الصحافة الدولية

الصراعات المكتومة في أروقة الجيش التركي …عرض مستمر

في فصل جديد من فصول الصراع الداخلي في الأروقة الحكومة التركية، دخلت العلاقة بين كل من وزير الدفاع خلوصي آكار، وبين رئيس أركان القوات البحرية اللواء بحري جيهات يايجي، مرحلة جديدة من التأزم، نتيجة لعوامل عديدة تراكمت منذ الفترة التالية لمحاولة الإنقلاب العسكري المزعوم عام 2016.

علاقة متوترة بين وزير الدفاع ورئيس أركان البحرية

بشكل عام، كانت العلاقة بين الرجلين على المستوى المهني متوترة، فاللواء يايجي كان أسماً بارزاً خلال السنوات التالية لمحاولة الانقلاب المزعومة، بسبب أنه كان المهندس الأول لخطة التطهير التي بناء عليها تم إقالة وإعتقال مئات من الضباط الأتراك، الذين كانوا يعملون ضمن تشكيلات وأجهزة حلف الناتو في أوروبا والولايات المتحدة، على خلفية اتهامات بتورطهم في الإنقلاب. هذا الدور الذي اضطلع به يايجي، أبرز أسمه بشكل كبير، لدرجة جعلته على المستوى الإعلامي والشعبي أبرز من أسم وزير الدفاع ذي الصلاحيات الواسعة خلوصي آكار. وربما هذه النقطة كانت سبباً في تصاعدا الخلاف بين الرجلين، وهو الخلاف الذي لم يتم نفيه من جانبهما.

محاولات وزير الدفاع تقليص دور اللواء يايجي تمت بصورة غير معلنة، عن طريق محاولة تحجيم تناول وسائل الإعلام لأسمه، وكذلك تأخير الترقية التي كان من المتوقع أن يتم منحها له خلال العام الماضي. لكن تعرضت هذه المحاولات لضربة جديدة، بعد أن برز مجدداً أسم اللواء يايجي، بعد أن قدمه الرئيس التركي على أنه المهندس الأول للاستراتيجية العسكرية التركية في شرقي المتوسط، وتحديداً في ما يتعلق بمذكرتي التفاهم اللتين وقعتهما تركيا، مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية.

جاء هذا الموقف من جانب الرئيس التركي، تداركاً لخطأ وقع فيه في الأيام الأولى لتوقيع مذكرتي التفاهم مع ليبيا، حيث تم الإيحاء حينها أن بنودهما وفكرة توقيعهما كانتا وليدة الظروف الحالية للمنطقة، مما أهدر بشكل كبير حق اللواء يايجي وأفكاره في هذا الصدد، والتي قدمها بشكل مفصل في كتابه. وقد عاد الرئيس التركي وأصلح هذا الخطأ، بعدة تصريحات ثمن فيها دور يايجي، وما قدمه في كتابه حول هذا الموضوع.

دور اللواء يايجي في هندسة هاتين المذكرتين وبنودهما كان أساسياً، وبدء فعليأً قبل توقيعهما بفترة، حيث نشر اللواء كتاباً تحت أسم (ليبيا … الجارة البحرية لتركيا)، وضع فيه أسساً للعلاقة بين تركيا وليبيا على المستوى العسكري والإستراتيجي، بالإضافة إلى تناوله للعلاقة البحرية مع دول أخرى من بينها إسرائيل، التي أقترح أن توقع تركيا معه اتفاقية بحرية، مماثلة للاتفاقية التي اقترحها في كتابه مع ليبيا. وأكد أنه على المستوى الإستراتيجي، لابد من توطيد العلاقة مع كل الدول التي تتميز بمواطن قوة عسكرية واقتصادية في البحر المتوسط.

إبراز الرئيس التركي لدور اللواء يايجي سبب توتراً لوزير الدفاع آكار، وهذه النقطة تناولتها
الصحافة التركية بشكل مكثف، الصحفي التركي (نديم سينر)، الذي تحدث في مقالة بصحيفة حرييت التركية، عن الغضب الشديد الذي انتاب وزير الدفاع التركي، بعد تصريحات الرئيس التركي في ديسمبر الماضي، خلال احتفال رسمي في قيادة ترسانة (جولك) البحرية، التي أشاد بها بدور اللواء يايجي، قائلاً “الدراسات والأبحاث المتعلقة بالاتفاقيات مع ليبيا لم تكن وليدة اللحظة، لقد بدأنها فيها فعلياً منذ عشر سنوات مضت، والتقارير والخرائط والمقالات والكتب التي أعدها اللواء يايجي حول هذا الملف موجودة وواضحة وأساسية”. وقد وصل الصحفي التركي في مقالته إلى خلاصة مفادها، أن اللواء يايجي وصل إلى مرحلة لابد له فيها من الإختيار، بين الإستقالة الطوعية من منصبه، أو الإحالة المتوقعة إلى التقاعد، نتيجة لوصول الخلاف بينه وبين وزير الدفاع إلى نقطة اللاعودة.

إجراءات وزير الدفاع ضد اللواء يايجي كانت معبرة عن ضيقه من صعوده المستمر على المستوى العسكري والإعلامي، فتم تجاوزه في الترقية إلى رتبة الفريق، ضمن الترقيات التي تمت إقرارها في المجلس العسكري الأعلى، الذي انعقد في أغسطس الماضي، وقد شهد هذا المجلس إحالة عشرات الضباط الكبار إلى التقاعد، ومنهم عدد كبير كان على خلاف معلن مع وزير الدفاع. كذلك تم منع اللواء يايجي، بتعليمات من وزير الدفاع، من تلبية الدعوة التي وجها له المتحدث الرسمي بإسم رئاسة الجمهورية التركية، لحضور ندوة حوارية، كان عنوانها (الموقف الاستراتيجي شرقي المتوسط على ضوء الإتفاقية البحرية مع ليبيا)، وهذا الموقف ترافق مع مواقف أخرى من جانب وزير الدفاع، لم يستجب فيها لطلبات بعض الساسة الأتراك، لمنح اللواء يايجي أذن لتوضيح خلفيات وأهمية الاتفاقية البحرية مع ليبيا للرأي العام التركي.

أخر فصول التجاذب بين الرجلين، كانت في التحقيقات التي تمت، مع الصحفي بجريدة حرييت (ارتور أوزكوك)، على خلفية حديث تم بينه وبين اللواء يايجي، حول مذكرة التفاهم البحرية مع ليبيا، والذي سبقه، مقال لنفس الصحفي، أبرز فيه دور اللواء يايجي في هذه الاتفاقية، واعتبره “بطل خفي في هذه الخطوة الإستراتيجية الجبارة، التي منحت تركيا أفضلية دبلوماسية وجيوسياسية شرقي المتوسط”.

الصراع بين التيار السياسي والتيار العسكري في تركيا يستمر

فصول العلاقة بين وزير الدفاع ورئيس أركان القوات البحرية، هي من أهم البنود المعبرة عن الصراع المتصاعد بين التيارين المدني والعسكري داخل تركيا، وهو صراع أتخذ شكلاً جديداً في مرحلة ما بعد 2016، حيث تم إطلاق يد وزير الدفاع في السيطرة من منطلق منصبه المدني، على مفاصل المؤسسة العسكرية، دون أدنى اعتبار للتوازنات الداخلية فيها، أو لأرا

عمليات التطهير المستمرة داخل صفوف الضباط والجنود في فترة ما بعد الإنقلاب المزعوم، والتي شملت مؤخراً إحالة عدد كبير من كبار الضباط إلى التقاعد، ستجعل الجميع في ترقب للأجتماع المقبل للمجلس العسكري التركي الأعلى، لمعرفة ما إذا كان هذا النهج سيستمر أم لا، وكيف سيتصرف وزير الدفاع مع القيادات العسكرية العليا، ومن بينها اللواء يايجي، الذي أما ستتم ترقيته إلى رتبة فريق بحري، او ستتم إحالته للتقاعد، ووضعه في منصب مدني كمستشار للرئيس التركي. وبالتالي نستطيع أن نعتبر مصير اللواء يايجي، هو مؤشر أساسي على التوجه المستقبلي لوزير الدفاع التركي، في ما يتعلق بالعلاقة بين التيار لمدني والتيار العسكري في الداخل التركي.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى