
حالة من التوتر تشهدها الخرطوم.. تمرد أم محاولة انقلاب
شهدت الخرطوم في وقت مبكر من يوم الثلاثاء 14 يناير حالة من التوتر نتيجة إطلاق أعيره ناريه من داخل مقار تتبع جهاز المخابرات العامة السوداني، وعقب ذلك أعلنت الحكومة السودانية أن بعض مناطق كافوري والرياض بالعاصمة الخرطوم شهدت تمردا لقوات تابعة لجهاز المخابرات العامة، حيث بدأت التوترات منذ صباح الثلاثاء في عدد من مقرات هيئة العمليات على رأسها مقرهم بحي كافوري في مدينة بحري شمال الخرطوم، ومقرهم بحي الرياض وسط الخرطوم، إلى جانب مقرات الهيئة في سوبا جنوب شرقي العاصمة ومدينة الأبيض غرب السودان، وبمدينة القضارف شرقي السودان، وكانت قوة من هيئة العلميات بدأت في إطلاق الأعيرة النارية من داخل المقار، قبل أن يخرج بعض العناصر إلى الشوارع لإغلاقها؛ مما أدى إلى ترويع المواطنين وخلق حالة من الفوضى والذعر في شوارع العاصمة الخرطوم .
وحول المتسبب في هذه الفوضى، تشير أصابع الاتهام فيما حدث الى بعض عناصر “هيئة جهاز المخابرات العامة” القوة الأمنية التي كانت تعتبر الذراع الضارب في جهاز المخابرات لسنوات، ويصل عدد عناصرها إلى حوالي 13 ألف جندي، والتي جرى حلها قبل عدة أشهر خلال أغسطس2019، بقرار من المجلس العسكري – وقتذاك، وذلك في إطار إعادة هيكلة الجهاز، فيما خيّر أفرادها بين أربعة خيارات: الانضمام إلى الجيش أو الدعم السريع أو البقاء في المخابرات أو إنهاء الخدمة والحصول على المكافأة، فأختار الكثير منهم الخيار الأخير، ولكنهم أعترضوا على قيمة المكافأة المالية وفوائد ما بعد الخدمة واعتبروه أقل مما يجب أن يتلقوه.
تطورات سريعة
توقف العمل بحقول النفط:
أعلن وزير الطاقة والتعدين السوداني عادل علي إبراهيم، استرداد القوات المسلحة لحقلي “حديدة وسفيان” بغرب كردفان، من أفراد هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات سابقاً، بعد ان اقتحمت يوم الثلاثاء قوة مسلحة من هيئة العمليات المنطقة الخاصة بحقول حديدة وسفيان التي تقع غرب منطقة الفولة وبليلة، واحتلت القوات منطقة تجميع النفط الخام في المجمع، وبعد ساعتين من الدخول أجبرت المهندسين والفنيين على قطع التيار الكهربائي، وتم إخلاء الموظفين والمهندسين من المنطقة، وولكن تم إحتواء الموقف بعد تفاوض مع أفراد هيئة العمليات حتى الساعات الأولى من صباح يوم “الأربعاء”، وتمت إعادة التيار الكهربائي وبدأ الإنتاج، وليست هناك أي خسائر في الارواح أو معدات الموظفين. وقامت القوات المسلحة بإجلاء العناصر المتمردة من المنطقة، فيما تقوم القوات المسلحة بعملية التسليم والتسلم لأسلحتهم، وسيتم ترحيلهم للخرطوم.
تعليق الرحلات بمطار الخرطوم:
نظراً لوجود مطار الخرطوم بالقرب من محيط إطلاق الرصاص، قامت الجهات المسؤولة بوقف اقلاع وهبوط عديد من رحلات الطيران، وتم توجيه بعض الرحلات الى مطار “بورتسودان”، كما أصدرت سلطة الطيران المدني نشرة دولية بإغلاق مطار الخرطوم أمام الملاحة الجوية لخمس ساعات، كإجراء احترازي لسلامة الطيران طبقا للقوانين الدولية، وفي صباح الاربعاء تم إعادة فتح المجال الجوى بعد سيطرة الجيش على كل المقار.
السفارة السعودية بالسودان تحذر رعاياها:
أصدرت سفارة المملكة العربية السعودية في السودان بيانا بشأن الأحداث التي تشهدها العاصمة الخرطوم. وقال الحساب الرسمي للسفارة في الخرطوم، “تطلب السفارة من جميع السعوديين الزائرين والمقيمين بجمهورية السودان أخذ الحيطة والحذر والبعد عن المواقع التي تشهد عمليات أمنية من السلطات السودانية”.
ردود أفعال داخلية
تجمع المهنيين السودانيين:
من جانبه دعا تجمع المهنيين السودانيين، في بيان له على صفحته الرسمية في “فيسبوك” جميع المواطنين الموجودين في المناطق التي شهدت احتجاجات منسوبي هيئة العمليات بجهاز الأمن، بأخذ الحيطة والحذر والدخول إلى المنازل وإغلاق الأبواب والنوافذ بإحكام وعدم الاقتراب منها حتى تستقر الأوضاع، وأكد على رفض أية محاولة لخلق الفوضى وترويع المواطنين واستخدام السلاح مهما كانت المبررات.
كما دعا البيان، أجهزة الدولة النظامية للتدخل فوراً لوقف هذه العمليات غير المسؤولة التي تسببت في تصدير القلق للمواطنين داخل الأحياء، وناشد لجان المقاومة وقوى الثورة بعدم التدخل ومراقبة الأوضاع إلى حين استقرارها.
حمدوك يطمئن السودانيين:
من جانبه، قال حمدوك في تغردية على “تويتر”: نطمئن مواطنينا أن الأحداث التي وقعت اليوم تحت السيطرة وهي لن توقف مسيرتنا ولن تتسبب في التراجع عن أهداف الثورة”، وأوضح أن “الموقف الراهن يثبت الحاجة لتأكيد الشراكة الحالية والدفع بها للأمام لتحقيق الأهداف العليا. كما نجدد ثقتنا في القوات المسلحة والقوات النظامية وقدرتها على السيطرة على الموقف.
وزير الإعلام السوداني: احتجاج محدود:
في بيان بثه التلفزيون الرسمي السوداني يوم الثلاثاء، أكد وزير الاعلام السوداني أن ما حدث ليس سوى “حركة احتجاج محدوده” يجري التعامل معها من قبل القوات الجهات المسؤولة، وأضاف أن “القوات المسلحة والقوات النظامية تطمئن الشعب أنها قادرة على حسم “التمرد” وتأمين المواطنين والمنشآت”.
وقال البيان إنه سيعمل على تقييم ومعالجة الأحداث وفقاً لمتطلبات الأمن القومي للبلاد، وجاء هذا البيان لينفي ما تم تداوله من أنباء عن وجود حالة تمرد في صفوف القوات التابعة لهيئة العمليات في الاستخبارات في العاصمة السودانية الخرطوم.
وناشد وزير الإعلام المواطنين “بالابتعاد عن المواقع وترك الأمر للقوات النظامية لتأمين الموقف”.
إنهاء مؤقت للأزمة
أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، في مؤتمر صحفي مشترك في الساعات الأولى من فجر الاربعاء بجانب رئيس مجلس الوزراء دكتور عبدالله حمدوك، أن كل مباني المخابرات باتت تحت سيطرة الجيش، بعد ساعات من الاشتباكات مساء الثلاثاء بين الجيش وعناصر من هيئة العمليات في عدد من مقار الأخيرة، ويذكر انه في وقت سابق بذلت القيادة العسكرية السودانية جهودا كبيرة لوقف هذا التصرف بالطرق السلمية وتم امهال المجموعات المتحصنة بمقار هيئة العمليات في الخرطوم 4 ساعات لاخلائها، ولكن عندما فشلت المساعي السلمية، قررت القيادة اقتحام المواقع باستخدام اقل قوة ممكنة في وقت متزامن وفق خطة محكمة لإزالة هذا التمرد وبأقل الخسائر.
وفي صباح يوم الأربعاء عاد الهدوء الى العاصمة الخرطوم بعد ليلة من التوتر عاشها المواطنون، ولكن قوات الجيش الوطني السوداني أكدت ان الأمن بات مستتبا وان ما حدث لن يتكرر ولن يمر دون محاسبة.
وقوع قتيلين وعدد من الإصابات
في هذا الإطار، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية عن سقوط عدد من الإصابات جراء إطلاق هيئة العمليات بجهاز الأمن الرصاص الحي داخل الأحياء يوم الثلاثاء، حيث تم تسجيل أربع حالات إصابة حالتهم مستقرة بينهم فرد من القوات المسلحة أصيب بطلق ناري في الكتف والصدر يوم الثلاثاء، بالاضافة الى إصابة مواطن خامس بشظايا في صدره أثناء عملية اقتحام المقار.
كما كشفت القوات المسلحة السودانية، عن استشهاد اثنين من العسكريين وإصابة أربعة آخرين في عمليات السيطرة على مقار هيئات العمليات، فيما تداول مجموعة من النشطاء معلومات حول مقتل أربعة من أفراد هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني سابقاً.
المؤبد أو الإعدام تنتظر المتورطين
أشار النائب العام السوداني “تاج السر” أن ما حدث من منسوبي هيئة العمليات يُعد جريمة تمرد كاملة الأركان، ويجب تقديم مرتكبيها إلى محاكمات عاجلة، بناء على المادة 56 التي تنص على عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لكل من يتآمر أو يحرض بالتآمر على الدولة وأجهزتها.
إلى ذلك، شدد النائب العام على وجوب إجراء التحقيقات اللازمة للكشف عما حدث بكل أبعاده، مع ضرورة الإسراع في رفع الحصانات وتقديم المتهمين للمحاكمات العادلة عن الجرائم التي ارتكبوها في حق المواطنين.
تشكيل لجنة للتحقيق
أعلن رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في البيان الذي ألقاه صباح الاربعاء، تشكيل لجنة تحقيق مشتركة لمعرفة المحرضين والمخططين ومستخدمي السلاح في التمرد الذي وقع الثلاثاء، مؤكدا أن كل من ارتكب جرم يجب أن يعاقب عليه، وأن المجلس لن يتهاون مع من يعبث بأمن واستقرار البلاد.
وشدد البرهان على أن البلاد ستتصدى لكل محاولة لإجهاض الثورة، ولن تسمح بأي انقلاب على الشرعية الثورية.
مطالب مالية أم تمرد أم محاولة إنقلاب فاشلة
أشار النائب الأول لرئيس المجلس السيادي، قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول “محمد حمدان دقلو حميدتي”، خلال مؤتمر صحفي عقده اليوم الثلاثاء بمقر إقامته في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، إلى توافر معلومات حول سعى بعض القيادات العسكرية والسياسية للإطاحة بالحكومة، وتعهد بمحاسبة كل المتورطين فيما حدث الثلاثاء بالخرطوم، واتهم حميدتي عناصر من حزب المؤتمر الوطني المنحل، والرئيس السابق للمخابرات “صلاح قوش”، بتنفيذ مخطط تخريبي والضلوع في تأليب عناصر هيئة العمليات التي كانت تتبع لجهاز المخابرات واستغلالها لإثارة الفتنة والتمهيد للانقلاب على الحكومة الانتقالية، بينما ربط ما حدث من عناصر هيئة المخابرات المنحله بالمظاهرات التي تحدث في مناطق متفرقة في البلاد ودعوات الزحف الأخضر يومي 18 و26يناير المقبلين.
جدير بالذكر أن الجهاز كان يتولاه صلاح قوش الذي استقال بعد الإطاحة بالبشير في 11 أبريل 2019، وعمل قوش في جهاز المخابرات خلال فترات مختلفة منذ انقلاب العام 1989 الذي أوصل البشير إلى الحكم، وسبق أن شغل رئاسة المخابرات قبل أن يطاح به في أغسطس2009. وقد سُجن بتهمة التخطيط للانقلاب على الرئيس السوداني قبل أن يعفى عنه، مما يدعم وجهة نظر “حميدتي” بمطامع “قوش” في السلطة.
ولكن يظل كل ما يثار مجرد اتهامات ليس لها دليل حقيقي وملموس حتى الآن لحين انتهاء التحقيقات وكشف كل ملابسات القضية ومن ثم معاقبة المتورطين.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



