الصحافة الدولية

“قناة إسطنبول” المائية..كارثة اقتصادية وتلويح أمريكي بإجراءات أكثر صرامة

آخر ما حدث كان انسحاب بلدية إسطنبول مما قيل أنه مشروع ” قناة إسطنبول” وهو ما جاء في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي ” تويتر” للمتحدث باسم بلدية إسطنبول التي يرأسها ” أكرم إمام أوغلو”. وذلك في مؤشر بلغ حده على الخلافات الدائرة بين حزبي العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري المحسوب على المعارضة التركية بشأن أضرار القناة التي يصر الرئيس التركي على إنشائها.

احتفالا بمئوية تركيا

شهد عام 2011 إعلان الرئيس التركي” رجب طيب أردوغان” إطلاق مجموعة من المشروعات القومية العملاقة التي تصب في زيادة إجمالي الناتج المحلي في البلاد، وكان ضمن المشروعات ” مطار إسطنبول الجديد” إلا أن المشروع الذي أثار أكبر قدر من اللغط هو مشروع قناة إسطنبول والتي تعتبر مجرى مائيا مواز لمضيق البسفور وقدرت تكلفة المشروع بـ15 مليار دولار ، وأعلن في ذلك الوقت أن الغرض الأساسي من القناة هو تخفيف الضغط على قناة البسفور التي استقبلت 53 ألف سفينة مدنية وعسكرية. وحسب الحكومة التركية فإن المشروع سيدر سنويا على الحكومة التركية حوالي 8 مليارات دولار خصوصُا وأن القناة لن تخضع لاتفاقية مونترو التي تنص على حرية الملاحة في مضايق البحر الأسود، ومن بينها البوسفور والتي كانت تمنع تركيا من تحصيل رسوم من السفن التي تمر في مضيق البسفور.

للمعارضة حسابات أخرى

على الجانب الآخر وقفت المعارضة التركية لمشروع ” القناة ” بالمرصاد، وركزت جهودها على رصد الأضرار البيئية الناجمة عن تنفيذ مشروع القناة. ومنها أن القناة ستؤدي إلى خلخلة التربة وإلحاق الضرر بمخزون المياه الجوفية في المناطق المحيطة بها وقد تؤدي إلى حدوث زلازل.

ونظرًا لمرور القناة عبر بحيرتي ” سازلي بوسنا” و ” تيركوز” فإن مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية سيتم تبويرها، كما سيشكل مشروع القناة تهديدًا لعذوبة المياه في المنطقة كما أن المباني التي سيتم تشييدها على ضفاف القناة ستغير من المناخ وسيزيد من الاحتباس الحراري.

وفتح أكرم إمام أوغلو ” رئيس بلدية المدينة” أشرس جبهات المعارضة عندما وصف المشروع بالكارثي ولم يكتف أوغلو بالتصريحات بل أتبع تصريحاته بأفعال كان أبرزها التخلي عن بروتوكول التعاون الذي أبرمته بلدية المدينة سابقا مع الحكومة التركية.  وختم هجومه على المشروع واصفا إياه بـ”التبذير غير المبرر”، وهو ما رد عليه أردوغان بدعوة أوغلو إلى “الاهتمام بشؤونه بعيدا عن المشروع”.

وأضاف أن الدولة التركية هي الجهة المعنية بالمشروع، وإن مسؤولية المؤسسات هي دعم الحكومة في قرارتها، مهددا بمحاسبة “من يتوانى في أداء مهامه”

أكرم إمام أوغلو أوضح أيضًا فيما أوضح من دواعي معارضته للمشروع أن حكومة حزب العدالة والتنمية، تخطط لإقامة 3 جزر جديدة في بحر مرمرة، لتشييد فيلات عليها وقصور ثم بيعها، مشيرا إلى أنه قد تم الترويج والتسويق للمشروع في معارض دولية.

الرهان الأخطر

وعلى هذه الخلفية لا يزال التراشق بين حزب العدالة والتنمية الحاكم والمعارضة مستمرة لأسباب عدة يأتي على رأسها ” تحقيق المكاسب السياسية” خصوصًا وأن المعارضة تستشعر أنها قادرة على إزالة الحزب الحاكم وذيوله لا سيما أن الوضع الاقتصادي متردٍ للغاية وأن العدالة والتنمية قد مني بهزيمة ساحقة إبان الانتخابات المحلية الأخيرة.

وعلى الجهة الأخرى فإن حزب العدالة والتنمية يبذل كل غال لتنفيذ رؤية 2023 لتحقيق ما وعد به أردوغان في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية. ولذلك يرى الكثير من المراقبين أن إنفاذ مشروع قناة إسطنبول من عدمه هو الرهان الأكبر على تسيد العدالة والتنمية للمشهد السياسي في تركيا.

تؤثر على موانئ الإمارات

على عكس الادعاءات بأن مشروع قناة إسطنبول سيؤثر على فاعلية قناة السويس المصرية، فإن إنشاء قناة إسطنبول يوجد نوع آخر من المنافسة مع الموانئ الإماراتية وتحديدًا لأن من أهداف القناة تدعيم التجارة بين الصين وأوروبا مما سيزيد من قدرة تركيا على المنافسة بحيث يخلق لها نقلة نوعية تمكنها من التحول إلى مركز للتجارة الإقليمية بدلا من دبي.

معارضة أمريكية

وجابهت قناة إسطنبول معارضة ضارية من الولايات المتحدة، فقد رأت الإدارة الأمريكية في مشروع القناة تناميًا للتعاون التركي الصيني خصوصًا مع وجود جسور وأنفاق وطرق سريعة بين البلدين لخدمة المشروع الصيني ” طريق الحرير” ولذلك فقد لوحت باتخاذ إجراءات صارمة تحول دون إنشاء القناة.

حول القناة 

بدأت أعمال التنقيب في مسار المشروع العام عام 2017، وانتهت أوائل عام 2018، حيث تعاونت وزارة النقل والملاحة البحرية في إطار المشروع مع عدد كبير من المؤسسات، أبرزها وزارات؛ البيئة، وشؤون الغابات، والمياه، والأغذية، والزراعة والثروة الحيوانية، والطاقة والموارد الطبيعية.

وسيتم بناء أرصفة الطوارئ في القناة لضمان حركة آمنة لمرور السفن، والاستجابة لحالات الطوارئ في حال وقوع حادث أو تعطل.

وسيشمل المشروع 6 جسور يحمل أحدها سكة حديدية، وسيتم بناء 4 جسور أخرى تصل بين طرفي القناة. ووضعت وزارة النقل الخطة الأولية للمشروع، في حين ستتكفل الشركة الفائزة بالمناقصة بمهمة إعداد مخطط التنفيذ.

 أحمد داوود أوغلو ينضم لطابور المعارضة

  بثت منصات تركية معارضة، فيديو أحمد داوود أوغلو، رئيس حزب المستقبل التركي ورئيس الوزراء السابق ، والقيادي السابق بحزب العدالة والتنمية ، يؤكد فيه أن مشروع قناة إسطنبول، الذى يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتنفيذه يعد كارثة تهدد حياة 82 مليون نسمة، حيث قال خلال الفيديو:  أن قناة إسطنبول ليست مشروع خيانة، بل مشروع جناية.

المشروع يثير شهية قطر

كشفت صحيفة  سوزجو  التركية، أن الشيخة موزة بنت ناصر  اشترت قطعة أرض تقدر مساحتها بـ44 فدانًا وتقع على طريق قناة إسطنبول، في ديسمبر من عام  2018، في صفقة سرية تمت بعد حوالي شهر من إنشاء الشيخة موزة  لشركة بمنطقة باشاق شهير بمدينة إسطنبول برأس مال يقدر بـ100 ألف ليرة تركية.

وأضافت الصحيفة المعارضة أن المجادلات بين أردوغان، ورئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، حول مشروع قناة إسطنبول، زاد من شهية المستثمرين العرب. إذ إن أفراد العائلة الأميرية في قطر قد اشتروا أيضًا عدة أراض على طريق قناة إسطنبول.

ويثير الانتباه أن الأرض ربما يكون قد تم شراؤها بسعر 12 – 13 مليون ليرة تركية، إذ إن السماسرة كانوا يبيعون المتر المربع الواحد بـ300 ليرة إلا أن القيمة الحالية للأرض تبلغ 20 – 25 مليون ليرة تقريبًا.   

وحول ما تم الكشف عنه قال أردوغان” إن “هذا أمر طبيعي، فدولة مثل إسبانيا تبيع أراض لأناس ورجال أعمال ورؤساء دول من مختلف أنحاء العالم، وكذلك الأمر في الولايات المتحدة وألمانيا”.

 وحسب محللين فلا يبدو أن الرئيس التركي يكترث كثيرًا بما تروج له المعارضة في بلاده، وسيبذل محاولات كثيرة للوصول إلى عام 2023 بوجود القناة ” قناة إسطنبول”.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى