتوقع أن تنخفض الشحنات العالمية من الهواتف الذكية بنسبة 2% عما كان متوقعا هذا العام، والذي قد يرجع إلى تباطؤ الاقتصاد والتصنيع الصيني للهواتف الذكية، كذلك ضعف الانفاق الاستهلاكي خلال فترات الازمات.

 كما أبلغت شركة بايتيدانس الصينية، التي تمتلك موقع (تيك توك) للفيديو، وشركة (تينسينت) العملاقة للألعاب الإلكترونية، موظفيهما بالعمل من البيت.

  • القطاع الصناعي:

كثير من الشركات العالمية قررت إغلاق مصانعها بالصين، فيما منحت بعض الشركات إجازات طويلة الأمد للعاملين، كما تنصح الموظفين العائدين من المناطق المصابة بالفيروس بالبقاء بعيدا عن العمل. ومنها مجموعة المصارف السويسرية، يو بي إس، وشركة تطوير العقارات (كانتري غاردن)

  • القطاع الخدمي:

يعد القطاع الخدمي من أكثر القطاعات تأثرًا بانتشار الفيروس، فقد أغلب المحلات التجارية أبوابها امام الجمهور لتوقيتات محددة وبعضها لآجال غير معروفة، فقد أغلقت سلسلة مطاعم (هايديلاو) جميع فروعها حتى الجمعة. كما أمرت الحكومة في مدينة سوتشو الأنشطة التجارية بعدم فتح أبوابها حتى 8 فبراير على الأقل.

  • القطاع الرياضي:

أرجأ الاتحاد الصيني لكرة القدم المباريات المحلية في 2020 وتحيط الشكوك بمباريات في تصفيات مؤهلة للأولمبياد في أستراليا مع عزل فريق الصين لكرة القدم النسائية بفندق في برزبين.

حالات تأهب قصوى بين الدول لمحاصرة الفيروس صحيًا واقتصاديًا

لم يكن تأثير فيروس كورونا منحصر في مدينة ووهان أو حدود الصين حتى، فقد امتد الأثر على الجانبين الصحي بانتشار الوباء بين 26 دولة حتى الآن، كما امتد أثره على الجانب الاقتصادي للدول، فقد اتجهت مؤشرات الأسهم العالمية إلى التراجع خلال الأسابيع الأخيرة، مع انخفاض أسعار النفط والنحاس العالمية، والتي تشير إلى احتمالية انخفاض أسعار النفط بأكثر من 3 دولار، ومن المتوقع أن يتسبب فيروس “كورونا” الجديد في تراجع الطلب على النفط بنحو 280 ألف برميل يومياً.

فقد أكد المهندس أحمد الزيات، عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، أن التقديرات المبدئية لحجم الخسائر الاقتصادية جراء انتشار فيرس كورونا تخطت ٦٠ مليار دولار، وانعكس ذلك على مؤشرات أسواق المال العالمية، فقد انخفضت الأسهم في اليابان وأوروبا بأكثر من ٢٪ فانخفض مؤشر S&P 500 بنسبه ١.٥٪ في نيويورك وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي بـ٥٠٠ نقطة. كما شهد المؤشر ستوكس 600 الأوروبى انخفاض بـ 0.7 بالمئة، في 23 يناير، في أسوأ جلساته منذ بداية العام، إثر تخوف أوروبي من انتشار الفيروس.

وكما كانت الدول المجاورة للصين الأكثر تأهبًا لمجابهة الفيروس، كانت الأكثر تأثرًا ودفاعية في مواجهة الاثار الاقتصادية للفيروس، فقد أعلن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في اجتماع السبت الماضي، عن تأثر قطاع السياحة ببلاده والذي يمثل جزءا رئيسا من السياسة الاقتصادية لحكومة آبي، في وقت تشهد فيه اليابان قدوم أعداد كبيرة من السائحين الأجانب ولا سيما الصين، كذلك الجانب الصناعي، حيث تملك شركات يابانية كبيرة عدداً من المصانع في الصين. وبالفعل حدث هبوط بمؤشرات أسعار الأسهم في سوق نيكي.

وهو ما أكده وزير مالية كوريا الجنوبية هونج نام-كي، الثلاثاء الماضي، مع دراسة حالات مماثلة في الماضي وطرق معالجتها، فيما ترصد الحكومة بقيمة 8ر20 مليار وون (6ر17 مليون دولار) لتعزيز عمليات الحجر الصحي، وسوف تزيد المبلغ إذا لزم الأمر. خاصة بعد اكتشاف 4 حالات إصابة مؤكدة بكوريا الجنوبية.

أما في اندونيسيا، أعلنت المجموعة الإندونيسية، التي تملك أكبر أسطول جوي في جنوب شرق آسيا تعليق رحلاتها إلى الصين وهذا معناه توقف أكثر من مليون سائح صيني عن زيارة إندونيسيا وهذا بلا شك له آثار اقتصادية في إندونيسيا حتى لو لم يزرها مرض كورونا.

مصائب قوم عند قوم فوائد

فعلى الرغم من التدهور بعدة قطاعات اقتصادية داخل الصين وخارجها، إلا أن شهدت قطاعات بعينها إزدهار منذ انتشار الوباء، على رأسها الذهب، والذي وصل إلى أعلى مستوياته منذ الثامن من يناير، في وقت مبكر من جلسة اليوم، إلا أنه فقد واحدا بالمئة في المعاملات الفورية، لينزل من أعلى مستوى في نحو 4 أسابيع، وبحلول الساعة 10:33 بتوقيت غرينتش، نزل 0.7 بالمئة إلى 1578.26دولار للأوقية (الأونصة)، بالتزامن مع تحرك الصين لحماية اقتصادها من تأثير فيروس كورونا.

وعلى الرغم من عدم تسجيل أي حالات بمصر، إلا أن أسعار الدهب شهدت اليوم وللمرة الأولى استقرار في الأسواق المحلية، بعدما قارب سعر الجرام (عيار 21) 700 جنيه، بقفزة نسبية في الأسعار بنحو 55 جنيه. وذلك على خلفية تفشي فيروس كورونا في الصين، ورصد حالات مصابة في عدد من البلدان الأوروبية. وتشديد الإجراءات الاحترازية بعدد من المطارات الدولية.

كما استفاد قطاع صناعة الأدوات الطبية والوقائية وبعض الادوية من الازمة الحالية، نظرًا لزيادة الطلب الأقنعة، والقفازات الواقية. فقد باعت شركة تاوباو المملوكة لمجموعة علي بابا، أكثر من 80 مليون قناع طبي في أول يومين بعد اكتشاف الفيروس. وبالفعل انتعشت أسهم منتجي اللقاحات في الولايات المتحدة، في ظل التوقعات السائدة بارتفاع مبيعاتها، فقد قفز سعر سهم شركة نوفافاكس للتكنولوجيا الحيوية، بنسبة حوالي 36% نتيجة انتشار انباء عن تطويرها للقاح لفيروس كورونا.

أزمة اقتصادية وسط ترصد أمريكي

“الصدمة الصينية” تعد هي نقطة بداية التوترات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الامريكية، والتي تكبدت على إثرها الولايات المتحدة الامريكية الكثير من الخسائر في الوظائف وإغلاق المصانع في الولايات المتحدة، حيث نقلت العديد من الشركات الامريكية إنتاجها إلى الصين للتمتع بميزة انخفاض تكلفة العمالة، على الرغم من إجبار الصين لتلك الشركات نقل التكنولوجيا، وحقوق ملكيتهم الفكرية أيضًا. فضلا عن اتهام بعض الصينيين بسرقة العديد من الملكيات الفكرية لكثير من الشركات الامريكية التي لم تنتقل إلى الصين والتي تقدر بحوالي 1.2 تريليون دولار خلال الفترة 2013-2017.

وقد وصفها الجنرال روبرت سبالدينغ في كتابه “حرب السرية: كيف سيطرت الصين بينما النخبة الأمريكية نائمة”. بأنها “أكبر تهديد وجودي منذ الحزب النازي في الحرب العالمية الثانية” نظرًا لكونها القوة الاقتصادية في العالم ولها القدرة على الوصول للحكومات والمؤسسات في الغرب بدرجة تفوق ما كانت عليه السوفييت. وتأخذ العلاقة بين البلدين شكل حرب تجارية واسعة، بتبادل رفع الرسوم الجمركية على السلع.

تواجه الصين الآن أكبر تحدي يهدد اقتصادها ما لم تستطيع السيطرة علي فيرس كورونا وانتشاره في العديد من المدن بأسرع وقت ممكن، لذا لجأت الحكومة الصينية إلى تعطيل حركة الطيران الداخلي والخارجي للسيطرة على إنتشار المرض.

في الوقت ذاته، قد تحمل محنة انتشار فيروس كورونا منحة للولايات المتحدة الأمريكية، والرئيس ترامب، لتحقيق مكاسب اقتصادية أوسع، والذي شهد الاقتصاد الأمريكي في عهده مزيد من الرواج نتيجة فرض العديد من الإجراءات الحمائية على الواردات القادمة من الخارج سواء من الدول الحليفة أو الخصوم كالصين.

وهو ما أكده وزير التجارة الأمريكي، ويلبر روس، عن الآثار الإقتصادية الإيجابية لتفشي الفيروس، خلال لقاء متلفز مع قناة “فوكس نيوز بيزنس”، والذي توقع أنه سيسهم في تسريع عودة الوظائف إلى أمريكا الشمالية خاصة مع إعلان عدة شركات أمريكية مغادرة أو تعليق نشاطها في الصين. وهو ما قابله بعض المحللون بالنقض لعدم توقع أن تتخذ شركات كبرى قرارات مصيرية متسرعة بنقل نشاطها نهائيًا، نتيجة وجود فيروس قد يتم السيطرة عليه في خلال مدة زمنية 3-6 أشهر.

وهو ما ردت عليه وزارة الخارجية الصينية اليوم بـأن الولايات المتحدة ” بالرغم من أنها لم تقدم أي مساعدة ملحوظة إلى الصين لمكافحة فيروس كورونا الجديد، اتخذت سلسلة من التدابير ونشرت الذعر”. لذا يمكننا القول، أن الحاكم الوحيد في معركة الحرب التجارية الامريكية الصينية في ظل انتشار فيروس كورونا، هو مدى قدرة الصين على السيطرة على فيروس كورونا بأسرع وقت، وتقويض خسائرها الاقتصادية.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

هبة زين

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى