أفريقيا

لماذا تصاعد نشاط “حركة الشباب الصومالية” مؤخرًا؟

شهدت الأسابيع الأخيرة، تصاعدت لهجمات “حركة الشباب الصومالية”، التي لم تقتصر على الأراضي الصومالية، بل امتدت لبعض الدول المجاورة، ما يجعل الحركة تقدم نفسها على أساس أنها واحدة من أكثر الحركات الإرهابية نشاطًا وخطورة، ولا سيما بعد سنوات من الحرب ضدها، والتي شارك فيها أطراف دولية وإقليمية. ومن ثّم، يُثير هذا النشاط تساؤلات عده حول طبيعية وقدرات تلك الحركة، ودوافع تصاعد نشاطها.

حركة الشباب الصومالية

هناك عدد من الملامح الأساسية الخاصة بحركة الشباب الصومالية”، يمكن تناولها في ضوء العناصر التالية:

  • النشأة والتشكيل:

 تعتبر “حركة الشباب الصومالية” التنظيم الإرهابي المسلح الأكبر والأقوى في الصومال. ويقودها في الوقت الحالي” أحمد عمر” المعروف أيضًا باسم أبو عبيدة الصومالي، وتدين بالولاء إلى تنظيم “القاعدة” منذ اعلان مبايعته له في عام 2012. تشكلت عام 2004 من العناصر الصومالية العائدة من القتال بجانب طالبان والقاعدة في أفغانستان، وذلك بعد اسقاط الولايات المتحدة لنظام طالبان، ويتراوح أعداد عناصرها بين 3000- 7000 عنصر وفقًا لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكي. وقد تم الإعلان عنها عام 2006 بصفتها “الذراع العسكري” لاتحاد المحاكم الإسلامية، الذي كان يسيطر على العاصمة الصومالية “مقديشيو” آنذاك، غير أنها أعلنت انشقاقها عن “اتحاد المحاكم الإسلامية” في عام 2007 بعد تحالف الأخيرة مع المعارضة الصومالية.

  • صعود وهبوط

مع بداية تشكيلها نجحت الحركة في تحقيق انتصارات على الأرض، لكنها سرعان ما تكبدت خسائر بعد التدخل العسكري لأثيوبيا في الصومال وبدعم من قوات الاتحاد الأفريقي التي استعادت السيطرة على العاصمة مقديشيو عام 2008، غير أنه مع انسحاب القوات الأثيوبية في عام 2009، استعادت نشاطها ونفوذها مرة أخري. وفي الفترة من 2011 إلى 2016 واجهت الحركة تحديات كبري متمثلة في شن قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال هجمات عده استهدفت معاقل الحركة في أنحاء مقديشو، تزامن ذلك مع مغادرة المقاتلين الأجانب الصومال للانضمام لصفوف تنظيم “داعش”، ناهيك عن تصاعد الخلافات الداخلية بين عناصرها. وعلى الرغم من تلك التحديات التي تعرضت لها، إلا أنها نجحت في تنفيذ اغتيالات وهجمات انتحارية بارزة في عامي 2013 و2014. وقد شهد عام 2017 “صحوة جديدة” للحركة، إذ تصاعدت وتيرة هجماتها الإرهابية، وحدث توسع جغرافي في نطاق الاستهداف، وقد استمر هذا النشاط في التصاعد حتى الأسابيع الأولى من عام الحالي.

  • عوامل البقاء والاستمرار: 

هناك عوامل عدة ساعدت على استمرار الحركة يتعلق أولها بالخصائص والسمات الرئيسة للحركة؛ إذ تميزت بالمرونة والديناميكية، واستطاعت إعادة بناء نفسها، ونجحت في اجتذاب عناصر جديدة، كذلك عملت على التطوير المستمر لأدواتها، حيث استخدمت تكتيكات حديثة متطورة أكثر تأثيرًا. ناهيك عن ارتباطها بالجريمة المنظمة لتوفير مصادر تمويل جديدة لها. وينصرف ثانيها إلى تحديات التي تواجهه الدولة الصومالية، على خلفية ضعف الحكومة المركزية وعدم قدرتها على القيام بوظائفها التقليدية، وعلى رأسها الوظيفة الأمنية. أضف إلى ذلك حالة عدم الاستقرار السياسي، وانتشار تجارة السلاح، وتجارة المخدات.

  • تهديدات متنامية: 

طبقًا لمؤشر الإرهاب العالمي الصادر عام 2019، ارتكبت “حركة الشباب” في عام 2018، 286 هجومًا إرهابيًا، وقع منهم ما يقرب من 98 هجومًا في العاصمة “مقديشو”. وكانت مسئولة عن وفاة 586 شخصًا بما يعادل 91% من إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب في الصومال في عام 2018. كذلك اعتبرت الأمم المتحدة في تقرير صدر عنها في نوفمبر 2019 أن حركة “الشباب” الصومالية لا تزال أكبر تهديد مباشر للسلام والأمن في الصومال خصوصاً، ومنطقة القرن الأفريقي بشكل عام. وأشار التقرير ذاته إلى أنه في الفترة من يوليو 2018 وحتى يوليو 2019 نفذت حركة “الشباب” 548 هجوما بالعبوات الناسفة في الصومال بزيادة 39 % بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق.

دوافع متعددة

هناك عدد من الدوافع المتعلقة بتصاعد نشاط حركة الشباب مؤخرًا، والتي يمكن استعراضها في النقاط التالية:

  • التنافس الجهادي:

 سعى تنظيم “داعش” إلى إيجاد مناطق نفوذ جديدة بعد تراجعه في سوريا والعراق، بهدف تجاوز هزائمه، واستعادة نشاطه، لذلك كان الانتقال الاستراتيجي للتنظيم إلى منطقتي آسيا وإفريقيا لما يتوافر في تلك المناطق من عوامل محفزة للإرهاب والتطرف؛ حيث الصراعات الطائفية، والانقسامات العرقية، والتباينات الدينية. وتجدر الإشارة إلى أن تمدد تنظيم “داعش” في آسيا وأفريقيا هو تمدد في مناطق نفوذ تاريخية وتقليدية لتنظيم “القاعدة”، ما يعزز حالة الصراع بينهما. ومن ثم، يمكن القول أن تصاعد النشاط الإرهابي “لحركة الشباب الصومالية” التابعة لتنظيم “القاعدة” يهدف إلى تأكيد نفوذها في المنطقة في ضوء التنافس الجهادي بين التنظيمين.

  • استقطاب عناصر جديدة:

 تهدف الحركة إلى استقطاب عناصر إرهابية جديدة، ولا سيما مع الهزائم التي تعرض لها تنظيم “داعش” في مناطق نفوذه التقليدية، ما ترتب عليه فرار الاف من المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى “داعش”. وتشير التقارير إلى أن أغلب هؤلاء المقاتلين توجه إلى نحو القارة الأفريقية، ما يمثل أرض خصبة لتجنيد، تستطيع الحركة الاستثمار فيها، واجتذاب عناصر جديدة ذات خبرات قتالية عالية ونوعية.

  • عرقلة العملية السياسية:

 تهدف الحركة من تصعيد هجماتها الإرهابية إلى استهداف الاستحقاقات السياسية المقبلة، إذ انه من المقرر أن تشهد الدولة الصومالية إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2020/2021. ومن ثّم، يمكن القول إن أحد الأهداف التي تسعى إليها الحركة هو محاولة إفشال العملية السياسية، وتعطيل عملية التحول الديمقراطي، عن طريق تصدير حالة من الخوف، والتأثير على معدل المشاركة في هذه الاستحقاقات السياسية والانتخابية المهمة، ما يؤثر في المجمل على شرعية نتائج الاستحقاقات.

  • استهداف القوى الدولية:

 تعد منطقة القرن الإفريقي ساحة للتنافس القوى الكبرى؛ حيث التنافس الأمريكي الصيني على النفوذ في المنطقة، ناهيك عن سعى عدد من القوي الدولية لإيجاد موطئ قدم لها من أجل بسط الهيمنة من جهة، واستغلال الموارد الطبيعة من جهة أخرى، ما يدفع حركة الشباب إلى تعزيز نشاطها من أجل استهداف مثل تلك القوى.

ختاما

 من المرجح أن يتصاعد إرهاب “حركة الشباب الصومالية” في منطقة القرن الأفريقي. وذلك في ضوء عدد من المحفزات؛ يتعلق أولها بالخصائص التي تتميز به الحركة والمتمثلة في قدرتها على التكيف والمناورة. ويتصل ثانيها بالتحديات الداخلية التي تواجه الدولة الصومالية، حيث ضعف المؤسسات الأمنية. وينصرف ثالثها إلى مغادرة عدد كبير من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي من الصومال بحلول عام 2021. 

+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

تقى النجار

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى