ليبيا

الجيش الليبي يزحف باتجاه “مصراتة”.. واجتماعات دولية حول ملف ليبيا

على وقع العملية الخاطفة والناجحة للجيش الوطني الليبي في مدينة سرت والسيطرة عليها بشكل كامل، استمر تقدم وحدات الجيش باتجاه غربي المدينة نحو التخوم الجنوبية الشرقي لمدينة مصراتة، التي أصبحت هي الهدف المرحلي الأهم في الجبهة الشرقية للعاصمة طرابلس.

عملية سرت تتطور وتتوسع

تستهدف قوات الجيش في تحركاتها الحالية مناطق الوشكة وبوقرين وكوبري السدادة، وذلك لتحقيق ثلاثة أهداف ميدانية، الهدف الأول: هو تحقيق تماس مع وحدات الجيش المتواجدة شمالي منطقة الشويرف على الطريق بينها وبين مصراتة، والهدف الثاني: هو تحقيق تماس أيضاً مع وحدات الجيش المتواجدة جنوبي ترهونة باتجاه مدينة بني وليد، والهدف الثالث: هو الوصول إلى مدينة تاورغاء وبالتالي الوصول إلى البوابة الشرقية لمدينة مصراتة.

سلاح الجو الليبي نشط في هذه المنطقة خلال الساعات الماضية، ونفذ غارات على مصراتة وتاورغاء، بجانب جنوبي منطقة السدادة ومنطقتي الوشكة وبوقرين، بالإضافة إلى غارات على تجمعات لبعض الميليشيات في معسكر الجويبية جنوب مدينة نالوت، وغارة أخرى استهدفت رتل يتكون من 16 آلية تابعة لوحدات حكومة الوفاق على طريق زمزم – بونجيم. وتخوض وحدات الجيش الوطني معارك في هذه المناطق من أجل تطهيرها، وتمكنت خلال الساعات الماضية من دخول منطقة بوقرين والانتشار فيها. 

حاولت قوات حكومة الوفاق من خلال طلعتين للطائرات المسيرة تركية الصنع انطلاقا من مصراتة، استهداف وحدات الجيش المتقدمة في هذه المناطق، أغارت إحداها على عناصر تابعين للكتيبة 302 صاعقة، أثناء تقدمهم في منطقة (البويرات) غربي سرت، مما أدى الى استشهاد أربعة أفراد من الكتيبة، وإسقاط هذه الطائرة في وقت لاحق من جانب وحدات الدفاع الجوي للجيش الوطني. تعزيزات الجيش الوطني المتوجهة الي سرت مستمرة بهدف تدعيم دفاعات المدينة ومنع أية محاولات من جانب قوات حكومة الوفاق لدخولها مرة أخرى، وأخر هذه التعزيزات كان وحدات تابعة للكتيبة 114 مشاة.

خلال معركة السيطرة على سرت، وبعد ذلك تقدم الجيش الوطني في منطقتي الوشكة وبوقرين، تمكن من مصادرة كميات هائلة من الأسلحة والذخائر، خاصة من كتيبتي البرج والدبابات، منها عشرات الدبابات من نوعي (تي54) و(تي55)، بجانب عربات مدرعة تركية الصنع من نوع (كيربي 2)، وعربات مزودة برشاشات متوسطة، وذخائر متنوعة خفيفة ومتوسطة وخاصة بالدبابات، وصواريخ مضادة للدبابات.

من الفوائد الإضافية التي حققتها قوات الجيش الوطني من سيطرتها على سرت، تأمينها لقاعدة جوية متقدمة، وهي قاعدة القرضابية الجوية، والتي تم تعيين العميد طيار صالح البرعصي كقائد لها، وبدأت عمليات مكثفة لإصلاح مدارج القاعدة بهدف استغلالها في العمليات الجوية للجيش الوطني في الأيام المقبلة. كذلك تحقق من خلال هذه العملية تأمين ميناء سرت، وتمركٌز وحدات تابعة للبحرية الليبية فيه، لتستخدم الميناء كقاعدة انطلاق مهمة لتأمين الساحل الليبي، وهي نقطة هامة جداً في ظل المحاولات التركية لإرسال أعتدة وجنود الى طرابلس.

تقدمات ميدانية في المحاور الأخرى

في محور مطار طرابلس – معسكر حمزة، قامت وحدات الجيش الوطني بتطوير اتجاهات هجومها في هذا المحور، ليضاف إليها محور يتجه غرباً من منطقة كوبري الفروسية بأتجاه منطقة الكريمية، واستمر تقدم وحدات الجيش في المنطقة السكنية لحي الزهور شمالي جزيرة الفحم، وشهدت منطقتي كوبري الفروسية وشارع ولي العهد اشتباكات عنيفة خلال الساعات الماضية.

في محور صلاح الدين، استمر تقدم وحدات الجيش الوطني في الاتجاه الشمالي للمحور، على طريق خلة الفرجان والهضبة، وحققت قوات الجيش في اتجاه حي الزهور تقدم كبير خلال الساعات الماضية، كما دخلت الى محيط منطقتي جزيرة الشريف ومقبرة سيدي حسين في حي بوسليم

المحاولات التركية للتدخل في ليبيا تستمر

تتزايد الشواهد والتصريحات التي تؤكد على وصول طلائع ضباط الجيش التركي الى ليبيا، منها ما قاله أحد الأسرى الذين ألقت القبض عليهم وحدات الجيش الوطني في محاور طرابلس الجنوبية. يضاف الى هذا تصريح جديد لناصر عمار، قائد قوة الإحتياط التابعة لحكومة الوفاق، يؤكد فيه وصول أول القطاعات العسكرية التركية إلى طرابلس. 

التصريح الأهم في هذا الإطار كان للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي صرح لصحيفة (حرييت) التركية، ان بلاده أرسلت بالفعل 35 جندي لدعم حكومة طرابلس، لكنهم لن يشاركوا في المعارك الفعلية، وهذا يؤكد ما قاله سابقاً عن ان القتال في ليبيا لن يكون من اختصاص وحدات تركية، بل وحدات أخرى (ملمحاً الى أفراد الميليشيات القادمين من سوريا).

في هذه الأثناء تستمر عمليات ترحيل أفراد الميليشيات السورية الى ليبيا، عبر رحلتين مدنيتين يوميتين تابعتين لشركات طيران ليبية. عمليات الترحيل هذه أدت موجة من الغضب في صفوف أفراد الميليشيات المتواجدين في الشمال السوري، حيث اتضح أن عمليات الترحيل تتم دون تنسيق مع أي من الفصائل المسلحة الموجودة في سوريا، عدا فصائل (المعتصم والسلطان مراد والحمزة)، التي تعد هي منبع من تم إرسالهم من مقاتلين الى سوريا حتى الآن، والذين يتلقون مرتبات تصل الى 2000 دولار شهرياً، أي ما يعادل 40 ضعف ما يتلقونه من مرتبات في سوريا.

على المستوى السياسي، لم تسفر زيارة وزير الخارجية التركي الى الجزائر عن تحول ملحوظ في الموقف الجزائري، فتركيا حاولت أن تلعب على وتر اقتراب الجزائر سياسياً من حكومة الوفاق لأسباب عديدة، على رأسها الأسباب الاقتصادية، وذلك بهدف جعل الجزائر تتخذ خطوات عملية أو حتى على مستوى التصريحات، تقدم فيها دعم ملموس لحكومة الوفاق، لكن هذا على ما يبدو لم يتعد حاجز (إدانة التدخلات الخارجية بشكل مطلق في ليبيا)، (والدعوة الى اجتماعات أخرى من أجل البحث عن حل سلمي للملف الليبي).

تونس من جهتها جددت التأكيد على مواقفها فيما يتعلق بالملف الليبي، وذلك على لسان المتحدثة باسم الرئاسة التونسية رشيدة النيفر، التي قالت في تصريحات إذاعية أن بلادها لن تسمح باستخدام أراضيها كمعبر للتدخل العسكري في ليبيا. وكان لافتاً مصادرة الداخلية التونسية لعدد كبير من بنادق الخرطوش تركية الصنع، كان سيتم تهريبها الى ليبيا.

نشاط دبلوماسي دولي وإقليمي متصاعد حول الملف الليبي

في هذه الأثناء انعقدت اليوم عدة لقاءات دولية وإقليمية مهمة تتعلق بالشأن الليبي، يتقدمها الاجتماع الخماسي الذي ينعقد بين مصر واليونان وقبرص وفرنسا وإيطاليا في القاهرة، ويتوقع أن تخرج من خلاله مواقف مهمة تتعلق بالمسار السياسي للأزمة الليبية، والتدخلات التركية في هذا الملف. كذلك انعقد في الاتحاد الأوروبي اجتماع بين منسق السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي وممثلي كل من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، وتم الأعلان من خلال هذا الاجتماع عن الرفض التام لأي محاولات تركية لإرسال قوات الى ليبيا.

إيطاليا كان لها نشاط واضح في هذا الملف، فقد استضاف رئيس وزرائها اليوم قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر في روما، ويتوقع خلال الساعات القادمة أن يصل رئيس حكومة الوفاق فائز السراج الى روما أيضاً، وسيزور في وقت لاحق وزير الخارجية الإيطالي الجزائر.

من الملاحظات المهمة المتعلقة بالمسار السياسي للشأن الليبي، التقارب الواضح في وجهات النظر بين كل من موسكو وواشنطن، فأمس صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيتناقش حول هذا الملف مع روسيا، واليوم صرح الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن بلاده مستعدة لمناقشة هذا الملف مع واشنطن. هذه المواقف جميعها تتقاطع مع البيان المشترك الذي أصدره الليلة كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واللذان دعيا فيه إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا، يبدأ من اليوم الثاني عشر من الشهر الحالي. 

إمكانية تطبيق هذا الطلب على الأرض تبقى محل جدل، خاصة بعد عملية تحرير سرت من قبل الجيش الوطني الليبي، وبعد القرار الذي أصدره قائد الجيش الوطني منذ ساعات قليلة، والذي أعلن فيه عن توسيع منطقة الحظر الجوي فوق العاصمة طرابلس، لتشمل قاعدة معيتيقة الجوية، مما يعني فعلياً منع أي طائرات من الوصول الى طرابلس سواء كانت مدنية أم عسكرية.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى