
على وقع خروقات الهدنة.. وجوه ليبية “متطرفة” تتحدث
على وقع استمرار الاجتماعات الإقليمية والدولية بشأن الأزمة الليبية، يستمر تعرض الهدنة الهشة في طرابلس للخروقات اليومية، بشكل يجعل استئناف العمليات القتالية أمر متحقق بالفعل على المستوى الميداني. يترافق هذا الوضع مع تصاعد لبعض الأصوات الليبية المتطرفة، وبروز أدوار جديدة لعدد منها على المستوى السياسي والميداني، وذلك في سياق تحفز تركي لما ستسفر عنه مباحثات اللحظات الأخيرة ما بين القوى الدولية، خاصة الاتحاد الأوروبي، بخصوص آلية مراقبة حظر التسليح المفروض على ليبيا، والذي تنتهكه أنقرة يومياً بطرق مختلفة.
تفاعلات إقليمية ودولية
تسير الجهود الإقليمية والدولية لمحاولة إنقاذ الهدنة الهشة في طرابلس على اتجاهين، منها، توجه أوروبي، يتم فيه بحث كيفية مراقبة السواحل والأجواء الليبية، لمنع استمرار تدفق الأسلحة والمرتزقة إليها، وكذا مراقبة الهدنة في طرابلس. المعضلة الأساسية في هذه المرحلة هي ضعف القدرات المتوفرة لدى الأمم المتحدة، سواء لتطبيق حظر التسليح الذي تم فرضه على ليبيا عام 2011، أو حتى مراقبة الهدنة القائمة حالياً في طرابلس بشكل فعال، وهذا عبر عنه مؤخراً بشكل واضح، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، “ستيفان دوغريك”، الذي قال أن المراقبة الأممية لاتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا قد يكون مستحيل، لأن الأمم المتحدة، حسب تصريحاته، ليس لديها القدرة الكافية لتنفيذ هذا الأمر.
نفس المعنى تحدث به المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، الذي قال خلال لقاء تلفزيوني، أن بعثته رصدت حتى الآن ما يقرب من 50 خرق للهدنة داخل طرابلس، بجانب رصد وصول مسلحين سوريين إلى ليبيا، يصل عددهم حسب تصريحاته إلى 2000 مسلح، ووصول أسلحة متطورة إلى طرفي القتال، من بينها مضادات للطائرات. وبغض النظر عن حقيقة أن البعثة الأممية لا تمتلك القدرات اللوجيستية للقيام بشكل فعال وموضوعي، بمراقبة هدنة من هذا النوع. كان لافتاً أن كلام السيد غسان كان عاماً، دون تحديد ماهية الطرف الذي يخرق حظر التسليح، أو يقوم بخرق الهدنة. بل أنه حتى تجاهل المعلومات الموثقة بالصوت والصورة، التي تؤكد وصول منظومات تركية مضادة للطائرات إلى حكومة طرابلس، خلال أيام الهدنة وتزامناً مع مؤتمر برلين.
أشار المبعوث الأممي أيضاً خلال تصريحاته، إلى أن الخرق الأكبر للهدنة كان في اتجاه مطار طرابلس، دون أن يتحدث بشكل واضح عن استخدام ميليشيات حكومة الوفاق، لمدرجات مطار معيتيقة المدنى، في تنفيذ عمليات جوية بإستخدام طائرات تركية دون طيار، مما تسبب في مخاطر جدية على حركة الطيران المدني، وخرقاً فاضحاً ومزدوجاً للهدنة. وخلال رده على سؤال حول مشكلة الميليشيات في طرابلس، كان رده أيضاً عاماً، ولم يحدد فيه ماهية من يرسل هذه الميليشيات ومن يستقبلها وينفق عليها.

على المستوى الأوروبي، تستمر المباحثات ما بين دول الاتحاد الأوروبي، لمحاولة إيجاد صيغة تسمح بإعادة تفعيل عملية “صوفيا” البحرية، التي كانت مخصصة بشكل أساسي لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتحويل مهمتها إلى مراقبة حظر التسليح المفروض على ليبيا. في هذا الإطار تمت مباحثات بين قائد منطقة البحر المتوسط في البحرية الفرنسية، وضباط كبار في قيادة البحرية التركية. اليونان من جانبها، وبعد أن تم تجاوزها خلال مؤتمر برلين حول ليبيا، بدأت في مشاورات مستمرة مع عدة دول أوروبية، للتشديد على موقفها الأساسي في هذا الملف، والذي يتلخص في ضرورة إلغاء مذكرة التفاهم البحرية، بين تركيا وحكومة الوفاق. هذا الموقف انعكس على الاجتماع الأخير لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، الذي لم تتمخض عنه أية قرارات واضحة فيما يتعلق بالملف الليبي. الموقف اليوناني تم تأكيده خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية، حيث صرح رئيس الوزراء اليوناني، أنه أكد على موقف بلاده من هذه الاتفاقية، وأن توافقاً أوروبياً حولها بدء في التشكل.

عربياً، احتضنت الجزائر اجتماعا هاماً لدول الجوار الليبي، ضم وزراء خارجية مصر وتونس والسودان وتشاد ومالي والنيجر، وقد أكد المجتمعون على دعم مخرجات مؤتمر برلين، ورفض أية تدخلات خارجية في الشأن الليبي. وكان لافتاً تزامن الاجتماع مع زيارة مهمة لوزير الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الهادي الحويج، وعرضه لوجهة نظر الحكومة المؤقتة على ممثلي دول جوار ليبيا. وقد تسبب حضوره في غضب شديد من جانب حكومة الوفاق في طرابلس، التي لم تتم دعوة ممثليها لحضور هذا الاجتماع.
وجوه التطرف الليبية تعود للظهور

خلال الأيام الماضية، عادت بعض الوجوه الليبية المتطرفة، إلى الظهور مرة أخرى على المستوى الإعلامي، عبر تصريحات متزامنة ومتتالية. أول هذه الوجوه كان القيادي السابق في الجماعة الليبية المقاتلة، ورئيس حزب “الوطن” عبد الحكيم بلحاج، الذي أدلى بتصريحات صحفية، رأى فيها أن مؤتمر برلين استهدف في الأساس تحجيم الدور التركي في ليبيا. كما انتقد الأداء السياسي والعسكري لحكومة الوفاق، التي حسب رأيه لم تعمل على تأسيس جيش وقوات أمنية قوية، قادرة على حماية “الشرعية”. وقد حاول بلحاج من خلال تصريحاته، تأكيد تواجده في المعادلة العسكرية والسياسية في طرابلس، خاصة في ظل الحراك الإقليمي والدولي الحالي.
المفارقة هنا، أن هذه التصريحات تزامنت مع إيضاح طبيعة العلاقة التي تربط بلحاج، بعملية استقدام المرتزقة السوريين إلى طرابلس، وذلك عن طريق أحد أهم رجاله وهو “مهدي الحاراتي”. الذي قام معه سابقاُ بتشكيل “مجلس طرابلس العسكري”، وبدأ منذ نوفمبر 2017، في تجميع المقاتلين من سوريا لإرسالهم إلى ليبيا، وتجميعهم في مناطق محددة من بينها واحة الكفرة جنوبي البلاد، وحالياً يقوم الحاراتي بتنسيق عمليات استقدام وتوطين المقاتلين القادمين من سوريا بمناطق معينة في العاصمة طرابلس، من بينها معسكر الخندق الواقع في منطقة تاجوراء، وحي بوسليم جنوبي العاصمة، ومنطقة عرادة، بجانب عدة مواقع في منطقة عين زارة.

وفي مؤشر آخر على تصاعد الخلافات الداخلية في طرابلس، تكرر خلال الأيام الماضية، ظهور الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، وذلك بعد فترة من التواري عن الأنظار. بدأ هذا الظهور منذ أسابيع، عقب قيام رئيس مجلس الدولة الحالي، بتجميد عضويته في المجلس، وذلك بعد ساعات من انتخاب أعضاء الدائرة التاسعة الممثلة لمدينة مصراتة في هذا المجلس للسويحلي، ليكون ممثلها في مباحثات جنيف السياسية حول ليبيا. هذه الخطوة أثارت غضب السويحلي، الذي صدر عنه عدة مواقف غاضبة، تتوعد حزب العدالة والبناء والمشري، بوضعهم قريباً في حجمهم الحقيقي، وأتبع تلك المواقف بتسجيل مصور أكد فيه على هذه المواقف. التقى السويحلي خلال الأيام الماضية السفير الإيطالي في طرابلس، وأكد خلال هذا اللقاء أنه طالما ظلت قوات الجيش الوطني في مواقعها، وظل ضخ النفط متوقفاً، فإنه لا أفق واضح لنجاح أية عملية سياسية.
الموقف الميداني.. نار تحت الرماد

قرار حكومة الوفاق بإعادة تشغيل مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس، عقب يوم واحد من تعليق العمل فيه، بعد إسقاط قوات الجيش الوطني لطائرة مسيرة تركية الصنع، وإعلان قيادة الجيش بدء تفعيل منطقة حظر الطيران الممتدة من القره بولي شرقي طرابلس مروراً بجنزور غربي العاصمة، ووصولاً إلى ترهونة وغريان جنوبي العاصمة. هذا القرار هو محاولة واضحة لوضع الجيش الوطني أمام تحدي حقيقي لقرار فرض منطقة حظر الطيران، وهو القرار الذي جاء رداً على استخدام الطيران المدني كوسيلة لاستجلاب المرتزقة. عمليات الطيران التركي المسير لم تعد فقط تشكل تهديداً للعاصمة وخرقاً لوقف إطلاق النار، بل أيضاً تشكل خطراً داهماً على عمليات الطيران المدني، كما حدث مع إحدى الرحلات المدنية، التي فوجئت أثناء هبوطها في مطار معيتيقة، بطائرة مسيرة على وشك الإقلاع من على نفس الممر الذي تتجه إليه الطائرة المدنية.
خروقات قوات حكومة الوفاق للهدنة استمرت وبشكل متزايد، حيث قصفت المدفعية التابعة لها منطقة العمارات السكنية بحي صلاح الدين، بجانب مناطق أخرى في منطقة عين زارة.
كما تم تسجيل خروقات مماثلة في منطقة طريق المطار ومشروع الهضبة، حيث اندلعت اشتباكات في محيط سجن أبو سليم ومنطقة رابش أبو سليم. مقاتلات الجيش الوطني نفت غارات على عدة مواقف في مدينة غريان جنوبي العاصمة، عقب رصد تحليق طائرات مسيرة تركية الصنع انطلاقا من هذه المناطق.
باحث أول بالمرصد المصري



