
من سوريا لليبيا .. احتمالات هجرة “الإرهابيين” لأوروبا برعاية تركية
منذ الحرب العالمية الثانية، لم يشهد العالم موجة لجوء أكبر من تلك التي دفعت بها الحرب السورية. إذ تسببت الحرب في نزوح قرابة 13 مليون سوري داخل وخارج البلاد. فحسب التقديرات الأممية، نزح أكثر من 5 ملايين سوري لدول الجوار بين لاجئ ومشرد. تركيا وحدها وبحكم مُعامل القرب الجغرافي استضافت نحو 3 ملايين لاجئ.
في عام 2015، ومع احتدام الصراع السوري وتسيد حرب المدن لأنماط الحرب المستعرة، شهد لجوء أكثر من مليون شخص إلي أوروبا، قادمين من سوريا وسواحل شمال إفريقيا، حيث عبروا لأوروبا من خلال مسارات طويلة تركزت غالبيتها في عبور منطقة شرق أوروبا والبلقان وبحر إيجه انطلاقاً من تركيا، وعبور البحر الأبيض المتوسط انطلاقاً من السواحل الليبية.
شكلت سوريا حلقة طاردة وقاذفة لدفعات ضخمة من اللاجئين، استقرت بادر الأمر في تركيا، حينها أصبغت علي خطابها الخاص بالأزمة السورية واللاجئين؛ وازع أخلاقي، أسمته الدوائر الحكومية التركية المعنية بهذا الملف “المسؤولية الأخلاقية”.
سرعان ما تلاشت مزاعم المعايير الأخلاقية التركية، حين فتحت أنقرة الباب أمام عصابات التهريب والاتجار بالبشر للعمل والتعاطي مع مئات الآلاف من السوريين. حيث كشف تقرير للمنظمة الدولية للهجرة في يونيو 2017، أن مهربي البشر الذين يتركز أكثرهم في تركيا، يكسبون نحو 10 مليار دولار سنويا.
من مزاعم “المسؤولية الأخلاقية” لـ “الابتزاز العلني”
في مارس من العام 2016، وقعت تركيا مع الاتحاد الأوروبي اتفاقا يقضي بمنع الهجرة غير الشرعية عبر أراضيها، وحل أزمة اللاجئين، مقابل دفعات مالية قُدِرت بـ ستة مليارات يورو.
وعلي الرغم من حصول الحكومة التركية علي أكثر من نصف المبالغ المالية، إلا أنها مازلت تهدد الاتحاد الأوروبي بفتح الحدود أمام اللاجئين، بٌغية تخفيف الضغط علي ممارساتها العدائية في شمال شرقي سوريا وشرق المتوسط والأزمة الليبية والحصول علي المساعدات المالية علي وجه الخصوص.
وعلي الرغم من خطورة تدفق موجات اللاجئين عبر شرق أوروبا والبحر المتوسط باتجاه الشمال علي جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية والأمن الأوروبي، إلا أن مساعي الدول الأوروبية واجهت خطراً أكبر من ذلك، تمثل في تسلل عشرات المنتمين لأشد التنظيمات الإرهابية فتكاً، تنظيمي “داعش – جبهة النصرة”، بين اللاجئين بهويات جديدة.
النموذج السوري في ليبيا برعاية تركية .. والخطر مماثل
تشهد ليبيا حالة من التفكك والانكشاف الأمني والمؤسساتي منذ تسع سنوات، جعلها تتحول لبيئة صراع إقليمية ودولية، وكذا نقطة عبور رئيسة وأخيرة في الغالبية العظمي من مسارات الهجرة غير الشرعية من وسط وشرق وغرب إفريقيا وصولاً لأوروبا.
حيث قال رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، العقيد المبروك عبدالحفيظ، في سبتمبر الماضي، إن عدد المهاجرين غير الشرعيين داخل الأراضي الليبية يبلغ 700 ألف مهاجر غير شرعي خارج مراكز الإيواء وسبعة آلاف مهاجر داخل هذه المراكز.
كما تحولت ليبيا لمنصة تهديد للدول الأوروبية المطلة علي ساحل البحر المتوسط، إذ أن الأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحة الهجرة غير الشرعية، هي نفسها الميلشيات العسكرية التي يديرها أشخاص مدرجين علي قوائم الإرهاب وتعمل ضمن هيكل رئاسة أركان حكومة الوفاق الليبية.
إلا أن التدخل التركي في الأزمة الليبية وتبنيه خطط الدعم الكامل للميلشيات المسلحة، من خلال تقديم السلاح، والأهم نقل المرتزقة السوريين من إدلب في سوريا إلي ساحات المواجهة في مصراته وطرابلس، قد أضفي علي أزمة الهجرة غير الشرعية بُعداً مماثلاً لما واجهته أوروبا من تسلل لعناصر الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية بين اللاجئين، ومن ثم بدئهم مرحلة جديدة من الممارسات الإرهابية طبقاً لاستراتيجية التنظيمات والرامية بعد خسارتها للجغرافيا في الميادين السورية والعراقية إلي تنفيذ تكتيكات إعادة التموضع والانتشار والبحث عن ساحات بديلة ولاسيما في الخاصرة الأوروبية.
بيد أن هنالك مؤشرات علي تحول ليبيا لمنصة انتشار وتسلل العناصر المسلحة والارهابية ضمن قوارب المهاجرين القاصدة للشواطئ الأوروبية القريبة من الجغرافيا الليبية قرب دول البلقان لبرلين وباريس وبروكسيل
- تهديد الرئيس التركي لدول الاتحاد الأوروبي بانتشار العناصر الإرهابية من تنظيمات القاعدة وداعش في ليبيا في حال استمرار تبنيهم لسياسات غير داعمة لحكومة الوفاق وتجمعها الميلشياوي.
- إعلان المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي العقيد احمد المسماري، عن ن عناصر من المرتزقة السوريين المستجلبين إلى طرابلس، اتجهوا إلى الضفة الشمالية للمتوسط، عبر المراكب الخاصة بالهجرة غير الشرعية، وقال اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلّحة، إن 41 مرتزقاً تسللوا يومي الجمعة والسبت الماضيين إلى إيطاليا، منوهاً بأن هناك أعداداً أخرى من المرتزقة تستعد للهجرة غير الشرعية عبر ليبيا إلى إيطاليا، بدعم من الحكومة التركية.
- قبل أسبوع، ظهرت أولى مؤشرات هذه القضية، عندما أكدت وزارة الداخلية بالحكومة الليبية (المؤقتة)، أنه تم القبض على مرتزق سوري حاول التسلل من طرابلس إلى صبراته، واعترف بأنه كان يقاتل إلى جانب مليشيات طرابلس بمحور أبو سليم، وأوضحت أن المرتزق، واسمه أنس ديب فتوت، وهو من مواليد ليبيا في 1984، وغادرها عام 2009 «تم تجنيده عن طريق أحد الأشخاص الذين يعرفهم، بعد أن تم تجهيز هوية تركية له»، مشيراً إلى أن المسؤولين عن التجنيد وعدوهم بمبلغ ألفي دولار، ومنحهم مبلغ ألف ليرة تركية عند السفر، غير أنهم استلموا 500 ليرة فقط.
- ومن خلال التحقيق معه، تبين أن هذا المرتزق اتجه إلى مدينة صبراتة، بهدف التخطيط لمغادرة ليبيا نحو أوروبا.
المسماري اتهم المخابرات التركية بنقل إرهابيين من مالي والنيجر وتشاد عبر الحدود الجنوبية الليبية إلى طرابلس، مضيفاً أن تركيا تستغل الطرق والمسالك التي يستخدمها تجار البشر، لتسلل العناصر الإرهابية الخطيرة باتجاه طرابلس. وهي نفس المسارات التي يستخدمها مهربو البشر وعصابات الهجرة غير الشرعية.
وما يرفع احتمالات زيادة معدل تسلل العناصر الإرهابية من السواحل اليبية المنقولة بحراً وجواً من إدلب لمصراته وطرابلس برعاية تركية، استمرار أنقرة في تبني السياسات ذاتها في الميدان السوري، بالأزمة الليبية، التي أفرزت بدورها عن تهديد أوروبا علي نحو غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية بموجات من اللاجئين تلتها موجات عنيفة من الإرهاب وضعتها في مقدمة بنوك أهداف التنظيمات الإرهابية، ويكمن عرضها كالاتي:
- دعم الجماعات الفواعل العنيفة من غير الدول، إذ يدين لتركيا بالولاء أكثر من 20 فصيل وجماعة مسلحة تنشط في الشمال السوري بعضها كان علي صلات وثيقة بجبهة النصرة، وكيل تنظيم القاعدة في سوريا.
- تقويض مسارات التسوية الشاملة، تمنح تسويات الحد الأدني التي تبقي علي جذور الصراع دون معالجة حقيقية لها، تركيا المناخ المناسب للتدخل والعمل وفق استراتيجيتها العظمي المنبثقة من مشروعها التوسعي الثيوقراطي الأممي، وهو ما ظهر في مسارات التفاوض بأستانا وسوتشي، وأخيراً مؤتمر برلين، إذ ترفض تركيا حل عمل الميليشيات المسلحة في طرابلس ومصراته. كما تستمر حتي اللحظة الرحلات المشبوهة بين أنقرة وبؤرتي الميليشيات الليبية.
- إعادة التموضع والانتشار للإرهابيين، تنفذ تركيا واحدة من أكبر عمليات إعادة التموضع والانتشار للتنظيمات المسلحة ليس في ليبيا فسحب وانما كذلك بدول الساحل والصحراء، في نفس مسارات ومسالك طرق الهجرة غير الشرعية في النيجر ومالي تحديداً.
ما يدفع باستمرار محفزات الصراع، وتداعياته الكبيرة علي الأمن الإقليمي والدولي، ولاسيما تهديد دول الاتحاد الأوروبي القريبة من السواحل الليبية بتسلل عناصر إرهابية تجيد تنفيذ عمليات إرهابية بتكتيك الذئاب المنفردة وكذا تنفيذ خطط الكمون ريثما تحدد أبعاد نشاطها علي المدي المنظور.



