
قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية.. شركاء من أجل الرخاء
في محاولة لزيادة استثماراتها وعائداتها المالية التي ستتأثر جراء خروجها من الاتحاد الأوروبي المقرر في 31 يناير الجاري. تستعد بريطانيا لاتباع نهج استراتيجي جديد، لسياستها الاقتصادية يقوم على الشراكة من أجل المنفعة المتبادلة، والتحرك نحو عقد اتفاقيات تجارة حرة خارج أوروبا، وأن تصبح المستثمر الأول في إفريقيا بحلول عام 2022. وعليه تستضيف بريطانيا في 20 يناير قمة الاستثمار البريطانية الأفريقية الأولى تحت شعار “شركاء من أجل الرخاء”. بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، و21 دولة إفريقية، وممثلين عن منظمات دولية وٳقليمية والقطاع الخاص، لإقامة شراكات دائمة جديدة في إفريقيا توفر المزيد من الاستثمارات وفرص العمل والنمو الاقتصادي.
ستشكل القمة فرصة سانحة لتحقيق نقلة نوعية في علاقات الشراكة الاقتصادية بين الدول الإفريقية والمملكة المتحدة في القطاعين العام والخاص بالنظر اٍلى الأهمية التي تحظى بها لندن كمركز للأعمال، علاوة على تركيزها على مجالات الاستثمار والعلاقات التجارية والتكنولوجيا الحديثة والطاقات المتجددة.
وستقوم القمة التي تعد أكبر حدث استثماري يقام للمرة الأولى، بتعزيز الشراكة بين بريطانيا والدول الإفريقية في سبيل بناء مستقبل آمن ومزدهر للجميع، إلى جانب عقد استثمارات جديدة وكبيرة لخلق فرص عمل. حيث تتمتع بريطانيا بعلاقات اقتصادية قوية وطويلة الأمد مع إفريقيا، وقد تجاوزت قيمة التجارة بين المملكة المتحدة وإفريقيا 33 مليار جنيه إسترليني في عام 2018، فضلاً عن أن الشركات البريطانية من أهم وأكبر الاستثمارات في إفريقيا والتي بلغت حوالي 2000 شركة بريطانية تعمل حاليًا.
وتهدف قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية إلى إنشاء شراكة جديدة مبنية على الرخاء والأمن المشترك عبر:
- بناء شراكات تجارية قوية بين إفريقيا والمملكة المتحدة في مجالات رئيسية مثل البنية التحتية والزراعة والصناعة والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا والابتكار، بين الشركات الرائدة في إفريقيا والمملكة المتحدة.
- تمهيد السبيل أمام تبادل الخبرات وأفضل الممارسات، ووضع أساس لتعاون وثيق وممتد على صعيد المشروعات الاقتصادية والتنموية المختلفة والمتنوعة والتي تحقق أهداف الجانبين. خاصة وأن إفريقيا لاتزال تحتاج إلى اكتساب ونقل خبرات جديدة إليها في عدد من المجالات المرتبطة بكيفية تحقيق التنمية المستدامة، بأبعادها الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
- التركيز على الاستثمارات طويلة الأجل التى تملكها المملكة المتحدة فى إفريقيا كى تكون حافزًا لضخ استثمارات جديدة، حيث تسعى المملكة لتحقيق طموحها فى أن تصبح المستثمر الأكبر لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G7) في إفريقيا.
- حاجة بريطانيا لضخ الحيوية إلى اقتصاد ما بعد البريكست، خاصة وأن السوق الإفريقية الواعدة بإمكانياتها تعد وجهة مثالية للشريك البريطاني، ليس فقط بوصفها سوقاً استهلاكية ضخمة، وإنما بوصفها وجهة للاستثمار والشراكة والتوظيف في كثير من المشروعات الناشئة والقطاعات الواعدة كالطاقة وتكنولوجيا المعلومات وغيرها.
- وضع مدينة لندن كمركز عالمي لرأس المال وبوابة إلى إفريقيا للاستثمار المالي، وتسليط الضوء على الخبرة الاستثمارية في المملكة المتحدة في مجالات مثل التمويل الأخضر والذي يقوم على استخدام المنتجات والخدمات المالية مثل القروض والتأمين والأسهم واستثمارات رأس المال والسندات وغيرها من أجل تمويل المشروعات الخضراء أو الصديقة للبيئة.
- ستساهم القمة في خلق شراكات جديدة وتوسيع قاعدة التواجد البريطاني في إفريقيا، عبر فتح بعثات جديدة تضم خبراء تجاريين ومتخصصين في الاستثمار. وهو ما يعد طفرة كبيرة في النشاط والاستثمار في إفريقيا. فضلاً عن توسيع وجودها الدبلوماسي في كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا.
- ستساهم القمة في كسر الحواجز أمام التجارة والاستثمار، وتحقيق نمو اقتصادي وخلق ملايين الوظائف الجديدة، مما يوفر فرصًا حقيقية للقارة لأن تتجاوز الاعتماد على المساعدات وأن تصبح شريك اقتصادي قوي يمكن للشركات البريطانية التعامل معه.
إفريقيا.. قارة الفرص والمعوقات
إفريقيا، قارة الفرص التي يعيش فيها نحو 1.2 مليار نسمة، من المتوقع يتضاعف عدد سكانها بحلول عام 2050 إلى (2.5) مليار نسمة، أي ما يزيد عن (25%) من سكان العالم، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. وبحلول عام 2030، من المقرر أن يتضاعف الناتج المحلى الإجمالى للقارة، حيث تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للقارة ثلاثة مرات منذ عام 2000، بمعدل سنوي قدره 4.6% وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، ومن المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.2 تريليون دولار في السنوات الخمس المقبلة.
تلك المؤشرات تمثل فرصة اقتصادية، شريطة أن تتوافر الفرص الحقيقية للاستثمار، والتعليم والتوظيف المناسب. وعلى المملكة المتحدة من خلال التجارة، والاستثمار، وبناء القدرات، أن تساعد الدول الإفريقية في تطوير القطاع الخاص، لخلق مزيد من فرص العمل للشباب. فمنذ نهاية القرن العشرين، اجتذبت القارة الاستثمارات الأجنبية من الشركاء الدوليين. كما اتجهت بعض دولها، مثل: كينيا، ونيجيريا، وغانا، وبوتسوانا، وغيرها إلى الأسواق الدولية.
وعلى الرغم من وجود فرص اقتصادية غير مستغلة في إفريقيا، إلا أن هناك عدد من المعوقات قد تقوض الاستثمار فيها، وعلى بريطانيا أخذها في الحسبان للوصول إلى شراكة فعالة، وتتمثل تك المعوقات في:
- غياب التشريعات الاقتصادية والتجارية الملائمة، مما يتطلب تعديل قوانين الاستثمار، لخلق بيئة استثمار جاذبة وشفافة، تحمي حقوق الملكية، وتقضي على عدم التمييز، وتحارب الفساد.
- تدهور البنية التحتية، خاصة فيما يتصل بالنقل، والموانئ، والمطارات، والطرق، والسكك الحديدية، والتي تعد مكونًا مهمًّا للنقل والتوريد.
- انخفاض معدلات الأمن والحماية فى كثير من دول القارة، وإنتشار ظاهرة الإرهاب والجريمة الدولية المنظمة، وعدم الاستقرار السياسى والإقتصادى فى بعض الدول الإفريقية.
- غياب الشركات الكبرى والتحالفات الإقتصادية الأفريقية التى تستطيع الدخول فى شراكة وتعاون مع المستثمريين الأجانب.
وعليه، يتعين على المملكة المتحدة تشجيع الدول الإفريقية لتبني مبادئ توجيهية دولية لمكافحة الفساد لتمكين التجارة مع الشركات البريطانية ووضع هدف واقعي وطموح للتجارة غير النفطية. وبالنسبة للاستثمار، يجب أن تحفز بريطانيا رجال الأعمال على زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في البنية التحتية. وأن تقوم بريطانيا بخلق مبادرة من أجل تعزيز التجارة الثنائية والاستثمار في القارة، بشكل ملموس. على غرار مبادرة “ازدهار إفريقيا” التي تبنتها الولايات المتحدة. والعمل على تهيئة الاستقرار السياسي والاقتصادي للقارة.
النفوذ البريطاني في إفريقيا
كان للمملكة المتحدة نفوذ كبير في إفريقيا، لكن وطأتها السياسية والاقتصادية انحسرت عقب حركات التحرر الاستعمارية، واستقلال الدول التي استعمرتها. وتعمل بريطانيا حالياً على تعزيز وجودها مرة أخرى عبر الاستثمار في القارة. وقد قامت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي بجولة إفريقية في أغسطس 2018، بهدف تعزيز علاقات بريطانيا بالدول الإفريقية بعد إتمام اجراءات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وتعهدت خلالها بجعل الاستثمار في إفريقيا أولوية.
وقامت بريطانيا في 10 سبتمبر2019 بالتوقيع على اتفاقية شراكة اقتصادية مع الاتحاد الجمركي لإفريقيا الجنوبية والذي يضم جنوب إفريقيا وبوتسوانا وليسوتو وناميبيا وإسواتيني وموزمبيق، يسمح الاتفاق بالتداول التجاري بحرية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد وصل حجم التبادل التجاري بين بريطانيا والدول الست 9.7 مليار جنيه استرليني في 2018.
وقد أعلنت بريطانيا، في فبراير 2019، عن توقيعها عقود شراكات استثمارية ودعم تمويلي مع مجموعة دول الاتحاد الأفريقي بقيمة 30 مليون جنيه إسترليني على مدى ثلاثة أعوام. وتخصيص حزمة تمويلية لمشاريع مختلفة عبر قارة إفريقيا، عقب توقيع شراكة إستراتيجية جديدة بريطانية-أفريقية مع مجموعة دول الاتحاد الأفريقي. بالإضافة إلى تمكين وزيادة مهارات المواطنين في جميع أرجاء القارة. كما قدمت بريطانيا أيضًا 7 ملايين جنيه إسترلينى إلى بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقى فى الصومال. ووجهت بتخصيص دعم إضافي للصومال قدره 60 مليون جنيه إسترلينى، لمساعدة الأشخاص على مواجهة الجفاف والتعافى منه.
ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، تأتي المملكلة المتحدة في المرتبة الثالثة من تجارة مجموعة السبع الصناعية الكبرى مع افريقيا
المشاركة المصرية في قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية
في سياق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يمكن لمصر تعزيز علاقات التعاون والتجارة بشكل أكبر مع بريطانيا، والاستفادة من ذلك، لجعل الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تقوم بها بريطانيا في صالح مصر، وذلك وفق رؤية موسعة التي هي رؤية إفريقيا. ولأن بريطانيا ما بعد البريكسيت، تسعى لتوطيد وجودها في إفريقيا، عبر استراتيجية متكاملة رسمتها لندن تسمح لاقتصادها بعقد شراكات واتفاقات جديدة بعيدة عن الاتحاد الأوروبي، فإن بوابة مصر نحو إفريقيا تشكل بالنسبة لبريطانيا فرصة سانحة، وهو ماعبر عنه “أندرو موريسون” وزير شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووزير شئون التنمية الدولية بالمملكة المتحدة. كما أكدت السفارة البريطانية بالقاهرة أن المملكة المتحدة شريك استراتيجي لمصر.
كما تدعو مصر المستثمرين والمؤسسات الدولية لدعم تنفيذ مشروعات البنية الأساسية في إفريقيا، وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة فيها واستغلال الفرص الاستثمارية الواعدة فى القارة والتى تحتاج لبنية أساسية. ووفقاً للتقارير الدولية وآخرها تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، فإن مصر هى الأكثر جذبا للاستثمار فى افريقيا على مدار 3 سنوات، وحافظت على مركزها كأكثر الدول جذبا للاستثمار الأجنبي المباشر في قارة أفريقيا خلال النصف الأول من عام 2019. كما تعد بريطانيا ثالث أكبر شريك تجاري لمصر بعد الصين وإيطاليا. من ناحية أخرى تحتل مصر المركز السادس كأكثر الدول المصدرة لبريطانيا في المنطقة.
ويرى خبراء الاقتصاد أن البريكسيت لن يكون له آثار سلبية حالية أو سريعة على الاقتصاد المصري، لأنه أثناء فترة الخروج التي تعتبر مرحلة انتقالية كافية لترتيب مستقبل علاقات البلدين، بل على العكس يرى البعض أن هناك مجالا كبيرا لتحسين الميزان التجاري. فضلاً عن وجود مؤشرات عدة تؤكد على حرص القاهرة ولندن على تجاوز تأثيرات بريكست الاقتصادية، وأكدت بريطانيا التزامها بأن تظل مصرالشريك الاقتصادي لها.
كما شهد مطلع 2018 قيام المبعوث التجاري البريطاني، جيفري دونالدسون، ببعثة تجارية ناجحة لمصر برفقة أكثر من 50 شركة، لبحث فرص التعاون التجاري في أنحاء. كما استضافت القاهرة في نوفمبر 2018 وفداً بريطانياً للتباحث حول شكل العلاقة بين مصر وبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. كما شاركت وزارة الاستثمار والنقل والمالية في ندوة بالعاصمة البريطانية “لندن” في نوفمبر 2019 ضمن فعاليات بعثة طرق الأبواب، التي نظمتها الجمعية المصرية البريطانية للأعمال BEBA وتهدف لدعم العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والترويج للفرص الاستثمارية وعرض النجاحات التى حققها الاقتصاد المصرى خلال الفترة الأخيرة. فضلاً عن مشاركة وفد بريطاني رفيع المستوى في منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة في إفريقيا في ديسمبر 2019.
ختامًا،
قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية هي البداية وليست النهاية، بداية للاستثمار والتعاون بين المملكة المتحدة وأفريقيا. وفرصة للتواصل بين الشركات البريطانية، العاملة في عدد من القطاعات الصناعية، ونظرائها في إفريقيا لعقد شراكات تجارية واقتصادية فيما بينها. وابتكار وصياغة استثمارات جديدة ذات تأثير مستدام يخلق فرص عمل ويعزز الرخاء للجميع من خلال شراكة دائمة.



