
“كعكة” النفط الليبية التي يتصارع عليها الجميع
أعلنت مؤسسة النفط الليبية حالة القوة القاهرة فيما يخُص تعاقداتها النفطية، وذلك بعد إعلان عدد من القبائل الليبية في برقة غلق الموانئ والحقول النفطية بداية من يوم 18 يناير الجاري، وإيقاف تصدير النفط، محتجين على ما تفعله حكومة السراج، من استخدمها عوائد النفط من أجل جلب ودفع رواتب المرتزقة السوريين. وتأتي هذه الخطوة في ظل اقتصاد ليبي يقوم في الأساس على تجارة النفط، حيث يُشكل أكثر من 95% من الصادرات ونحو 70% من النتاج المحلي الإجمالي، وذلك بسبب ضخامة الثروات النفطية الليبية التي تأتي في المرتبة الأولى إفريقيًا والتاسعة عالميًا من حيث الاحتياطيات. وفي ظل وضع الانقسام الحالي تُثير “كعكة” النفط الليبية أو الثروة النفطية الليبية عدة تساؤلات أهمها ما مقدار ما تُدره مبيعات النفط الليبية ومن يُسيطر عليها، ومن المسئول عن إدارتها، وكيف توظف هذه العوائد في الصراع الجاري، يُحاول هذا المقال الإجابة على هذه التساؤلات.
أولًا – وضع النفط الليبي
- تُقدر الاحتياطات النفطية الليبية بنحو 48.4 مليار برميل، بما يُشكل 2.8% من جُملة الاحتياطيات العالمية، وقد بلغ الإنتاج نحو مليون برميل يوميًا في عام 2018، متطورًا من 412 ألف برميل يوميًا في عام 2016.
- بلغت احتياطيات الغاز ما إجماليه 1.4 تريليون متر مُكعب، وصل الإنتاج منه 9.8 مليار متر مُكعب، وصل المُصدر منه إلى 4.3 مليار متر مُكعب في عام 2018.
- يُنتج 80% من النفط الليبي من منطقة الهلال النفطي التي تقع في شرقي البلاد بين طُبرق وسدرة، ويُصدر مُعظم الإنتاج من تسعة موانئ تقع مُعظمها داخل الهلال النفطي، ومن أهمها ميناء السدرة، مرسى الحريقة، الزيتونية، مليتة وراس لانوف.
- بلغت قيمة صادرات النفط والغاز الليبية ما إجماليه 29.2 مليار دولار، هي الأعلى على الإطلاق مُنذ عام 2013 حينما بلغت 41.6 مليار دولار، ويوضح الشكل التالي تطور قيمة صادرات النفط والغاز الليبي مُنذ العام 2010.

ثانيًا – من يُسيطر على النفط
1- تخضع مُعظم مُنشآت إنتاج وتصدير النفط لسيطرة الجيش الوطني الليبي –في منطقة الهلال- مُنذ عام 2016م، بعد معارك مع مليشيات تابعة لحكومة السراج أطلق عليها قوات حماية المُنشآت النفطية انتهت بطردها وخضوعها لحماية الجيش الوطني الليبي، وتوضح الخريطة التالية مناطق النفوذ العسكري في ليبيا:

2- رغم حماية المُنشآت النفطية من جانب الجيش الوطني الليبي إلا أنها تُدار بمعرفة “المؤسسة الوطنية للنفط” ومقرها طرابلس، وتتلخص مُهمة هذه المؤسسة في استكشاف آبار النفط، وصيانة المُنشآت النفطية، وفي ذات الوقت التعاقد مع المُشترين الأجانب للنفط الليبي.
3- تتقاسم المؤسسة الوطنية للنفط وشركات النفط الأجنبية إيرادات النفط، تأتي أهم هذه الشركات على النحو التالي:
- إيني الإيطالية: أكبر شركة أجنبية في ليبيا، تعمل فيها منذ عام 1959. بلغ إنتاجها في 2017 ما إجماليه 384 ألف برميل يوميًا، وهو أعلى انتاج للشركة في دول شمال إفريقيا.
- توتال: تعمل في ليبيا مُنذ خمسينيات القرن الماضي وبلغ إنتاجها 31 ألف برميل يوميًا، ضعف إنتاج عام 2017.
- شركات مُتعددة أخرى إسبانية ونمساوية ونرويجية وأخيرًا عملاق النفط الروسي “روس نفط”.
4- يتوقف دور هذه المؤسسة عند حد التعاقد، وتُودع إيرادات النفط بعد ذلك في البنك المركزي التابع لحكومة السراج في طرابلس، والذي من المُفترض أن يوزعها على المناطق الليبية بالتساوي، لكن الجيش الوطني الليبي يتهمه بالفساد، ومحابة حكومة السراج بمنحها أكبر المُخصصات.
5- حاول الجيش الوطني الليبي في عام 2016 تأسيس مؤسسة نفط وطنية تخضع له في بني غازي بغرض منع وصول إيرادات النفط إلى حكومة السراج ومنها إلى المليشيات الإرهابية، لكن مجلس الأمن أصدر قراره رقم 2278 في ذات العام لمنع هذا المسعى.
من الأرقام السابقة يُمكننا الخروج بالحقائق التالية:
- أن الاقتصاد الليبي يعتمد كُليًا على النفط والغاز، حيث لا توجد موارد أخرى بخلاف النفط يُمكن الاعتماد عليها، وفي ذات الوقت تُشكل الثروة النفطية الليبية مطمع للقوة المُتنازعة في ليبيا سواء من حيث السيطرة على حقول الإنتاج ومنشآته عبر شركات النفط، أو على عائدات بيعه عبر فرض النفوذ.
- أنه مُنذ سيطرة الجيش الوطني الليبي على المُنشآت النفطية ومناطق تصدير النفط، ارتفعت عائدات النفط بشكل مُتنامي بلغ 180% عام 2017 و70% في 2018.
- أن الجيش الوطني الليبي التزم بقرار مجلس الأمن الذي منعه من إحكام سيطرته على إيرادات النفط الليبية، مما جعل هذه الإيرادات تستمر في التدفق على حكومة السراج والتي استعملتها في الأساس لجلب المُرتزقة الأفارقة طول فترة الصراع وأخيرًا السوريين بعد تحالفه مع تُركيا، لمُحاربة ذات الجيش الذي يحمي المُنشآت ويُطورها.
- أن الصراع الأوروبي بين إيطاليا وفرنسا هو في الأساس صراع على الثروة النفطية الليبية، ولذلك تنحاز إيطاليا لحكومة السراج بحيث تؤمن مصالح شركة إيني في الأراضي الليبية وتُحافظ على موقعها كأكبر مُصدر للنفط في البلاد، وفي ذات الوقت تنحاز فرنسا للجيش الوطني الليبي بغرض طمعًا في تحسين موقع توتال ورفع استفادتها في ليبيا.
- أن حكومة السراج تُبدد الثروات الليبية وذلك في شراء السلاح التُركي وتمويل المُرتزقة السوريين الذين يُحاربون لصالح تُركيا سواء في سوريا أو على الأراضي الليبية ضد الجيش الوطني الليبي.
- أن القبائل الليبية إدراكًا منها لحقيقة الأوضاع الحالية اتخذت قرارًا بوقف إنتاج وتصدير النفط، وهو قرار يضرب الأطماع التُركية، حيث أن انخفض التدفقات النقدية على حكومة السراج سيدفعها لتحمل جزء من تكلفة الصراع مع قطر في ظل اقتصاد تُركي يُعاني ضغوط هائلة.



