
تصاعد الدور الصيني في الشرق الأوسط
استجابةً لتداعيات الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، تشهد الاقتصادات الشرق أوسطية تحولات كبيرة من علاقتها طويلة الأمد بواشنطن إلى بكين للحصول على مميزات من تفوقها الاقتصادي، وما الذي يمكن أن تنتجه من آثار سياسية واقتصادية في المنطقة. هذا ما انطلق منه السفير السابق “ياسر النجار”، والذي سبق له العمل كوزير للتخطيط والمتابعة، ونائبًا لوزير الاستثمار المصري، في مقالة له بمعهد الشرق الأوسط بعنوان “تصاعد الدور الصيني في الشرق الأوسط.
قال السفير إن بكين لم تتبع سياسة أكثر انخراطًا بالمنطقة حتى بدأت تظهر تداعيات الربيع العربي من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وبطء النمو بسبب انخفاض أسعار النفط، مما أدى لمحاولات فك الارتباط بالولايات المتحدة، وفتح الباب أمام التمويل الصيني من خلال القروض والاستثمارات والتجارة.
أرجع “النجار” النهج الصيني الجديد في الشرق الأوسط لمجموعة من العوامل المحددة، منها احتياجات الصين من الطاقة، وضمان تدفق غير منقطع من النفط والغاز. يضاف إلى ذلك، أن الاضطرابات التي شهدتها المنطقة قد جذبت القيادة الصينية على اعتبار أن الاستقرار بات يمثل أولوية قصوى لحكوماتها.
كذلك، يسعى الرئيس الصيني “شي جين بينغ” لترك بصمة أكبر في المنطقة من خلال إطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013، التي باتت فيما بعد جزءً من الدستور الصيني. وعمل على رفع مستوى شراكة بلاده مع الدول الكبرى في المنطقة مثل مصر والسعودية وإيران والإمارات من خلال زيارتيه عامي 2016 و2018.
وعليه، اعتبر السفير أن ما حدث في علاقة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع كل من الولايات المتحدة والصين يعزى إلى التحول الهام الذي اعتمدته إدارة “أوباما” واستمرت فيه إدارة “ترامب” بالانسحاب من المنطقة، مما أدى لخلق مجال كبير للاعبين آخرين منهم الصين. قبل ذلك، ساهم الركود الاقتصادي الناتج عن أزمة 2008 في تحويل تركيز اقتصادات المنطقة نحو الصين للبحث عن الاستثمار والتجارة بعد أن نجحت في تجنب آثارها. بالإضافة إلى ذلك، أدت السياسات الأمريكية التمييزية ضد بعض بلدان المنطقة إلى تحويل تركيز العديد من المستثمرين الإقليميين إلى وجهات أخرى غير الولايات المتحدة.
أشار السفير أيضًا إلى وجود العديد من الزيارات رفيعة المستوى من المنطقة للصين خلال السنوات الخمس الماضية. كان منها ست زيارات للرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” شملت توقيع اتفاقيات اقتصادية، وتوطيد العلاقات السياسية. وقيام عدد من بلدان المنطقة بمواءمة استراتيجياتها للتنمية المستدامة مع مبادرة الحزام والطريق عبر الحصول على تمويل لمشاريع الطاقة النظيفة، إذ تبرز الصين أكثر من الولايات المتحدة كرائدة في هذا المجال، وتسعى لتعزيز التنمية الخضراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
رأى السفير أن ذلك قد جعل الصين أكبر مستثمر في المنطقة. ففي 2018، تعهدت الصين بتقديم قروض بقيمة 20 مليار دولار لإعادة الإعمار في العالم العربي، و3 مليارات دولار في شكل قروض للقطاع المصرفي، خاصةً أن هذه الآليات لا تفرض أي متطلبات سياسية، ولكنها غالبًا ما تتضمن شروطًا صارمة على استخدام المواد والعمالة الصينية.
وعليه فقد تضاعفت التجارة بين الجانبين لتصل إلى حوالي 245 مليار دولار، وتزايد حضور شركات القطاع الخاص الصينية في المنطقة، خاصة الشركات التكنولوجية. إذ أن خمسة من أفضل 10 شركات للتجارة الإلكترونية في المنطقة هي صينية. ومن المتوقع أن يصل سوق التجارة الإلكترونية بالمنطقة إلى 49 مليار دولار بحلول عام 2021.
لم يقتصر الأمر على التجارة، إذ تشهد السياحة الصينية نموًا أيضا، فقد زادت من 98 مليون شخص عام 2013 إلى 154 مليون عام 2018. وارتفعت نسبة السياح الصينيين إلى دول الخليج العربي من 1.3% عام 2012 إلى 1.9% في 2018، واستقبلت مصر 450 ألف سائح صيني في 2018، بعد أن كانت 135 ألف عام 2015.
إجمالاً؛ توقع السفير استمرار تعزيز العلاقات بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة فيما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق، بما يوفر في نفس الوقت حلًا للعديد من التحديات التنموية التي تواجه المنطقة بجانب المعضلات السياسية التي سيفرضها تزايد وجود الصين ومواجهتها لكل من الولايات المتحدة والغرب.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



