الصحافة الدولية

هل يمهد مقتل “سليماني” حظر “حزب الله” في أوروبا؟

تتخوف العواصم الأوروبية من تداعيات حالة عدم الاستقرار التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط، في سياق التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني”، ومرافقيه بالقرب من مطار بغداد الدولي، وتوعد إيران بالثأر انتقامًا من واشنطن؛ حيث جاء أو ل رد بشن هجومًا عسكريًا من قبل قوات الحرس الثوري على قاعدتين عسكرتين للقوات الأميركية (عين الأسد-أربيل) في العراق.  

بجانب استمرار تهديد وكلاء طهران في المنطقة باستهداف المصالح الأميركية؛ حيث أوضح “يد الله جواني” رئيس المكتب السياسي للحرس الثوري، “على واشنطن مواجهة محور المقاومة في إشارة إلى المليشيات والجماعات التي تدعمها طهران في المنطقة مثل حزب الله اللبناني، الحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق”.

رد فعل “حزب الله اللبناني” على مقتل “سليماني”

لعب “سليماني” دورًا بارزًا في دعم وتدريب وتسليح “حزب الله”، علاوة على التنسيق بين إيران ولبنان، وقد تجسد في مشاركته في حرب 2006، لمتابعة التطورات الميدانية، لذا فقد أثار ت العملية العسكرية الأميركية حالة من الغضب؛ إذ أعلن “نعيم قاسم” نائب الأمين العام لـ “حزب الله” اللبناني، أن “حسن نصر الله” أمين عام الحزب “سينتقم لدماء قائد “فيلق القدس”، مؤكدًا أن أميركا ستكتشف إنها ارتكبت حماقة كبرى، وأن حساباتها لتغيير المنطقة خاطئة”.

وأكد “نصر الله” سابقًا أن تاريخ مقتل “سليماني” سيكون تاريخًا فاصلًا بين مرحلتين في المنطقة، متوعدًا لواشنطن بأنها سيدفع الثمن، ومشيرًا إلى أن عملية العسكرية التي استهدفته بهذه الطريقة العلنية، جاءت للتغطية على إخفاقات واشطن في المنطقة، وفشلها في ردع النظام الإيراني، وسحب قواتها من سوريا، وتراجع دعمها للأكراد مقابل التدخل العسكري التركي، مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأميركية، وذلك إبان حفل تأبين “سليماني” أقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل “حزب الله”.  

كما أوضح في كلمته أنّ “سليماني ليس شأنًا إيرانيًا، ولكنه يعني كل محور المقاومة في فلسطين، لبنان، سوريا، والعراق، واليمن، وأفغانستان”. داعيًا إلى أن يكون الردّ من كل “محور المقاومة” في المنطقة، لكي يدرك “ترامب” إنه خسر المنطقة وسيخسر الانتخابات”. وجاءت تصريحاته بعد يوم من إجراء مقابلة مع زينب سليماني، ابنة قاسم سليماني، على قناة المنار التلفزيونية التابعة لحزب الله. قالت إنها تثق في نصر الله. وأضافت “أعرف أنه سينتقم لدم أبي”.

موقف القوى الأوروبية من “حزب الله”

جدد مقتل “سليماني” المخاوف الأوروبية من إمكانية استهدافهم من قبل عملاء “حزب الله”، متجسدة في الدعوات للتوقف عن الفصل ما بين الذراع السياسي والعسكري لحزب الله، لكي يتم التعامل معه بشكل كامل، ووضعه في قائمة الإرهاب التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي، لكي يتم حظر أنشطته، وتجميد أصوله وأمواله في أوروبا.

وعليه فقد طالب “بنجامين شتراسر” عضو البرلمان الألماني باتخاذ تدابير أكثر تشددًا تجاه “حزب الله” للتصدي لأي هجوم محتمل ردًا على مقتل “سليماني”، وذلك من خلال حظر أنشطته في ألمانيا، فيما حذر البرلماني “كونستانتين كوهل” من استهداف برلين من خلال عمليات إرهابية من قبل طهران داخل الأراضي الألمانية.

كما تم انتقاد مراسم تأبين “سليماني” في برلين، بمسجد “الإمام رضا” التابع لحزب الله في حي نيوكولن في برلين، بحضور ما يقرب من 100 شخص من أنصار الحزب، وتضمن نشر عدد من الافتات لسليماني وأبو مهدي المهندس، مع الترويج للعملية الأميركية بإنها “هجومًا إرهابيًا”. 

وذلك بعد أن أوصى البرلمان الألماني بأغلبية غير ملزمة للحكومة بحظر جميع أنشطة حزب الله، في 19 ديسمبر 2019، نتيجة توظيف أذرعه داخل برلين للتجنيد أتباع جدد، ومزاولة التجارة غير المشروعة مثل “تهريب المخدرات” لتكون مصدر دعم مالي لعملياته العسكرية، علاوة على تطويقه للجالية اللبنانية من خلال وكلاءه المتمركزين في برلين، وتقدر أعداد العناصر التابعة له في ألمانيا ما يقرب من 1050 عنصر.

ويذكر أن الاتحاد الأوروبي أدرج الذراع العسكري لـ “حزب الله”، على قائمة الإرهاب في 2013، أما المملكة المتحدة فقد صنفت وحدة الأمن الخارجي والجناح العسكري لحزب الله في عامي 2001 و2008، كما تم حظر الذراع السياسي له في 2019. ولكن مازالت دول الاتحاد منقسمة حول التعاطي مع دعوات إدراج الذراع السياسي على قائمة الإرهاب، خوفًا من انعكاس ذلك على العلاقات مع الدولة اللبنانية، لإنه أصبح فصيل سياسي مؤثر على عملية صنع واتخاذ القرار اللبناني بعد أن أصبح له وجود في البرلمان اللبناني، وجزء من الحكومة الوطنية في البلاد.  

حدود التأثير على الداخل الأوروبي

تتزايد التكهنات بشأن الخطوات المقبلة لحزب الله في منطقة الشرق الأوسط، وإمكانية الانتقام داخل العواصم الأوروبية، وذلك في سياق حالة عدم الاستقرار الداخلي في لبنان. وعليه تحمل تصريحات “نصر الله” عدد من الرسائل التي تعكس قدراته على الصعيد الإقليمي والدولي، كما توحي بمدى تأثير “سليماني” في دعم وتطوير حزب الله ليصبح واحدًا من أعظم حلفاء إيران.

 وعليه من المحتمل أن يكون خيار الحزب هو مواصلة البراجماتية في تفاعلاته الداخلية والخارجية، تجنبًا للمواجهة المباشرة. وأن تكون استراتيجيته القادمة هي الحفاظ على كفاءته، والشبكات الممتدة له داخل الأراضي الأوروبية، لكي يستفيد من بقاءها، ومن التدفقات المالية التي ترسل من خلالها تكون مصدرًا لعملياته القادمة، التي ستكون بالتنسيق مع طهران.

في المقابل تسعىأوروبا إلى نزع فتيل التصعيد من خلال تبني الجهود السياسية والدبلوماسية بدون اتخاذ موقف حاد تجاه حزب الله اللبناني حتى لا يكون دافعًا له لتقويض الأمن الأوروبي، هذا بجانب تواصل بعض القوى الأوروبية مع الأطراف المعنية بالتوترات في منطقة الشرق الأوسط، لبحث سبل التسوية السلمية تجنبنًا للتصعيد العسكري. فقد تواصلت فرنسا مع طهران، لبحث الأوضاع في المنطقة، والدعوة إلى ضبط النفس.

 فيما حذرت المملكة المتحدة من التصعيد المحتمل لإنه سينعكس على طهران، وسيفرض عليها عزلة دولية، وفيما يتعلق بألمانيا فقد قامت “أنجيلا ميركل” ببحث سبل التهدئة والتعاون مع الحلفاء، كما عقدت مؤتمر مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في موسكو للنقاش حول الأوضاع في المنطقة بصفة عامة، وإيران بصفة خاصة؛ حيث أكدت على ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني، في ظل إعلان طهران تخليها عن بنود الاتفاق. وذلك لوقف أي تصعيد محتمل قد ينعكس على أمنهم الإقليمي بشكل عميق، أو يتم استهداف مصالحهم في الشرق الأوسط، قد يتجلى في عرقلة تشكيل الحكومة في لبنان، والتأثير على عملية اتخاذ القرار اللبناني بما لا يتوافق مع القوى الأوروبية.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

آية عبد العزيز

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى